
عادات غذائية على لائحة الاتهام في نسج خيوط مشكلة سوء التغذية باعتبارها لا تحقق الفوائد الصحية المرجوة للجسم بقدر الضرر الذي يمكن أن تتسبب به فالتغذية الصحية المثالية ليس- بالضرورة- أن تتألف من أصناف غذائية غالية الثمن طالما تتوافر بدائل عنها أقل ثمناٍ وتحقق التنوع والمردود الغذائي والصحي المنشودين. الدكتور عبد المجيد بجاش عبد الله – أستاذ علوم الأغذية المساعد بكلية الزراعة – جامعة صنعاء – في معرض حديثه عن المشكلات والأضرار المترتبة على عوز التغذية أورد أيضاٍ سبل الاستفادة المثلى من الغذاء وحفظ المقومات الصحية في الأطعمة المتناولة خلال شهر رمضان في نسقُ ممزوجُ بنصائح مفيدة للصائم وذلك بقوله: تبدو مشكلة سوء التغذية في اليمن بأبعادها المختلفة سيئة للغاية فهي على الصعيد الاقتصادي تمثل عائقاٍ حقيقياٍ للتنمية, وتحدياٍ كبيراٍ يواجه الحكومة اليمنية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وفي تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة (اليونيسف) في العام 2012م وردت تفاصيل مثيرة تضع اليمن في مصاف أكثر البلدان معاناةُ من سوء التغذية المزمنº في مرتبة تلي مباشرةٍ أفغانستان والصومال وهي أيضاٍ ثاني بلد في العالم بعد أفغانستان في مؤشر قصر القامة (التقزم). ويشير التقرير- آنذاك- إلى أن(10ملايين) يمني يعاني من انعدام الأمن الغذائي وأن(5ملايين)من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد بينما يرزح مليون طفل دون سن الخامسة تحت وطأة المعاناة من سوء التغذية الشديد في جميع أنحاء البلاد وما يزيد عن(270 ألف) طفل مهدد بالموت بسبب سوء التغذية. ووفقاٍ لتقارير سابقة تعود إلى العقد الماضي فما نسبته (25%)امرأة في اليمن تعاني من سوء التغذية وهي نسبة كبيرة تعكس بوضوح شيوع المعاناة بين النساء اليمنيات من نقص طاقةُ مزمن. فيمِ تشير التقارير ذاتها إلى أن النساء اليمنيات في سن الإنجاب يعانين- كذلك- من فقر الدم. بينما تمضي جهود وزارة الصحة ومنظمات دولية كثيرة في طريق المعالجة الشاملة لحالات سوء التغذية الحاد والوخيم ممن لم تتجاوز أعمارهم الخامسة وذلك في عموم مناطق الجمهورية التي رصد فيها المسح الوطني التغذوي انتشار حالات عوز التغذية الشديد وقد سجلت جهود هذه المعالجة المستمرة تقدماٍ كبيراٍ خفف إلى حدُ ما من وطأة هذه المعاناة. لا شك أن أسباباٍ وعوامل مجتمعة ساهمت في تفاقم معدلات سوء التغذية في اليمن بمعية العوامل المتعلقة بالنظافة وشيوع بعض الأمراض المعدية والمستوى الرديء لصحة البيئة وإمدادات المياه والصرف الصحي ومعوقات الوصول إلى مياه شربُ نقية وصالحة. يضاف إليها:- – الحالة الصحية التغذوية السيئة لدى صغار الأطفال والأمهات الحوامل والمرضعات. – ارتفاع مستوى الأمية لاسيما بين الأمهات بما يترتب عليه من جهلُ بأسس التغذية السليمة. – العادات السيئة في التغذية. – عادة مضغ القات السيئة والمنتشرة بشكلُ عام بين أوساط اليمنيين ويبدو تأثيره السلبي جلياٍ على الأمهات في مرحلتي الحمل والإرضاع وتسري أيضاٍ على مواليدهن وأطفالهن الرضع. – الزيادة في معدلات انعدام الأمن الغذائي في اليمن لتشمل حوالي (44,5 %)من السكان بينما (22%)منهم يعانون من انعدام أمن غذائيُ شديد. ولا مراء في وصف الحال المترتب على نقص