2024/12/12
تعتمد على الخرافات والتطرّف.. 7 مرتكزات للأيديولوجيا الحوثية تعيق أي سلام في اليمن

مع كل جولة مفاوضات تقودها الأمم المتحدة لإنهاء الحرب وإحلال السلام في اليمن، يجزم اليمنيون بعدم جدواها لإدراكهم أن مليشيا الحوثي الانقلابية المدعومة من النظام الإيراني، ستعمد إلى إفشالها، وتمضي في حروبها المدمّرة.

تأتي ثقة اليمنيين المطلقة في التنبّؤ بسلوك المليشيا الحوثية، من معرفتهم الأكيدة والممتدّة بالأفكار والمعتقدات الدينية المتطرّفة التي تؤمن بها، ومن سلوكها مع المجتمع اليمني منذ ظهورها في أقصى شمال البلاد قبل نحو ثلاثة عقود.

وتعد مليشيا الحوثي تنظيمًا إرهابيًا مسلَّحًا ينتمي إلى "الزيدية" بنسختها "الجارودية" الأشدُّ غلوًّا وتطرُّفًا، والأكثر تقاربًا مع المذهب الشيعي الإمامي الاثنا عشري الإيراني، وتسعى لحكم اليمنيين بقوّة السلاح والتفرّد بثروات البلاد دون الشعب. 

وترتكز طبيعة الأيديولوجيا الناظمة لمشروعها السياسي، ومفهومها للدولة والنظام على نظرية "الحقِّ الإلهي" في الحكم، والاصطفاء الربَّاني للسلالة، التي لا تقبل الشراكة مع أحد.

منبع الأيدلوجيا

أوضحت دراسة أصدرها مركز المخا للدراسات الاستراتيجية، في مايو الماضي، بعنوان "مشروع الحوثيين في إحياء الإمامة وتغيير الهويّة"، أن منبع “الأيديولوجيا الحوثية ومنبتها هو المذهب الجارودي، المنتسب للزيدية، وجوهرها الراسخ في فكر الجماعة هو الاستئثار بالسلطة كحقٍّ حصريٍّ، شرعه المذهب وأصله لهم”.

ووفق الدراسة، فقد أكد المذهب الجارودي الزيدي على الوصية لعلي، وعلى أن الإمامة له ولذريته من بعده، محتكرًا الحق في الحكم على تلك الذرية بوصفهم "آل البيت". 

وباتت هذه عقيدة متجذرة لدى الأتباع تحت لافتة "الولاية"، وهو المصطلح الذي أضفى عليه بعداً دينيّاً مقدس، مانحة السلطة السياسية لهم منذ مؤسس الدولة الزيدية الأول باليمن، يحيى بن الحسين الرسي، إلى يحيى بن حميد الدين مؤسس المملكة المتوكلية.

ومهما يكن، تؤكّد الدراسة أن هذه الأيديولوجيا المغالية لدى جماعة الحوثي، والتي أكّدت أنها "معتمدة على نصوص هي أقرب إلى الميثولوجيا (أساطير/ خرافات)، سوغت مقولة البعض: إن "الحوثي يمثل أيديولوجيا أكاذيب".

7 مرتكزات

استعرضت الدراسة البحثية في إطار قراءتها لوثائق ومرجعيات المليشيا الحوثية أهم 7 مرتكزات لتلك الأيديولوجيا، يعيد "الثورة نت" نشرها فيما يلي:

1- الإمامة "الولاية"
وتعني أن الحكم حق حصري لهم، باعتبارهم امتدادًا للإمام علي الذي أوصى له النبي بالخلافة، وفق عقيدتهم. 
وتعد نظرية "الولاية" أهم مرتكزات الأيديولوجيا الحوثية التي على أساسها يبنون مشروعيتهم السياسية والدينية. 
وهي اعتقاد جميع الجارودية قديمًا وحديثًا. يقول بدر الدين الحوثي: "الولاية بعد رسول الله لعلي- عليه السلام، ومن بعده لأخيار أهل البيت، الحسن والحسين وذريتهما الأخيار، والولاية لمن حكم الله بها في كتابه وسنة رسوله، رضي الناس بذلك أم لم يرضوا، الأمر إلى الله وحده، ولا دخل للشورى".
ويمكن اختصار مشروع "الولاية" الحوثي في الفكرة التالية: أن جميع مشاكل المسلمين السياسية والاقتصادية والفكرية، وفشلهم وهزائمهم أمام أعدائهم التاريخيين والأبديين (اليهود والنصارى)، ترجع إلى عدم تنفيذ وصية النبي- صلى الله عليه وسلم- بحصر الولاية في ذريته علي بن أبي طالب من البطنين، والذي يعتبر انحرافًا عن العقيدة. 
وتصويب هذا الانحراف يتم بعودة الولاية/ الإمامة لذرية النبي، وهو الأمر الكفيل بحل كل مشاكل المسلمين.

2- آل البيت
يزعم الحوثيون- والهاشميون عمومًا- أنهم "آل البيت" المعنيون بقوله تعالى: ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً))، وأنهم ذرية النبي من فاطمة؛ وهي دعوى ساقطة لا تستقيم عقلًا ولا شرعًا، فالنبي لا ذرية له، والقرآن يحسم القضية بوضوح: ((ما كان محمدٌ أبا أحدٍ من رجالكم ولٰكن رسول الله وخاتم النبيينۗ))، كما أن لفظة "آل البيت" لا تناظر، ولا تقابل، لفظة "أهل البيت"، فهي- أي "آل البيت"- لفظة مختلقة، وغير صحيحة من حيث اللغة، ولا وجود لها أصلًا في نصوص الشرع.
ويرمي الحوثيون من وراء انتسابهم المزعوم للنبي إثبات أفضليتهم، وتفوقهم العنصري السلالي، وإكساب ذواتهم طابع القداسة، علاوة على تكريس حقوق مزعومة سياسية واقتصادية واجتماعية، تصب جميعها في تمييزهم ورفعهم فوق المجتمع، وترسيخ وشرعنة استيلائهم على السلطة، واحتكارها كحقٍّ حصريٍّ لهم دون منازع.

3- الاصطفاء:
"يعتقد الحوثي أنه وسلالته قرناء القرآن، والثقل الأصغر، وسفينة نوح، ونجوم أهل الأرض، وورثة الكتاب المطهرين من الرجس، والمصطفين بين الأمم".
كما "يعتقد أنه من سلالة مقدسة، فضله الله من علياء سمائه على كل الخليقة، وبموجب مزعوم هذا التفضيل فإن على كل الناس طاعته، والخضوع له، والتسليم بكل ما يملى عليهم، ومن ذلك حقه في الحكم والتسلط على الناس" .
ويقدم الحوثيون أنفسهم بوصفهم "أعلام الهدى" الذين يتعين على الأمة كلها طاعتهم والانصياع لحكمهم. 
إنهم في الواقع "كيان ذو نزعة استعلائية، قائمة على الوهم والتمجد، وادعاء ما ليس لهم، ليكسبوا ما ليس من حقهم أن يكسبوه من امتيازات مادية ومعنوية".

