2014/09/19
أستاذ الدراسات الإسلامية الدكتور عبدالرحمن الوعيل لـ “الثورة” :

لقاء/ هاشم السريحي – يتفق الجميع على ضرورة محاربة الفساد ومحاسبة المفسدين ويمكن القول أن معظم الأزمات التي تمر بها الدول منبعها الفساد المستشري في مرافقها ولكن العجيب أن كل الناس ينادون بمحاربة الفساد ويتناسون أن كل فرد لابد أن يبدأ بنفسه فينهاها عن غيها واتباع هواها لتستقيم على فضائل الأخلاق فتسمو فوق كل شهوة تدعوها للظلم أو الغي أو أكل الحرام أو الاعتداء على الآخرين باللسان أو اليد فما الموظفون إلا أفراد المجتمع المنادي باجتثاث الفساد وقد حرم ديننا الإفساد في الأرض وتوعد المفسدين بالعقوبة ليكون ذلك رادعاٍ لمن تسول له نفسه الجور على البشر. وفي اللقاء الصحفي التالي نناقش مع الدكتور عبدالرحمن الوعيل, أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة صنعاء, مفهوم الفساد في الإسلام وكيفية محاربته والوسائل المتبعة في ذلك : * ما مفهوم الفساد في الإسلام¿ – الفساد ضده الصلاح عند أهل اللغة ويرادفه البطلان عند الفقهاء والمفسدة خلاف المصلحة والفساد في الاصطلاح له أكثر من تعريف اصطلاحي وسبب عدم وجود إجماع حول تعريفه تعريفا موحداٍ راجع إلى عمومية وسعة استخدام هذا المصطلح وذلك حسب أنواعه واتجاهاته فهناك الفساد المالي والإداري والسياسي والاجتماعي والإعلامي, ونعني بالفساد بلغة القانون: عدم المشروعية أو هو الخروج عن القانون لتحقيق كسب مادي أو معنوي وبمعنى آخر هو: إساءة استعمال السلطة العامة من أجل الكسب المادي, وأما تعريف اصطلاح الفساد شرعاٍ: فهو إظهار معصية الله تعالى وانحراف عن هديه بإلحاق الضرر بالنفس والغير والمال والعرض والسلوك والأخلاق, وحكم الفساد في الشريعة الإسلامية من كبائر المعاصي والذنوب فهو حرام بإجماع أهل العلم للأدلة الكثيرة الناهية عنه من القرآن والسنة وقد يختلف الحكم الشرعي على الفساد باختلاف خطورة الجريمة وآثارها الضارة . * كيف حارب ديننا الحنيف الفساد¿ – لقد حارب القرآن الكريم الفساد في آيات كثيرة ومتنوعة ومن تلك الآيات التي نهت عن الفساد قوله تعالى: {وِلِا تْفúسدْوا في الúأِرúض بِعúدِ إصúلِاحهِا } [الأعراف: 85] وقوله تعالى: {فِهِلú عِسِيúتْمú إنú تِوِلِيúتْمú أِنú تْفúسدْوا في الúأِرúض وِتْقِطعْوا أِرúحِامِكْمú (22) أْولِئكِ الِذينِ لِعِنِهْمْ اللِهْ فِأِصِمِهْمú وِأِعúمِى أِبúصِارِهْمú} [محمد: 22 23] وقوله تعالى: {الِذينِ يِنúقْضْونِ عِهúدِ اللِه منú بِعúد ميثِاقه وِيِقúطِعْونِ مِا أِمِرِ اللِهْ به أِنú يْوصِلِ وِيْفúسدْونِ في الúأِرúض أْولِئكِ هْمْ الúخِاسرْونِ} [البقرة: 27] وقوله تعالى: {وِالِذينِ يِنúقْضْونِ عِهúدِ اللِه منú بِعúد ميثِاقه وِيِقúطِعْونِ مِا أِمِرِ اللِهْ به أِنú يْوصِلِ وِيْفúسدْونِ في الúأِرúض أْولِئكِ لِهْمْ اللِعúنِةْ وِلِهْمú سْوءْ الدِار} [الرعد: 25] وقال تعالى معاقباٍ المفسدين في الدنيا: {إنِمِا جِزِاءْ الِذينِ يْحِاربْونِ اللِهِ وِرِسْولِهْ وِيِسúعِوúنِ في الúأِرúض فِسِادٍا أِنú يْقِتِلْوا أِوú يْصِلِبْوا أِوú تْقِطِعِ أِيúديهمú وِأِرúجْلْهْمú منú خلِافُ أِوú يْنúفِوúا منِ الúأِرúض ذِلكِ لِهْمú خزúيَ في الدْنúيِا وِلِهْمú في الúآخرِة عِذِابَ عِظيمَ} [المائدة: 33] وغير ذلك من الآيات التي تصف الفساد وتدل عليه وتحاربه وتعاقب الفاسد وللفساد معان عدة في القرآن فمن ذلك: المعصية. ومنه