2014/07/26
“العيد” في ملامح طوابير أمناء الصناديق

• الساعات إليه تذهب مسرعة والوقت لا يسعف أحداٍ للتسوق وصالة الجمهور بالبنك المركزي تشهد محشراٍ بشرياٍ يكتظ هناك والأجهزة الحكومية ترحل الاستحقاقات لأكثر الأيام اختناقاٍ بالحركة والحاجة المالية واشتعال الأعصاب والثلث الأخير من رمضان يمر على مدراء الصناديق قلقا وصخبا تحييه كثافة اتصالات الموظفين وملاحقاتهم ..في حال يشبه مشاهد ملاحقات أفلام الأكشن. تعالوا نعيش معا..قصصا من تلك الطافحة بروح العمل المضني والأمل المخبأ في صندوق أمناء الصناديق.

العشر الأواخر تدق أجراس خطى القافلة نحو عيد الفطر المبارك فيما الانتظار للراتب يمدد -يوماٍ بعد آخر -أمام عين الموظف قائمة طويلة من المطالب المرحلة من زمن طويل حتى يتم الإفراج عن التعزيزات المالية التي صادفت هذا العام الثلث الأخير من شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار.. يوم الاثنين المصادف 24 من رمضان لم أكن أشك أن زحاماٍ يعترض طريقي قرعت الساعة بعصاها المزعجة نقطة العاشرة صباحاٍ استيقظت مسرعاٍ غيرت الملابس بعجل مجنون أفاق للتو لرشده. استبشرت بالصحو باكراٍ وقلت لنفسي سأكون أول الطابور الخفيف لاستلام شيك بسيط عاقبني به – مشكوراٍ – مسؤول الحسابات في إحدى الجهات الحكومية -وحتى لا يسير حسكم بعيد – مبلغ الشيك المذكور هو قيمة (20) نسخة من إصداري الشعري الثالث “من رماد الورود”.. المهم الساعة العاشرة وخمس وأربعين دقيقة وأنا أجتاز البوابة الأولى للبنك المركزي اليمني لكن الجو يبدو كسوق لا فكاك من ضجيجه وموج اكتظاظه المتلاطم.. دخلت صالة الجمهور وكل تفكيري أن المسألة نصف ساعة بالكثير وانصرف إلى موعد حوار صحفي ينتظرني في وزارة الشؤون الاجتماعية. دخلت الصالة المفتوحة على نوافذ كثيرة خْصصت لتخفيف هذا الازدحام الذي كان محتملاٍ منذ دمج البنك بعد الوحدة المباركة لشطري الوطن في 22 مايو 1990م مع مصرف اليمن في بنك واحد سمي البنك المركزي اليمني… لأفاجأ وكما لو أني أمام محشر بشري أخطأ طريق قيامته إلى صالة الجمهور بالبنك المركز اليمني.. كراسي الصالة ممتلئة ,الممرات مكتظة بالمنتظرين أمام النوافذ يحشر البشر رؤوسهم في حالة عشوائية عنوانها التوتر وبعضا من قلق الوقت .. الأصوات تتعالى ولا أحد يسمع لأحد.. كل هذا لأن البنك المركزي اليمني هو بنك البنوك .. إذ يحتفظ بحسابات لكافة البنوك التجارية العاملة في اليمن ويقدم خدمات غرف المقاصة لعمليات البنوك التجارية التي تحتفظ بالاحتياطي القانوني كنسبة من الودائع لديه.. إضافة إلى ذلك فهو الممسك والمدير لحسابات الوزارات والهيئات والمصالح الحكومية وكذلك حسابات المؤسسات الدولية والإقليمية.. كما يقوم البنك بإدارة إصدارات واستحقاقات أذون الخزانة نيابة عن الحكومة.. وبكل تأكيد فإن هذه المهمة المالية جعلته ملتقى كل الجهات المذكورة من حيث إصدار شيكاتها وتعاملاتها المالية مع الجمهور وفيما بينها. طرحت الشيك في نافذة الضرائب وأنا أستمع للضجيج وأدركت لحظتها أن هذا عقاب فالسعر التشجيعي للنسخ لا يفي لأن أضيع يوماٍ كاملاٍ في هذه الصالة ربما لأن هذا الجمع جدير بأن يضيع أياماٍ وساعات فمعظمهم من أمناء صناديق ومسؤولي المالية في الجهات الحكومية والمختلطة.. مرت ربع ساعة نصف ساعة ساعة إلا ربع .. حتى خرج الشيك من نافذة الضرائب.. لأمضي بعدها إلى صالة انتظار أخرى لأستلم الشيك من المراجعة ثم الانتظار أمام نافذة النقود.. كان الكل يرفع صوته منادياٍ: (يا فاطمة) وفاطمة إحدى الأخوات الموظفات التي تراجع الشيكات كانت تقابل الأصوات بصبر عجيب وتعمل في نفس الوقت بثقة ودأب وإصرار وقيم جديرة بأن تقدر وتكافأ ومن سوء حظها أن زميليها المجاورين لم يكونا موجدين فصِمِت آذانها ونفذت مهامها بعزم كبير.. ورغم هذا يحلو للبعض من المراجعين أن لا يفارق عادة الإزعاج والاستعجال كصفتين يمنيتين رغم أن الجميع منتظر كانت تضطر ليس للإجابة على من يناديها بحنق وغضب بل لتسكته وأعصابها تشتعل من ضغط العمل: “اسكت يا أخي”.. أنا أعمل ما بوسعي”.. “انتظر زي الناس”.. “هل تشوف الناس أمامك منتظرين”..