2025/12/11
المملكة تتصدى لتصعيد الانتقالي وترفض السقوط في فوضى الميليشيات وتمنع فرض واقع بالقوة

يعيش الشارع اليمني بحالة من الظلام والتعقيد المتصاعد، نتيجة التحركات التي قام بها المجلس الانتقالي الجنوبي في محافظة حضرموت ومناطق أخرى، وهي تحركات أثارت قلقاً واسعاً على المستويين الوطني والإقليمي بسبب ما حملته من إشارات واضحة على السعي لفرض أمر واقع جديد بالقوة وهو ما يتنافى مع روح المرحلة الانتقالية في اليمن ويتعارض مع الجهود التي تبذلها المملكة العربية السعودية لإعادة الاستقرار وتهيئة المناخ الملائم لإنجاز مسار سياسي شامل يراعي مصالح جميع اليمنيين ويحفظ وحدة الدولة ويجنب البلاد جولات جديدة من الصراع الداخلي الذي أثقل كاهل الشعب اليمني لسنوات طويلة.

 

ومنذ اللحظة الأولى التي بدأت فيها الأخبار تتوالى عن قيام قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي بالتمدد في حضرموت بدعم من وحدات أمنية ومحلية موالية له، حرصت المملكة على إيضاح موقفها بشكل حازم وهو موقف يقوم على رفض كامل لأي محاولة للسيطرة على المحافظة من خارج إطار الشرعية اليمنية ومؤسساتها المعترف بها، واعتبرت المملكة أن ما جرى يمثل خرقاً واضحاً للمرجعيات المنظمة للمرحلة الانتقالية وأنه يشكل تهديدًا خطيرًا للسلم الأهلي في محافظة تعد إحدى أكثر المناطق استقرارًا في اليمن خلال السنوات الماضية وتمثل عمقا اجتماعياً واقتصادياً مهماً للدولة اليمنية وللمنطقة بشكل عام.

 

ومع تمسك المملكة الدائم بسياسة دعم الاستقرار في اليمن وحرصها على حماية المدنيين ومنع انزلاق الأوضاع نحو صراع داخلي جديد، فقد شددت القيادة السعودية على ضرورة انسحاب القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي من محافظتي حضرموت والمهرة وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل التصعيد، مع منع تكرار المواجهات المسلحة وتحافظ على وحدة القرار الأمني وتضمن عدم استخدام القوة في فرض أجندات سياسية على السكان المحليين أو على مؤسسات الدولة الشرعية.

 

تهديد لوحدة القرار الوطني

 

وتعتبر المملكة أن الأزمة في حضرموت ليست مجرد تحرك عسكري أو سياسي محدود وإنما هي اختبار حقيقي لمدى التزام المكونات اليمنية بالمسار السياسي وبالحوار كأداة رئيسة لإدارة الخلافات وقد شددت القيادة السعودية على أن أي إجراءات أحادية مثل تلك التي اتخذها المجلس الانتقالي تمثل في جوهرها تقويضا لسلطة الحكومة الشرعية ومحاولة للالتفاف على المرجعيات الأساسية التي توافق عليها اليمنيون في مراحل مختلفة من الحوار الوطني كما أنها تحمل تشابهًا واضحًا مع المنهج الذي اتبعته ميليشيا الحوثي في انقلابها على الدولة وهو ما يشكل تهديدًا لوحدة القرار الوطني وتمهيدًا لخلق مناطق نفوذ متصارعة على حساب المواطنين وعلى حساب مؤسسات الدولة.

 

القضية الجنوبية لا تختزل بشخص واحد

 

ومن النقاط الجوهرية التي ركزت عليها المملكة في مواقفها المعلنة وغير المعلنة أن القضية الجنوبية قضية عادلة وتستحق أن تكون جزءاً أصيلاً من أي تسوية سياسية مقبلة، وهي قضية تم الاعتراف بها منذ مخرجات الحوار الوطني إلا أن اختزالها في شخص واحد أو مكون واحد هو أمر يتجاهل حقيقة أن الجنوب في جوهره يمثل طيفاً واسعاً من المكونات السياسية والاجتماعية والقبلية، ولا يمكن لمكون واحد الادعاء بامتلاك التفويض الكامل أو بنطق إرادة كل الجنوبيين، ومن هنا جاءت الرسالة السعودية واضحة بأن معالجة ملف الجنوب يجب أن تكون شاملة ومتكاملة وتمثل جميع القوى الجنوبية وليس عبر بوابة طرف واحد يحاول فرض نفسه على الآخرين بالقوة أو بالتحركات الميدانية.

