هيئة الرقابة النووية السعودية تؤكد خلو مفاعل آراك من التداعيات الإشعاعية
الكلية الحربية تعلن البدء باستقبال الطلاب مستوفي الشروط من المتقدمين للتسجيل
خلال 7 سنوات.. مسام ينتزع أكثر من 500 ألف لغم زرعتها ميليشيا الحوثي في أرجاء اليمن
بيان عربي يؤكد رفض تهجير الفلسطينيين ويدعو المجتمع الدولي لدعم الأونروا
بلدة عربية في إسرائيل تبكي لمقتل 4 أقارب بصاروخ إيراني
الوزير بحيبح يترأس اجتماع لجنة مراجعة واعتماد الشروط المرجعية لمشروع تقييم الضرر وااحتياجات القطاع الصحي
وزارة التربية تشدد على الالتزام بالخطط وتنفيذ متطلبات المرحلة القادمة
خفر السواحل تحذر من خطر السباحة في مواسم الرياح
"التعاون الإسلامي" تؤكد تضامنها الكامل مع اللاجئين في جميع أنحاء العالم
وكيل الحديدة يبحث مع مدير منظمة رؤيا أمل مشاريع المياه في مدينة الخوخة
بادئ ذي بدء لا يخفى على أحد مقدار الجدل الفكري والديني الذي خلفه فكر الكاتب سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلي الحسني، المولود في 1906م بمحافظة أسيوط، من أسرة متدينة، ميسورة الحال، قيل أن جده السادس قد قَدِم من الهند، واستقر بمصر، والشواذليه أسرة عريقة في مصر اليوم، تزيد عن نصف مليون نسمة، وتعتبر من أكبر الأسر المصرية.
قد لا يبدو هذا المطلع ذي شأن، فلا يُهمنا نسبه، ولا أصوله العرقية، ولا عائلته. ما يهمنا هنا ذلك الجدل الفكري الذي خلقه حيًا وميتًا، ولا يزال. وسنتطرق إليه هنا بكل موضوعية وحياد، مستندين إلى ما كتبه هو أولا بقلمه، ثم ما كتبه عنه رفاقه، ثم تلاميذه، ثم خصومه، حتى تتضح الصورة من كل جوانبها.
أولا: سنتوقف عند قضية "الحاكمية" وهي قضية القضايا عند سيد قطب، وعليها مدار أغلب فكره وتفكيره، مع الإشارة هنا إلى أن هذه المسألة قديمة، وُجدت لأول مرة في أدبيات الخوارج في القرن الهجري الأول، وتحدث عنها ابن تيمية باستفاضة في الجزء الخامس من كتابه "منهاج السنة النبوية"، وعلى الرغم من بعض الحدّة المعروفة عن ابن تيمية في كثير من المسائل إلا أنه لم يربط مسألة الإمامة/ الخلافة بالعقائد والأصول قطعًا، مثل سيد قطب، كما سنرى لاحقًا. وإن شدد على أهميتها عقلًا.
وقبل الحديث عن سيد قطب، يستوجب الأمر هنا الوقوف أولا عند العلامة الهندي الكبير أبو الأعلى المودودي، وهو من نسل المتصوف الكبير سيد قطب الدين مودود الجشتي الذي ينتسب إلى الإمام علي بن أبي طالب حسبما تذكر بعض المعلومات عنه على شبكة الانترنت.
والمودودي من علماء الهند الكبار، وممن تأثروا بدعوة حسن البنا، ومن ثم أسس الجماعة الإسلامية في مدينة لاهور في باكستان، قبل أن تنفصل لاحقًا عن الهند، وكان يجيد أكثر من لغة.
وأهم من ذلك- وهو ما لم يشر إليه أحد من قبل حد علميــ تأثر الرجل بالثقافة الهندوسية تأثرًا كثيرًا، باعتباره ابن البيئة أساسًا، وهو تأثر موضوعي، وقد قرأتُ كل مؤلفاته تقريبًا، بعضها أكثر من مرة، ووجدت أفكار "الفيدانتا، والبراهما، والأوبانيشاد" الهندية تتحدث عن نفسها بنفسها بين مؤلفاته، خاصة والرجل ذو منحى صوفي، والهند أرض التصوف الأول.
