
> للفنان البريطاني وليام هولمان هانت 1851
لا يمكن أن نفهم مغزى هذه اللوحة دون العودة إلى الوراء وبالتحديد إلى منتصف القرن التاسع عشر وهي الفترة التي شهدت انجلترا خلالها بعض التحولات على المستويين الديني والاجتماعي. لكن لابد في البداية من قراءة سريعة وأولية في المشهد الذي تقدمه اللوحة. هنا نرى منظرا نموذجيا للطبيعة الريفية هو عبارة عن مرعى يضم أعدادا من الماشية والأشجار. وعلى أرض المرعى يجلس شاب وفتاة على العشب. من الواضح من هيئة الشاب أنه هو الراعي الذي أوكلت إليه مهمة الاهتمام بالقطيع. لكنه يبدو غير مكترث كثيرا بالغنم لأن هناك ما يشغله ويثير اهتمامه أكثر. إنها الفتاة الجميلة التي تبدو عليها علامات الدلال والتمنع برغم ما يبديه الراعي نحوها من مشاعر الخضوع والتودد. التفاصيل في اللوحة واضح أنها رسمت بطريقة دقيقة جدا تجعلها أقرب ما تكون إلى الصورة الفوتوغرافية. يكفي أن نتمعن في الأسلوب المرهف الذي استخدمه الرسام في تمثيل الأغصان وأوراق الشجر والأزهار لندرك مدى براعته وإتقانه. في العديد من لوحات وليام هولمان هانت حضور دائم ومتكرر للخرفان والقطيع. فبعد هذه اللوحة بسنة رسم الفنان لوحة أخرى أسماها الخراف الضالة وفيها تظهر مجموعة من الخراف وهي تخطو على أطراف منطقة جبلية وعرة فيما يوشك بعضها على السقوط من فوق الحافة باتجاه الهاوية. ومن الملاحظ في هذه اللوحة الأخيرة أن القطيع ترك لوحده إذ ليس هناك أثر للراعي الذي يفترض أنه يوجه الغنم كي يجنبها الوقوع في الأخطار ويوفر لها الحماية. التسلسل الزمني الذي رسمت به اللوحتان يشير إلى المعنى الرمزي الذي قصده الفنان. في اللوحة الأولى كان الراعي حاضرا بجسده لكنه أهمل واجباته الأصلية لأن عقله كان في مكان آخر. وفي الثانية اختفى الراعي تماما من اللوحة وأصبح القطيع وجها لوجه أمام خطر محدق. في ذلك الوقت أي زمن وليام هانت كانت انجلترا تشهد نقاشا نظريا حاميا بين الكنيسة الانجليزية والجماعات الانغليكانية. وكان رجال الدين هدفا للوم والانتقاد لفشلهم في توجيه أتباعهم وتبصيرهم بأسس ومبادئ الأخلاق المسيحية. كما ساد اعتقاد آنذاك بأن البلاد غير محصنة ولا موحدة بما يكفي لصد غزو كان يقال بأن نابليون بونابرت على وشك أن يقوم به لأراضي انجلترا. إذن فاللوحتان تتحدثان عن بشر لا عن خراف وعن رعاة بالمعنى المجازي للكلمة وهم القساوسة والرهبان الذين يرى الفنان أنهم تقاعسوا عن أداء واجباتهم وتركوا الرعية دون دليل أو مرشد. وبالنتيجة فإن هذه اللوحة واللوحة الأخرى مكملتان لبعضهما البعض ويمكن أن تفسرا على مستويين: الأول عاطفي يروق للناس العاديين. والثاني تأملي يناسب النخب الفكرية والطبقة المثقفة. الجدير بالذكر أن الفكرة الرمزية للراعي ظهرت أول ما ظهرت في مقطع شعري من مسرحية الملك لير يصور فيه شكسبير راعيا أهمل واجباته تجاه الرعية وشغل نفسه بأمور ليست لها قيمة أو أهمية من منظور المجتمع والدين. كان وليام هانت إنسانا متدينا وميالا للفضيلة والأخلاق تشهد على ذلك إحدى أشهر لوحاته المسماة يقظة الضمير. وقد عرف عنه التزامه الصارم بتقاليد الرسم ما قبل الرافائيلي وكان صديقا حميما لكل من جون ايفريت ميليه ودانتي غابرييل روزيتي. وفي بعض مراحل حياته قاده حب المعرفة والاكتشاف إلى فلسطين التي زارها عدة مرات بحثا عن مواضيع دينية للوحاته. وعلى إثر إحدى زياراته إلى هناك عاودت الخرفان الظهور في لوحة أخرى من لوحاته اسماها كبش الفداء استلهم موضوعها من إحدى الأساطير التوراتية.