 

وفي ظل هذا التعقيد المتزايد جاء الجانب الإنساني في صلب الموقف السعودي حيث أكدت قيادة المملكة، أن الظروف المعيشية لليمنيين لا تحتمل أي فتح جديد لجبهات الاستنزاف الداخلي، وأن أي تصعيد سيضيف عبئاً جديداً على اقتصاد منهك وعلى مجتمع يعاني من ضغوط إنسانية وصحية ومعيشية قاسية، وأن الواجب الوطني والأخلاقي يحتم على جميع المكونات اليمنية تركيز الجهود نحو الأولويات الاقتصادية والخدمية بدلاً من الدخول في مواجهات تستهلك الموارد والطاقات وتترك آثاراً مدمرة على السكان.

 

جرائم ارتكبها المجلس الانتقالي الجنوبي

 

وإلى جانب ذلك برزت تقارير متعددة توثق سلسلة من الانتهاكات التي ارتكبتها بعض قوات المجلس الانتقالي بعد دخولها حضرموت، وتشمل حالات إعدام خارج إطار القانون بحق أسرى عسكريين واعتقالات تعسفية وإخفاء قسري بحق مدنيين وعسكريين، إضافة إلى الإخلاء القسري لأسر من منازلها ونهب منازل ومحلات تجارية ومؤسسات مدنية وعسكرية وفرض قيود صارمة على حرية التنقل في بعض المناطق، وهذه الانتهاكات اعتبرتها المملكة مؤشراً خطيراً على أن أي تمدد غير منضبط يمكن أن يتحول إلى خطر مباشر على أمن السكان وعلى النسيج الاجتماعي في حضرموت وعلى بقية المحافظات الجنوبية.

 

ولذلك تعمل المملكة بشكل حثيث على احتواء الأزمة عبر فتح قنوات الحوار بين الأطراف اليمنية المختلفة، ومحاولة إعادة جميع المكونات إلى الطاولة السياسية من أجل الوصول إلى تفاهمات تضمن وقف التصعيد وتمنع انجرار الأوضاع إلى مواجهات مسلحة جديدة، كما تبذل المملكة جهوداً لإعادة بناء الثقة بين الأطراف وتعزيز دور مجلس القيادة الرئاسي بوصفه الإطار الجامع الذي يجب أن تعمل تحته جميع القوى اليمنية دون استثناء.

 

وتؤكد المملكة أن رؤيتها لليمن تقوم على مبادئ راسخة، تتمثل في دعم أمن اليمن واستقراره ووحدته وسلامة أراضيه والعمل على نقله من مرحلة الصراعات والفوضى إلى مرحلة التنمية وإعادة الإعمار وتعزيز المؤسسات الوطنية، بما يمكن اليمنيين من تحقيق تطلعاتهم نحو مستقبل أفضل من الازدهار والرخاء والتكامل الاقتصادي مع محيطهم الخليجي والعربي، وهذا الهدف لا يمكن أن يتحقق إلا عبر تعاون حقيقي بين جميع القوى السياسية اليمنية وتجاوز الحسابات الضيقة واحترام سلطة الدولة والابتعاد عن كل ما من شأنه خلق نزاعات جديدة أو فرض واقع عسكري على السكان.

 

وتولي المملكة مطالب الجنوبيين اهتماماً خاصاً وتدعم حقوقهم العادلة عبر القنوات السياسية والحلول السلمية التي تضمن تمثيل جميع الأطراف الجنوبية في أي عملية سياسية مستقبلية بما يحقق العدالة ويحمي حقوق المواطنين ويصون وحدة النسيج الاجتماعي، وقد عملت المملكة على دعم مشاركة الجنوبيين في الحوارات الوطنية وفي الوفود السياسية لأن تمثيل الجنوب ركيزة أساسية من ركائز الحل الشامل، وأن إقصاء أي طرف جنوبي سيؤدي إلى خلل في أي تسوية مقبلة.

