2021/10/16
لعبة الحبار .. رمزية البقاء وصراعات البشر! .

 

مع تزايد جمهور الدراما الكورية في الآونة الاخيرة , يأتي مسلسل لعبة الحبار على المنصة الترفهية الأكثر شهرة حالياً "نيتفيلكس"  ليحصد أعلى نسبة مشاهدة على الأطلاق، ويحتل المركز الأول في الولايات المتحدة، كما تشير المنصة. وعلى الرغم من الشكوك التي تدور حول مصداقية نيتفلكيس في طرحها للأعمال التي تحتل المراكز المتقدمة_ حسب وجهه نظرها_  فإن المسلسل أثار  جدلاً بالفعل. 
على أن "لعبة الحبار"  ليس متفردًا في طرح فكرة الألعاب والتحديات والتساؤل الدائم حول ماهية القوة، وغريزة البقاء، والسلطة المطلقة، والتغيرات التي تطرأ على السلوك الأنساني تحت ضغط معين ، مثل ذلك، فيلم "التجربة" الأمريكي للمخرج/ بول شويرينغ والممثل الكبير أدريان برودي، المأخوذ من تجربة حقيقية تسمى "تجربة سجن ستانفورد" الشهيرة،  بنهايتها المأساوية. 
وسلسلة الأفلام الأمريكية الشهيرة " مباراة الجوع " المأخوذة من رواية الديستوبيا للكاتبة/ سوزان كولنز وقام بإخراج العمل غاري روس وتدور أحداثه في مستقبل بائس تقوم فيها مدينة الكابتول الغنية بعقاب اثني عشر مقاطعة فقيرة حاولت التمرد يوما ما، عن طريق مسابقات مميتة بين ممثلي المقاطعات، يبقى مشترك واحد فيها على قيد الحياة  
وكذلك فيلم "المنصة" الإسباني للمخرج/ غالديرغاستيلو حول الطبقات الاجتماعية وإسقاطات الرأسمالية، يدور كذلك في سجن غامض من عدة أدوار، يتم فيه وضع سجينين في كل دور ، ويتم إنزال الطعام فوق طاولة بشكل تسلسلي، فيأكل من هم في الطوابق الدنيا ما تبقى من الطعام، ويتحول السجن إلى فوضى عارمة بسبب الجوع. . 
قصة المسلسل
تدور أحداث المسلسل في كوريا الجنوبية حول لعبة تسمى لعبة الحبار يحاول المتسابقون فيها البقاء على قيد الحياة، تبدأ اللعبة بـ 456 متسابقًا، وجائزة قدرها 45.6 مليار وون ( اي مايقابل 37 مليون دولار) . مجموعة غير معروفة الهوية تقوم بأختيار المتسابقين بحسب نسبة ديونهم وحاجتهم للمال ، وبعد أن يتم تخديرهم وأخذهم معصوبي الأعين إلى جزيرة غير معروفة؛ تنتظرهم هناك ملاعب عملاقة، ومحل إقامتهم شبيه بالسجون المنفية، تحت نظام وقوانين صارمة . ست ألعاب يتعين على 456 لاعب تجاوزها، وفائز واحد فقط هو من سيحصل على المبلغ الكبير بعد أن يتم إقصاء الخاسرين نهاية كل لعبة . 
أبطال المسلسل
البطل الرئيسي للمسلسل هو رجل يدعى (سيونغ جي هون) يقوم بدوره الفنان الرائع ( لي جونغ جاي) أربعيني متوسط التعليم من طبقة فقيرة، وبسبب تراكم ديونه لا يجد حلاً سوى المقامرة والمراهنة على سباق للخيول، لكن تزداد حياته سوءاً فيقرر الموافقة مرغماً على بيع أعضائه، يظهر له رجل غامض في محطة القطار ليعرض عليه المشاركة في لعبة بدت له في بادئ الأمر مقبولة. بقية الأبطال يعيشون على ذات النمط من حياة (....) وأن اختلفت في المضمون . فهناك ( تشو سانغ ) الشاب المتعلم والذكي خريج جامعة سول الشهيرة، الذي يتورط في مسائل مالية في عمله يعجز عن حلها، تنتهي به الظروف هاربًا من الشرطة والمسائلة القانونية , خجولا ً يشعر بالعار والهزيمة، وقد أجاد دوره بشكل صادم للمشاهد . ومن الشخصيات المؤثرة والمحبوبة في العمل ، التي تمثلت بشخص (علي عبدول ) الشاب الباكستاني المهاجر ، الذي يمثل المهاجرين محددوي التعليم في معاناتهم وهروبهم من أوطانهم بحثاً عن الرزق، ليقعوا فريسة أنانية الشركات والمؤسسات. يفقد (علي) أصابعه في عمله فيتم أقصاءه من العمل بدون تعويض يعيل أسرته . أما الجانب النسائي فيتمثل في شخصيتين أساستين يمثلن حالة الإقصاء النسائي وتهميش المرأة في حقوقها كموظفة وعاملة، وفجوة المساواة في المجتمع . بسبب الحمل والولادة وانخفاض أجورهن مقارنة بالرجال . 
يعرض المسلسل شخصيتين متناقضتين أحداهن سارقة محترفة ( كانغ ) وقامت بدورها بجدارة الممثلة والعارضة ( هويون جونغ ) شخصية حزينة تغلفها القسوة لحماية نفسها وتفتقد للثقة فيمن حولها .  والثانية ( لي جي) المرأة الثرثارة والمضحكة، التي تبحث عن الحماية بأي شكل كان   عكس الأولى تماماً، فهي امرأه متذبذبة بين الخير والشر ، نجحت في استفزاز المشاهد وإثارة حفيظته ومفاجأته حتى النهاية. 
ولا تخلوا الأعمال الدرامية من دور الأمهات اللائي يعكسن  صورة الأم كريمة العطاء، عظيمة التضحية، سخية الحب رغم الظروف والمحن .إضافة لمشاركة الممثل الكوري الشهير( جونغ يو) كضيف شرف للمسلسل . 
1.     

