اليمن وكوريا الجنوبية  أربعة عقود من الصداقة 
الساعة 03:35 مساءً

أننيونغ هاسييو… مساء الخير باللغة الكورية، ربما كانت هذه أول عبارة تعلمتها من اللغة الكورية، وكانت أيضاً المرة الأولى التي أصافح فيها شخصية كورية، حين تشرفنا في قناة عدن بزيارة سعادة السفير الكوري  بونغ كاى دو إلى مقرها المؤقت بالرياض لإجراء لقاء خاص مع الزميل عيسى المرشدي ضمن برنامجه الأسبوعي عن قرب. تلك المصافحة ظلت بالنسبة لي لحظة رمزية لأنني  لأول مرة اصافح شخصا كوريا  ولأنني من أكثر المعجبين بالتجربة الكورية التي استطاعت أن تنهض من تحت ركام الحروب المدمرة  لتؤسس دولة حديثة قوامها المؤسسات واحترام حقوق الإنسان مدركة أن بناء الدولة على أسس ثابتة هو الضمان الوحيد للنهضة. لقد خاضت كوريا معركة البناء والتطوير بوتيرة لا تقل شراسة عن حروب الدفاع عن حرية شعبها في اربعينيات القرن الماضي حتى باتت اليوم واحدة من أهم الدول الصناعية المتقدمة.

وحديثنا عن كوريا الجنوبية اليوم يأتي في إطار الاحتفال بالذكرى الأربعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية اليمنية الكورية والتي بدأت في 22 أغسطس 1985، وترسخت مع مرور السنوات عبر تعاون ودي مثمر بين البلدين والشعبين الصديقين. ولعل ما يميز هذه العلاقة أنها لم تقف عند حدود المجاملات الدبلوماسية، بل امتدت لتصبح جسراً للتواصل والتعاون  استند إلى التجربة الفريدة التي عاشتها كوريا في التنمية والالتزام بمساندة الدول النامية ومنها اليمن. فقد كانت كوريا حاضرة في بدايات الاستكشافات النفطية في مأرب، وأسهمت خبراتها في مشروع الغاز وتكللت ببناء منشأة بلحاف العملاقة، التي تُعد أول وأكبر منشأة صناعية للغاز في اليمن.

ومع مرور العقود، تعززت أوجه التعاون لتشمل الدعم الإنساني والتنموي؛ إذ تقدم كوريا سنوياً مساعدات إنسانية لليمن تقدر بنحو 40 مليون دولار، إضافة إلى برامج تدريب وتأهيل الكوادر ومشاريع البنية التحتية. وفي الجانب الإنساني الاستثنائي، منحت كوريا أكثر من 400 يمني حق الإقامة الإنسانية أثناء الحرب، وهو إجراء لم تكن تمنحه لأي جنسية من قبل، ما يعكس خصوصية هذه العلاقة.

وقد شهدت العلاقات بين البلدين  الآن محطة مهمة بعودة التمثيل الدبلوماسي الكوري إلى اليمن بعد انقطاع دام نحو عشر سنوات، عبر تعيين السفير بونغ كاي دو، الأمر الذي أعطى دفعاً جديداً لهذه العلاقة وهذا ما تؤكده اللقاءات المتكررة التي جمعت السفير بالقيادة السياسية اليمنية، بما في ذلك لقاء فخامة الرئيس الدكتور رشاد العليمي بسعادة السفير والذي أكد على أهمية توسيع مجالات التعاون مع سيول. كما أن رئاسة كوريا للجنة العقوبات الأممية الخاصة باليمن عززت ثقة المجتمع الدولي في دورها الداعم للشرعية والاستقرار.

واليوم، ونحن أمام أربعين عاماً من العلاقات، لا يكفي أن نقف عند حدود الذكرى، بل يجب أن تُفتح آفاق جديدة من التعاون عبر المزيد من التسهيلات التجارية، ومشاركة الشركات الكورية في مشاريع إعادة الإعمار واستثمار الخبرة الكورية في مجالات النفط والغاز والطاقة وخاصة الطاقة البديلة والنظيفة والبنية التحتية. والسوق اليمنية نفسها شاهدة على عمق الحضور الكوري منذ وقت طويل فهواتف سامسونج وال جى إلى سيارات كيا وهيونداي مروراً بالأجهزة الطبية والكهربائية وأدوات التجميل أصبحت جزءاً من الحياة اليومية لليمنيين وخياراً افضل بين  مختلف منتجات العالم.

إن الذكرى الأربعين ليست نهاية الطريق، بل بداية مرحلة جديدة لتعميق العلاقات اليمنية الكورية، على أسس الشراكة المتوازنة والتعاون الذي يخدم البلدين والشعبين الصديقين ولعل الفرص الأفضل والاكثر استدامة ستتشكل في مستقبل البلدين في قادم الأيام. وهذا أملنا في تجسيد ذلك على أرض الواقع  وفى مختلف المجالات..