2020/11/17
الباحثة اليمنية في الشأن الإيراني أمل عالم: النظام الإيراني يخطط لبقاء طويل في اليمن (حوار)
  • لا يمكن أن يستغني الحوثيين عن إيران إلا في حال سقوط نظام الولي الفقيه
  • ستبقى الأمور في حالة عدم استقرار إذا لم تحسم المعركة مع مليشيا الحوثي
  • الحوثيون لا يملكون رؤية لدولة وينظرون لنفسهم امتدادا للثورة الإيرانية
  • بوجود إيرلو ستتعزز ايدلوجيا إيران في اليمن ويتكثف استهداف السعودية


في هذا الحوار تجيب الباحثة اليمنية في الشأن الإيراني أمل عالم عن الكثير من التساؤلات ذات الصلة بالعلاقة الإيرانية مع مليشيا الحوثي ومستقبل العلاقة بينهما، ومآلات تعيين سفير لها في صنعاء، وأسباب عدم إدانة هذه الخطوة من المجتمع الدولي. 
وتتحدث الباحثة في الحوار عن مستقبل التواجد الإيراني في اليمن، ومتى يمكن أن يتوقف هذا التدخل، وكيف يمكن إيقاف هذا التدخل، وما يمثله ذلك من ضرورة لإنهاء الحرب في اليمن باعتبار أن مليشيا الحوثي ترى أنها تمثل امتدادا للثورة الإيرانية وأيديولوجيتها ولا تملك مشروع دولة.
والباحثة اليمنية أمل عالم، حاصلة على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة شهيد بهشتي الإيرانية بطهران، وحاصلة على شهادة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة حلب السورية، ولها العديد من الأبحاث التي تتناول النفوذ الايراني في اليمن.

حوار/ فارس يحيى


-    البداية من آخر الخطوات الإيرانية المتمثلة في إعلان تعيين سفير لها لدى مليشيا الحوثي .. برأيك ماهي دلالات هذا الإعلان؟
يمكن قراءة هذا التعيين من عدة زوايا، أراد النظام الإيراني إرسال رسائل من خلالها سواء من زاوية ما اعتادت عليه إيران من صناعة فوضى في المنطقة، خاصة وأن الاعلان عن وجود السفير الإيراني في صنعاء ترافق مع محاولات متلاحقة لتوجيه ضربات للمملكة العربية السعودية، أو من زاوية استعراض القوة في كسرها للقوانين الدولية والأعراف الدبلوماسية في تعيينها سفير من خلفية عسكرية ينتمي للحرس الثوري الإيراني لدى ميليشيات انقلابية وطريقة دخوله، أو من زاوية محاولاتها لإيجاد أزمة ثقة تؤثر على مساعي السلام من خلال فتح باب احتمالية دخول سفيرها عبر الطائرات الأممية، دلالات ورسائل متعددة إلا أن جميعها تصب في هدف واحد هو ضمان بقاء اليمن ساحة نفوذ مفتوحة لها وعلى أعلى المستويات في المستقبل.
إجمالاً، هناك تداخل وثيق بين السياسة الخارجية الإيرانية وبين إدارتها لأزماتها السياسية والاقتصادية من خلال ميليشياتها في المنطقة، ما يعني أن خطوة تعيين إيران سفيرًا لها لدى الحوثيين هي خطوة في سياق الاستراتيجية الإيرانية لمواجهة الضغوط المتزايدة عليها منذ مطلع العام الجاري ضمن آلية الضغوط القصوى الأمريكية، وتصاعد احتمالية توجيه ضربة عسكرية والخوف من الدخول في مواجهة مباشرة، كل ذلك يدفعها إلى شحذ وسائل وأدوات دفاعها الأخرى والتواجد على الأرض في مناطق نفوذها.
ومن ناحية أخرى، إيران بحاجة أكثر لأن تظهر كلاعب فاعل ومؤثر بشكل مباشر في الملف اليمني، لذلك هي تحتاج للبرهنة على وجودها على الأرض في اليمن وقدرتها على التأثير في مجرى الأحداث هناك وبما أنها تنكر وجودها العسكري فهي تبحث عن شكل آخر من أشكال التواجد على الأرض عن طريق إعلان وجود سفير لها في صنعاء. 

