
ليس وصفا مبالغا فيه حين يتم الحديث عن المرحلة التي تعيشها الإنسانية الآن بأنها عصر الصورة. حيث تعلب الصورة دورا كبيرا في تشكيل الوعي الإنساني وهي أبعد من فكرة التواصل أو التوثيق أو التسجيلية.
ويمكن لنا أن نفهم ذلك من خلال المقارنة بين مرحلتين من تاريخ اليمن هما ثورة 26 سبتمبر 1962م وثورة 11 فبراير 2011م ودور الصورة فيهما.
لقد كان من الطبيعي مع ندرة التصوير أن لا تلعب الصورة دورا هاما في ثورة 26 سبمتبر وأن أفضل حالة وصلت لها الثورة في علاقتها مع الصورة هو أنها وثقت لها وإن لم يكن ذلك التوثيق الدقيق لكننا ما زلنا نعثر على كم لا بأس به من الصور سواء من قبل الثورة أو بعدها للأئمة أو لمظاهر الحكم أو للحياة الاجتماعية وهي تلك الصور التي تضمنتها بدرجة أساسية كتب المذكرات والتاريخ والرحلات… والتي أرخت لمظاهر الحياة العامة وللحكم ومظاهره وعكست جانبا من حياة الإنسان اليمني والمجتمع… إلا أن دور الصورة في هذه الحالة لم يتعد مسألة التوثيق في أحسن الأحوال.
وهو أمر يثير التساؤل فيما لو قارن بينها وبين ثورة 11 فبراير التي لعبت فيها الصورة دورا أساسيا ليس من الجانب التوثيقي بل من الجانب الفعلي والتأثيري والثوري بحيث أصبحت الثورة هي الصورة والصورة هي الثورة.. على نحو ما.
فعوضا عن الإعلام المصور (التلفاز) وفاعليته في الثورة وفي الفعل السياسي والثوري فقد تحولت الصورة في الحياة العامة إلى لعب دور خطير ومؤثر مع تزايد تقنيات الاتصالات الحديثة ووسائل الاتصال الرقمية وانتشار الكاميرا الشخصية والهواتف المزودة بها وإمكانية عرضها في التلفاز والصحف والإنترنت الأمر الذي جعل من العالم خاضعا لتأثير الصورة بحيث ارتبطت بمعظم الظواهر ومظاهر الحياة إلى الدرجة التي يمكن القول معها أننا نرى العالم من عدسة كاميرا…
في 11 فبراير وكما هو الحال في الثورات العربية الأخرى يرى بعض المتخصصون والمحللون أنها كانت ثورة صورة بالدرجة الأساسية…
ولعل علاقة الثورة في اليمن بالصورة لم تتوقف عند هذا الأمر وحسب فلقد امتدت فيما بعد إلى حركات وظواهر فنية لاحقة لا تقتصر على الأفلام القصيرة ومعارض الصور والأفلام التوثيقة بل لقد تعدتها إلى الرسم سواء من خلال استخدام الرسم كأداة تعبيرية في الساحات أو ظهورها فيما بعد كفعل ثوري كما هو الحال في حملة لون جدار شارعك…
هذه العلاقة بين الفن والثورة تؤكد ارتقاء الوعي الاجتماعي والفني في التعبير السياسي والإنساني.. وتؤكد وجود فوارق وتحولات في المجتمع على مختلف المستويات وهو أمر ليس بحاجة إلى تأكيده بقدر ما نحن بحاجة إلى مساندة هذا التحول ورفده بتحولات أخرى تحولات عميقة في الثقافة والفكر والفن والأدب… ترتقي بالإنسان اليمن وبوعيه وسلوكه وتفكيره وحياته… وإنسانيته.