الرئيسية - علوم وتكنولوجيا -   حوار مع الكاتب والمحلل السياسي الأستاذ بكر أحمد 
  حوار مع الكاتب والمحلل السياسي الأستاذ بكر أحمد 
الساعة 12:00 صباحاً بكر احمد

1- طالب الكثيرون وكحل حاسم لهذه الأزمة التي تعصف بالبلاد  تنحي الرئيس عن الحكم، ألا ترى معي أن مثل هذا العمل قد يسبب كارثة لا تحتمل، وقد تعم الفوضى في البلاد وتدهور الأوضاع بشكل يصعب السيطرة عليها.

- تقريبا لا توجد فوضى أكثر مما هو عليه الوضع الآن ، وبنظرة سريعة من أقصى الجنوب حتى شمال الشمال ، تستطيع أن ترى كم هي الأحوال منهارة ، ورحيل الرئيس لن يغير ولن يزيد من هذا السوء لأنه وبكل سهولة وبكل منطق لا يمكن عمليا حدوث ما هو اسواء ، فلا شيء يوجد بعد القاع . لكن ومن بداهة الأمور علينا أن نتصور أنه مازالت في الرئيس شيء من الوطنية والغيرة وأنه لن يغادر البلاد بشكل عشوائي كنوع من الانتقام ورغبة منه في تحطيم ما تبقى ، بل وكإنسان حصيف أتوقع منه أن يقوم   بنقل واعي ومسئول لأدوات النظام  إلى رجال تكنوقراط ( مستقلين )  لا ينتمون سياسية أو حزبيا لأي طيف من أطياف السياسة اليمنية ، وتكون فترة حكمهم هي مرحلة انتقالية جديدة تحدد مهامها بإدارة البلاد والحرص على عدم حدوث أي شلل في مرافق الدولة وتعديل الدستور بما يتناسب مع المقتضيات التي قامت عليها الوحدة وذلك بمشاركة كل القوى الفاعلة والمدنية في البلاد ثم  إعداد قانون جديد للانتخابات بعد تحييد المال العام والإعلام والجيش وتفعيل قوانين محاربة الفساد لأن هذا الشيء هو من سيجعل المواطنين يشعرون أنه ثمة نية حقيقية للتغير نحو الأفضل  ، و في حال حدوث هذا التصور فأن اليمن سيدخل مرحلة جديدة أكثر نهضوية وتنمية وعدالة .

  2- أخي بكر كونك كاتب ومحلل سياسي ومتابع ممتاز كيف تقيم الوضع في اليمن خاصة بعد طلوع السيد البيض؟

- من الواضح أن ظهور البيض على المشهد السياسي بعد فترة غياب طويلة    أضاف نكهة ربما تكون حامضة في حلق النظام الحاكم  وتكالبت المشاكل المستعصية التي طالما قام بترحيلها أو تجاهلها ، وعودة البيض بكل هذا الزخم يعطي دلالة لا تخفيها العين المتربصة بأن التأزم في اليمن دخل مرحلة العمق و اللا عودة ، لأن رجل بحجم وتاريخ السيد علي سالم البيض يعرف جيدا كيف يختار التوقيت الملائم ويجيد فن اللعب بالممكن ، كما أنه _ وهذا من بـاب الحصافة والتوقع  _ لديه ضمانات بأن القضية التي خرج لأجلها ستتقد وتشتعل أكثر أمام عجز تام من نظام سياسي شاخ كثيرا وأصبح عاجزا عن فرض سيطرته على أجزاء واسعة من البلاد كما أن هذا النظام ومن منطلق عجرفته المتعارف عليها أصبح أداة داعمة وبشكل غير مباشر لما ينادي به البيض .

الأيام القادمة ستكون مختلفة عما أعتدنا عليه في الماضي والحراكيين مثل ما بدا  لنا قاموا  بالتنسيق فيما بينهم وكسبوا الشارع الجنوبي ، وهذان المحوران ( الحراك الداخلي من جهة  والبيض وقادة الصف الأول فيما كان يعرف باليمن الجنوبي من جهة  أخرى ) يستطيعان عمل الكثير بعد أن ظهر تمكنهم وكسبهم للرأي العام وبعد أن استطاعوا أن يعزلوا النظام بشكل كبير وتاريخي   كما أنهم يملكون حرية الحراك الدولي والإقليمي وهذا عامل مهم  في أي عمل دبلوماسي وسياسي .

في نظري أن السيد البيض لو كانت لديه ذرة شك في فشل مسعاه ، لما غامر بهذا الشكل وخرج للعالم من جديد وطالب بفك الارتباط بهذا الشكل كما أن الأوراق التي يمتلكها البيض أكثر بكثير مما أخرجه من جعبته حتى الآن ، والرهان كالمعتاد هو على فشل النظام وفساده وعجرفته وكلها أمور ستساهم كثيرا في دعم الدعاوى التشطيرية  .

