الإمامية الحاكمة في اليمن والمَلَكيّات العربية المعاصرة
الساعة 09:41 مساءً

الإمامية في اليمن، لا تملك شرعية الأنظمة الملكية في الجزيرة العربية، لسبب بسيط، أن الأنظمة الملكية في الجزيرة، اكتسبت شرعيتها، بإنشاء كيانات مستقرة كما في السعودية وغيرها.

بينما الإمامية في اليمن تشكّل بطبيعتها صراعاً داخل المجتمع اليمني بمجرد وصولها للحكم، وبالتالي يفجّر الإمام حرباً أهلية داخلية بين مناصر له ومعارض، ولا ينتهي ذلك الصراع إلا بزوال الإمامة الحاكمة.

الدول الكبرى في اليمن عبر التأريخ الإسلامي، والتي كان أشهرها الدولة الرسولية والتي استمرت أكثر من مئتي عام، شهدت اليمن كاملة في ظلها نهضة علمية واسعة وقوة عسكرية مهيبة، كانت تشارك في المجهود الحربي وخاصة فترة الحروب الصليبية والتترية، وكان نفوذ الدولة اليمنية وقتها يمتد حتى إلى مكة ومدارس علمها وكسوة كعبتها، وكان مركب الحجيج اليمني يقدم على سائر الحجيج.
وقد تلت الدولةَ الرسولية، الدولةُ الطاهرية، التي استمرت أكثر من مئة عام.

أمّا الإمامية الحاكمة في اليمن فلم تعمّر لفترات طويلة، عبر التأريخ اليمني، وكانت الفترة الوحيدة التي طالت نسبياً هي فترة الإمام يحيى، التي كان لوجود الدولة العثمانية أثره في ذلك الاستقرار النسبي، حيث منح الباب العالي العثماني لونا من الحكم الذاتي للإمام يحيى في إطار الدولة العثمانية، وبمجرد نهاية الخلافة العثمانية وإلغائها، سقطت شرعية الإمام يحيى في نظر العديد من اليمنيين وخاصة النخبة المثقفة والعلمائية، وبدأت الحركة الوطنية اليمنية ضد الإمام، والتي تتوجت بثورة 1948.

وقد حاول رجال الحركة الوطنية قبل تلك الثورة إقناع الإمام يحيى لتطوير اليمن والنهوض به، ولكن كل تلك الجهود ذهبت سدى*، نتيجة لطبيعة الإمامية الحاكمة المنغلقة عبر تأريخ اليمن، ولاعتماد الإمامية الحاكمة على دعوى حقها الإلهي في المسيدة على شعب اليمن، مما شكّل عبر التأريخ حاجزاً نفسياً نحو الشعب اليمني.

يكفي الإشارة إلى أن الإمام يحيى بعد الانسحاب العثماني من اليمن، قام بإلغاء مراكز علمية ومهنية وطبية ومدارس تمريض، وحوّلها إلى قصور سكنية ومواقع عادية. وكذلك قام بإلغاء مشروع عملاق للمواصلات كان سيربط اليمن بالعالم بخط قطار يصل إلى صنعاء**.

اليمن أيضًا، كانت مؤهلة للتنقيب عن النفط فيها، قبل السعودية، ولكن الإمامة الحاكمة لم تسمح بذلك، مصرة على إبقاء اليمن دون الاستفادة من ثرواته، النفطية وغير النفطية.

عبر التأريخ اليمني الطويل، سِيَر أولئك الأئمة والتي كتبها أتباعهم، تشكل سجلاً تاريخيًا لذلك الصراع بين الإمامة الحاكمة وجموع الشعب اليمني، والذي تشكلت من خلاله أحكام إمامية فقهية جائرة ظالمة، نحو جموع الشعب اليمني، من إباحة سفك الدماء وسلب أموال اليمنيين وتكفير المخالفين منهم للإمام، ووصل الأمر إلى سبي نساء المخالفين وغير المخالفين، من أتباع المذهب أو غيرهم.

هذه الأحكام الجائرة، مثبتة في سيرهم تلك، وكما نبه إلى ذلك فيلسوف ثورة 1948، الشهيد أحمد المطاع، عندما حث على قراءة سير الأئمة التي كتبها أتباعهم، لمعرفة مدى الجور والظلم الذي عانى منه اليمنيون في ظل حكم أولئك الأئمة، وأن تلك السير الموثقة تغني عن أي كتابات أخرى لمعرفة أحوال أولئك الأئمة.

ذكر والدي رحمه الله، في كتابه؛ "اليمن الإنسان والحضارة" ذلك تفصيلاً منوّها لما ذكره الشهيد المطاع.

طبيعة الإمامية الحاكمة في اليمن، أيضاً أوجدت تقسيماً طبقياً مقيتاً، يقوم على التميز السلالي للأسر الإمامية، والحط من جموع الأفراد والأسر المنشغلة بالأعمال والحِرَف.

رجال الحركة الوطنية اليمنية ونتيجة تجارب طويلة من ذلك الصراع، وجدوا بأن النظام الجمهوري الذي تشكل في ستينات القرن الماضي، هو الوحيد الكفيل بتخطي أزمة الإمامية الحاكمة داخل اليمن.

صحيح أن النظام الجمهوري، لم يصل إلى طموحات رجال الحركة الوطنية، ولكنه كسر الحواجز النفسية والمجتمعية والطبقية التي كانت في ظل الإمامية الحاكمة، وكان أبرز تلك المنجزات، فتح التعليم أمام جموع الشعب، وبالتالي وصول أفراد الشعب إلى مواقع علمية ومجتمعية ومدنية وعسكرية، لم تكن متاحة في ظل الأمامية الحاكمة.

الإمامية الحاكمة يكفيها خجلاً في اليمن، عبر التأريخ اليمني، أنها سجلت في ظل حكمها، أعلى نسبة للأمية والجهل والفاقة والخرافة والمرض والموت في أوساط الشعب اليمني، وكانت المقابر التي نشأت في ظل الإمامية الحاكمة، وخاصة في صعدة، تشكل رقماً قياسياً في حجم المقابر في عموم المنطقة العربية.

الجمهورية اليمنية، لم تكن بمعزل عن جمهور اليمنيين، وقد أثبت اليمنيون التفافهم حول جمهوريتهم، وكان أبرزها ملحمة السبعين يوماً الشعبية والعسكرية، لفك الحصار عن العاصمة اليمنية الجمهورية صنعاء، بعد انسحاب القوات المصرية المساندة للثورة اليمنية في ستينات القرن الماضي.

من المخجل اليوم، أن يأتي أميون بالتأريخ اليمني من بعض أبناء القبائل اليمنية، وممن يحملون ألقاباً علمية، ليمجّدوا الإمامية الحاكمة في اليمن، وهم ولولا النظام الجمهوري، لما حصلوا على تلك الألقاب العلمية، وصاروا ممن يشار إليهم بالبنان، فقليلاً من الخجل يا أفندية‼
————
* للتفصيل أكثر، يمكن الرجوع إلى كتاب والدي؛ "اليمن الإنسان والحضارة"، وكذلك الموسوعة التأريخية؛ "هِجَر العلم"، للمؤرخ الكبير، إسماعيل الأكوع.

**كتاب "شواهد النهضة اليمنية في العهد العثماني، دراسة وثائقية مصورة"، للباحث المؤرخ، علي بن جار الله بن الذيب، يعتبر سجلاً حافلاً في مجاله ومميزًا.