-    الخطوة الإيرانية بتعيين سفير لها في صنعاء كان يفترض أن تقابل برفض دولي لها؛ كيف تفسرين غياب المواقف الدولية المدينة لهذا الإعلان؟
ربما يعود ذلك إلى الجهود الإيرانية المستمرة على الساحة الدولية في تصوير الحرب اليمنية على أنها حرب طائفية قائمة على الصراع السني الشيعي، منذ بداية الحرب، حيث تعمل إيران على ترسيخ هذه التصور في الأوساط الدولية من خلال لوبي إيراني في مختلف الدول الغربية، منهم من يعملون في مواقع هامة ومراكز أبحاث ونشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، وجميعهم يعملون على دعم هذا التصور بين مختلف الأوساط الغربية.

-    ما هي انعكاسات وجود "إيرلو" في صنعاء على وضع ونشاط الحوثيين داخليا وخارجياً؟
من خلال متابعة اللقاءات والأنشطة  المكثفة والتي باشر فيها "حسن ايرلو" منذ الإعلان عن وجوده في صنعاء نلاحظ أن هناك أهداف تريد إيران تحقيقها في اليمن بما يخدم أجندتها الإقليمية، ولا شك أن هذا بدوره سينعكس على نشاط الحوثيين داخلياً سواء على صعيد المجتمع أو التصعيد في الجبهات أو خارجيًا في توسيع استهدافهم الأمن الإقليمي.
ويمكن رؤية بوادر ذلك من خلال ما جرى في هذه الفترة القصيرة، فعلى الصعيد الداخلي اتخذ الحوثيون خطوات جديدة في سبيل تعزيز الإيديولوجية الإيرانية كهوية داخل المجتمع اليمني على حساب هويته اليمنية والعربية، ففي الوقت الذي أغلقوا عدد من الأقسام الدراسية في جامعة صنعاء لأعذار واهية أطلقوا اسم مجرم الحرب قاسم سليماني على أول دفعة خريجين من قسم اللغة الفارسية، وهذا النشاط هو سعي لتطبيع المجتمع اليمني وخاصة الأجيال الجديدة على الوجود الإيراني والأيديولوجية الإيرانية العدائية وتصوير جرائمها بحق أبناء الشعوب العربية في المنطقة على أنها بطولات في سياق ما يسمى محور المقاومة وإيجاد مسوغات لتدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول. الأمر الآخر على الصعيد الداخلي هو حشد المزيد من الأطفال والشباب وإرسالهم إلى القتال  للتصعيد الانتحاري في الجبهات. 
وعلى الصعيد الخارجي والإقليمي، انعكس وجود حسن إيرلو في تكثيف الحوثيين استهدافهم المملكة العربية السعودية عبر الصواريخ والطائرات المسيرة والزوارق المفخخة فخلال فترة وجيزة حاول الحوثيون باستماته تنفيذ ضربة تستهدف المملكة.