3-   القضية الجنوبية خرجت عن المسار السابق وتفاعلت في تصاعدها خاصة بعد مواجهتها بعنف من النظام وأصبحت الان مطالب انفصالية؟

- القضية الجنوبية هي حالة تراكمية من عدة عوامل ظلت لفترة طويلة تختمر تارة سرا وتارة أخرى بشكل علني ، والقضية الجنوبية بمكوناتها الأولية هي قضية الشعب اليمني بجميع اتجاهاته إلا أنها أكثر وقعا على الجنوبيين كونهم كانوا يعيشوا حياة تختلف كثيرا عما عانوه في ظل الوحدة ، وتأتي المرارة وخيبة الأمل عندما أعتقد الجميع بأن الوحدة اليمنية ليست حلم عاطفي تمناه جميع اليمنيين وحسب ، بل كانت تمثل بالنسبة لهم نقلة نوعية في منظومة حياتهم الاجتماعية و الفردية فوطن أكبر أتساعا وأكثر ثروة ودولة موحدة تقوم على المؤسسات وعلى التداول السلمي للسلطة هي عوامل كفيلة بنقل الشعب كله من مرحلة متدنية إلى مرحلة أعلى بكثير قد تصل وبدون مبالغة إلي حد الرفاهية ، لكن الفشل الدائم والفساد الممنهج وإقصاء شريحة من الشعب وتجفيف منابع رزقهم ومحاصرتهم معنويا واقتصاديا مقابل تضخم فئة أخرى بسيطة استحوذت على الثروة الوطنية وتقاسمتها بينهم  وتوارثوا كل شيء حتى الوظائف ، كلها عوامل ساهمت وبشكل كبير في انحراف مسار القضية الجنوبية من مطالبة بحقوق لم يلتفت إليها أحد إلى المناداة بالانفصال وفك الارتباط ، وهذا المنعرج كان متوقعا قبل الإعلان عنه ، وهذا لأن النظام الحاكم مارس الانفصال والتفرقة وغرس في نفوس الجنوبيين أنهم مواطنين من الدرجة السابعة وأن الوحدة بحد ذاتها كانت مكرمة من الشمال نحو الجنوب ، ولطالما تم استخدام خطاب استعلائي تجاه الجنوبيين وطريقة عيشهم في ما قبل الوحدة والسخرية من كل منجزاتهم  وأن الشمال جاء لينقذهم  من ظلم وفقر وقهر  ، ليكتشفوا أن كل السلبيات التي نسبها   النظام الحاكم إلي اليمن الجنوبي هي في حد ذاتها طريقة عيش أفضل بكثير مما ذاقوه تحت حكم المؤتمر الشعبي العام والوحدة اليمنية .

هل كل هذا يبرر الانفصال ، هنا قد نداخل في جدلية ( الوطن أم الإنسان ) لذا لنحاول أن نبتعد قدر الإمكان عن إصدار الأحكام ولنحاول قدر المستطاع إيجاد الحلول المتوفرة والباقية قبل أن يستفحل الأمر وتنزلق الأمور إلى اتجاهات أكثر سوءً .

4-   هل النظام وحده هو من يتحمل تبعات مايجري في اليمن؟

- أن لم يكن النظام، فمن هو الذي يجب أن نضع عليه اللوم، فمن طبيعة الأمور أن لكل فعل ردة فعل ، وما كان لكل ما يجري الآن أن يظهر لو تم التعامل مع الوحدة اليمنية كمنجز حضاري ووطني ، لا كغنيمة أسرية يتقاسمها الأب مع أبنائه  وأبناء قبيلته ، إن الوحدة اليمنية حين تتم معاملتها على غير ما خلقت لأجلها ، حتما أنها ستفشل وستنقلب المفاهيم والأمور باتجاهات  سوداوية كخيار وحيد وكمحاولة بائسة نحو استرداد ما يمكن استرداده .

لا يمكن تحميل اللوم على أي طرف آخر غير النظام الحاكم لأنه هو من  يملك مقدرات وثروات الشعب  وهو من تفنن في نهبها بشكل ممنهج وأستطاع فعلا إفقاره وجعل اليمن   تعيش خارج الهامش التاريخي والاقتصادي والثقافي  ، ونظام يقوم بمثل هذه الأفعال يجب أن يحاسب عليها وأن يسترد كل ما تم أخذه دون وجه حق وأن يطبق بحقه النظام والقانون .

5-كيف تقيم أداء أحزاب اللقاء المشترك والتي تراجعت شعبيتها بصورة لا تصدق رغم محاولتها تلميع الوضع باسم التشاور والذي كان قراراته وتوصياته مخيبة للآمال؟

- أحزب اللقاء المشترك تعيش حالة من اللاحسم ، وهذا بالضبط ما حدث للغراب من قبلهم حين أراد أن يقلد الطاووس ، فأضاع مشيته ولم يستطيع أن يكون طاووسا  ، ولأن اللقاء المشترك لا يستطيع أن يعلن انضمامه صراحة إلى الحراك الجنوبي ، ولا يستطيع أن يقف بجوار السلطة بحجة المحافظة على الوحدة  ، وفي أمور السياسة عندما لا تستطيع قوى معينة اتخاذ مواقف صريحة وواضحة مما يرجي منه تكون فقدت رصيدها وهذا ما تعانيه الآن أحزاب اللقاء المشترك .

