العَوَدي: تعز آخر فضاءات الجمهورية وملاذ التعدد السياسي في اليمن
حملة إلكترونية واسعة لكشف جرائم الميليشيا الحوثية.. وتقرير أممي يفضح شبكات التخادم مع القاعدة والشباب الصومالي
أبين.. مصرع ما لا يقل عن 20 راكبًا في حريق مروّع إثر اصطدام حافلة نقل بسيارة في طريق العرقوب
تتواصل أعمال سفلتة المقاطع المتضررة والمتآكلة في شوارع مدينة الغيضة
«الثورة» تشارك من شنغهاي في تغطية فعاليات معرض الصين الدولي للاستيراد
شنغهاي تحتضن العالم في افتتاح الدورة الثامنة لمعرض الصين الدولي للاستيراد
نائب رئيس مجلس الشورى يطلع على نشاط وزارة النقل
السفير فقيرة يشيد بدعم الأردن للحكومة والشعب اليمني بمختلف المجالات
الزعوري: أكثر من 80 % من السكان تحت خط الفقر بسبب حرب ميليشيات الحوثي
مأرب..ندوة حقوقية تدعو لتعزيز حماية الصحفيين وإطلاق سراح المختطفين
الإخوة في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية:
قرأتُ الافتتاحية الأخيرة في موقعكم بعنوان: «الانفلات في تعز ومأزق الشرعية»، وشعرت بالصدمة. المركز الذي يسوّق نفسه مصدراً للدراسات المعمّقة، بدا سطحياً وكارثياً، ومثيراً للأسئلة حول المنهجية التي يعتمدها في إنتاج تقاريره. كما تساءلت إن كانت المنهجية المعتمدة في الأعمال السابقة شبيهة بما ورد في الافتتاحية.
هذه نظرتي الشخصية لا أكثر، وقد تشكّلت لسببٍ خاص، أوضحه في النقاط الآتية:
أولاً: منذ حوالي شهر، أعمل ضمن فريقٍ صحفي على تحقيقٍ معمّق حول جرائم القتل في تعز منذ عام 2009، ومؤشر هذه الجرائم، وتصنيفها وفق أنواع العنف المسلّح. الملف حساس للغاية ويستدعي الدراسة الجدية بعيداً عن أي ميولات أو أغراض، للخروج بعملٍ مسؤول تتوافر فيه المعلومات والبيانات، ويخضع للتحرّي التحليلي والمنهجية المهنية، بحيث توضح النتيجة السبب والمسبِّب، ويترتب عليها إجراءات تصب في مصلحة المجتمع والبلاد.
ثانياً: الأحكام الواردة في الافتتاحية وتوصيفاتها لا تتوافق إطلاقاً مع ما وجدناه خلال هذه الفترة.
على سبيل المثال، نعرف أن جريمة استهداف مديرة صندوق النظافة في تعز، افتهان المشهري، جريمة مروّعة ومُدانة، وليست اغتيالاً، بينما وصفت الافتتاحية الجريمة بأنها أوضح دليل «على تجذّر العنف السياسي وثقافة الإفلات من العقاب في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية».
تصنيف هذه الجريمة على هذا النحو لا يتوافق مع تعريف العنف السياسي الذي توصلنا إليه، فضلاً عن أن استدعاء هذه الجريمة واعتبارها “أوضح دليل على التجذّر” يستدعي توضيح تعريف العنف السياسي من وجهة نظر المركز.
علاوة على ذلك، فإن عطف “ثقافة الإفلات من العقاب” على كلمة “تجذّر” لا يستقيم لغوياً؛ فالثقافة لا تتجذّر مع الإفلات، كما لا تتجذّر مع العقاب. ومع ذلك يمكن تجاوز التعريفات العامة عند توضيح التعريفات الخاصة وتدعيمها بالشواهد والمؤشرات.
ثالثاً: قالت الافتتاحية إن هذه الجريمة تأتي «ضمن سلسلة اغتيالات تستهدف أولئك الذين يهددون المصالح المالية للقادة العسكريين النافذين الذين رسّخوا مواقعهم خلال النزاع».
في الواقع، تُصنّف الجرائم ذات الدوافع الاقتصادية ضمن العنف الإجرامي، بينما تُصنّف الجرائم المتعلقة بالوظائف أو الحصول على تعويضات ضمن العنف القائم على الفدية.
