2014/09/01
يلجئون إلى الدين لتحقيق أهداف سياسية

صـــقر الصنيدي – سنوات طوال قضاها أحد الباحثين في المعهد الأميركي للسلام متتبعا القضية التي عانت منها البشرية دهورا ويبدوا أننا في أتونها وهي السياسة الدينية واستخدام الجانب الديني في خدمة الأهداف السياسية ولأن الباحث سكوت هيبارد كان متحمسا فقد طاف تجارب عديدة ليصل إلى الحقائق التي نحتاج إلى رؤيتها اليوم أكثر من أي وقت مضى . فنحن الآن وسط إعصار من الانتهازية المختبئة خلف الدين المتضرر من حشره في الخلاف السياسي لتحقيق مكاسب بصورة أسرع وأسهل دون النظر إلى العواقب الوخيمة التي تمس المجتمع والمستقبل . وكي يصل البحث إلى ما يشبه الاكتمال سعى هيبارد لتحليل ثلاث من أهم التجارب الإنسانية في ذات الوقت وهي مصر والولايات المتحدة والهند ويمكن لهذه التجارب أن تغطي كل مساحات الخلاف القائم بصورته الحقيقية وقد تضمن بحث هيبارد المحاولات والتضحيات التي قدمتها هذه الدول لأجل الخروج من دائرة العنف ولعل منهجه السياسات الدينية والدول العلمانية الصادر في العام 2010م والذي ترجم إلى العربية بعد أعوام أربعة جاء ليلبي رغبتنا في رؤية الطريق بوضوح وتفسير الكثير من الظواهر التي تبدو غريبة لولى بريق هذا البحث وغيره من الدراسات العميقة في فهم الظواهر . عند قراءة أيا من نصوص هيبارد تبزع قناعة أنه يتحدث عن واقع نراه فمثلا في رؤيته لتلاعب السياسيين من جميع الأطياف بالدين يقول إنهم يقومون بهذا من أجل غايات وأهداف سياسية وأنهم لم يتعارضوا مطلقا مع عملية مواءمة الدين لأغراضهم الشخصية بل على النقيض استخدموا الدين منذ زمن بعيد لتقديس السلطة السياسية ولإشباع علاقات السطوة والهيمنة داخل إطار السلطة الشرعية ويعتبر الغرض من هذه الوظيفة الكهنوتية للدين هو تهيئة مجموعة وقتية من علاقات السلطة داخل إطار عمل معنوي أكثر اتساعاٍ وبقاء وفي كلا المثالين سواء كان نبوئيا أو كهنوتيا الهدف الأساسي هو ربط الاهتمامات السياسية الضيقة لإحدى الجماعات المعينة مع رؤية أكثر اتساعاٍ تتعلق بالغرض الأخلاقي والوطني والديني . ويطرح هيبارد تساؤلاٍ يدور بيننا بصورة يومية عن سبب سيطرة التفسير المحافظ أو الرجعي للتقليد الديني وليس التفسير الأكثر شمولية أو ليبرالية وهو ما نحن بحاجة للعثور على إجابة مناسبة له من واقعنا المؤلم . ماالذي يجعل للدين مغزى داخل حقل السياسة يصل الباحث إلى أن السر يعود إلى قدرة الدين على نحو فريد على تقديس أجندة سياسية معينه واعتبارها أصيلة من الناحية الثقافية أو قدرته على وصم أفكار وسياسات بديله واعتبارها خارج حدود المقبول , ويتسم الدين أيضاٍ بالأهمية لقدرته على إضفاء المعنى الأخلاقي أو الروحاني على العمل السياسي ومن ثم فهو قادر على وضع السلطة السياسية أو مطالب تولى السلطة من خلال إطار عمل أخلاقي فائق ويمنح ذلك أساسا عاطفيا أو غير منطقي للسياسة ومحركا لحشد المشاعر الشعبية وعلى نحو مشابه يؤثر المسؤولون السياسيون الذين يستحضرون الدين على أوجه الجدل الدينية الداخلية وسواء أكان ذلك