 

 

استخدام السلاح لفرض رؤية سياسية

 

وتواجه المملكة في هذا السياق تحدياً مزدوجاً يتمثل من جهة في ضرورة منع أي طرف من استخدام السلاح لفرض رؤيته السياسية، ومن جهة أخرى في ضرورة الحفاظ على مكتسبات الحوار الوطني وفكرة الشراكة بين المكونات المختلفة داخل الإطار الشرعي، ولهذا تحرص المملكة على أن يكون الحل في حضرموت حلاً سلمياً يقوم على سحب القوات المنفلتة وعودة المؤسسات للعمل الطبيعي تحت إشراف الحكومة الشرعية وعلى تمكين قوات درع الوطن من حماية المنشآت الحيوية ومنع أي اختراقات أمنية قد يستغلها الحوثيون أو أي أطراف أخرى تسعى لخلط الأوراق.

 

وتسعى المملكة أيضاً إلى إرسال رسالة أوسع مفادها أن أي تهديد للاستقرار في حضرموت أو المهرة أو أي محافظة يمنية سيؤثر بشكل مباشر على جهود إعادة بناء الاقتصاد اليمني وعلى قدرة الحكومة على تقديم الخدمات الأساسية للسكان وأن إعادة الثقة بين الدولة والمواطنين تتطلب بيئة مستقرة خالية من السلاح المنفلت أو السلطات الموازية أو التحركات الأحادية التي تعطل عمل المؤسسات الوطنية.

 

وتؤكد المملكة أن علاقتها بالحكومة الشرعية قائمة على دعم مؤسساتها وتعزيز قدرتها على إدارة الدولة، وأن أي إجراءات تتجاوز الشرعية وتستهدف إضعافها ستنعكس سلباً على مجمل العملية السياسية وأن المكونات اليمنية مطالبة بالعمل تحت مظلة مجلس القيادة الرئاسي باعتباره الإطار الدستوري المؤقت الذي يوفر الشرعية الجامعة حتى الوصول إلى تسوية نهائية ومتفق عليها بين اليمنيين.

 

كما تدرك المملكة أن حضرموت ليست مجرد محافظة من محافظات اليمن بل هي مساحة جغرافية واسعة قادرة على التأثير في معادلات القوة داخل البلاد، وهي أيضاً مركز اقتصادي وثقافي واجتماعي مهم، ولذلك فإن السماح لأي طرف بفرض سيطرته عليها خارج إطار الشرعية سيؤدي إلى إحداث خلل كبير في التوازن الداخلي وفي مسار العملية السياسية، وسيفتح الباب أمام نزاعات جديدة بين القوى اليمنية، الأمر الذي ينعكس على الأمن الإقليمي بأكمله.

 

احترام تطلعات أبناء المحافظات

 

ومن هنا، تعمل المملكة على تحقيق معادلة دقيقة تجمع بين احترام تطلعات أبناء المحافظات الجنوبية وبين ضمان ألا تتحول تلك التطلعات إلى أدوات صراع أو تنازع على النفوذ، وتؤكد المملكة أن حماية حقوق الجنوبيين وضمان تمثيلهم السياسي لا يتحقق عبر السيطرة بالقوة أو عبر الإجراءات الأحادية بل يتحقق عبر صياغة مشروع سياسي شامل يراعي مصالح جميع أبناء الجنوب ويضمن مشاركتهم الفاعلة في مستقبل اليمن.

 

وتستند المملكة في رؤيتها للحل إلى أن الاستقرار في اليمن لن يتحقق إلا عبر حوار جامع يشمل القوى السياسية والمجتمعية كافة، وأن هذا الحوار هو الطريق الوحيد للوصول إلى تسوية تضع نهاية للصراع المستمر منذ سنوات طويلة، وقد أثبتت التجارب أن أي محاولة لإقصاء طرف أو فرض واقع عسكري تؤدي إلى جولة جديدة من الصراع وإلى تدهور أكبر في الوضع الإنساني والاقتصادي.

 

أمن اليمن جزء لا يتجزأ من أمن المنطقة

 

وتواصل المملكة جهودها الدبلوماسية المكثفة من أجل تهدئة الأوضاع في حضرموت، وإعادة جميع الأطراف إلى مسار التفاوض، وتعمل على حشد الدعم الإقليمي والدولي لدعم الاستقرار ومنع أي انزلاق نحو مواجهات جديدة، وتؤكد المملكة أن أمن اليمن جزء لا يتجزأ من أمن المنطقة، وأن الحفاظ على وحدة اليمن واستقراره هو هدف استراتيجي لا يمكن التراجع عنه.

