2014/06/03
الفن من أجل السلام.. مراد نموذجا

شكلت الصور التي بثتها وكالة “رويترز” في منتصف شهر أبريل من العام 2012م مصدر إلهام حقيقي لكل من رآها من اليمنيين والأخوة العرب لحالة الوئام الاجتماعي لما بعد ثورات الربيع العربي. ولازلت أتذكر تعليق صديقة سورية على صورة ظهر فيها مسلحون قبليون في منطقة الحصبة وهم يتأملون من الخلف رسامين شباب انهمكوا على جدرانº لطالما لْونت في فترة سابقة من العام 2011 بدماء وأشلاء المتقاتلين هناك. وقالت الصديقة السورية وهي تعيد مشاركة الصور: إلى إخواننا السوريين أنظروا إلى الشعب اليمني الرائع. هذا شيء لا يصدق. كانت الحصبة تبدو وكأنها منطقة مغلقة عندما دخلها مراد سبيع للرسم. رأيته وهو يكافح لإقناع جنود ومسلحين بأن ما يفعله لا يمثل عدواناٍ على أحد. وفي الطريق السريع المحاذي لمبنى اتصالات يمن موبايل ومبنى حكومي آخر رسم عليه الشباب. رأينا كيف تباطأت الحركة في الخط السريع كان الكبار وأطفالهم يطلون برؤوسهم من سياراتهم الصغيرة بعد أن أنزلوا زجاجاتها المْعكِسة. كانت هناك دهشة حقيقية. أجبرت مسلحين وجنود على المشاركة في طلاء مساحات اللون في الأعمال الفنية. البراعة التي أنتجها مراد سبيع في حملته لتلوين جدران العاصمة صنعاء كان لها أوجه عدة. ابتداءٍ من وعي هذا الفنان الشاب بإشراك المجتمع في ما يعمله. ولازلت أتذكر مثابرته على التواصل مع فريق الحملة كل صباح. لتذكريهم بيوم الفن والذي كان يحدده في يوم الخميس من كل أسبوع. ولذا انخرط في الفن شباب لم تكن لهم تجارب فنية سابقة. رسموا أحلامهم وآلامهم على الجدران التي لا تزال شاهدة على ما عملوه اليوم. الجانب الجمالي الآخر للحملة هو أن سبيع حافظ على استقلالية حملته رفض الدعم المادي العادي ناهيك عن الدعم المشروط عمل بعصامية قلما تجدها في مجتمع متفكك. في أحد أيام الحملة ذهبنا صباحاٍ للرسم على جدران جسر مذبح الممتد وأتذكر حينها أنه لم يكن بحوزتنا غير اللون الأسود. حاولت أن أتطوع حينها بأخذ ألوان أخرى. واضطررت للذهاب مع صديقي باللون الوحيد بعد أن قال لي بإلحاح: نحن فنانون ونستطيع أن نخلق من اللون الأسود أشياء مدهشة. وبالفعل رسمت أنا حينها سمكة تصطاد إنسان. ورسم هو أقمار سوداء ذابت على نظيراتها. برأيي إن الفن الجرافيتي يكتسب قيمته من كونه رسالة سلام خالصة. ودائماٍ ما ينظر إليه على أنه عدو السلطات الرسمية. ولذا تعتبره كثير من الدول ومنها المتقدمة عملاٍ يستوجب المساءلة. ومن هنا تنبع فكرة الكفاح الرائعة لدى الفنانين الذين ينتهجونه هذا إلى جانب أعداء آخرين لا مرئيين لهذا الفن. والكل يتذكر كيف أن حملة الجدران تتذكر وجوههم أظهرت إرباكاٍ لأشخاص مجهولين أربكهم تحديق وجوه الضحايا في عيونهم. ولذا دائماٍ ما لجأ هؤلاء الجلادون إلى طمس عيون ضحاياهم المخفيين من على الجدران. كانت العيون الجزء الأكبر تأثيراٍ على آلة القمع. وكشفت الحملة وإن بشكل ضمني أن آلة القمع هذه لا تزال تعيش بيننا لا تزال وجوه ضحاياها