4- الخمس:
تعد مسألة الخمس عند الحوثيين أهم ركيزة بعد الإمامة "الولاية"، إذ جرى توظيفها خارج الفقه الإسلامي بدعاوى لا تمت إلى الشريعة بصلة. 
وقد عملت الجماعة على نهب مقدرات اليمن عمومًا تحت لافتة مختلفة، لصالح تدعيم مشروعها، ثم جيرت مسألة "الخمس" لأبعاد سلالية عنصرية، فهو أحد وسائلها التي تقوم عليها بنيتها الاقتصادية؛ فصناعة اقتصاد موازٍ تحتكر من خلاله الثروة يخلق طبقة غنية فاحشة الثراء، متحكمة بعصب الاقتصاد؛ وهو ما يسهل لها شراء الولاءات من جهة، وتجييش العوام وحشدهم خلف مشروعها من جهة ثانية. 
وقد أدخل الحوثيون مؤخًّرًا- عام 2020م- تعديلات خطيرة على قانون الزكاة (رقم: 2 لعام 1999م)، وأحدثوا فيه تعديلات عنصرية تحت مسمى "اللائحة التنفيذية لقانون الزكاة".
إذ جرى تخصيص امتيازات حصرية لمن وصفوهم بـ"بني هاشم" في إيرادات الدولة، دون بقية اليمنيين، وأجازت الجماعة- بموجب هذا التعديل العنصري- الاستيلاء على 20% من ثروات اليمن، لصالح السلالة.
حيث نص التعديل الجديد على إخراج الخمس من النفط والمعادن والذهب والأسماك والمنتجات الحيوانية والعسل، ومن المحاصيل الزراعية والأرباح التجارية والثروة الحيوانية، وغيرها من الإيرادات الخاصة بالمواطنين والشركات، وتخصيصها لصالح السلالة، ما يضمن توريد نسبة من تلك الأموال لصالح قيادة الجماعة ورموزها تحت لافتة "الخمس".
وتسعى جماعة الحوثي- من خلال هذه التعديلات- إلى إضفاء شرعية دينية وقانونية على "الجبايات" التي تفرضها على اليمنيين لتوفير موارد مالية لتمويل الحرب التي تخوضها الميليشيا ضد مخالفيها لتثبيت الانقلاب .

5- تكفير المخالفين
تكفير المخالفين هو جزء أساس من أيديولوجيا الجارودية الزيدية، قديمًا وحديثًا. فقد كفر مؤسس الدولة الزيدية والمذهب الهادوي في اليمن، يحيى بن الحسين، المخالفين لمذهبه في الإمامة.
وعلى خطى أسلافهم مضى الحوثيون، فقد كفروا الرئيس "هادي"، وحكومته، كما كفر بعضهم أهل مأرب. وصرح حسين الحوثي بتكفير كل من اعترف بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان، لأنه- في ظنه- منكرٌ لحق عليٍّ في الخلافة، حيث يقول: "يرفضون ولاية الإمام علي، يرفضون ما تبلغهم به، ليسوا مستعدين أن يقبلوه، هذا هو الكفر، لأن الكفر بكله إنما هو الرفض".

6- الطعن في الصحابة
أكد حسين الحوثي عدم مجاملته في موقفه السلبي تجاه كبار الصحابة، إذ يقول: "قدم الإسلام على أيدي بني أمية، وعلى أيدي أبي بكر وعمر ومن بعدهم، قدم على هذا النحو الذي ضرب الأمة كلها. هل أجامل؟! هل أجامل من كان وراء ضرب الأمة كلها". 
وصور "الحوثي" فترة حكم الخلفاء الراشدين كغيرها من فترات الملك العاض، وعهود الانحطاط الثقافي والحضاري؛ ويرى أن مجرد تولي المرء لأبي بكر وعمر كافٍ لأن يكون ضد القرآن، فيقول: "تحدثنا أكثر من مرة أن مجرد توليهما، مجرد توليهما، يجعلك تقف ضد القرآن". 
ومما قال عن الصحابة- رضي الله عنهم: "كذبوا بالقرآن، ونبذوا القرآن وراء ظهورهم، وحولوا القرآن إلى كتاب يخلق عقائد ليس فقط تنسب البخل إلى الله بل تجعل الله مصدر كل قبيح".

