2010/09/07
ذمـار..أمن متردٍ بلا قاعدة أو حراك.. وضحايا أبرياء تقابله سلطة عاجزة

قبل أيام قليلة فقط قالت وسائل الإعلام الحكومية أن محافظ ذمار يحيى العمري – في اجتماع المكتب التنفيذي لمحافظة ذمار - على ضرورة قيام الأجهزة الأمنية وقيادة السلطة المحلية بمديرية الحدأ بواجبها على أكمل وجه للعمل على ضبط قضايا الثأر واقتراح الحلول والمعالجات اللازمة لها, ما سبق لعله يكشف جزءًا من الصورة للحالة الأمنية في إحدى مديريات المحافظة وهي مديرية الحداء» التي تشهد عدداً من الحروب القبلية في عدد من مناطقها، وثارات يسقط فيها المواطنون فيما يشبه المسلسل الأسبوعي، وأحياناً اليومي، كل ذلك يجري دون أن تتخذ الأجهزة الأمنية أي إجراء باتجاه وقف نزيف الدماء في هذه المديرية، ما يعني أن تشديد العمري للأجهزة الأمنية والسلطة المحلية للقيام بواجبها «وعلى أكمل وجه» لا يعدو كونه كلاماً لا يصل إلى حدود الفعل، وهو ما بات معروفاً لدى الناس في هذه المحافظة.
وقوف قيادة محافظة ذمار على الأمن في الحداء، وتشديد المحافظ على ضبط الأمن واقتراح الحلول والمعالجات لها لا يعني أن بقية المديريات قد استطاعت الأجهزة الأمنية بالمحافظة أن تصل فيها بالأمن إلى حالة الاستقرار، فأغلب المديريات تشهد حروباً مشابهة، وإن بصورة أقل ضرراً، غير أن ما يثير الاستغراب أن تتحول عاصمة المحافظة إلى مسرح لعمليات القتل والحروب والثارات القبلية دون أن يقف المكتب التنفيذي للمحافظة عليها، خصوصاً أن من استساغوا إعمال أسحلتهم في شوارع مدينة ذمار هم في مأمن من أن تطالهم أجهزة الأمن حتى اليوم، وتزول الدهشة حين تدرك أن أغلب من يمارسون هواياتهم المسلحة داخل المدينة هم من النافذين ومشايخ القبائل الذين هم جزء من السلطة، أو أنهم مسنودون بمسئولين في السلطة، والأدهى أن يستندوا إلى قيادات أمنية.
وإذا ما ألقينا نظرة على الوضع الأمني في محافظة ذمار فإن حروباً قبلية –بعضها مزمنة- تأتي على المئات من المواطنين، فمديرية الحداء وحدها تعاني من أكثر من 10حروب، بعضها من ثمانينيات القرن الماضي، غير أنها تتوقف عدة أشهر لتعود حاصدة الأرواح، وأشرس هذه الحروب هي حرب البردون «أكبر قرى المديرية» التي أزهق أرواح 50شخصاً منذ 1997، وأضعاف هذا الرقم من المصابين، فضلاً عن تهدم المنازل وأضرار اجتماعية لا حصر لها، وإذا ما علمنا أن حرباً «بيت الحدم» و»بني أحمد» سقط فيها امرأتان فإن تطوراً خطيراً في الحروب أصبح مثار قلق، يعزوه الكثير إلى سقوط الأعراف القبلية، فضلاً عن الإنسانية.
أما مدينة ذمار فقد أصبحت مثار رعب لأبنائها وساكنيها خوفاً من الرصاص العشوائي المتطاير في كل اتجاه، فيكفي أن تعرف أن 12حادثة أمنية ومواجهة مسلحة قد وقعت داخل مدينة ذمار منذ بداية العام الجاري، سقط فيها أكثر من 14 قتيلاً وعشرات المصابين، بينهم أطفال ونساء، كانت أبشعها ما حدث في مارس حيث اعترض ثلاثة مسلحين مجموعة –أغلبهم من عائلة واحدة- يستقلون سيارة وأطلقوا نيران أسلحتهم باتجاههم عشوائياً فكانوا جميعهم ما بين قتيل ومصاب، غير أن الأسوأ هو سقوط طفلة في الثالثة من العمر مع والديها بصورة مقززة، ليغادر الجناة المدينة ومن نقاط التفتيش التي تبتز الناس وتستفزهم يومياً بلا أي أسباب مقنعة –حسب شكاوى الكثيرين-.