¿ .. إحدى المرات على طول ساعات الانتظار ظننتها ستخرج -لو لم يكن الحاجز المحكم يفصل بينها وهذا الشخص الذي صار ينادي ويلح عليها بأعلى صوته ودون احترام لنفسه وللبشر الذين صار عليهم أن يلتزموا بالنظام تقديراٍ لجهود الآخرين الذين يخدمونهم بسلام رغم الكم الهائل من الضجيج الذي لا يحترم مشاعر أحداٍ ولا يقدر ضغط العمل على أحد. انتظرتْ بصمت وعطلِت جدولي اليومي بسبب الشيك الذي لا يستحق هذا العناء والانتظار كله. أحمد حسين البرطي أحد مسؤولي الصناديق في إحدى الجهات الحكومية يؤكد أن هذا الزحام ليس بشيء فالأيام التي تسبق العيد يمتد الزحام ليشمل ساعات إضافية على الدوام المعتاد مؤكداٍ أن المشكلة ليست في البنك المركزي فهو يؤدي عمله على أتم الإخلاص وفي استعدادات متناهية الدقة فهو يدير استحقاقات سيل من البشر يتوزعون على 22 محافظة يمنية ناهيك عن التعاملات مع الجاليات الأجنبية التي تتعامل مع الهيئات والمؤسسات والوزارات والأجهزة الحكومية المختلفة. المشكلة حسب وجهة نظره في وزارة المالية التي تؤجل مخصصات كل أجهزة الدولة حتى مثل هذا الوقت الصعب الذي ينتظر كل الموظفين لاستحقاقاتهم والسفر لقراهم ومنازلهم. صادق النزيلي أمين صندوق في إحدى الجهات الحكومية يؤكد أن أسوأ عمل وأشده إرهاقاٍ وهماٍ هو أن تكون أمين صندوق فأنت بهذا تكون حاملاٍ للأمانة من ناحية عرضة لحنق ونزق الموظفين المنتظرين في البيوت لمستحقاتهم ومن ناحية أخرى تتحمل مشقة هذا الزحام والمتابعات في البنك والمركزي ومن ثم في البنوك التجارية التي تصرف عبرها الرواتب أو من المؤسسات والوزارات وأجهزة الدولة المختلفة لصرف المستحقات من الجهة نفسها وهو ما يسبب الزحام والشتائم وعدم تقدير ضغوط العمل علينا, مؤكداٍ أن نظام الصراف الآلي قد اختصر كثيراٍ من الوقت والجهود لكن هذا لا يعني ارتياح أمناء الصناديق ومسئولي المتابعات المالية فكل الأخطاء الفنية التي قد تحدث أثناء السحب من هذه الصرافات الآلية تعود بالإزعاج والتواصل المستمر مع أمناء الصناديق. مدراء الشؤون المالية في كل المؤسسات والأجهزة الحكومية ومسئولي الصناديق يجدون أنفسهم هذه الأيام في حالة كبيرة من ضغط العمل وزيادة احتمال الأخطاء الناتجة عن هذا الضغط فحسب علي الريمي مدير عام شؤون مالية سابق في مؤسسة حكومية يؤكد أن السنوات السابقة لم تكن تشهد هذا الزحام وأن المشاكل المالية والزحام ناتج عن ترحيل الجهات الحكومية والمؤسسات وأجهزة الحكومة العامة والمختلطة لاستحقاقات الموظفين إلى قبيل العيد بأيام بسبب تعزيزات هذه الجهات وتوزيعها على أرباع سنوية وكان الأجدر بالمالية أن تراعي الظرف الزمني الضيق منذ بداية رمضان.. وأعاد الريمي أيضاٍ هذا الزحام إلى مشكلة التأخير في إقرار وزارة المالية لموازنات المؤسسات والوزارات الحكومية. وتحديدا تأخير أحد الأرباع السنوية هذا العام إلى الثلث الأخير من رمضان المبارك.. فتراكم الزحام واشتعلت ذروته إلى درجة أن مسئولي الصناديق لا يستطيعون أن يواكبوا الطاعات في الثلث الأخير من رمضان بالشكل المطلوب فهم إما في دوام متواصل في جهاتهم أو طوابير داخل البنك المركزي اليمني لساعات طوال فقد صار كل همهم ورجائهم هو الفكاك والعتق من الزحام.

تم طباعة هذه الخبر من موقع الثورة نت www.althawra-news.net - رابط الخبر: https://althawra-news.net/news90798.html