7- البطش بالمخالفين
ترتكز أيديولوجيا الحوثيين على موروث عنفي مشبع بالسادية، ولدته أحداث تاريخية تتداخل فيها الثورة والتمرد والرفض والانتقام والشعور بالمظلومية. فقد استمر العنف طريقًا للوصول إلى السلطة، وأداة لتكريسها، وللهيمنة على المجتمع؛ وهو منحى اتخذ حديثًا طريقين، الأول ما يطلقون عليه "الجهاد"، والثاني يتوسل شعار الموت لأمريكا ولإسرائيل. 
فأتباع جماعة الحوثي يطلقون على مقاتليهم وصف "مجاهدين"، ليمنحوهم شعورًا بقدسية ما يرتكبونه من جرائم بحق المخالفين؛ أما الشعار فيصنع لهم عدوًّا خارجيًّا وهميًّا يقنعون أتباعهم بأنهم يواجهونه، وهو ما يبرر إطلاق صفة "الجهاد" و"المجاهدين" على الأتباع، والذي يتحول في نهاية المطاف إلى عنف مفرط، ومشرعن- بالنسبة لهم- ضد اليمنيين، كونهم مجاهدين يقاومون الهيمنة الأمريكية.
ومنذ انقلاب الحوثيين وإمساكهم بسلطة الأمر الواقع مارسوا عنف السلطة منذ الوهلة الأولى لسيطرتهم على أجهزة الدولة ومؤسساتها، وذلك عبر الاعتقالات والمطاردات والاعتداءات والإخفاءات القسرية التي طالت المئات من المدنيين والعسكريين، وكل من يتبنى موقفًا مخالفًا لهم من مثقفين ومفكرين وكتاب وإعلاميين. 
بل جرى اعتقال بعض الأشخاص في معسكرات للجيش بقصد تعريضهم للقصف، وقتل جراء ذلك عدد منهم. كما تعرض البعض للتعذيب داخل السجون؛ ولقي معارضون حتفهم بالاغتيالات، وأجبر آخرون- إزاء هذا التنكيل- لمغادرة البلاد.
وما يجعل جماعة الحوثي تمارس السلطة عبر القمع والتنكيل والاستبداد ضعف شرعيتها السياسية، وفقدها لمشروع دولة القانون والحقوق والحريات والتنمية والنهضة.
إذ أن مشروعها مشروع سلطوي طائفي سلالي لا يحظى بدعم شريحة واسعة من السكان. فمشروعها- عمليًّا- لا يخدم إلا فئة الهاشميين الزيديين، وهي فئة لا يتجاوز تعددها 3% من سكان اليمن.

استحالة السلام والتعايش

الدراسة البحثية، ناقشت خمس وثائق مختلفة، أصدرتها مليشيا الحوثي، قبل وبعد انقلابها على الشرعية الدستورية في 21 سبتمبر 2014، وأوّلهُا ما يُعرف بـ"الوثيقة الفكرية والثقافية"، والتي أخرجتها إلى العلن في 13 فبراير 2012م، للتقارب مع بعض الأطراف الزيدية التقليدية والسياسية. 

وأمَّا الوثائق الأربع الأخرى فقد أصدرتها المليشيا عقب انقلابها المسلَّح على الحكومة الشرعية؛ وتتَّصل بالجانب القبلي، والوظيفي، والتعليمي، وبناء الدولة وفق الرؤية الطائفية السلالية.

وتوصّلت الدراسة إلى أن هذه الوثائق "لا تسمح بأيِّ فرصة للتعدُّد والتنوُّع والاختلاف في الرأي ضمن عملية سياسية تشاركية، ولا تساعد في إحياء قيم التعايش والتسامح والقبول بالآخر".

واتفقت مع تأكيدات عموم اليمنيين باستحالة إنهاء الحرب وإحلال السلام في البلاد، والتعايش في ظل وجود هذا الفكر القائم على احتكار السلّطة والتفرّد بالثروة باعتبارها منحة إلهية لسلالة معيّنة من دون البشر، وهو ما لا تدركه الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الذي يدفع نحو توقيع خارطة طريق مع الحوثية الفكرة والسلاح.

تم طباعة هذه الخبر من موقع الثورة نت www.althawra-news.net - رابط الخبر: https://althawra-news.net/news137553.html