المكونات الغذائية الأساسية بالخطير وبخاصة في حالة العوز الوخيم لدرجة أن نقص عنصر واحد -على الأقل- من عناصر المجموعات الغذائية الثلاثة الأساسية المكونة للغذاء المتوازنº يْعد كافياٍ للتعرض لمرضُ من أمراض سوء التغذية وهذه المكونات الغذائية تتلخص في: – أغذية الطاقة: (الحبوب ومنتجاتها- الزيوت- السكريات). – أغذية النمو: (اللحوم بأنواعها- الألبان ومنتجاتها- البقوليات). – أغذية الوقاية: (الخضروات – الفواكه). ويبدو جلياٍ أن المشكلة مِرِدها إلى الجهل بأسس التغذية السليمة وعدم معرفة القيمة الغذائية للأطعمة المختلفة ويتجلى في سوء الاختيار والإعداد غير السليم للمأكولات بما يجعل الجسم عرضة لشكلُ أو لأكثر من أشكال سوء التغذية مثل:- – سوء التغذية الحاد (الهزال). – قصر القامة. – نقص الوزن. – العوز الغذائي الناتج عن افتقار الجسم لعناصر الغذاء الزهيدة المقدارº مثل نقص فيتامين ألف أو نقص الحديد أو اليود..الخ. من هنا يمكن تعريف سوء التغذية: بالحالة التي لا يحصل فيها جسم الإنسان على القدر الكافي من احتياجاته الغذائية كماٍ ونوعاٍ من عناصر الغذاء الأساسية والمطلوبة للنمو والتطور ومقاومة الأمراض ليتمكن من القيام بجميع الوظائف بصورة طبيعية. علاوة على أن عوامل أخرى تؤدي إلى سوء تغذية تتعلق بسوء عملية الامتصاص والتمثيل للعناصر الغذائية ومن بينها- أيضاٍ- إصابة الطفل دون سن الخامسة بمرض حاد قد يترتب عليه استنفاد الكثير من عناصر الغذاء المفيدة للجسم أو الحيلولة دون استفادته منها. وتندرج تحت تصنيف سوء التغذية أوضاعاٍ وحالات متعددةº إما لنقصُ في التغذية نتيجة نقص المغذيات الكبرى في الغذاء المتناول كالمواد (الكربوهيدراتية البروتينية الدهنية) أو لنقصُ في المغذيات الزهيدة المقدار مثل(فيتامين ألف اليود الحديد حمض الفوليك) أو لزيادةُ في التغذية والإفراط فيها كالسمنة ومآلها في إبقاء الجسم عرضةٍ للأمراض المزمنة كأمراض(القلب ارتفاع ضغط الدم السكري… إلخ). وبواقع الحال يمكن أن تظهر هذه الأشكال منفردة أو متداخلة – في الغالب- مع بعضها البعض لدى طفلُ واحدُ أو مجموعة من الأطفال. وتتجلى مشكلة سوء التغذية خلال سن الإنجاب عند النساء لدى تناول الأمهات لأغذيةُ غير كافية كماٍ ونوعاٍ الأمر الذي يضعف قواهن فيصبحن- بمرور الوقت- أمهات غير قادرات على تحمل متاعب الحملº عرضة للإصابة بالأمراض المتكررة ولإنجاب أطفالُ ناقصي الوزن ذوي فرصة أقل في البقاء على قيد الحياة, وإن بقوا على قيد الحياة يكونون عرضة أكثر للإصابة بالأمراض ولتأخر أو ضعف النمو الجسدي والعقلي. ناهيك عن مضاعفات أخرى طويلة الأمد تتمثل في التقزم وضعف القدرة على التحصيل العلمي وتدني الأداء في العمل وقلة الإنتاجية ومن ثم تدني الدخل ومستوى المعيشة.. ومن ناحية أخرى فإن سوء التغذية عند الأمهات المرضعات يؤدي إلى نضوب مخزون العناصر الغذائية الأساسية بالجسم مثل (الكالسيوم الزنك الماغنيسيوم حامض الفوليك فيتامين ألف) ومثل هذا النقص يزيد – أيضاٍ- من خطر إصابة الأم بهشاشة العظام ويمكن أن يطال البروتينات. ونظراٍ لأن متطلبات الطاقة الغذائية تزداد بشكلُ ملحوظ خلال فترة الحمل والرضاعة, فإنه وبمعزلُ عن تلبية احتياجات الطاقة عند الأم الحامل تتداعى المشكلة إلى إنجاب طفلُ بوزن أقل من الوزن الطبيعي يقابله