نستطيع أن نتفهم جميعا هذا المأزق الذي يمر به اللقاء المشترك ، ولكننا لا نفهم لماذا لا يتم تفعيل حراك شمالي يتبنى مطالب حقوقية واجتماعية ، لأن حالة الجمود والسبات هذا يعني أن هذه الأحزاب لم تعد تستطيع أن تفعل أي شيء دون موافقة السلطة والنظام الحاكم وهي هنا تخسر الكثير مما عملته في السنوات الماضية مقابل قوى جديدة استطاعت أن تسحب البساط من تحتها وهي بالطبع الحراك الجنوبي  .

6- أنت من قياديي ومؤسسي تنظيم خلاص ولكم رؤية تختلف عن الكل ويبدوا إن حولكم تفاعل خاصة من الصفوة كيف تنظر لمستقبل خلاص؟

جاءت فكرة تنظيم خلاص كمحاولة من نخبة الأقلام في المهجر و في الوطن نحو تشكيل كيان فكري وسياسي يساهم في تحديد إشكالية الوطن ووضع حلولا لها ، وهذه الفكرة ولا شك أنها  فكرة رائدة ووطنية حيث أن التنظيم أستطاع وخلال فترة بسيطة أن يعلن عن وجوده وعن موقفه تجاه العديد من القضايا ، إلا أنه ومع مرور وتصاعد الأحداث في الوطن ظهر التباين في الآراء وهذه ظاهرة طبيعية في مجال العمل السياسي أن كان لا يخرج عن ثوابت متفق عليها بين أعضاء هذا التنظيم ، وللأسف الشديد أن تنظيم خلاص أغفل نهائيا عن وضع أرضية سياسية وفكرية تكون منطلق ومرجعية لأعضائها ، حيث أقتصر الأمر في بدايته على توحيد الأقلام والآراء ومحاولة توعية الرأي العام وتحفيزه نحو حقوقه المهضومة إلا أن الأحداث المتسارعة وسخونة الأوضاع خلقت حالة من التمايز بين مواقف أعضاء تنظيم خلاص .

لكن سنحاول أن نحيي هذا التنظيم أنا وكل الغيورين على وحدة وظنهم ونجعل منه كيان نوعي مختلف عن باقي التنظيمات السياسية و خاصة  أنه لا يضم إلا حملة الأقلام والرأي والفكر ، وهذا أن نجح سيكون أول تنظيم بهذا الشكل على مستوى الوطن العربي .

7- لك تواصل وعلاقات واسعة مع سياسيين عرب وقوى عربية مؤثرة هل ممكن يكون دور للقوى العربية في شان الوحدة اليمنية التي تعرضت لهزات عنيفة نتيجة لسوء إدارة النظام وانقلابه على مفاهيم الوحدة؟

- ما نفهمه جيدا أنه هنالك قصور في نشر ما يحدث حقيقية في اليمن ، والمتابع للوضع من بعيد لن يلحظ سوى وحدة يمنية  قائمة تفاعل معها كل عربي وفرح لها كثيرا  ، لكن لن يشاهد تنامي الفقر والظلم والفساد والنهب والانهيار الكامل في كل مرافق الدولة ، لن يشاهد هيمنة القبيلة بكل سلبياتها وضعف الدولة أمامها ، لن يشاهد الثقافة القائمة على التجهيل وترسيخ   الفساد كعنصر رجولي يجب على الجميع أن يقبله أولا ويبرر وجوده ثانيا ويمارسه أخيرا كنسق مستمر في حياته ،  هذا من جهة ، ومن جهة أخرى من الصعب جدا أن تشرح لأي قومي عربي فكرة انفصال اليمن وإعادة تشطيره من جديد ، لأن هذه الفكرة تنسف كل ما يؤمن به أي عروبي في الوطن العربي وأن التفاعل مع فكرة الانفصال هي عمليا تعتبر خيانة فكرية لا يمكن القبول بها .

وأنت وأنا ومثلنا كثيرون واقعون بين فشل محاولة إيصال أن اليمن يعيش في مرحلة ما قبل التاريخ بسبب هذا النظام ، وبين مقدرة النظام عبر وسائله المسيطر عليها في الدولة بإيهام الجميع بأن من له مطالب حقوقيه أو قانونية أو دستورية هو في الحقيقة يدعم الإنفصالين ويريد تشطير اليمن .

نريد أن نخبر الجميع أنه لا يمكن للوحدة أن تستمر في ظل بقاء هذا النظام ، وهذا لا يعني أننا نطالب بالانفصال بل أننا وكحرص على الوطن نطالب النظام بالرحيل ، ومتى ما استطعنا أن نوصل هذه الرسالة بوضوح وشفافية ستكون للقوى العربية عامة وللقوميين خاصة رأيي مؤثر وإيجابي في أحداث اليمن .