

ينظر معظم الناس إلى المونديال نظرة فنية (بحتة) لكن كرة القدم أصبحت بزنس واسع ودورة اقتصادية كبيرة تؤثر بشكل ايجابي وسلبي على البلدان التي تستضيف أحداث رياضية كبيرة مثل كأس العالم أو دورة الألعاب الاولمبية أو حتى البطولات القارية مثل بطولات كاس أوروبا وأمريكا الجنوبية وإفريقيا وحتى نهائيات آسيا الأقل شأنا بين البطولات الكروية.
قبل أمس الاثنين شاهدت في قناة الميادين تقريرا يرصد التأثيرات السلبية على اقتصاد انجلترا وايطاليا واسبانيا جراء الخروج المبكر لهذه المنتخبات من المونديال وقال التقرير أن هذا الخروج ساهم في ضياع أكثر من 200 مليون جنية أسترليني على أصحاب الحانات والكافهيات والمطاعم التي كان عملها يسير بصورة جيدة مع تواجد المنتخب الانجليزي في الأدوار الأولى من البطولة وان أسعار قمصان المنتخب الانجليزي التي كانت تباع بـ80 يورو انخفضت لتصل إلى النصف مع خروج المنتخب الانجليزي ونفس الشيئ ذاته حدث في بلدان ايطاليا واسبانيا والتي كان يعول عليهما الذهاب بعيدا في هذه البطولة انظروا إلى أي حال تؤثر كرة القدم في اقتصاديات دول بعيدة عن استضافة المونديال¿. في احد مقاهي الريو استوقفت رجل ثلاثيني يبيع قمصان وأعلام المنتخب البرازيلي لسؤاله عن أسعار الفانلات التي يبيعها وهي عادية جدا وتشابه إلى حد بعيد في جودتها فانيلات التحرير الصينية فقال لي انه يبيع الفانلة الواحدة بحوالي 60 ريس نحو ثلاثين دولار أمريكي يعني أكثر من ستة الآف ريال يمني وان المونديال كان فرصة مواتية لإنعاش مهن صغيرة مثل طباعة صور لاعبي المنتخب البرازيلي على القمصان وسائقي التاكسي وشركات الأمن الخاصة التي يقال أنها ربحت أكثر من 400 مليون دولار لتوفير الأمن لـ60 ألف زائر حيث يتقاضى البودي جارد حوالي 1500 دولار في اليوم الواحد. وبغض النظر عما حققه منتخب البرازيل من نتائج حتى الآن في كأس العالم تبقى البرازيل «الدولة» و»الحكومة» و»الرئيسة» و»الاقتصاد» هم الأبطال الحقيقيون لمونديال 2014 الذي شارف على الانتهاء بخوضهم تحد حقيقي باستضافة مونديال وسط تحذيرات كانت توزع علينا في وسائل المواصلات المختلفة والمطارات لا تمشي لوحدك في الطريق ليلا لا تخرج نقود من حافظتك أمام الناس يمكنك الاستعانة بشركات الأمن الخاصة لمزيد من إجراءات السلامة. مونديال يتحدى المظاهرات على الرغم من الصعوبات الفائقة التي واجهتها البرازيل كدولة قبل المونديال إما بسبب محاولات أثرياء العالم إفشال البرازيليين وانتقاد استعداداتهم وقدراتهم أو بسبب عدم قوة الاقتصاد البرازيلي الصاعد بما يكفى لتحمل أعباء استضافة حدث عالمي كهذا أو حتى بسبب ضعف إجراءات الأمن والسلامة في بلد يعد من بين أكثر دول العالم التي تعانى من انتشار الجريمة أو بسبب الإضرابات «الابتزازية» التي نظمتها بعض النقابات العمالية البرازيلية قبل البطولة والمظاهرات «اليومية» التي نظمتها الجماعات اليسارية والفوضوية لتعطيل المونديال وتكدير المزاج الكروي العالمي على الرغم من ذلك كله كان المونديال فرصة للبرازيل لإظهار قوتها كدولة خرجت من مصاف الدول الفقيرة إلى النامية إلى الصاعدة لتصبح سابع أقوى اقتصاد في العالم تماما مثلما كانت أوليمبياد سول 1988 هو النقطة الفاصلة التي تعرف فيها العالم على صعود كوريا الجنوبية من مصاف الدول النامية إلى فئة الدول الشرسة اقتصاديا. فقد أظهرت البرازيل من خلال المونديال أنها دولة قوية تملك حكومة صلبة ورئيسة فولاذية فقد نجحت في استضافة أنجح بطولات كأس العالم في التاريخ فنيا وتنظيميا وجماهيريا واقتصاديا وهو ما شجع الرئيسة ديلما روسيف – 66 عاما – على اغتنام فرصة المونديال لإعلان ترشحها عن حزب العمال اليسارى للانتخابات الرئاسية في 5 أكتوبر القادم للفوز بولاية ثانية وبعد أن كان