
ما زال الوعي العام تجاه المنحوتات والنقوش التاريخية والأثرية في اليمن يكاد يرتبط بدلالتها التاريخية وقيمتها الأثرية/المادية بينما يتجلى جزء كبير من هذه القيمة أصلا في فنيتها أو في كونها أعمالا فنية تنتمي لأساليب الفنون القديمة قبل ظهور التقنيات الحديثة وفنون الرسم والتصوير.
وتعد فنون النحت والنقوش التصويرية إجمالا من أقدم الفنون البصرية التي عرفها الإنسان واشتهرت بها الحضارات الإنسانية القديمة ومن بينها الحضارة اليمنية التي عرفت بإتقان هذا المجال من الفن وما زالت الاكتشافات تتوالى لتحف فنية غاية في الجمال والدهشة التي تعكس حس الإنسان اليمني ورقيه عوضا عن دلالاتها التاريخية والحضارية.
وتحتاج الفنون اليمنية القديمة لقراءة معمقة وثرية وشاملة حتى تبرز الجماليات التي تحتويها وأساليبها وفنياتها من حيث البناء والتشكيل والكتلة والحركة والدلالات والطقوس وتاريخها وتطورها وأنواعها وعلاقتها بالفنون القديمة من جنسها والفنون الحديثة ومدارسها وتياراتها.
ويعود تاريخ الفن اليمني القيم إلى الألفية الثانية ق.م. وقد ظل لفترة نقيا من أي عوامل خارجية حتى بدأ التأثير اليوناني يظهر جليا على طريقة الصناع والنحاتين وكانت قبلها تعكس ثقافة يمنية بحتة وقد استخدم فيها البلاستيك والبرونز والذهب والمرمر والرخام كثيرا وثمة أعمال تبدو كما لو كانت غير متقنة بينما نجد أعمالا دقيقة مصورة لكهنة وأناس من الطبقات الثرية وبعض الأعمال لمزارعين ونحاتين بسطاء لم تكن بنفس الجودة.
ويرى عدد من الباحثين أن اليمنيين كانوا يحرصون على إقحام رموزهم الدينية في المصنوعات فيزينون المباخر والمصابيح التي تضاء بالزيت بصور لوعول وثيران هي تمثل إلمقه وعثتر واستطاع الباحثون استنباط بعض جوانب الحياة اليومية لليمنيين من المنحوتات المصورة للناس وكونوا فكرة عن اللباس الذي كان يرتدونه وهو لا يختلف كثيرا عما يرتديه اليمنيون اليوم.
ومن بين النقوش التي عثر عليها الباحثون نقوش مصورة لنمط الحياة لمختلف الطبقات منها نقوش لنساء ثريات ونقوش لتصوير احتفالات وتصوير لنساء راقصات وآلات موسيقية ومقاتلين ومزارعين وكل طبقات المجتمع من المكرب إلى “الآدم”. كما لو إن اليمنيين _مثل كل الحضارات_ كانوا قد ابتكروا هذه الطريقة في التصوير بالأصابع وهو دور ستضطلع به الفنون التشكيلية/الرسم لفترة كبيرة قبل أن تتحول إلى فن خالص مع ظهور الكاميرا هذه الأخيرة التي ستتحول إلى فن أيضا. دون أن تفقد دورها التوثيقي/التصويري في نقل الواقع حرفيا وكما هو. ومتحركا أيضا.
ورسم الإنسان اليمني الطبيعة من حوله كالقمر والشمس كما جسد الحيوانات في أعماله الفنية وعادة ما كان لذلك بعده الديني ولعل من أشهر ما يعرف به الفن اليمني القديم حيوان الوعل و(كان الوعل كحيوان بري ذا مكانة هامة ليس لصفته الحيوانية كأفضل قربان للآلهة في معابدها وحسب وإنما لما يمثله بصفته الطبيعية إلى جانب شكل قرونه الملتوية كتدوير الهلال والقمر لذلك كان اهتمام الفنان اليمني القديم بشكل الوعل “بالنحت المستقل أو ذي الثلاثة أبعاد والبارز ذي البعدين والرسم المسطح والتصوير” كرمز ديني وفني وتتفرد اليمن بامتلاك أقدم أنواع الإنتاجات الفنية لحيوان الوعل عن غيرها من الحضارات القديمة).
ويرى الباحث والأكاديمي المتخصص في الآثار اليمنية القديمة الدكتور خلدون نعمان إن الفن اليمني القديم وصل إلى مرحلة من مراحل التجريد في رسمه لقرون الوعل أو بعض الأشكال الحسية حين يمزجها بلمسات تجريدية تحيل على حس عال وراق هو ذات الحس الذي يجعل من التجريد سمة من سمة الفنون الحديثة.