2023/04/13
باحث مصري متخصص في الشأن الإيراني لـ"الثورة نت": دعم إيران للحوثيين لن يتوقف مهما تغيرت المواقف السياسية (حوار)

- إيران عملت على تغيير البنية المذهبية في عقول الكثير من الحوثيين الذين تحولوا إلى الاثني عشرية الإيرانية.

- وقائع التاريخ تشير إلى أن فترة السلام لإيران ما هي إلا فترة إعداد وتجهيز لحرب جديدة.

- لليمنيين: تخوضون معركة بقاء ويجب أن تتكاتفوا جنباً إلى جنب من أجل الحفاظ على اليمن.

 

أكد الباحث المصري المتخصص في الشأن الإيراني محمد خيري، أن "الدعم الإيراني لميليشيا الحوثي الارهابية في اليمن لن يتوقف مهما طال الزمن، ومهما تغيرت المواقف السياسية. مؤكداً أن امتلاك إيران ذراع مسلّح في اليمن "مسألة تتعلق بالأمن القومي الإيراني، ومن الصعب أن يتم فك الارتباط العقائدي بين إيران والحوثيين بأي شكل من الأشكال".
وأوضح الباحث خيري، أن علاقة إيران بالحوثيين مثلها مثل بقية ميليشياتها في المنطقة العربية، والتي تهدف إيران من خلالها إلى تحقيق نفوذ واسع لها في كل الدول التي تحتوي على هؤلاء الوكلاء. موضحاً أن "عقلية الحوثيين ترفض خسارة أي مكاسب حصلت عليها بالحرب، وهي نفس العقلية الإيرانية في التفاوض"
وحذّر الباحث المصري، من أن المنطقة العربية تواجه مخاطر وتحديات من القوى الاستعمارية التي تهدف إلى نهب ثروات الشعوب العربية، الأمر الذي يتطلب يقظة أمنية، وخاصة الدول (الخليجية) التي تقع في مرمى  الفكر التوسعي الإيراني. محذّراً من أن "فترة السلام بالنسبة لإيران ليست سوى فترة استعداد لحرب جديدة".
وإضافة إلى ذلك، تناول الحوار الاتفاق السعودي الإيراني بوساطة صينية، وانعكاساتها على الأوضاع في المنطقة، وهدف الصين من وراء هذه الوساطة، والدور المطلوب من الدول العربية للتعامل مع الأخطار والتحديّات التي تواجه المنطقة.

فإلى نص الحوار:
•    السيد محمد، بداية من استئناف العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران بوساطة الصين، كيف تنظر إلى انعكاسات هذا على الأوضاع في المنطقة العربية؟
بداية، لم تكن محاولات الصين لتقريب وجهات النظر بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية هي الأولى من نوعها لرأب الصدع بين الطرفين، خاصة وقد سبقتها محاولات عراقية وعمانية، وإن كانت الصين قد ارتكزت على مخرجات محاولات العراق وعمان في هذا الشأن في استكمال ما بدأه، لكن إيران رأت في الصين وجهة مهمة لرعاية هذا الاتفاق من جوانب عديدة، كان أبرزها وجود الصين على طرف المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

•    ما الذي تسعى إليه الصين من وراء هذه الوساطة؟
تسعى الصين لزيادة نفوذها في منطقة الشرق الأوسط استثماريًا وتجاريًا ولتكون شريكًا استراتيجيًا مهمًا يعادل نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، علاوة على أن إيران تثق في الصين بشكل كبير بدليل عقد طهران اتفاق شراكة استراتيجي ممتد مع بكين، وهو ما سيساهم في مد نفوذ الصين في منطقة الشرق الأوسط، خاصة وأن الصين تحتاج إيران والمنطقة بشكل مهم؛ لأن الصين هي أكبر مستورد للنفط الإيراني في العالم، فضلًا عن أن الصين ترى في المنطقة العربية سوقًا مهمًا لها ولمنتجاتها.
وبالتالي حاولت الصين استثمار الأزمة وإعلان نجاحها في التوصل لاتفاق "صعب" لاستئناف العلاقات بين إيران والسعودية على أسس مهمة كان من أبرزها احترام سيادة كلًا منهما للأخر والبناء على اتفاق التعاون الأمني الموقع عام 2001 خلال فترة ولاية الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، الذي حاول بكل قوة فتح ثغرات في جدار سميك كان يقف حائلًا أمام عودة علاقات إيران مع محيطها العربي والإقليمي والدولي أيضًا.