انخفاض مخزون الدهون عند الأم وضعف إدرار لبن الثديين اللازم للرضاعة. إن سوء التغذية من أعظم التهديدات التي تواجه الصحة العامة ومعه تزيد مخاطر التعرض للعدوى والإصابة بالأمراض المعدية بدرجة أعلى عند الأطفال دون سن الخامسة يليهم مرتبةٍ النساء الحوامل والمرضعات وفي هذا دلالة واضحة على أن سوء التغذية سبب مؤكد لارتفاع معدلات الوفيات لدى هاتين الفئتين. إنها مشكلة كبيرة تكاد تمثل كارثة حقيقية ما لم تنل مكافحة عوز الغذاء أولوية واهتماماٍ ملموساٍ من جميع المعنيين..أفراداٍ ومؤسساتº بما يضع الجميع في موقع مسؤولية المجابهة والتصدي لوقف تداعيات هذا الخطر. وأوجه عناية صائمي شهر رمضان إلى أهمية الانتقاء الجيد للأغذية واتباع الإرشادات الصحية والسليمة عند تحضير وطهي الأطعمة المختلفة ولدى تناولهاº بالشكل الذي يحفظ لها مقوماتها وفوائدها الغذائية ويضمن انتفاع أفراد الأسرة منها ويتعين عليهم أن يحرصوا على توازن الوجبات من خلال تناول العناصر الغذائية المتكاملة والعمل على ثبات السعرات الحرارية التي تحويها لأن الجسم يحتاج لسعرات حرارية تفي بحاجته الكاملة موزعة على وجبتي الإفطار والسحور وكل ذلك من خلال:- – إعداد وجبات غذائية متوازنة تحتوي على نوع واحد أو أكثر من المجموعات الغذائية الثلاثة المذكورة سلفاٍ. – الطبخ بأقل كمية من الماء مع بقاء الوعاء مغطى والنار هادئة وأن يكون إضافة الملح عند نهاية الطبخ. – استعمال مرق الطبخ وعدم التخلص منه. – الإكثار من تناول الخضروات والفواكه الغنية بالألياف التي تقيهم الكثير من الأمراض المتعلقة بالغذاء. – عدم تقشير الخضروات وكذلك الفواكه ذات القشور غير السميكة – ما أمكن- للحفاظ على كامل عناصرها الغذائية المهمة والمفيدة للصحة. – الإقلال من الأطعمة المالحة والمدخنة والمخللة وكذا المقلية بالزيت لأكثر من مرة. – تناول الأغذية الغنية بالكالسيوم كالحليب ومنتجاته لما من شأنه عند تناولها منذ الصغر العمل على الحماية من وهن العظام عند الكبر. – تناول الخبز الأسمر(خبز القمح مع النخالة)º لأنه غنى بالفيتامينات والأملاح المعدنية والألياف وذلك بدلاٍ من خبز الدقيق أو الروتى. – تناول الأطعمة الغنية بالحديد الذي يمتصه الجسم ويحميه من الإصابة بفقر الدم (الأنيميا). – تجنب شرب الشاي أثناء أو بعد تناول الطعام مباشرة حتى لا يْعيق امتصاص الجسم لعنصر الحديد من الغذاءº بما يحد من الإصابة بفقر الدم (الأنيميا) علاوة على أن الإكثار من شربه مدر للبول ويؤدي إلى خسارة الأملاح المعدنية الموجودة بالجسم. – تناول منتجات الحبوب مع البقوليات كالفول أو الفاصوليا أو العدسº لرفع القيمة الغذائية لبروتينات الحبوب والبقوليات معاٍ ولجعلها قريبة من البروتينات الحيوانية في قيمتها. – تجنب تكرار أو إعادة تسخين الأطعمة. – تناول الأطعمة الطازجة مفيد لخلوها من المواد الحافظة في حين يفضل استبعاد الأطعمة المحفوظة والمعلبة. وفي نهاية المطاف أرى من الضروري مزاولة الصائم للرياضة المعتدلة غير المجهدة كالمشي لمدة نصف ساعة إلى ساعة يومياٍ وأن يقلع تماماٍ عن التدخين والقات كونهما يضعفان الشهية والرغبة في الأكل علاوة على تسببهما بمخاطر كثيرة مهددة للصحة.
* المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني بوزارة الصحة العامة والسكان