عن عمد أم لا فإن لاستخدام الدين بواسطة الزعماء السياسيين أثرا في تأييد تفسيرات معينه للدين على حساب تفسيرات أخرى والنتيجة هي سهولة تكرار الخلافات حول التفسيرات الدينية وسط المضمار العام بما أن المسؤولين السياسيين يعتمدون على عناصر مختلفة من التقليد المشترك بهدف دعم أهدافهم التنافسية وبالتالي تعكس الخلافات السياسية الانقسامات الدينية . إرادة الله وإذا كان الشرق الأوسط يعيش اليوم في معظمه وسط كومه من المخاوف والانفجارات التي تشق المجتمعات وتحاول إعادة حالة التمايز بين الأفراد والأسر فأن الباحث قد تنبه لهذه الإشكالية المعقدة وسعى لتفسير حالة استخدام الجانب الديني لتعزيز الانقسام وسمى ذلك الأساطير العرقية الدينية وقال إنه عند إقامة هوية جماعية تعمل الأيدلوجيات الدينية على تناغم المجتمع وتمييزه عن جميع المجتمعات الأخرى . ولمزيد من توسيع الخلافات تسم المجموعات المعينة ذاتها بخاصيات تحتكرها ومنها كما يقول الباحث افتراضها إمكانية معرفة إرادة الله وفهمها فهما جيدا بواسطة القيادة السياسة لإحدى الجماعات المعينة . وكأن هيبارد يتحدث عن واقعنا الآن فقبل أسابيع كنا نسمع عن ادعاء أحدهم معرفة إرادة الله وهاهي الأمور تتضح وتبين لنا انه قد سبقه المئات ممن يدعون ذلك ومن أديان وجماعات مختلفة . وبالعودة إلى البحث يضيف أن هذا الادعاء سواء أكان ضمنيا أم واضحا هو الذي يمنح التبرير المعياري لإثبات الذات السياسي والثقافي ومن خلال ربط الإجراء السياسي بالغرض الديني يجد المسؤولون السياسيون رخصة أخلاقية لما يقومون به من مساع والمراد من استحضار الدين هو تزويد الأجندة السياسية الخاصة منهم ومطالبتهم بالسلطة بإطار من الشرعية الدينية والأخلاقية وبمعني آخر فإن الغرض من الانجذاب إلى الدين الذي ينتهجه السياسيون هو تصوير الاهتمامات المعينة لمجموعة ما كأنها تعكس المصلحة العامة للمجتمع والمتسق بالتالي مع إرادة الله . وان أعدنا النظر فيما يطرحه كثير من قادة الجماعات فأننا سنجده يصب في هذه القاعدة ولا يحيد عنها هناك إرادة الله وهناك أدوات تنفذ هذه الإرادة وهم هذه الأدوات . وبالعودة إلى البحث فإنه يضيف التصنيف الذي يلحق بمن يختلفون معهم فيتم تصنيفهم باعتبارهم أما غير وطنيين وأما غير متدينين وأما كلاهما ومن هذا المنطلق يسمح الدين للسياسيين من جميع الأطياف بارتداء عباءة الأصالة الثقافية والحق المطلق لتولي الحكم . طبعا هذا التوجه لا يحصر على الذين يستخدمون الدين الإسلامي فقط بل يشمل بقية الأديان فهم يتشابهون إلى حد التطابق فقط علينا أن نفتح أعيننا لنرى كم يتيحون لأنفسهم الحق في التمثيل علينا للوصول إلى أغراضهم الشخصية وأغراضهم الضيقة – هذا البحث كتب منذ أعوام وفي مكان تفصلنا عنه آلاف الكيلومترات لكنه يطابق واقعنا وكأنها يتحدث عن يومنا هذا وعن بقعتنا هذه والسبب واحد أن المدعين هم ذاتهم وان اختلفت أسمائهم وسحنتهم .

تم طباعة هذه الخبر من موقع الثورة نت www.althawra-news.net - رابط الخبر: https://althawra-news.net/news94310.html