•    بنظرك، هل تأتي زيارة السفير السعودي إلى صنعاء كنتيجة لاستئناف العلاقات السعودية الإيرانية؟
بكل تأكيد.. فلم يكن من الممكن أن يتحرك السفير السعودي للقاء عدد من قادة الحوثيين في مناطق سيطرتهم ونفوذهم ما لم يكن هناك ضوءًا أخضرًا لفتح المجال أمام الأطراف لمناقشة عدد من الملفات المهمة بين السفير السعودي محمد آل جابر ورئيس المجلس السياسي لجماعة الحوثي في صنعاء مهدي المشاط.
وكان في القلب من تلك الملفات مسألة تبادل السجناء وأسرى الحرب بين الجانبين، وهي الحرب التي امتدت منذ سنوات طويلة وأنهكت الجانبين، ولم يخرج منها فائزًا أو منتصرًا على الإطلاق، سوى أن وطد الحوثيون تواجدهم في صنعاء.
ولكن تكمن الأزمة في أنني كنت أتمنى أن تسفر المناقشات عن انحسار لدور الحوثيين في اليمن بشكل عام وفي العاصمة صنعاء بشكل خاص، إلا أن على ما يبدو أن الحوثيين سيظلون محتفظين بوضعهم على النحو الحالي بسيطرتهم على الكثير من مقدرات الشعب اليمني ومؤسساته الحكومية التي استولوا عليها بعد انقلابهم على الشرعية بدعم عسكري ولوجيستي من إيران.
وبالتالي فإن العقلية الحوثية ترفض خسارة أية مكتسبات قد حصلت عليها عن طريق الحرب، وهي نفس العقلية الإيرانية في التفاوض.

•    تتطلب التحديات الدولية والإقليمية المزيد من التكامل العربي.. كيف تنظر إلى هذا الأمر وما هو الدور المطلوب من الدول العربية، في مواجهة هذه الأخطار ومنها الخطر الحوثي المدعوم إيرانياً؟
ليس خطر الحوثيين وحده، وليس أي خطر أمني وحده هو ما يتطلب التكامل العربي، بل إن كل الأخطار تتطلب تكاتف عربي؛ خاصة وأن المنطقة العربية مطمع للكثير من القوى الاستعمارية على مر العصور، ولم يكن من مصلحة تلك القوى الاستعمارية أن تكون تلك المنطقة في حالة هدوء أو توافق بين مكوناتها. 
ولذا عملت تلك القوى الاستعمارية وفي القلب منها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا على وجه الخصوص على إشعال فتيل الحرب في الخفاء، وظهرت تلك القوى بمظهر الوسيط النزيه في حل تلك الأزمات، وأبرز مثال على ذلك أن كل الجهود التي بذلها ممثلو الأمم المتحدة في الوساطة بين الحوثيين والشرعية في اليمن فشلت، وعلى رأس هؤلاء الوسطاء البريطاني مارتن غريفيث.
لكن المشكلة هنا تكمن في أن هناك قوى في المنطقة لديها طبيعة وأفكار توسعية كإيران ولها وكلاء في المنطقة وأبرزهم الحوثيين، وبالتالي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية مثلًا لتعزيز وجودها في المنطقة العربية تحت شعار مواجهة إيران ووكلائها، وهو ما يجعل أمريكا تظهر بمظهر المدافع عن المنطقة العربية من أخطار إيران على سبيل المثال وفي النهاية تواجدها من أجل نهب خيرات شعوب العرب وإيهام الجميع بنزاهتها في موجهة أي عدوان  محتمل. وعلى الحكام العرب أن يعوا جيدًا هذه النظرة التوسعية، لأن التاريخ لا يغفر لمن يفهم متأخرًا.

