الذكرى الثانية لمأساة التجويع في صنعاء
الساعة 09:26 مساءً

 

  • مدير عام مكتب حقوق الإنسان بأمانة العاصمة صنعاء

 

يُعَدّ التجويع أحد أخطر الانتهاكات التي تهدد حياة الأفراد والمجتمعات، حيث يُستخدم أحيانًا كسلاح في النزاعات أو كوسيلة للضغط والسيطرة، وسلاح خفي وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان، يتجاوز الأمر مجرد الحرمان من الغذاء ليشكل جريمة تمس الكرامة الإنسانية وتهدد الأمن والاستقرار، وهو ما ينطبق على ممارسات التجويع الممنهج الذي تقوم به مليشيا الحوثي في مناطق سيطرتها.

 

مؤخراً، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي لقطات تُظهر قيادات الحوثي وهم يشاركون في تشييع الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في لبنان، مع توزيع مساعدات غذائية على عناصر الحزب، وقد أثار هذا التصرف موجة من الاستياء وردود فعل غاضبة بين اليمنيين، يأتي ذلك في وقت أعلنت فيه مليشيات الحوثي سابقًا عن جمع مبالغ مالية ضخمة لدعم حزب الله في لبنان، في ظل معاناة ملايين اليمنيين من الجوع والفقر، وفق تقارير المنظمات الإنسانية التي تصف الوضع في اليمن بأنه من أسوأ الأزمات الإنسانية عالميًا مع نقص حاد في الغذاء وتدهور الخدمات الصحية الأساسية. 

 

قبل عامين، وفي مثل هذه الأيام في شهر رمضان المبارك، صُدم اليمنيون بجريمة إنسانية مروعة شهدتها مدرسة "معين" في منطقة باب اليمن، وسط العاصمة صنعاء. فقد أودت هذه الكارثة بحياة 85 شخصًا وأصابت أكثر من 322 آخرين، نتيجة التدافع الناجم عن إطلاق النار من قِبل أحد عناصر مليشيا الحوثي، بينما كان المواطنون يصطفون في طوابير طويلة للحصول على مساعدة مالية بسيطة لا تتجاوز قيمتها عشرة دولارات.

 

رغم محاولات مليشيا الحوثي لطمس الحقيقة، إلا أن الذاكرة اليمنية ما زالت متقدة وحية، ولن تُنسى هذه الجريمة أو غيرها من الفظائع التي ارتكبتها الجماعة، من مجازر جماعية إلى انتهاكات مستمرة بحق الأبرياء، بما في ذلك استهداف اللاجئين الأفارقة، وبيع الأدوية المغشوشة، وقصف المدنيين العزل.

 

عامين مرّت على هذه الفاجعة، وخلاله مارست المليشيا كل أشكال التعتيم الإعلامي والقمع والترهيب لمنع تداول المعلومات وكشف الحقيقة. فمنعت الأهالي من زيارة الضحايا، وفرضت رقابة صارمة على أي محاولة لنشر تفاصيل المجزرة. هذه الحادثة لم تكن سوى انعكاس لحالة القمع الممنهج الذي تمارسه المليشيا في مناطق سيطرتها.

 

بحسب تقارير الأمم المتحدة، فإن أكثر من 21.7 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، فيما يعيش أكثر من 80% من السكان تحت وطأة الحاجة والفقر. ومع ذلك، تواصل مليشيا الحوثي سياساتها القمعية، فتمنع رجال الخير من تقديم المساعدات، وتفرض قيودًا تعسفية على العمل الإنساني، وتنهب أموال الزكاة والجمعيات الخيرية لصالح مشاريعها الخاصة.

 

لقد أدت هذه السياسات إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية، حيث تسيطر الجماعة على موارد الدولة وتنهب إيرادات الموانئ والضرائب وقطاع الاتصالات، بينما تفرض الجبايات الباهظة على التجار والمواطنين البسطاء. ومع أن هذه الأموال تكفي لدفع رواتب الموظفين لعدة أشهر، إلا أن المليشيا تتعمد إفقار اليمنيين في إطار مخططها السياسي والاقتصادي.

 

إلى جانب النهب المنظم، تعمل المليشيا على تدمير القطاع التجاري اليمني وابتزاز التجار، لإجبارهم على الخروج من البلاد وترك المجال مفتوحًا أمام مشاريعها الاقتصادية التي تدار بأساليب مشابهة لنظام طهران. كل ذلك بهدف فرض أيديولوجيتها الطائفية وترسيخ فكرة "الحق الإلهي"، وسط رفض واسع من المجتمع اليمني لهذا المشروع السلالي.

 

إن ذكرى هذه الجريمة المؤلمة ليست مجرد حدث عابر، بل محطة يجب أن تدفع الجميع، من حقوقيين وإعلاميين ونشطاء، إلى التمسك بإحياء هذه الذكرى، وضمان عدم نسيانها، تحقيقًا للعدالة وإنصافًا للضحايا. إن الصمت على هذه الانتهاكات هو تواطؤ مع الجريمة نفسها.

 

ينبغي أن يكون هناك تحقيق دولي مستقل لكشف الحقيقة، بعيدًا عن تدخل المليشيات وضغوطها، مع ضمان تعويض الضحايا وعائلاتهم ومعاقبة المسؤولين عن هذه الفاجعة، كما يتحتم على المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات أكثر فاعلية للحد من هذه الجرائم، ومساندة اليمنيين في نضالهم لاستعادة دولتهم ومؤسساتهم، وحماية حقوق المواطنين من الاستغلال والقمع المستمرين.