بعض المحللين يرون تراجعا في شعبيتها وخاصة بعد واقعة الهتاف العدائي ضدها أثناء حضورها مباراة الافتتاح بين البرازيل وكرواتيا جاءت استطلاعات الرأي بعد ذلك لتؤكد أن روسيف – تلميذة الرئيس السابق لولا دا سيلفا في النضال ودخول السجون – ما زالت تتمتع بشعبية جارفة بين البرازيليين بدليل أنها لم تخسر سوى نقطتين في شعبيتها حيث يرى 38 % من البرازيليين الآن أنها ما زالت الأفضل لقيادة البلاد. طالما تحدثنا عن قوة الدولة فقد أظهرت البرازيل قدرتها الفائقة على توفير الأمن والحد من الجريمة في البطولة بصورة قدمت البرازيل السياحية في أبهى صورة مما سيساعد على إنعاش اقتصادها من عائدات السياحة لسنوات مقبلة فقد اختفت من وسائل الإعلام الصورة الذهنية القديمة عن شوارع البرازيل غير الآمنة أو التي تمتليء بعصابات السرقة بالإكراه وغيرها وظهرت بدلا منها صورة الشوارع النظيفة وناطحات السحاب العملاقة والمناظر الطبيعية الخلابة والشعب الودود. مليون وظيفة توفير مليون وظيفة وارتفاع كبير في أرقام الأعمال وخاصة بالنسبة لصغار التجار الذين حققوا مكاسب رهيبة فضلا عن باقي الأنشطة الأخرى ضخ مونديال 2014 إجمالا مبلغ 30 مليار رىس برازيلي في الاقتصاد البرازيلي على الفور – أي ما يعادل 10 مليارات يورو – وهو تقريبا نفس المبلغ الذي تم إنفاقه على إقامة المونديال وإذا عدنا للحديث عن قوة الدولة تمكنت البرازيل من وضع جماعات الفوضويين واليسار المتطرف في حجمهم الحقيقي فبعد أن هددت هذه الجماعات بإفشال المباريات بدعوى أن الفقراء كانوا أحق بنفقات المونديال تصدت الشرطة لهؤلاء بكل قوة وحزم وكانت أعداد المتظاهرين قليلة للغاية إذا ما قورنت بملايين البرازيليين الذين تابعوا المونديال وعلى رأسهم الفقراء أنفسهم الذين يعتبرون كرة القدم في بلادهم كالماء والهواء. والأمر نفسه ينطبق على النقابات العمالية «الانتهازية» التي حاولت التعامل مع البرازيل على أنها «جمهورية موز» بالحصول على مكاسب قبل المونديال عبر التهديدات بتنظيم إضرابات وشل حركة المواصلات في المدن المختلفة ولكن لم تؤثر هذه التهديدات بشيء وبدت الحكومة البرازيلية أمام العالم أنها قادرة على حماية نفسها ومواطنيها وسائحيها وعلى وضع حدود لحكاية الديمقراطية والحريات هذه التي يتشدق بها الغرب وهو أمر رسم صورة ذهنية رائعة للبرازيل ستفيدها في جذب مزيد من السائحين والمستثمرين في المستقبل القريب تماما مثلما أفادتها خطط محاربة الفقر والإسكان والرعاية الاجتماعية الصارمة التي طبقتها في عهد دا سيلفا وروسيف في تحقيق طفرة في اقتصاد البلاد فانتقل 36 مليون برازيلي – أي 18 % من إجمالي السكان – إلى الطبقة المتوسطة في سنوات قليلة وتحولت البرازيل بصفة عامة من دولة فقيرة إلى نامية ثم إلى صاعدة متوسط دخل الفرد فيها الآن يصل إلى 12 ألف دولار سنويا. .. إذن فازت البرازيل سياسيا واقتصاديا ومعنويا خارج المستطيل الأخضر قد تحقق نفس نجاحها في داخله إذا ما وصلت إلى المباراة النهائية وأشير أني كتبت هذا المساحة قبل ساعات من مباراة الأمس بين المنتخبين البرازيلي والألماني. الحرازي في البرازيل أيضا في البرازيل تنتشر المطاعم الراقية خاصة في شواطئ باحا بيلا والذي أتيح لنا السكن فيه أو في شاطئ الكوبا كابانا الشهير يمكن أن تحصل على وجبة فاخرة ومتنوعة بـ150 دولار امريكي بنظام الاوبن بوفية والطعام البرازيلي متنوع وقريب من الأكل الشرقي يقدم لك مختلف أصناف اللحوم في هذه المطاعم من دون طلب إضافة إلى طبقك الذي يتاح لك اختيار مختلف أصناف الطعام وفي جولة بمعية الزميلين الرائعين خالد السودي ومروان الخالد وجدنا مطعم دجاج يشبه إلى حد بعيد مطعم الحرازي مع فارق أن الدجاج البرازيلي ألذ بكثير من الدجاج اليمني أطلقنا عليه مطعم الحرازي.