أن يسقط أحد أطراف النزاع في مواجهات مسلحة فأمر يمكن قبوله، غير أن ما لا يمكن استساغته أن يكون الضحايا أبرياء لا شأن لهم في النزاع، وهذا ما يثير سخط أبناء ذمار، آخرهم «عائد الزريقي» من أبناء تعز، طالته رصاصة في أحد الأسواق في مايو الماضي فيما كان طرفي إحدى القبائل يتواجهون بأسلحتهم، وبعد شهرين من بقاء الزريقي بثلاجة المستشفى ومن عجز أجهزة الأمن في ضبط غريم، مع أن الطرفين يجوبون بسيارتهم وأسلحتهم شوارع المدينة، تم دفن جثة الزريقي، وكان أولياء الدم وأقارب وزملاء المجني عليه قد قاموا خلال الفترة الماضية بعدد من الفعاليات الاحتجاجية والاعتصامات ومخاطبة العديد من الجهات الرسمية وغير الرسمية داخل المحافظة وخارجها للمطالبة بالجناة، أسفرت عن تحكيمهم قبلياً من قبل مشايخ بالمحافظة بعشر قطع سلاح، ومثـّل التحكيم القبلي المشايخ مشايخ كبار يشغلون مواقع رسمية رفيعة وأحد النواب.
أما الطفل «محمد سلمان الهجري» فقد أصيب مع والدته إصابات بالغة في يونيو الماضي، ليس في أحد الشوارع أو الأسواق العامة، بل داخل منزلهم، فقد عبرت الأعيرة النارية لرجال القبائل المتقاتلين نوافذ منزلهم لتستقر في أجسادهم، وغادر الجناة دون أن يوقفهم أحد.
وما يزال مسلسل القتل القبلي المسنود بنفوذ السلطة في المسرح المفتوح بذمار حتى هذا الأسبوع الماضي، حيث كان مستشفى الملكة أروى على موعد مع قتيل ومصاب تعرضا له أمام مجمع النيابات، كان المصاب يخضع لتحقيق مندوب من البحث فيما كان يعالج إصابته، وهو ما يتم مع الضحايا، ويتساءلون بمرارة: ترى متى سيخضع الجناة للتحقيق؟
لا شيء يمكن أن تضغط به للحصول على حقك سوى ممارسة نوع من الضغط الذي يمارسه الكبار، فقد لجأت قبيلة «الهجري» الذي أصيبت زوجته وأبنه داخل منازلهم إلى قطع الشارع العام في المدينة، وبذلك حضر مدير الأمن وتعهد بالقبض على الجناة، وحين أدرك أنه لن يفي بوعده أجرى اتصالاته لإقناع أحد أطراف النزاع بتحكيم الهجري، فكان أن تم تحكيمه بعدد من البنادق، حتى لا يعود إلى قطع الشارع، ومثل ذلك فعل أبناء الحداء وأغلقوا حديقة هران ومركز الرصد الزلزالي أسبوعاً كاملاً، وهكذا يدار الأمن في ذمار، حتى وصل الأمر إلى أن استنكرت أوساط سياسية واجتماعية ومنظمات مدنية الشهر قبل الماضي تحول المحافظ إلى وسيط لحل القضايا الأمنية، واعتبرت ذلك تنصلاً عن مسئولياته الدستورية والقانونية، وذلك على خلفية إجراء العمري اتصالات بعدد من المشايخ للتدخل في حل قضية نزاع مسلح.
أصبح متعارف عليه في ذمار أنك لا تستطيع حماية نفسك وأرضك إن لم تكن نافذاً أو مقرباً من نافذ، أو تستند إلى قبيلة قوية تسندك، أما الأمن فله مهام أخرى حتى إشعار آخر.
أما الاعتداءات الفردية فقصة أخرى، لم يسلم منها مدير فرع وكالة سبأ بذمار، ولا الصحفيون، ولا ممثلو منظمات المجتمع المدني، والطلاب، ناهيك عن انتهاكات أقسام الشرطة التي كثرت الشكاوى حولها، وما يعانيه الناس من ابتزاز ودفع اتاوات، ومحسوبية لا مثيل لها في أي مرفق حكومي.