علاقة طردية
-    ما أهمية ميليشيا الحوثي بالنسبة للنظام الإيراني؟ وما الذي يميّزها عن غيرها من أدوات إيران في المنطقة ؟
أهمية ميليشيا الحوثي تأتي في سياق اعتماد النظام الإيراني على الميليشيات المسلحة التي صنعها في المنطقة لتوسيع نفوذه والتمدد في دول المنطقة، بالإضافة إلى أن استراتيجية الأمن القومي الإيراني ترتكز بالدرجة الأولى على الحرس الثوري الإيراني وقدرته على التغلغل في دول وبؤر معينة لإيجاد قوة تكون قادرة على تهديد أمن خصومه ومنافسيه الإقليميين من ناحية، ويمكن القول بأن هناك علاقة طردية بين إحساس النظام الإيراني بالأمن وبين اتساع قدرته على تهديد أمن واستقرار دول المنطقة، فكلما شعر بامتلاكه القدرة على التهديد كلما تعزز لديه الإحساس بأن أمنه القومي قوي وأنه في مأمن،  لذلك يعمل باستمرار على تعزيز قوة وقدرات أدواته وميليشياته في المنطقة، وكذلك من أجل استخدامهم كورقة مناورة أو ضغط في ملفات دولية من ناحية أخرى، حيث يعتمد النظام الإيراني عليهم كأدوات في استراتيجيته لإدارة أزماته الإقليمية والدولية، ظهر هذا الأمر بوضوح عند قتل الولايات المتحدة الأمريكية لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني في مطلع العام الجاري، كان ذلك بمثابة إعلان الحرب على إيران، حيث تركز الرد الإيراني على أثر هذه الصدمة التي ربما لم تكن متوقعة في حشد حلفاءها الفاعلين من غير الدول في المنطقة مثل حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية والحوثيون في اليمن، واستضافت ممثليهم في طهران في مراسم تشييع سليماني لتستخدمهم كأداة تهديد لردع أي محاولة لتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران.
لذلك ترى إيران في الحوثيين ورقة رابحة فهم متحمسون للقتال والحروب ومتعطشون للسلطة والحفاظ عليها مستعدون لعمل أي شيء في سبيل ذلك، مثلًا تبنى الحوثيون الضربة التي وجهت لأرامكو في سبتمبر 2019 في وقت تشير فيه التقارير إلى أن الضربة جاءت من الشمال ما يعني أن إيران هي من تقف وراء الهجوم، بل إن الحوثيين يمنحون إيران وتحديدًا الحرس الثوري نفساً فتياً في لعبتها الإقليمية في الوقت الذي يعاني فيه حلفاءهم في العراق ولبنان من مشاكل وضغوطات قد تحد من قدرتهم على التأثير في محيطهم لصالح الأجندة الإيرانية حيث أنهم ليسوا القوة الوحيدة المتحكمة في المشهد هناك على عكس الحوثيين في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، وفي الآونة الأخيرة تصاعدت مزايا الحوثيين وأهميتهم في الاستراتيجية الإيرانية أصبح الحوثيون الأداة الأكثر فاعلية ومرونة في قدرتهم على خدمة الاجندة الإيرانية سواء من فتح أبوابهم للوجود الإيراني أو في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم بالمطلق أو من خلال إيجاد فوضى وزعزعة الأمن والاستقرار في المناطق الأخرى، لذلك من الطبيعي أن ترى إيران في الحوثيين قوة فتية قادرة على إرباك مشهد القوة الإقليمية بما يخدم المصالح الإيرانية خاصة مع تصاعد قدرتهم على استهداف السعودية الخصم الإقليمي التقليدي لإيران.

-    ما هي قراءتك لمستقبل المشروع الإيراني في اليمن؟ 
لم يعد خافيا أن إيران تجاوزت مرحلة إيجاد موطئ قدم لها في اليمن وأصبحت توطد نفوذها أكثر وعلى نطاق واسع في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين وتتمدد باتجاه مناطق أخرى، وأصبح تحالفها مع الحوثيين في مرحلة وثيقة بحيث تداخلت مصالح الطرفين بشكل أصبح من الصعب أن يستغني طرف عن الأخر ما عدا في حال سقوط نظام الولي الفقيه أما غير ذلك فالتحالف الإيراني الحوثي مستمر.
حقيقة الأمر أن العلاقة بين الحوثيين والنظام الإيراني ليست مجرد علاقة قائمة فقط على الدعم الذي يقدمه الحرس الثوري للحوثيين، العلاقة أبعد من ذلك بكثير، فالحوثيون كحركة أيديولوجية انقلبت على الدولة لا تمتلك أي رؤية سياسية لإدارة بلاد، لذلك لا ترى الحوثية نفسها إلا في شكل امتداد للثورة الإيرانية وأيديولوجيتها التي توفر لها المسوغ الديني لامتلاك السلطة والحكم، وعليه سيتسع المشروع الإيراني في اليمن إلا في حال تم إضعاف وتحجيم الحوثيين. 