وأقول: بوسع أي كاتب أن يكتب عملًا مستقلًا عن أثر الهندوسية بكل أنساقها الفكرية في فكر العلامة المودودي، خاصة وأن الرجل غزير الإنتاج واسع الاطلاع، متعدد المشارب، وهذا ليس من قبيل القدح هنا أو الذم، الأمر طبيعي، فحال المودودي مع الثقافة الهندوسية كحال مثقفي مسيحيي الشام مع الثقافة الإسلامية: ميخائل نعيمة، نيقولا زيادة، وجورج طرابيشي أنموذجا..!
عودة إلى الفكرة الأم.. كتبَ المودودي عن الحاكمية والجاهلية، والتحديات المعاصرة، ودستور الدولة الإسلامي، رافضًا مصطلح "حكم الشعب"، وليس هنا مجال عرض كل أفكاره، سأقتصر على اقتباس نص قصير من كتابه تحت عنوان: مبدأ سيادة الإله، يقول: "نحن نؤمن بنيابة الشعب أو استخلافه في ظل سيادة الله بديلًا عن حاكمية الجماهير"، منتقدًا الديموقراطية الغربية التي تعطي "سيادة الجماهير المطلقة، ونحن نعتبر هذا باطلًا في حقيقته.. حق السيادة لله وحده". انظر: الإسلام والمدنية الحديثة، ص: 23. وثمة ملحوظة مهمة هنا، هو العنوان ذاته: لننظر مدى تأثره بالهندوسية في التعامل مع مصطلح "الإله" "الله" في الفكر الإسلامي! أسفار الأوبانييشاد تقرر "مبدأ سيادة الإله"..!
نص مودودي آخر أيضًا من كتابه: "الخلافة والملك" تحت عنوان: "الحاكمية الإلهية". ".. يقول القرآن إن الحاكم الحقيقي للإنسان هو نفسه حاكم الكون، وحق الحاكمية في الأمور البشرية له وحده، وليس لأي قوةٍ سواه" انظر: الخلافة والملك، ص: 13.
نص مودودي ثالث: "ليس لفرد أو أسرة أو طبقة أو حزب، أو لسائر القاطنين في الدولة نصيب من الحاكمية، فإن الحاكم الحقيقي هو الله، والسلطة الحقيقية مختصة بذاته تعالى وحده..". انظر: نظرية الإسلام السياسية، ص: 29.
ونختتم هذه الإشارات بنص من كتاب آخر له: "الحكومة الإسلامية"، وهو عنوان يحمل اسم كتاب للخميني، وتخيلوا!!
يقول: "يرى القرآن أن هدف الحكومة هو إقامة القانون الإلهي، وتحقيق العدل، ونشر الخير..". الحكومة الإسلامية، ص: 97.
باختصار، وأقولها على الإطلاق، وبكل ثقة: أتحدى من يأتيني بفكرة واحدة في كل أعمال سيد قطب الدينية لم يتطرق إليها أبو الأعلى المودودي؟ أتحدى..!
كل أفكار سيد قطب- وعمادها جميعًا الحاكميةــ مستقاة من فكر أبي الأعلى المودودي قاطبة، ولكن مع فارق اللغة..!
لغة المودودي تجريدية بسيطة، كعادة لغة الفقهاء، أو الباحثين بشكل عام؛ بينما لغة سيد قطب أدبية، شاعرية، ذات خيال واسع، ومعجم لغوي خصب؛ لهذا انتشر فكر سيد قطب انتشارًا واسعًا، مقابل تواري المودودي عن الظهور، وخاصة في الوطن العربي؛ إذ ليس مسرحه الثقافي في الأساس. وتتجلى موسوعية قطب وثقافته الواسعة في كتابه المعروف: "كتب وشخصيات"، بصرف النظر عن الاتفاق مع بعض مضامينه أو الاختلاف معها.
