
لقد تعدى تعامل اليمنيين مع هذا القصر كأحد أهم وأشهر المعالم والمزارات السياحية إلى حالة هوس غير معلن حيث نرى صورة منطبعة كعلامات تجارية على ما لا يحصى من المنتجات ابتداءٍ بقناني أكثر أنواع المياه المعدنية رواجاٍ مروراٍ بتطريز صورة على بعض الألبسة وأنواع من السجاد الأرضي والحائطي , ووصل الأمر إلى التعامل السياسي استخدمت صورة دار الحجر كرمز انتخابي لبعض المرشحين , وأخيراٍ حمل آخر إصدار نقدي من فئة الخمسمائة ريال صورة لدار الحجر .
أحد أشهر وأجمل القصور الملكية والمعالم السياحية في اليمن , اشتهر تسميته بـ”دار الحجر”لأنه بني على صخرة كبيرة تتموضع وسط الوادي منفصلة عن الجبل الخلفي لتشكل منصة يندر أن يحظى بمثلها قصرَ آخر.ولم يأت شغف اليمنيين بهذا القصر الملكي التاريخي عن ندرة بمثل روعة معماره وتميزه , إذ لا يوجدفي اليمن ما هو أكثر من القلاع والحصون والقصور التاريخية بل إن مدينة كاملة هي مدينة صنعاء القديمة كل مبانيها تطابق تقريباٍ الطراز المعماري لدار الحجر في الشكل الخارجي والمواد المستخدمة في البناء بل وتتفوق عليه في القدم بعشرات القرون.وعلى الرغم من ذلك استطاعت هذه التحفة المعمارية الفنية أن تنفرد بمساحة واسعة من الوجدان اليمني الشعبي والرسمي منه على حدُ سواء .
فليس إلا الفن وحده – كما هو الحال هنا – القادر على بعث الطفولة الجمعية لمجتمع يعرف بشدة مراسه وحدة مزاجه ودون حتى أن يشعر , كما يتجلى ذلك في ظاهرة استحياء الأماكن والأشياء التي يمارسها سكان صنعاء على الأقل مع هذا القصر , حين يتقاسمون معه أفراحهم تماماٍ كما يتقاسم أطفالهم الحلوى مع دماهم وألعابهم الأثيرة .
عدة أسباب تضافرت ليكتسب دار الحجر تميزه وتفرده وشهرته غير أنها في مجملها لا تعني إلا الفن ولا تفضي إلا إليه وهنا يتجلى السر الذي تصبح معه أي تبريرات أو شروح أخرى غير ذات قيمة وربما خادشة للروعة التي تكتسبها الأشياء بعد لمسة سحرية لا يقدر عليها إلا الفن , عدة فنون امتزجت لتكون هذه الدرة الفنية ابتداء بفن اختيار الموقع مروراٍ بفن التصميم وانتهاءٍ بتركيبة فنية معنوية امتزج فيها السياسي والتاريخي بالأسطوري لتلتف تلك الباقة بغموض شرقي أنيق باعث لألق التساؤل وشهوة الاكتشاف. وتشير المصادر التاريخية إلى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي – إبان السيطرة العثمانية الاسمية على اليمن – لتحدد تاريخ بناء هذا القصر , ولكنها لا تغفل عن ذكر أنه بني على أنقاض قصر سبأي قديم كان يسمى ” حصن ذو سيدان ” وأعمال النحت القديمة الموجودة في الصخرة المقام عليها القصر كالمقابر الصخرية وغيرها تؤكد هذه اللمحة التاريخية المقتضبة , والتي لم نجد مزيداٍ عليها فيما طالعناه عن تاريخ دار الحجر قبل القرن الثامن عشر الميلادي حين رغب الإمام المنصور علي بن العباس ملك اليمن في تلك الفترة في بناء قصر كمنتجع صيفي له في منطقة وادي ضهر أحد أجمل المنتزهات الريفية المكتظة بالبساتين والقريبة من العاصمة صنعاء .
وقد عرف الإمام المنصور بولعه الشديد بكثرة الزواج وبناء الدور والقصور , حتى أنكر عليه الناس ذلك , لاستنزافه خزينة بيت المال لكثرة ما ابتنى منها , ويروى أنه بنى ذات مرة قصراٍ كبيراٍ وفخماٍ وسط صنعاء أسماه ” دار الطواشي ” ليقدمه مهراٍ لعروس أرادها , وقد احتفظ الضمير الشعبي برفض الناس لهذا البذخ بأهزوجة كان يرددها الأطفال حتى وقت قريب في ألعابهم الجماعية تقول :
دار الطواشي ما منها شي
……………. ……………
وعلى الرغم من كثرة قصور الإمام المنصور إلا أن قصراٍ واحداٍ منها هو ” دار الحجر “
سيخلد ذكره , وقد عهد في مسألة تصميم هذا القصر والإشراف على بناءه إلى وزيره الأديب والشاعر / علي بن صالح العماري المتفرد في عصره بعلم الهندسة المعمارية , وكان قد صمم للمنصور و لغيره العديد من القصور , غير أنه في هذه المهمة مازج بين روح الشاعر والمهندس في آن, وصب عصارة الرقة والعبقرية في هذه الرائعة المعمارية حتى آخر قطرة , وربما أوحت إليه روح الشاعر المستشفة أن يبالغ في إكرام ملكه وولي نعمته المنصور في تصميم غاية في البراعة لقصره الذي سيصبح قبره أيضاٍ في آخر المطاف – رغم الاستحكامات الأمنية الفريدة التي سنعرض لها لاحقاٍ – إثر عودته إليه جريحاٍ من معركة شرسة مع القبائل الذين سيتمكنون من اللحاق به ومحاصرة القصر واقتحامه ليرمى في الأخير رأس الإمام المنصور من أعلى قمة في القصر ويدفن بعدها مع حرسه وحاشيته في أحد بساتينه .
وظل دار الحجر القصر الأثير لدى الملوك الذين توارثوه وأضافوا عليه ما أضافوا , وفي الحقيقة لم يكتمل القصر بهيئته الحالية و بأدواره السبعة وملحقاته الخارجية إلا في بداية القرن العشرين على يد الإمام يحي حميد الدين وهو بالمناسبة آخر من تملك القصر من الملوك حيث انتقلت ملكيته بعد اغتيال الإمام يحي عام 1948م إلى شقيقه الأمير الحسن حتى قيام ثورة سبتمبر 1962م حيث أصبح بعدها من الأملاك العامة للدولة وسْلمت إدارته في بداية التسعينيات للقطاع الخاص الذي أكمل ترميمه واستثمره سياحياٍ .