-    متى ستتوقف إيران عن دعم الحوثيين؟
لن تتوقف إيران عن دعم الحوثيين لأن بقائهم أقوياء يعني امتلاكها قوة إضافية في ميزان القوى الإقليمية فهم الامتداد اليمني لمشروعها في المنطقة، وهناك العديد من المؤشرات التي تدل على أن النظام الإيراني يخطط لبقاء طويل في اليمن، ويبدو أن الجناح القوي في الحركة الحوثية يعمل على توفير ضمانات ذلك، حيث من الممكن قراءة حادثة اغتيال القيادي الحوثي حسن زيد في سياق ذلك باعتباره لم يكن مرحبًا بالارتماء الكامل في الحضن الإيراني. 
ومن المؤشرات الأخرى كذلك التوجه الإيراني الواضح لتطبيع المجتمع اليمني على الثقافة والإيديولوجيا الإيرانية، من خلال إغداق إيران على الحوثيين بالمنح الدراسية في الجامعات والحوزات في إيران، حيث منحت إيران في سبتمبر الماضي عدد 750 منحة دراسية للحوثيين ولا شك أنه في ظل الظروف الحالية لن يحصل على هذه المنح سواء الموالين للإيديولوجية الإيرانية، هذا في حال المنح العلمية الجامعية أما منح الدراسة في الحوزات الدينية فمحسوم أمرها في نشر التشييع الأثنى عشري في اليمن، والأهم من كل ذلك الحرص الإيراني على نسج علاقات مع مختلف أطياف المجتمع كما يظهر من لقاءات السفير الإيراني.

قراءة مستقبلة
-    كيف تؤثر التدخلات الإيرانية على مستقبل اليمن وعلى المصالح الدولية في اليمن والمنطقة؟
تسببت التدخلات الإيرانية في اليمن بحرب ما زالت مستمرة منذ ست سنوات، ومع الأخذ بعين الاعتبار أن النفوذ الإيراني في اليمن وقدرته على التدخل في الشأن اليمني اليوم هو أكبر بكثير مما كان عليه قبل ست سنوات، هذا يعني أن قدرة النظام الإيراني على التأثير والتدخل في اليمن لصناعة نزاعات وجر البلاد إلى صراعات وحروب في المستقبل أصبحت أكبر كذلك، خاصة مع العبث الحوثي الحاصل في المنظومة التعليمية لليمن من إغلاق للمدارس وأدلجت المناهج الدراسية ونشر الهوية والمذهب الأثني عشري بشكل يؤسس لمجتمع طائفي في اليمن ويعادي الآخر، الوضع الذي يسهل فيه حشد الناس لقتال بعضهم البعض، كل هذه الأمور تهدد استقرار اليمن مستقبلاً فهي توفر التربة الخصبة لإيجاد الصراعات داخل المجتمع.

-    ما قراءتك لمستقبل البلد في حال لم تحسم المعركة مع مليشيا الحوثي؟
في حال لم تحسم الأمور بشكل تتم فيه السيطرة على القوة العسكرية الحوثية سيبقى اليمن في حالة عدم استقرار، خاصة مع انضمام الحوثيين العلني لما يسمى محور المقاومة، الأمر الذي يمنحهم أعذار إضافية لتنفيذ هجمات إقليمية تهدد استقرار المنطقة، وسيكون استقرار اليمن والمنطقة مرهوناً بحالة ووتيرة الضغوطات التي يمر بها النظام الإيراني على المستوى الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى أن قدرة الحوثيين على تهديد الملاحة والموانئ في البحر الأحمر يهدد المصالح الإقليمية والدولية، حيث يضعف من استخدامه كمسار لتصدير النفط، أو اللجوء كمسار بديل عن مضيق هرمز الذي تتحكم فيه إيران، وبذلك يكون لدى إيران قدرة على التحكم بالطرق الملاحية المعتمد عليها لتصدير ملايين براميل النفط يوميًا إلى الأسواق العالمية.

-    نشكرك على هذا الحوار المتميّز.
شكرًا جزيلًا.
 

تم طباعة هذه الخبر من موقع الثورة نت www.althawra-news.net - رابط الخبر: https://althawra-news.net/news114552.html