 

وفي هذه الجهود المكثفة، تبرز قناعة سعودية راسخة بأن اليمنيين وحدهم قادرون على صياغة مستقبلهم إذا توفر لهم المناخ المناسب بعيداً عن الضغوط العسكرية وعن النزاعات الداخلية، وأن المملكة ستواصل لعب دورها كداعمة للسلام وميسرة للحوار ورافعة للمسار السياسي، وستظل تعمل مع المجتمع الدولي من أجل ضمان أن تنتهي هذه الأزمة بمكاسب للأمن والاستقرار وللشعب اليمني، الذي عانى طويلاً وآن له أن يرى مستقبلاً مختلفاً يقوم على التنمية بدلاً من السلاح وعلى الشراكة بدلاً من الانقسام وعلى مؤسسات الدولة بدلاً من القوى المتصارعة.

 

وبذلك تقدم المملكة رؤية شاملة تهدف إلى إنهاء التصعيد في حضرموت ومنع انتقاله إلى مناطق أخرى وإلى فتح الباب أمام مرحلة جديدة من العمل السياسي الذي يعالج جذور الأزمة اليمنية ويعيد للدولة سلطتها ومكانتها، ويضمن للجنوبيين حقوقهم العادلة ضمن إطار وطني جامع، ويمنع أي محاولة لفرض واقع بالقوة أو لجر اليمن إلى صراع جديد في لحظة يحتاج فيها اليمنيون أكثر من أي وقت مضى إلى الاستقرار والعمل المشترك من أجل مستقبل أفضل.

 

مشروعات سعودية تنموية في حضرموت والمهرة

 

تشكل الجهود التنموية التي تنفذها المملكة العربية السعودية عبر البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن أحد أهم المسارات التي أسهمت في تعزيز الاستقرار ودعم الخدمات الحيوية في محافظتي حضرموت والمهرة، إذ قدم البرنامج مجموعة واسعة من المشروعات التي تستهدف البنية التحتية والخدمات الأساسية، ولقد تم تنفيذ أكثر من مئتين وأربعين مشروعاً ومبادرة في اليمن، شملت قطاعات التعليم والصحة والطاقة والمياه والنقل والزراعة.

 

إنشاء الطرق في حضرموت

 

وفي محافظة حضرموت نفذت المملكة مشروعات بارزة في الطرق أبرزها مشروع إعادة تأهيل طريق العبر الرابط بين حضرموت والمهرة والعمل على تحسين نقاط المرور الحيوية، ما أسهم في تسهيل حركة المسافرين والبضائع، كما دعمت المملكة القطاع الصحي بتجهيز عدد من المستشفيات والمراكز الطبية وإمدادها بمولدات كهربائية ومعدات حديثة.

 

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يقدم مشروعات تنموية مستدامة للشعب اليمني

 

مشروعات في محافظة المهرة

 

أما في محافظة المهرة، نفذت مشروعات واسعة في قطاع الطاقة شملت تزويد المحافظة بمحطات توليد جديدة ورفع القدرة التشغيلية لمحطات قائمة وتوفير شبكات توزيع ومحولات كهربائية، بما يضمن استقرار الخدمة في المدن والقرى، كما نُفذت مشروعات في قطاع الطرق تضمنت شق طرق رملية وربط مناطق نائية بالمراكز الحضرية إضافة إلى مشروعات تعليمية شملت تأهيل مدارس وتنفيذ مبان جديدة وتجهيزها بمختبرات وتقنيات حديثة لدعم العملية التعليمية.

 

ولقد استفاد ملايين اليمنيين من هذه المشروعات السعودية بشكل مباشر وغير مباشر، وركزت على رفع القدرة المؤسسية للجهات المحلية من خلال تسليم المشروعات مكتملة التجهيز وربطها بخطط التنمية الحكومية، وتمتد هذه الجهود ضمن رؤية المملكة الشاملة الهادفة إلى دعم اليمن واستعادة مؤسساته وتحسين الاقتصاد المحلي وتوفير الخدمات التي تمس حياة الناس اليومية. ويكشف هذا الحراك التنموي عن رؤية سعودية واضحة تعمل على تحويل العمل الإغاثي التقليدي إلى مسار تنموي مستدام يعالج جذور المشكلات التنموية ويرسخ الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في المحافظتين، ويضعهما على مسار جديد من التعافي والتكامل مع بقية المحافظات اليمنية، بما يضمن بيئة أكثر استقرارًا تخدم احتياجات السكان وتدعم عودة النشاط الاقتصادي وتخفيف الأعباء عن المواطنين.

 

* نقلا عن صحيفة الرياض

تم طباعة هذه الخبر من موقع الثورة نت www.althawra-news.net - رابط الخبر: https://althawra-news.net/news146123.html