الخلل ليس في التصنيف فحسب، بل في الحديث عن “سلسلة اغتيالات” من هذا النوع؛ إذ لم نجد في تعز خلال العامين الأخيرين سلسلة من هذه الجرائم، رغم وجود جرائم قتل شبيهة تُصنّف ضمن العنف الاجتماعي كالصراعات على الأراضي.
رابعاً: تحدثت الافتتاحية عن أن السلطات الرسمية (الاسمية) توفّر لمرتكبي القتل خارج القانون «غطاءً سياسياً أو تغضّ الطرف عنهم».
وهذا يتعارض مع الحقائق المتاحة؛ فالمعلومات الرسمية تشير إلى أن أغلبية نزلاء السجن المركزي هم أفرادٌ ينتسبون إلى وحدات عسكرية وأمنية، ما يؤكد أن “السلطات الاسمية” لا توفّر أي غطاءٍ للمتهمين.
وأعتقد أن هناك خطأ ما، إما في معلومات الجهات الرسمية وتصريحات المسؤولين الأمنيين في تعز، أو في صياغة الافتتاحية لدى مركز صنعاء للدراسات، وسيكون من المفيد توضيح هذه النقطة.
خامساً: ورد في الافتتاحية أن «استمرار هذا النمط من الفوضى وغياب القانون لأكثر من عقدٍ من الزمن هو نتيجة مباشرة لفشل الحكومة في كبح جماح الجماعات المسلحة التابعة لها والحفاظ على القانون والنظام، مما يقوّض شرعية الحكومة أمام اليمنيين».
ولا نعرف على أي أساس استندت هذه الفقرة في حديثها عن “الاستمرار”، فالتقارير والبيانات المتوفرة تشير إلى أن الفوضى ليست مستمرة، وأن جرائم القتل القريبة من هذا النمط انخفضت بصورة كبيرة مقابل زيادة الضبط الأمني، وأن أجهزة الدولة في تعز– وإن كان أداؤها ليس مثالياً– تعزز حضورها، ويتحسن أداؤها سنوياً.
فعلى سبيل المثال، تجاوزت نسبة الضبط الأمني 90% خلال الشهرين الأخيرين، وبحسب تقصٍّ غير نهائي، فقد بلغت أحكام الإعدام التي نفذتها أو أصدرتها أجهزة القضاء في تعز 39 حكماً، بينها تنفيذ 12 حالة إعدام، وذلك خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2025 فقط.
سادساً: كل فقرةٍ من فقرات الافتتاحية تستحق التوقف عندها طويلاً، ونظراً لضيق الوقت، نتوقف عند الفقرة الأخيرة التي تقول:
«إذا لم تتمكن الحكومة من إعادة إرساء القانون والنظام، فإن الرعاة الإقليميين والدوليين سيفقدون الاهتمام بمساعدة اليمن، وستزداد حالة الفوضى سوءاً ما لم تُتخذ إجراءات حاسمة الآن».
هذا الخطاب التهديدي نسمعه كثيراً من مسؤولين في السلطة المحلية بتعز، وقد سمعته شخصياً من ثلاثة مسؤولين: أحدهم ينتمي لحزب الإصلاح، وآخر يبتز الحزب ذاته، وثالث خبير في استرضاء المانحين والمنظمات الدولية.
سابعاً: ما ورد أعلاه لا ينفي وجود الجريمة. لكن الأخطر هو المؤشرات التي تُنذر بتناميها وعودة نمطٍ معين من جرائم القتل ما لم يُعالج الملف معالجةً جذرية.
ولضمان التصدي لأنواع الجرائم، ينبغي دعم المؤسستين الأمنية والعسكرية، والتكفل بمتطلباتهما من الدولة، بحيث تضمنان أداء مهامهما بعيداً عن المحسوبية والاعتبارات السياسية.
وفي هذا السياق، وجب التنبيه إلى تنامي نوعٍ خطير من جرائم القتل في تعز، أعتقد أنه سيكون أحد أكبر تحديات الجريمة المستقبلية على مستوى اليمن.
وبإذن الله، سيُطرح الملف قريباً.






