الثورة نت – خاص
تحوّلت تجربة الصحفي والكاتب سام الغباري، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الثورة للصحافة والطباعة والنشر، إلى شهادة استثنائية في التاريخ اليمني الحديث، بعد أن نشر مذكراته التي توثّق تفاصيل اختطافه وتعذيبه داخل سجون ميليشيا الحوثي مطلع العام 2015.
التجربة القاسية التي استمرت 90 يومًا بين الزنازين الضيقة وأقبية الأمن القومي والسياسي، باتت اليوم بفعل جهد الغباري، لتدوينها وتوثيقها وإخراجها في كتاب ما يشبه الباكورة الأولى لأدب السجون في اليمن.
من متجر العائلة إلى زنزانة مظلمة
تعود جريمة الاختطاف إلى فبراير عام 2015، حينما داهمت ميليشيا الحوثي متجر والد الصحفي الغباري في مدينة ذمار.
لم يكن المشهد سوى صورة مصغرة لانهيار الدولة: مسلحون يقتادون صحفيًا أعزل لمجرد أنه كتب ضد الانقلاب الحوثي. ومنذ اللحظة الأولى، واجه الغباري العنف بالثبات، ليجد نفسه لاحقًا بين جدران معتمة، حيث يصبح التنفس مقاومة، والأمل انتحارًا مؤجلًا.
وجوه الجلادين وأقنعة السلطة
تكشف المذكرات وجوهًا مألوفة صارت لاحقًا رموزًا للانقلاب. يصف الغباري كيف رأى “أبو علي الحاكم”، الذي كان متهمًا بتهريب المخدرات، يتحوّل إلى “قائد دولة”.
مشاهد صادمة تُظهر كيف صعد قادة الميليشيا من أقبية السجون إلى صدارة المشهد السياسي، فيما ظل الأبرياء يذوقون الويلات خلف القضبان.
العائلة على الرصيف: أب مكسور وأطفال باكون
يروي الغباري تفاصيل اللحظة التي انكسر فيها قلبه: رؤية والده الشيخ الكبير يركض في طرقات ذمار بحثًا عنه، فيما انهارت زوجته أمام طفليه الصغيرين عدّي وقصيّ، وقد مزّقت صرخاتها صمت المنزل . كان وقع هذه المشاهد أشد من التعذيب نفسه.
التعذيب والإذلال: اتهامات ملفقة وصفقات قذرة
داخل السجون، وُجّهت له اتهامات تبدأ بـ”التحريض” وتمرّ عبر “الإساءة للسيادة”، وصولًا إلى تهم عبثية بالاستيلاء على أموال لم يرها قط. بل عُرضت عليه صفقات سياسية قذرة: الظهور على قناة “المسيرة” ليدين التحالف وينكر كتاباته، مقابل الإفراج عنه. لكنه رفض، مؤكدًا أن الكلمة الحرة لا تُشترى.
المقاومة بالصلاة والإضراب عن الطعام
في العزلة، لجأ الغباري إلى الصلاة والدعاء كملاذ روحي، معتبرًا أن الركوع كان صعودًا نحو الحرية الداخلية. وعندما ضاقت به السبل، أعلن إضرابًا عن الطعام، فتحول الخبر إلى قضية رأي عام وصلت للعالم عبر وسائل الإعلام . كان ذلك سلاحه الأخير لمواجهة جلاديه.
خيانة الصمت وتواطؤ البعض
لم يكن العدو الحوثي وحده هو المؤلم، بل خذلان بعض القوى السياسية، وصمت من كان يُفترض أنهم رفاق مهنة ونضال.
يصف الغباري تلك اللحظات بأنها أشد من القيود، فقد كشفت هشاشة كثيرين، وأثبتت أن السجن يفضح الأصدقاء كما يفضح الأعداء.
ولادة أدب السجون اليمني
مذكرات الغباري تتجاوز البعد الشخصي لتُشكّل نصًا أدبيًا وسياسيًا نادرًا في اليمن. نصوصه تمزج بين الشعرية والوثيقة، بين الدعاء والمرارة، لتضع الأساس لما يمكن أن يُسمى أدب السجون اليمني.
يقول: “كنت أول صحفي يسقط ضحية مشروعهم لاختطاف الوطن، وأول من رأى كيف يتحول الحرف إلى خطر يهدد عروش المجرمين”.
رسالة الغباري: الحرية لا تُسجن
بعد 90 يومًا من الجوع والبرد والتعذيب، خرج الغباري من السجن وهو أكثر إيمانًا بأن الكلمة أقوى من السيف. فالمعركة– كما يؤكد– ليست فقط على الأرض، بل على المعنى: معنى الحرية، ومعنى الكرامة، ومعنى الوطن.