تشكل لها مصدر قلق وإزعاج ولذا لجأت خلسة وتحت جنح الظلام إلى طمس الجزء الأكثر تخويفاٍ لهم-العيون- كلما مروا من شوارع العاصمة صنعاء. كما أن المتابع لمسيرة النجاح التي حققها الفنان الشاب مراد سبيع يرى بوضوح أن وراءها حالة نضال ومثابرة روحاٍ تؤمن بالسلام ومتصالحة مع نفسها. لم يكن مراد سبيع يداٍ لدى أي طرف سياسي. ابتعد عن كل شبهة يمكن أن تقوده إلى دائرة التصنيف السياسي الضيق. ومع ذلك لم يسلم من المحاولات المتكررة للإساءة إليه سواء من خلال إطلاق حملات موازية لحملته تحمل في مضمونها رسالة سياسية ولؤم وخسة أو من خلال طمس الجداريات على جدار جسر مذبح ومناطق أخرى. لكن ظلت حملات مراد سبيع الأكثر عمقاٍ. لأنها تجربة ولدت لتؤثر ولتبقى. ولأنها تستهدف هدفاٍ أسمى وأروع وهو الأمن والسلم الاجتماعي. وفي مثل هذه الأوقات العصيبة من مسيرة الشعب اليمني والتي ولدت معها حالة من الانقسام الجغرافي والطائفي نرى كم نحن بحاجة إلى نموذج الفنان مراد. وكم يمثل وجوده من قيمية حقيقية لقيم الفن والتسامح والسلام. لاتعرف بداية حقيقية للفن الجرافيتي في العالم لأنه مرتبط بحالة الاحتجاج الطويلة التي قادت العالم إلى منظومة الحقوق والحريات الحالية ويقال إنه ظهر رسمياٍ في بداية القرن العشرين على أيدي الأمريكيين المحتجين وبالتحديد في ولاية نيويورك حيث جسدت الطبقة المسحوقة آمالها وأحلامها في مترو الأنفاق وعلى واجهات المباني الضخمة وفي الأرصفة ومن ثم انتقل هذا الفن إلى أوروبا. ويعد الفنان العالمي بانسكي من أشهر المعاصرين في قضية الفن من أجل السلام وهو فنان مجهول وبحسب صحيفة “الجاردين” واسمه روبرت بانسكي من مواليد 1974م في بلدة بيات القريبة من برويستول. لكن لا يوجد تأكيد على هوية “بانكسي” الحقيقية وسيرته الذاتية وانطلقت أعماله من بوستول ولندن في عام 2003م ومن ثم انتشرت في أنحاء متفرقة من العالم وفي إحدى محطاته الأكثر جدلاٍ جمع هذا الفنان مايقارب ثلاثين فناناٍ في محطة ووترلو وطلب منهم تحويل جدران المحطة المتسخ والقذر إلى معرض دائم لرسوماتهم داعياٍ المواطنين للتعاون معهم لجعل المكان مدهشاٍ وجذاباٍ. يحمل بانكسي وسام أعظم فنان يعيش في بريطانيا. وتعرض الفنان الذي منحته القناة الرابعة البريطانية وسام أعظم فنان يعيش في بريطانيا للكثير من المضايقات بعد أن حملت رسوماته الأخيرة طابعاٍ احتجاجياٍ وقامت هيئة النقل البريطانية بطمس الكثير من أعماله ومنها مشهد لفيلم “بلب فاكشن” ويظهر العمل المرسوم بطلي الفيلم الأمريكي وهما يشهران في أيديهما موزاٍ بدلاٍ من المسدسات وقالت الهيئة إن رسوماته تؤذي المارة ولم يألوا الفنان جهداٍ في أن يرسم على اللوحة المطموسة لوحة أخرى. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ قدمت هذه الورقة في ندوة “الفن من أجل السلام” التي أقامتها مؤسسة إبداع بصنعاء

تم طباعة هذه الخبر من موقع الثورة نت www.althawra-news.net - رابط الخبر: https://althawra-news.net/news84814.html