•    هل ترى أن إيران ستتوقف فعلاً عن دعم الحوثيين، أو استخدامهم كأداة لإقلاق أمن المنطقة؟
اتوقع أن تجمد إيران والحوثيين نشاطهما قليلًا لحين الانتهاء من كافة الترتيبات اللازمة للإفراج عن السجناء والأسرى سواء في السعودية أو لدى الحوثيين، ولن نرى أية هجمات عسكرية حوثية على أراضي المملكة العربية السعودية، كذلك ستعمل إيران والسعودية على إبداء حسن النية في فتح جسور العلاقات بين كلًا منهما، إلا أن ذلك ليس معناه أن تتوقف إيران عن دعم الحوثيين الذين كسبوا أرضًا في اليمن وسيطروا على العاصمة صنعاء، وأصبح لهم مؤسسات تشريعية ومالية وغيرها- على الرغم من عدم اعترافنا بها- إلا أن إيران تعتبر أن لها يدًا قوية بالقرب من السعودية.
وبالتالي، أعتقد أن التوصل لاتفاق سلمي في هذه الفترة سيقوي من الحوثيين ويعطيهم مهلة للاستراحة وإعادة تنظيم الصفوف للاستعداد لأية أزمة سياسية قد تنشب بين إيران والسعودية وبعدها يستأنف الحوثيون نشاطهم العسكري. 
وعلى الرغم من أن الاتفاق بين السعودية وإيران ركز على ضرورة وقف شحنات الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين إلا أنه من الصعب أن يتم فك الارتباط العقائدي بين إيران والحوثيين بأي شكل من الأشكال.

•    كيف ترى العلاقة بين مليشيا الحوثي وإيران؟
العلاقات بين الحوثيين وإيران شأنها كشأن العلاقة بين إيران وبقية ميليشياتها في المنطقة العربية كحزب الله في لبنان، أو الميليشيات العراقية كعصائب أهل الحق وفيلق بدر وحزب الله في بغداد، وحركة الصابرين في قطاع غزة وميليشيا تابعة لإيران في سوريا، هي علاقة تكاملية، تستهدف منها إيران تحقيق نفوذ واسع لها في كل دولة من الدول التي تحتوي على هؤلاء الوكلاء، فتستهدف إيران الضغط على السعودية من وقت لآخر من خلال ميليشيا الحوثي، والضغط على إسرائيل بحركات المقاومة الفلسطينية، والضغط على الحكومات العراقية التي لا ترتاح لها إيران بالكثير من الميليشيات المسلحة التي تعمل على اغتيال النشطاء الرافضين للتواجد الإيراني في العراق مثلًا.
وعلى هذا الأساس تساهم إيران في صناعة القرار السياسي في كل تلك الدول التي تأوي هؤلاء الوكلاء. وعلى الرغم من إعلان إيران أنها لا تمول ولا تدعم أيًا من هؤلاء، إلا أن ذلك يستند على فكرة "التقية" في المذهب الشعيي الإيراني، وكذلك رغبة إيران في أن يكون لها يد طولى في كل تلك المناطق التي تعتبرها مناطق نفوذ لها.
المشكلة الأخرى، هي أنه على الرغم من التباين في التوجه العقائدي والمذهبي بين الزيدية الحوثية والإثنا عشرية الإيرانية، إلا أن إيران عملت- بعد أن توجه حوثيين كثر للتعليم في إيران- على تغيير البنية المذهبية في عقولهم وتحويلهم إلى الإثنى عشرية الإيرانية. 
كما استغلت إيران الثورة في اليمن وكثفت من تواجدها هناك، ودعت الكثير من النشطاء الحوثيين لزيارة طهران وعملت على تنظيم مؤتمرات لهم في العاصمة اللبنانية بيروت برعاية حزب الله، وهو ما سهل لها السيطرة على العقول الحوثية التي تحركت فور بدء الثورة اليمنية على نظام علي عبدالله صالح، ولاحقًا رأت إيران في الحوثيين طرفًا يحقق لها الرغبة في استنزاف السعودية بمجهود أقل.

