الرئيسية - الأخبار - الخلقي وعامر شهداء نصف الراتب.. سياسات حوثية ممنهجة ومتسلسلة استهدفت المعلم ودوره الريادي
الخلقي وعامر شهداء نصف الراتب.. سياسات حوثية ممنهجة ومتسلسلة استهدفت المعلم ودوره الريادي
الساعة 05:20 مساءً الثورة نت/ تقرير - إبراهيم الظهره


خالد الخلقي معلم اللغة العربية بمدرسة الحورش في مديرية الصافية لم يسمع بقصة موته الكثير ولم تدخل مأساته أجندة المعنيين؛ توفي ذات مساء في أحد شوارع صنعاء.. ومذاك لم يتخيل أحد الحالة التي وجد فيها سكانٌ جثته مترنحة في أحد الشوارع.
قضى دون ضجيج؛ ولكن كأفصح مما ردده في فصوله الدراسية معبرا عن قهر الرجال، توفي بعد سنوات وشهور طويلة من المعاناة والوجع الإنساني المتدفق، الوجع الذي يتكرر في منازل المعلمين والمعلمات في المحافظات التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية.
رحل الخلقي وحيدا مفترشا الأرض ملتحفا السماء، لقد وجد وحيدا حين باغته الموت في الشارع سبتمبر 2018م؛ متكوما على قدر هائل من القهر؛ جراء عجزه عن مواجهة أعباء الحياة وتوفير فرصة للعيش الكريم لأسرته، ومعترضا بهذا الشكل من الموت -الأليم والحزين- على تواطؤ إهمال المعلم اليمني في سنوات الحرب الممتدة على مدى سبع سنوات.
وفي تفاصيل قصته؛ طُرد الأستاذ الخلقي من منزله بسبب العجز عن سداد الإيجارات وهو ما دفعه لتوزيع أفرادها على أقاربه واللجوء إلى قارعة الطريق بحثا عن عمل يساعده في مجاراة الحياة الصعبة التي صنعتها قرارات المليشيات بحرمان المعلمين وأغلب موظفي الدولة من رواتبهم منذ أغسطس 2016.
جميلة عامر.. تباغت المتعسفين
جميلة عامر – قصة لضحية أخرى تم رصد حالتها - ماتت بمدرسة عمار بن ياسر في منطقة آزال التعليمية إثر تدهور صحتها بعد فصلها تعسفيا من عملها بيومين فقط 19 يناير 2019م.
جميلة عامر كانت مع كثير من المعلمين والمعلمات يصارعون تغييب الحوثيين لمأساتهم ومعاناتهم، دخلوا في مناكفات مطلبية بالرواتب أو أنصافها،؛ وسواء أكان فصلها بسبب شك الحوثيين في ولائها لهم أو لأنها رفعت صوتها قليلا في وقت لا يسمح فيه سوى بأصوات المليشيات ورصاصاتها، والمتاح من الوقت هو فقط لتوسيع أشكال قمعها وانتهاكاتها لحقوق المعلمين والمعلمات الذين حاولوا مرارا لفت الأنظار بالتهديد بالتوقف عن التعليم أو الإضراب أحيانا، لكنهم دوما؛ كانوا يدفعون أثمانا غالية بعضها وصل لفقدان حق الحياة كخالد وجميلة وعشرات آخرين.
كان الحوثيون يقتنصون المعلمين المطالبين بكرامة أو بمعيشة أفضل وراتب ضئيل ومستحق، حال دونها توحش المليشيات وجشعها، وذات الأمر أردى بجميلة عامر وحولها إلى جثة هامدة؛ ولم تعد بحاجة لاقتراض مبالغ مواصلاتها إلى المدرسة التي لا تدفع لها راتبا.
أرقام صادمة
يعلق أمين عام نقابة المعلمين حسين الخولاني بأن الخلقي وعامر مثالان فقط لضحايا سياسة ممنهجة استهدفت المعلم اليمني، وفي وسط العاصمة ومن برج الأطباء وبعد جره إلى قسم الشرطة لسداد الإيجارات المتراكمة والديون جر معلم آخر عالم المليشيات معه من أعلى البرج قاطعا الطريق على فرص إذلاله التي كانت تتلقفه يمنة ويسرة.
المليشيات الحوثية عذبت خالد وجميلة وشهيد برج الأطباء وبقية معلمي اليمن أكثر من مرة.. مرة حين أوقفت رواتبهم عنوة، وثانية حين تصدت لإفشال المبادرة الأممية عبر اليونيسيف بصرف 50 دولارا أسبوعيا لكل معلم، وثالثة حين كررت المليشيات على الدوام كذبة صرف نصف راتب شهريا أي ما يقارب 50 دولار.
