
متوالية من الجمال والبهاء تقف وراء تحول المنزل الفرنسي إلى ما يشبه معرضا فنيا _كما يقول عنه الغربيون_ رحلة مليئة بالتطورات الفنية واللمسات المتعاقبة كضربات فرشاة متتالية على لوحة اسمها تاريخ صناعة الأثاث الفرنسي حيث اللمسة والجمال يمتزجان بوظيفة قطعة الأثاث وأدائيتها لتغدو عملا فنيا يعبر عن روح جمالية وذائقة رفيعة يعكسها موروث ثقافي واجتماعي فرنسي تعود جذوره إلى ما قبل العصور الوسطى يمكننا في هذه العجالة أن نتعرف على جانب منه من خلال الحديث عن تصماميم الأثاث التي كانت سائدة في عصر أسرة البريون…
ففي عهد لويس الثالث عشر امتزج التأثير الأجنبي بالذوق الفرنسي واتسم أثاث ذلك العصر بالعظمة الملكية واستخدمت المناضد المستديرة والمثمنة والمستطيلة والبيضاوية ومن الوحدات الزخرفية التي كانت سائدة خرط الخشب والتراكيب البرونزية المذهبة والخلايا العميقة والحشوات ذات الأشكال الهندسية.
وأما في عهد لويس الرابع عشر فتسلمت فرنسا زمام الفن واستقت منها الدول الغربية فنون الزخرفة والتأثيث ذلك أن فرنسا حينها كانت أغنى البلدان الأوروبية فأنفق الكثير في التزيين والجماليات مستعينا بفنانين نابغين للقيام بذلك لتصبح قصوره من أبهى القصور إذ تميزت فنونها وأثاثها بالعظمة والأبهة وكانت ذا صبغة ملكية بحتة في حين لم يكن لطبقة الفلاحين والعمال أثاثا يذكر.
ولقد طغت مظاهر الأبهة هذه في طريقة تصميم الأثاث كله وتميزت صناعة الكراسي بأنها وليدة الرفاهية والثراء أما المناضد فمنها (الترابيزة) الوسط ومنها منضدة الشاي والقهوة وطاولة اللعب ومائدة الزينة للسيدات.. وحاملات الثريات وأواني الزهور.
واشتملت الوحدات الجمالية على الطيور والحيوانات ورؤوس الأسود ومخالبها والجرفين والهولات والدلفين الأقنعة والزهور والوريدات أوراق النباتات الحلزونية وفروع وأوراق الأكنت والنباتات المائية أوراق الزيتون وأيضا الأشرطة الزخرفية والهندسية والزخارف المعمارية والأقمشة المدلاة والجامات والزخارف العربية والوحدات المتساقطة.
وفي أواخر عصر لويس الخامس عشر اتجه الفن نحو المنحى الكلاسيكي الجديد بمبادئه وزخارفه الرصينة وتألف الأثاث من خطوط محدودة وتزينه السبائك الزخرفية من البرونز المذهب وكثيرا ما كانت تعلو المناضد أقراص من الرخام. وانتشر استعمال المقاعد على اختلاف أنواعها وتعددت أشكال المناضد والمكاتب إلا أنها لم تشذ عن القاعدة الأساسية التي سارت عليها بقية قطع الأثاث ولأول مرة في تاريخ الأثاث تم اختراع أسلاك التنجيد اللولبية المعروفة (بالسست) وهذا يساعد على توفير الراحة للجالس واستخدم المصممون قشر الأخشاب الثمينة والتطعيم الماركنزي والتطعيم بسبائك من البرونز المذهب. ومن بين الوحدات التي تزين الأثاث باقات الزهور والوريدات وأوراق النباتات وفروعها وأغصان الأشجار والأشخاص.
وأما لويس السادس عشر فكان هو والملكة ماري أنطوانيت على جانب كبير من الذوق الفني وكانا بحق من رعاة الفن والفنانين وفي عهده ظهرت المقاعد المستقيمة والكراسي المصنوعة من خشب الزان واستمراستخدام العناصر الزخرفية المستخدمة في العصور السابقة: كالسبائك الزخرفية والماركنزي واللاكيهات وكانت الألوان المفضلة وقتئذ هي البيضاء والزرقاء والخضراء والرمادية وعادت الزخارف إلى حظيرة الفن الكلاسيكي مما يذكرنا الزخارف التي كانت شائعة في طراز لويس الرابع عشر أما الوحدات الزخرفية فقد اقتبس بعضها من الحياة الريفية كالنباتات وسنابل القمح والزهور والفواكه والحيوانات وكذلك الآلات الزراعية كالفأس والجاروف وغيرها.