قوله تعالى في (البقرة/ 11): (وِإذا قيلِ لِهْمú لا تْفúسدْوا في الúأِرúض) والثاني: الهلاك ومنه قوله تعالى في (الأنبياء/ 22) : (لِوú كانِ فيهما آلهِةَ إلِا اللِهْ لِفِسِدِتا) والثالث: الخراب ومنه قوله تعالى في (النمل/ 34): (إذا دِخِلْوا قِرúيِةٍ أِفúسِدْوها) والرابع: المنكر ومنه قوله تعالى في (هود/ 116): (أْولْوا بِقيِةُ يِنúهِوúنِ عِن الúفِساد في الúأِرúض) والخامس: السحر ومنه قوله تعالى في (يونس/ 81): (إنِ اللِهِ لا يْصúلحْ عِمِلِ الúمْفúسدينِ), وأما السنة فالأحاديث كثيرة لمحاربة الفساد وبيانه ومعالجة أسبابه ومن ذلك: قول الرسول – صلى الله عليه وسلم – (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) وقوله – صلى الله عليه وسلم – : (لا ضرر ولا ضرار) وقوله – صلى الله عليه وسلم – : (لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناٍ المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره التقوى هاهنا : “ويشير إلى صدره ثلاث مرات” بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ) وقوله – صلى الله عليه وسلم – : (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر), فتلك الأحاديث الصحاح توجب أن يكون المجتمع الإسلامي مستقراٍ يعمه الأمن والأمان وفقاٍ لفهمه لنصوص الحديث وآيات القرآن في محاربة الفساد وطرق مكافحته, إذن فالتربية الإسلامية هي أكبر رادع للفساد في الأمة لأن الفساد من أكبر المعوقات للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والعلمية. * الكل يتحدث عن آفة الفساد ووجوب محاربته.. هل تقتصر محاربة الفساد على أولي الأمر أم أن كل فرد مسئول¿ – إن محاربة الفساد لا تقتصر على أولي الأمر فقط بل على جميع أفراد الأمة تحت ما يسمى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كل قدر استطاعته وعلى ولي الأمر والعلماء القيام بواجبهم من باب أولى من غيرهم كونهم يملكون العلم والحق والقوة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم يليهم أفراد المجتمع كل حسب مسؤوليته الاجتماعية والإدارية والأسرية والعلمية . * الإسلام اعتمد على الرقابة الذاتية لمحاربة الفسادº فهل اعتمد أو دعا إلى استخدام وسائل أخرى¿ – لقد استخدم الإسلام آليات ووسائل عدة لمواجهة الفساد غير الرقابة الذاتية التي هي مهمة في الأصل لأن فيها مراقبة الله – سبحانه وتعالى – في السر والعلن وتقواه ومخافته مما يجعل الإنسان يخاف عقابه وحسابه ويرجو رحمته ولكن ظهور الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي أناس لا يعتمدون على تلك الرقابة فقد استخدم الشرع وسائل عدة وسنذكر منها على سبيل المثال لا الحصر مع ذكر الدليل ومنها: – العلم والبيان في ذكر الفساد وبيان خطورته فدرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة فحين يظهر البيان في معرفة الفساد من الصلاح يعلم الفرد ويميز ذلك فيتجنب الفساد ويجلب الصلاح والعلم والبيان مهمة المتخصصين والعلماء قال تعالى: {وِإذú أِخِذِ اللِهْ ميثِاقِ الِذينِ أْوتْوا الúكتِابِ لِتْبِينْنِهْ للنِاس} [آل عمران: 187] وقال تعالى: {فِاسúأِلْوا أِهúلِ الذكúر إنú كْنúتْمú لِا تِعúلِمْونِ} [النحل: 43] وقال تعالى: {وِاللِهْ يِعúلِمْ الúمْفúسدِ منِ الúمْصúلح} [البقرة: 220] وبما إن الله تعالى يعلم المفسد من المصلح فالإنسان أولى له أن يعرف الفساد من الصلاح فالإنسان