فمنذ الإعلان عنها في أكتوبر 2017م لم تصرف سوى مرات قليلة حسب إعلانات المليشيا ذاتها، وفي المجمل تحتفظ النقابات والمنظمات الحقوقية التي تعمل بعيدا عن يد المليشيات بسجل راصد لحالات انتهاك المليشيات لحقوق المعلمين وحرياتهم والاعتداء على حياتهم ومعيشتهم.
ويعود إعلان "نصف الراتب" للتوتر الكبير في المعلمين والمعلمات وموظفي الدولة بسبب حرمانهم رواتبهم لشهور عدة نهايات 2016 ومطلع 2017، وإجراءات الإضراب التي اتخذتها النقابات التعليمية وإن كانت قد أخفقت في إنجاحها من جهة وإعلان الحكومة اليمنية عبر رئيس الوزراء أحمد بن دغر استعداد الحكومة دفع رواتب جميع موظفي الدولة وخصوصا المعلمين بشرط توريد المليشيات الإيرادات إلى البنك المركزي في عدن من جهة أخرى- وهو ما رفضته مليشيا الحوثي.
في تلك الأثناء تشكلت ضغوط مطلبية وظيفية نابعة من صياحات وآلام موظفي وموظفات الدولة ونقابية تبنتها نقابات خصوصا في قطاع التعليم وسياسية بين طرفي الانقلاب حزب المؤتمر الذي نحى باللائمة على جماعة الحوثيين في استئثارها بالموارد وعدم صرف الرواتب بحجج واهية.
القمع لفرض "نصف الراتب"
حسب متابعين للملف فإنه ولامتصاص الغضب تعمد المليشيات لتخدير الموظفين بأخبار "نصف الراتب" ولكن تماطل في صرفها إثر كل وعد لعدة أشهر، وحين يأتي وقت الصرف يكون المعلمين كما بقية الموظفين الحكوميين أمام معاناة جديدة تتمثل في الحرمان من "نصف الراتب" بمبررات لا تنتهي كما حصل مع آلاف المعلمين والمعلمات مطلع الأسبوع الجاري خلال صرف نصف راتب يعود لشهر إبريل 2018م، وأخرى في متابعة النصف العاري من الفائدة والوقوف في طوابير طويلة قد يكون فيها حتفها.
وهنا تحضر واقعة مقتل اثنين في طابور "نصف الراتب" أمام بريد الجراف مطلع سبتمبر 2017م، أما أكثر الوقائع عبثية في "نصف الراتب" فتتشكل يوميا في عجز المعلمين والمعلمات عن التصدي لنهب رواتبهم وفشل محاولاتهم المستمرة في الاضراب والاحتجاج جراء انتهاكات فضيعة قمعت بها المليشيات كل تحرك.
فحسب مصادر نقابية وصل عدد الاغتيالات في أوساطهم إلى 19 حالة بالإضافة لـ10 حالات قتل تحت التعذيب وغيره وعشرات إن لم تكن مئات حالات الاعتقالات والاخفاء فيما بلغت حالات الانتهاك المختلفة والمرصودة 2600 حالة وهو رقم متواضع للحالات غير المرصودة وصولا لأحكام الإعدام بحق نقيب معلمي أمانة العاصمة صنعاء سعد النزيلي والتي تؤكد النقابة عدم قانونية، وكل ذلك مهد الطريق لاستمرار عبث "نصف الراتب". 
مسار نصف الراتب
سلسلة لا إنسانية تلك التي تصدت لتأزيم حياة المعلم اليمني فابتدعت نصف الراتب ثم أعقبتها بتعطيله والاكتفاء بمرات قليلة في العام يصرف فيها النصف.
يقول أحد المعلمين  إنها ثلاث مرات تقريبا قبل رمضان وقبل عيد الفطر وقبل عيد الأضحى، وأقل من ذلك في بعض السنوات. 
ويقول مسئولون ومعلمون بأن المليشيات تراكم الأموال لتوزعها على مشرفيها ومسئوليها، وأنها وسعت مسميات مواردها من مختلف الأعمال التجارية  والمواطنين ورفعت مقدارها حتى أنها تشترط في رمضان استلام سندات سداد زكاة الموظفين لصرف "نصف الراتب".
المليشيات الحوثية وعلاوة على كل الموارد الجمركية والضريبية والتي تستطيع المليشيات توفير رواتب المعلمين منها تستمر في استحداث موارد جديدة وآخرها ما أعلنه يحيى الحوثي وزيرا للتربية في سلطتهم عن تأسيس صندوق المعلم في أغسطس الماضي ليبدأ انتظام صرف رواتب المعلمين ديسمبر حسب ادعاءاته وهو لم يتم.
والادعاءات التي تحيط بنصف الراتب بدأت بصالح الصماد رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين سابقا وتتالى عليها كثير من مسئولي حكومتهم بينهم مهدي المشاط رئيس مجلسهم السياسي الحالي وجميعها تؤكد ما ذهب إليه كثير من البرلمانيين بينهم بشر من تلذذ الحوثيين بمعاناة اليمنيين.