•    برأيك، متى يتوقف دعم النظام الإيراني لمليشيا الحوثي في اليمن؟
لن يتوقف الدعم الإيراني للحوثيين في اليمن مهما طال الزمن، ومهما تغيرت المواقف السياسية، فوجود ذراع لإيران في اليمن مسألة أمن قومي بالنسبة لها من عدة جوانب، أبرزها الدستور الإيراني في مادته رقم 154 وهي المادة التي تعطي الحق لإيران لحماية "المستضعفين من المستكبرين" أو لحماية الشيعة في المنطقة العربية بأكملها.
وتعطي إيران لنفسها مسوغًا للتدخل في شئون الغير بناء على تلك المادة التي جعلت من إيران حاميًا لكل الشيعة في العالم، وبالتالي فإن أي تحرك لها في دعم أي ميليشيا تابعة لها وبالتحديد ميليشيا الحوثي هو أمر "دستوري" وفقًا لإيران، لكنه لا دستوري ولا قانوني ولا إنساني بالنسبة لأي إنسان طبيعي. 
وثانيًا أنها (إيران) ترى في الحوثيين ضاغطًا على المملكة العربية السعودية في حال تغيرت المواقف السياسية يومًا ما.

•    ما هي رسالتك لليمنيين في معركتهم مع مليشيا الحوثي؟
المعركة هي معركتكم أنتم. وهي معركة بقاء، وعليكم التكاتف جنبًا إلى جنب من أجل الحفاظ على اليمن كما كان قبل انقلاب الحوثيين على الشرعية. وعلى الرغم من تعقيد المشهد السياسي من جانب، وكون الحوثيين جزءًا من النسيج اليمني بشكل عام، إلا أن اليمنيين أمامهم فرصة للبناء على ما تم الاتفاق عليه للوصول إلى هدف سياسي واحد؛ وهو وقف الحرب والتفاوض على تشكيل نظام سياسي توافقي وإنهاء حالة الحرب الحالية.

•    كلمة أخيرة تود قولها؟
بصفتي باحثًا في الفلسفة السياسية ومتخصصًا في الشئون الإيرانية على وجه التحديد فإنني أحب أن أنوه إلى عدة نقاط: أولها أن إيران لا توقع على أي اتفاق إلا إذا كان هذا الاتفاق في مصلحتها، فالكثير من المصادر التاريخية تشير إلى مهارة الجانب الإيراني في عقد المعاهدات والمواثيق غير المتوازنة في بنودها الجوهرية، من أجل ضمان المكاسب الاستراتيجية والالتفاف على تلك المعاهدات غير المتوازنة من جانب آخر.
كما أن كل حالة حرب بالنسبة لإيران- سواء حرب مباشرة أو حرب خفية بالوكالة- كانت تعقبها فترة سلام قائمة على معاهدة تحقق منها إيران استراتيجيتها التوسعية، وإذا استنفذت أغراضها عملت على خلق توتر تدفع من خلاله إلى حالة حرب تعقبها معاهدة مماثلة تحقق أيضًا من خلالها مكاسب سياسية.
لذلك فإن الغرور الإيراني يأبى التوصل لاتفاق بدون الوصول إلى نسبة معقولة من الامتيازات، وإن لم تحصل إيران على امتيازات تحقق مصالحها وأهدافها فإنها غالبًا ما توقع في النهاية على اتفاق يسهل الالتفاف عليه.
ومن هنا يبرز الطلب الأساسي للجانب العربي بضرورة اليقظة الأمنية التي يجب أن تتحلى بها دول المواجهة وخاصة الدول (الخليجية) التي تقع في مرمى الفكر الإيراني التوسعي، فوقائع التاريخ تشير إلى أن فترة السلام لإيران ما هي إلا فترة إعداد وتجهيز لحرب جديدة، أو بمصطلح "وليم كوكل": "فترة فاصلة تبعث على الضيق بين حرب وأخرى".

نبذة تعريفية: 
محمد خيري: كاتب صحفي مصري، باحث دكتوراه في الفلسفة السياسية بجامعة حلوان بجمهورية مصر العربية، وحاصل على درجة ماجستير في الفلسفة السياسية.
خيري صحفي متخصص في الشؤون الإيرانية ويدير وحدة الفكر الإيراني في المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية.
 

تم طباعة هذه الخبر من موقع الثورة نت www.althawra-news.net - رابط الخبر: https://althawra-news.net/news124822.html