مطلع هذا العام حاول طالب ومجموعة مسلحة تتبعه الاعتداء على عميد كلية العلوم الإدارية بجامعة ذمار، ولأنه نجل مسئول أمني بالمحافظة وشيخ قبلي، فقد وقفت أجهزة الأمن عاجزة أمامه، وحين زادت المطالبات بالقبض على الطالب، لجأت قبيلته إلى السيطرة على مبنى مديرية الحداء بزراجة وطردت كل من كان فيه، واستمرت السيطرة لأكثر من شهرين، وفشلت الوساطات، ومعها استغاثة السلطة المحلية بالمديرية وموظفيها في إنهاء السيطرة التي كان مبررها عدم قدرة قيادة المحافظة وأجهزة الأمن وقف الحروب في المديرية.
وحين وجه مدير التعليم العالي د.صالح باصرة مذكرة لرئيس جامعة ذمار لحثه على احترام القانون وملاحقة الجناة الذين اقتحموا الجامعة وحاولا الاعتداء على عميد العلوم الإدارية، وقال باصرة في مذكرته: «إن الوزراة لا تمانع في نقل أي من أساتذة الجامعة إلى جامعات في محافظات أخرى إذا لم يتوفر لهم الأمن في ذمار» أثارات المذكرة حفيظة المحافظ العمري واتهم باصرة في اجتماع خصص للوقوف على تداعيات القضية أنه «يريد إثارة المشاكل ونشر الفوضى في ذمار على غرار ما يجري في المحافظات الجنوبية» وأضاف: «باصرة وأمثاله يسوؤهم الأمان والاستقرار الذي تتمـتع به محافظـة ذمار».
يحاول الناس هنا أن يجدوا تفسيراً لما قاله وزير الداخلية في خطاب بحفل تخرج الدفعة من المركز التدريبي العام للشرطة بذمار ، وحضره رئيس الجمهورية، حيث أكد المصري في كلمته أن الأجهزة الأمنية ومن موقع المسئولية الملقاة على عاتقها لن تتهاون مع كل من تسول له نفسه المساس بأمن الوطن والنيل من سكينة واستقرار المواطنين، وقتها لم تكن مضت سوى ساعات على حدوث مجزرة بشعة على مقربة من مجمع المحافظة، ودوريات الأمن، وحتى تدركوا فداحة الوضع فأغلب الحوادث الأمنية التي سبق ذكرها لم يتم القبض على أي من الجناة.
كانت حادثة مواجهات أبناء مديرية عتمة ومدير أمنها ومرافقيه في مايو الماضي حديث وسائل الإعلام، حيث شكا أبناء المديرية شهور طويلة من ممارساته، رفضوه وأبلغوا الجهات المختصة بالمحافظة، وحذروا من عودته فيما يشبه الإجماع، إلا أنه عاد وحدثت مواجهات سقط فيها مصابين، ولم يحل المشكلة إلا تدخل مباشر من رئيس الجمهورية، فيما خرجت اللجنة المشكلة من قيادة المحافظة بنتائج تدين السلطة المحلية وأمن المحافظة، وهذا نموذج فقط لما يحدث في المديريات.
ومع كل ما سبق فإن من الصعوبة بمكان تصديق الأرقام الواردة حول الأمن في ذمار والتي ذكر منها أن نسبة ضبط الأمن خلال 2009 في المحافظ بلغ 98,27%، حيث جاء على لسان مدير الأمن «هراش» أن أجهزة الأمن في المحافظة حققت نجاحاً كبيراً في عملية ضبط المجرمين من خلال الخطة الأمنية والتنسيق القائم بين كافة الوحدات والإدارات والأجهزة الأمنية، وإذا ما أجرينا استقصاءً بين أبناء ذمار عن هذه الأرقام فإنها ستصبح في عداد الوهم.
وما يجب الإشارة إليه أن أصوات الرصاص في ذمار شيء اعتاد عليه الناس يومياً، فقضايا الأراضي أصبحت تنتج نزاعات يومية، يتصدرها نافذون ومشايخ كبار يشغلون مواقع في السلطة، فيما يبدي كثيرين مخاوفهم أن تفرز عصابات نهب أراضي المواطنين حراكاً من نوع ما، وهذه قضية أخرى لها أبطالها.

تم طباعة هذه الخبر من موقع الثورة نت www.althawra-news.net - رابط الخبر: https://althawra-news.net/news104242.html