الرموز في المسلسل

حتى نهاية القرن التاسع عشر ، كانت النوستالجيا تصنف على أنها مرض نفسي لوصف الألم الذي يشعر به المريض نتيحة حنينه المفرط للوطن . لكن  في بدايات القرن العشرين انسحب هذا المصطلح من التشخيص الطبي، وحلت محله تشخيصات مرضية أخرى كالأكتئاب والقلق المرضي ، وتحولت النوستالجيا  لفكرة تعبيرية شاعرية تصف الحنين إلى الماضي وذكرياته. لعل هذه هي السمة الرئيسية للمسلسل، إذ عبر عن النوستالجيا المرضية كما كانت تُشخص للدلالة على خلل عقلي ما . فمعظم الأبطال يجمعهم الحنين إلى زمن البراءة، والطفولة - أغنياء كانوا أو فقراء -   يجمعهم ذات الشغف الذي تآكل في قلوبهم كالصدأ المميت فلوث مشاعرهم النقية وشعورهم بالأمان . 
يعبر معظم الأبطال عن رغبتهم بالعودة إلى الوطن ، نحن نعلم أن للوطن دلالات مختلفة، وتعبير خاص في دواخلنا، الأم وطن ،المنزل وطن ، الابناء وطن ، الطفولة وطن ، اللعب في الأزقة وطن ، كل ما يشعرنا بالأمان وطن. 
وهكذا فأبطال لعبة الحبار ،حتى الأشرار منهم ، غارقون في البحث عن وطنهم الخاص بهم . فإلى جانب الاسقاطات السياسية الواضحة في المسلسل للدول الرأسمالية وأضحوكة الديمقراطية وحلم العدل المساواة ، يأتي الصراع الداخلي والأزلي للإنسان بين الخير والشر, ومشروعية مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، وفطرة البقاء والاستمرارية مابين القتال والأستسلام من جهة، وبين الأنانية والتضحية من جهة أخرى. 
 

العمل فنياً
 خرج العمل بصورة فنية لافتة ومبهرة من نواحٍ عديدة ، خصوصا المصداقية التي تتميز بها الدراما الكورية في تصوير ونقل أعمالها وبيئتها. فالجانب الواقعي في أبهى صوره تجلى بالأسواق الشعبية والمحلات والمباني العملاقة , المنازل والأزقة والأرصفة والقطارات ، ملابس الأمهات القديمة ، عالمنا المتناقض بكل تفاصيله. أما الجانب الخيالي في المسلسل فكان في الملاعب بجدرانها وأسرَتها وطيورها ، ورموز الأزياء وعلاماتها في لجنة كبار الضيوف، وفي الجنود المجهولين ، الذين نتوقع أن يكونوا متسابقين كذلك ( من قاموا بإختيار البطاقة الحمراء في البداية ) , والفُتات من الطعام الذي قُدم للمشاركين بعناية وذكاء .
إن زرع الخوف والجوع والقلق والحيرة والحاجة والتعب ، عوامل ستة، نستطيع من خلالها صنع وتيسير جيش متوحش لا يعرف الرحمة بين صفوفه ، يدين بالولاء والطاعة العمياء . التي توازي في نظري الخطايا السبع المميتة ، التي مثلتها  " الشخصيات المهمة " تقريباً، كما أُطلق عليها في العمل . 
لقد حافظ المسلسل على رتم عال وتصاعد سريع في الأحداث، مما عكس إثارة المشاهد، فلا يشعر بالملل إلا في الحلقة الثانية ربما، التي خُصصت لتغطية خلفية وبيئة كل لاعب، فبدت مملة نوعاً ما . لكن سرعان ما تغيرت الأحداث وداهمنا الحماس في نهايتها، لتكمل بناء مسلسل شيق يضع المشاهد في خانة اللعب والأختيار.

 كتابياً؛ كان الحوار من النوع الكثيف والخفيف في آن ، وجاء مطاطيا سلسًا ليناسب مختلف العقول بشتى ثقافتها وقناعاتها . لينتهي المسلسل بالسؤال المحوري المهم " هل لا زلت تمتلك الثقة؟  سـؤال يعصف بمشاعرنا بصمت وهدوء. وينجح المخرج والممثل معاً في نقل أسراره لقلوب المشاهد من خلال عيني البطل وملامحه.  وكما بدأ المسلسل برهان على مسابقة الخيول ؛ يُختم كذلك بجملة مثيرة وحازمة ( أنا لست حصانا) ...

تم طباعة هذه الخبر من موقع الثورة نت www.althawra-news.net - رابط الخبر: https://althawra-news.net/news118221.html