سيد قطب أديب، وشاعر، وناقد، وروائي، وتقريبًا أغلب أتباعه لم يعرفوه إلا فقيهًا حركيًا فقط، ولم يعرفوه شاعرًا أو روائيًا أو ناقدًا أدبيًا..! ربما لم يسمعوا بديوانه الشعري "الشاطئ المجهول"، ولا برواياته: "أشواك" و"المدينة المسحورة"، ولا بكتابه: "النقد الأدبي أصوله ومناهجه".
وقد ذكره الأديب الكبير محمد مندور بأنه الناقد الأدبي الشهير في جماعة "أبولو"، ذات المنحى الرومانسي، ولن نتكلم عن "ماسونية سيد قطب"، أو عن مقاله الشهير: "لماذا صرت ماسونيا"؟ الذي كتبه في صحيفة التاج المصرية، لسان حال المحفل الماسوني عام 1943م، فهذا موضوع شائك ومعقد للغاية، يأتي ضمن الحديث عن ماسونية: الأفغاني ومحمد عبده وطه حسين ونزار قباني في سوريا، وغيرهم..! ولن نتكلم أيضًا عن علاقته بعبدالناصر عقب قيام ثورة يوليو المصرية 1952م، وحضوره اجتماعات ضباط مجلس قيادة الثورة حتى اختلف معهم.. إلخ.
عودة إلى فكره الديني ورأيه في مسيرة التاريخ الإسلامي، من كتبه كما خطها قلمه؛ إذ يشنع في الدولة الأموية، ويرى أولا في أن الخليفة الرابع علي بن أبي طالب قد أتى "ليرد للتقاليد الإسلامية قوتها، وأن يرد إلى الدين روحه، وأن يجلو الغاشية التي غشيت هذا الروح على يد بني أمية في كبرة عثمان". العدالة الاجتماعية، ص: 163.
ويقول عن واقع عصره: وحين نستعرض وجه الأرض كله اليوم على ضوء هذا التقرير الإلهي لمفهوم الدين والإسلام لا نرى لهذا الدين وجودا. إن هذا الدين قد توقف منذ أن تخلت آخر مجموعة من المسلمين عن إفراد الله سبحانه بالحاكمية في حياة البشر. العدالة الاجتماعية، 183.
على أية حال هذا رأيه الفكري هنا، وهو لا يترتب عليه خطر بالمجمل، الخطر يترتب على تكفيره للحكومات والمجتمعات من حوله.
وشخصيًا سأكتفي بما كتبه عنه الدكتور يوسف القرضاوي، ولن أزيد، فقد وصف أفكاره بالخطيرة، يقول عنه في الجزء الثالث من مذكراته: "الحقيقة أن سيد قطب وتنظيمه لم يُحاكما من أجل "الأعمال الخطيرة"، ولكن حوكم كلاهما من أجل "الأفكار الخطيرة" التي اعتنقها أو دعا الناس إليها". ابن القرية والكتاب، د. يوسف القرضاوي، 23/3. "الترقيم بنظام P D F. وضعوا خطًا أحمر أيضًا تحت كلمة "وتنظيمه"، فالقرضاوي يعرف ماذا يقول. و"التنظيم القطبي" موضوع مستقل ومعقد وشائك أيضًا، كان محل قلق عبدالمنعم أبو الفتوح بحسب ثروت الخرباوي، في كتابه "سر المعبد".
كان سيد قطب متطرفًا حادًا، لا يعرف للوسطية لغة، إلى حد أنه كما قال القرضاوي: "فالحقيقة في نظر سيد قطب أن كل المجتمعات القائمة في الأرض أصبحت جاهلية. تكوّن هذا الفكر الرافض لكل من حوله وما حوله، والذي ينضح بتكفير المجتمع، وتكفير الناس عامة؛ لأنهم أسقطوا حاكمية الله.. فبماذا يوصف هؤلاء إلا بالردة عن دين الإسلام؛ بل الواقع عنده أنهم لم يدخلوا الإسلام قط..". نفس المصدر 56/3.
