2014/09/05
حقوق غير المسلمين في بلاد الإسلام

لاشك أن الإسلام دين الرحمة للبشرية جمعاء فقد جاء في كتاب الله عز وجل قوله ” هِذِا بِصِائرْ للنِاس وِهْدٍى وِرِحúمِةَ لقِوúم يْوقنْونِ “صورة الجاثية أية رقم (20) كما أن فيه الخير والنفع للمسلم وغير المسلم ولا يخفى ذلك على ذي عين بصيرة ولا ينكر ذلك ويجحده إلا من جهل حقيقة هذا الدين أو كان من الذين ختم الله على قلوبهم من المستكبرين المعاندين يقول الله تعالى ” ذِلكِ الدينْ الúقِيمْ وِلِكنِ أِكúثِرِ النِاس لاِ يِعúلِمْونِ ” سورة الروم أية رقم(40) ولذا فالعاقل الرشيد يدرك منافع الإسلام الحنيف على الأمة الإسلامية وعلى المسلمين في الدارين الدنيا والآخرة. أما خير الإسلام لغير المسلمين فيظهر هذا واضحاٍ من خلال الحقوق التي وضعها لهم الإسلام ومن خلال معاملة المسلمين لهم من تسامح وعفو تكاد العقود لا تصدقه وأكبر دليل على ذلك ما كان في أوقات الانتصارات التي حققها المسلمون بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم وهذا ما أقر به المنصفون غير المسلمين ولذا يقول البطريك غيشو بابه: “إن العرب الذين مكنهم الرب من السيطرة على العالم يعاملوننا كما تعرفون إنهم ليسوا بأعداء لنا بل يمتدحون ملتنا ويوقرون قسيسينا وقديسينا ويمدون يد المعونة إلى كنائسنا وأديارنا”. فهذا يظهر التسامح الذي يعامل به المسلمون غيرهم من أهل الديانات الأخرى وهذه المعاملة الحسنة التي أبداها المسلمون لمخالفي دينهم ليست غريبة بل هي نابعة من أسس الدين الإسلامي الذي أرسى أسس راسخة في هذا منها (1) حفظ كرامة الإنسان بصفته إنساناٍ بغض النظر عن لونه وشكله وعقيدته (2) كفالة حرية الاعتقاد. ولكن من المؤسف والمؤلم أننا نسمع في تلك الآونة من يتهم الإسلام بانتهاك حقوق غير المسلمين دون أن يبرز لنا الأدلة والبراهين ولذا أذكر هنا بعض الحقوق التي أثبتها الإسلام لغير المسلمين كي يكون الأمر واضحاٍ أمام المسلمون فلا يبخسوهم حقوقهم وكي لا يشيع المتربصون للإسلام شائعات مغرضة بأن الإسلام يبخسهم حقوقهم وهذه الحقوق على جهة العموم لا الخصوص بمعنى أنها حقوق عامة لغير المسلمين أيا كانوا أهل ذمة أم مستأمنينو هذا ما ميز الشريعة الإسلامية عن غيرها أنها أشركت غير المسلمين مع المسلمين في الحقوق العامة وهو ما لم ينله إنسان في دين آخر ولا في نظم آخر. ومن هذه الحقوق العامة التي أقرها الإسلام لغير المسلمين: * حقهم في حفظ كرامتهم الإنسانية فقد كرم الله تعالى الإنسان بعامة مسلماٍ وغير مسلم ورفع منزلته على كثير من خلقه فقال تعالى ” وِلِقِدú كِرِمúنِا بِني آدِمِ وِحِمِلúنِاهْمú في الúبِر وِالúبِحúر وِرِزِقúنِاهْم منِ الطِيبِات وِفِضِلúنِاهْمú عِلِى كِثيرُ ممِنú خِلِقúنِا تِفúضيلاٍ ” سورة الإسراء أية رقم (70) بل نرى أن الله