على نفسه بصيرة . – تطبيق القوانين النافذة والرادعة في البلد وسيلة من وسائل مكافحة الفساد ومحاربة ما لم يخالف القانون نفسه أهداف المجتمع وقيمه وسلوكه وشريعته ولا سيما القوانين اليمنية فقد ردعت الكثير من الفساد المالي والإداري كالرشوة واستغلال المناصب العامة بسن عقوبات صارمة ورادعة في ذلك ولكن المشكلة هي في التطبيق والتنفيذ . – الحدود والعقوبات في الشريعة الإسلامية من وسائل مكافحة الفساد وحماية المجتمع من الوقوع فيه كحد القتل وحد الردة وحد الزنا وحد السرقة وحد الحرابة وحينما يتقاعس المجتمع عن تنفيذ حدوده فإن الفساد يستشري ويجعل المجتمع ضعيفا يعاني من الفساد وآثاره . وقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد) أخرجه البخاري. – تطبيق الخيرية في الأمة قال تعالى: {كْنúتْمú خِيúرِ أْمِةُ أْخúرجِتú للنِاس تِأúمْرْونِ بالúمِعúرْوف وِتِنúهِوúنِ عِن الúمْنúكِر} [آل عمران: 110] فعلامة الخيرية في الأمة هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكذلك حديث الرسول – صلى الله عليه وسلم – : من رأى منكم منكراٍ فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان . – النصيحة وهذه من أعظم الوسائل كونها تشمل جميع فئات المجتمع قال تعالى : {إذا نصحوا لله ورسوله} [التوبة: 91] وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – «الدين النصيحة» قلنا: لمن¿ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» أخرجه مسلم. – التواصي بالحق وأن ذلك من حق المسلم على المسلم قال تعالى: {إنِ الúإنúسِانِ لِفي خْسúرُ (2) إلِا الِذينِ آمِنْوا وِعِملْوا الصِالحِات وِتِوِاصِوúا بالúحِق وِتِوِاصِوúا بالصِبúر}. – تحقيق مبدأ الثواب والعقاب: حيث يحصل الصالح على جزائه من الثواب الدنيوي قبل الأخروي ويحصل الفاسد على العقاب كذلك . – التوعية بين الناس عن الفساد ومخاطره وكيفية تجنبه ووسائل مكافحته عن طريق وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والتواصل الاجتماعي والإداري يلعب دوراٍ كبيرا في محاربة الفساد وتشجيع الصالحين في محاربة الفاسدين والتضييق على أهل الفساد ومحاربتهم وفضحهم وتعرية أفكارهم ونصحهم بشكل دوري ودائم وان لا يخاف الناس من الفاسد وفساده وان لا يسكت أهل الحق على الباطل فيستشري بين الناس . – تنشئة الطفل المسلم على التربية والتعليم السليم – في معرفة الفساد والحذر منه – تنشئة سليمة كي يتربى على حب الصلاح وأهله وكراهية الفساد وأهله . * هل من كلمة أخيرة تودون توجيهها للقراء في ختام هذا اللقاء¿ – هناك مصادر قوية لمعرفة الخلل والفساد في المجتمعات والدولة ومتخصصين وإداريين وعلماء في معرفة الفساد ونبذه وإحلال أهل الصلاح والبحث عنهم ليقوموا بواجبهم الديني والمهني والاجتماعي تجاه أمتهم وما ثورات التغيير والربيع العربي في المجتمعات العربية إلا بسبب انتشار الفساد والظلم والفوضى بحثاٍ عن العدالة والمساواة والصلاح لمواجهة الفساد والمفسدين ونتمنى من الأخ القارئ أن يتعلم كيفية مكافحة الفساد بداية بالإصلاح الذاتي أولاٍ ثم ينتقل ذلك الإصلاح إلى المجتمع فقد قال تعالى : {إنِ اللِهِ لِا يْغِيرْ مِا بقِوúمُ حِتِى يْغِيرْوا مِا بأِنúفْسهمú} [الرعد: 11] فالرجل المناسب في المكان المناسب.

تم طباعة هذه الخبر من موقع الثورة نت www.althawra-news.net - رابط الخبر: https://althawra-news.net/news96148.html