قد أمر الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام وفي هذا الملاء لشأن الإنسان وتفضيلاٍ قال تعالى ” وِإذú قْلúنِا للúمِلِائكِة اسúجْدْوا لآدِمِ فِسِجِدْوا إلِا إبúليسِ أِبِى ” سورة طه أية رقم (116) وعلاوة على ذلك أسبغ الله نعمة ظاهرة وباطنه على الإنسان مسلماٍ أم كافراٍ وانطلاقا من هذه المعاني السامية التي قص الله بها الإنسان كان لا بد من مراعاة الكرامة الإنسانية للإنسان مسلماٍ كان أم كافراٍ ولا يوجد دين مثل الدين الإسلامي في حفظ كرامة الإنسان حتى الذي من غير أهله – وهم غير المسلمين – فالإسلام يؤكد على أن أصل البشر واحد وأنهم متساون في الحقوق والإنسانية ومن المحافظة على كرامة غير المسلمين حقهم في مراعاة مشاعرهم ثم يكون الجدال معهم بالتي هي أحسن كما ذكر القرآن الكريم قال تعالى ” وِلِا تْجِادلْوا أِهúلِ الúكتِاب إلِا بالِتي هيِ أِحúسِنْ ” سورة العنكبوت الآية رقم (46) وكذلك حقهم في عدم تسفيه معتقداتهم ومن ثم يمكن القول بأنه لا يوجد دين ولا ملة ولا نظام أنصف مخالفيه أعظم من الإسلام. كما نجد في الوقت نفسه أن الله حرم على المسلمين أن ينالوا من الآلهة التي يعبدها المشركون بالسب حتى لا يؤدي ذلك على النيل من الله تعالى ألا له الحق وفي ذلك تكريم للإنسان حيث إن احترام شعور الإنسان نحو الأشياء التي يعيدها احترام لكرامته. ومن ذلك أيضاٍ أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالقيام للجنائز ولما مرت بهم جنازة يهودي فقالوا يا رسول الله : “إنها جنازة يهودي فقال صلى الله عليه وسلم أليست نفس” أليس في هذا تكريماٍ لغير المسلم بصفته إنساناٍ خلقه الله تعالى بغض النظر عن عقيدته كان هذا بالنسبة لتكريم الله لهذه النفس أيا كان دينها ثم بعد ذلك نجد من حقهم أيضاٍ – أي غير المسلمين حرية العقيدة. حيث يرغم الإسلام مخالفيه على الدخول فيه بل ترك لهم حرية الإبقاء على دينهم فلا يجبرون على الدخول في الإسلام واعتناقه وذلك ثابت في الكتاب والسنة قال تعالى ” وِلِوú شِاء رِبْكِ لآمِنِ مِن في الأِرúض كْلْهْمú جِميعٍا أِفِأِنتِ تْكúرهْ النِاسِ حِتِى يِكْونْواú مْؤúمنينِ ” سورة يونس (99) وقال تعالى ” لاِ إكúرِاهِ في الدين ” فهذه الآية الكريمة التي قال عنها الاستاذ إدوين كالغرلي “في القرآن أية كريمة تفيض بالصدق والحكمة يعرفها المسلمون جميعاٍ ويجب أن يصرفها غيرهم وهي تقول ” لاِ إكúرِاهِ في الدين ” هذه الآية نزلت في شأن رجال من الأنصار كان لهم أبناء يدينون باليهودية أو النصرانية فلما جاءهم الإسلام حاولوا إجبارهم على اعتناق الإسلام أو الدين الجديد فنزلت هذه الآية لتمنعهم من ذلك. ومن ثم نجد أن من حق غير المسلمين أنه لا يحق لأحد أن يرغمهم على اعتناق الدين الإسلامي والدخول فيه وهذا حق كفله لهم الدين الإسلامي. حقهم في العدل أيضاٍ هذا من حقوق غير المسلمين في بلاد الإسلام فالله سبحانه وتعالى جعل الموازين الدقيقة ليقوم الناس بالقسط ويحذر من الوقوع في الجور والظلم فقد أمر الله بالقسط في كل حال ولو كان القيام به فيه ضرر على النفس أو على أقرب الأقربين وأوجب الله على المسلمين الحكم بالعدل حتى ولو كان الحكم لصالح غير المسلمين حتى ولو كان لصالح الأعداء على الأهل والأصحاب قال تعالى ” يِا أِيْهِا الِذينِ آمِنْواú كْونْواú قِوِامينِ لله شْهِدِاء بالúقسúط وِلاِ يِجúرمِنِكْمú شِنِآنْ قِوúمُ عِلِى أِلاِ تِعúدلْواú اعúدلْواú هْوِ أِقúرِبْ للتِقúوِى وِاتِقْواú اللهِ إنِ اللهِ خِبيرَ بمِا تِعúمِلْونِ ” فالإسلام أكد على العدل والمساواة بين المسلمين وغيرهم في حق الحصول على العدل إذا تحاكموا إلى شريعة الإسلام ونماذج ذلك في الإسلام كثير منها قصة سيدنا علي مع اليهودي حينما احتكما إلى للقاضي شريح وقصة سيدنا عمر بن الخطاب حينما جاءه اليهودي يشكوا أبن عمرو بن العاص وغير ذلك كثير. ومن حقوقهم أيضاٍ حقهم في حفظ دمائهم وأموالهم وأعراضهم فالإسلام يحفظ للإنسان الحقوق الأساسية في الحياة التي لا غنى عنها وهي حفظ النفس والدم والمال والعرض والعقل ويستوي في هذه الحقوق المسلم وغير المسلم سواء كان مواطناٍ أم وافداٍ فهي حقوق وحرمات معصومة لا تنتهك إلا بسبب شرعي مثلهم في ذلك مثل المؤمنين فلا يصح إزهاق أرواحهم إلا يرخصه من الشرع الحنيف. كذلك من حقوقهم: حقهم في الحماية من الاعتداء وهذا من الحقوق التي لا يصح .. من الأموال التهاون بها فيجب على الدولة الإسلامية حمايتهم (أي غير المسلمين) في الأرض الإسلامية من أي عدو خارجي يريدهم بسوء إذ إن لهم من الحقوق العامة ما للمسلمين بل يلزم الدفاع عنهم مما يؤذيهم والقتال دونهم وفك أسراهم من الأعداء والإسلام فيه كثير من المواقف التي تدل على إلتزام المسلمين بذلك. حقهم في المعاملة الحسنة فالإسلام بين أنه يجب معاملة غير المسلمين معاملة حسنة قال تعالى: “لاِيِنúهِاكْمْ اللِهْ عِن الِذينِ لِمú يْقِاتلْوكْمú في الدين وِلِمú يْخúرجْوكْم من ديِاركْمú أِن تِبِرْوهْمú وِتْقúسطْوا إلِيúهمú إنِ اللِهِ يْحبْ الúمْقúسطينِ” سورة الممتحنة الآيات 7 و 8. ومن حقوقهم أيضاٍ حقهم في التكافل الاجتماعي فالدولة الإسلامية كفيلة بالتكفل بهم اجتماعياٍ حيث جعلت الدولة هذا حقاٍ واجباٍ على الدولة الإسلامية للمسلمين وغيرهم فتنفق عليهم من بيت المال ويأتي الحاكم لو قصر في إيصال هذا الحق لأهله. والتاريخ الإسلامي فيه الكثير من النماذج والدالة على ذلك. هذا والله الموفق والهادي إلى طريق المستقيم * عضو البعثة الأزهرية في اليمن

تم طباعة هذه الخبر من موقع الثورة نت www.althawra-news.net - رابط الخبر: https://althawra-news.net/news94728.html