مضيفًا: "وأنا برغم إعجابي بذكاء سيد قطب ونبوغه وتفوقه، وبرغم حبي وتقديري الكبيرين له، وبرغم إيماني بإخلاصه وتجرده فيما وصل إليه من فكر، نتيجة اجتهاد وإعمال فكر أخالفه في جملة توجهاته التي انتهت إليها مسيرته الفكرية الجديدة..". 57/3.
ويوجز الدكتور القرضاوي رأيه فيه بقوله: "وأخطر ما تحتويه التوجهات الجديدة في هذه المرحلة لسيد قطب- يقصد المرحلة الأخيرة من حياته- ركونه إلى فكرة التكفير، والتوسع فيه، بحيث يفهم قارئه من ظاهر كلامه، في مواضع كثيرة ومتفرقة من "الظلال"، ومما أفرغه في كتابه "معالم في الطريق" أن المجتمعات كلها قد أصبحت جاهلية، وهو لا يقصد بالجاهلية جاهلية العمل والسلوك فقط؛ بل جاهلية العقيدة. إنها الشرك والكفر بالله؛ حيث لم ترضَ بحاكميته تعالى، وأشركت معه آلهة أخرى..". نفسه، 58/3.
لهذا يدعو للخروج والجهاد بالسيف: "الذي يدرك طبيعة هذا الدين على النحو المتقدم يدرك حتمية الانطلاق الحركي للإسلام في صورة الجهاد بالسيف، إلى جانب الجهاد بالبيان". معالم في الطريق 64.
وللمفكر المصري المعروف الدكتور محمد عمارة ردود جادة على سيد قطب، أشار إليها القرضاوي في مذكراته. ولن نطيل هنا.
والآن.. هل اعترف المتعصبون من الأتباع بغلو وتطرف قطب؟ أم لم يعترفوا بذلك بعد؟!
وهل تفهّمَ القارئ الكريم طبيعة رد فعل الدولة تجاهه وتنظيمه الذي كان تنظيمًا مسلحًا، لا يؤمن بشرعية الدولة، ويخطط لعمليات عنف واسعة؛ بل حاول اغتيال رئيس وزرائها في حادثة المنشية المعروفة..! هل تتوقعون أن تواجههم الدولة بالورود؟!
في الواقع إن قراءة فكر سيد قطب، يستدعي أولا قراءة سيد قطب نفسه، قراءة نفسية تحليلية. قراءة: مسيرته، طفولته، طموحاته، تقلباته الفكرية، صدماته النفسية، مثاليته.. إلخ.
وماذا بعد؟
من هنا يبدأ "البَعدُ"..!
كان الخميني، قائد الثورة الإيرانية من أشد المتأثرين والمعجبين بسيد قطب، وجاراه في هذا التأثر خلفُه من بعده المرشد الحالي: علي خامنئي، وإن حاول أن يبدو كلٌ منهما مستقلا بذاته عن أفكار قطب، فلم يقتبس أيٌّ منهما نصا بعينه من فكر قطب؛ لكنهما نقلا فكره تماما بحذافيره، مع اختلاف اللغة فقط.
نقل الخميني في كتابه "الحكومة الإسلامية" أفكار قطب، والأصح أفكار المودودي إلى هذا الكتاب، متأثرًا بكتاب المودودي نفسه "الحكومة الإسلامية" والذي ذكرناه سابقًا. وفيما عدا الفكرة المركزية في الفكر الشيعي "الإمامة" فقد كاد هذا الكتاب أن يمثل عملية "قص، ولصق" فكري من كتابي قطب: المعالم، والعدالة الاجتماعية..!
ووفقا للكاتب د. معتز الخطيب: في كتاب "الحكومة الإسلامية" نجد تشابهًا بين بعض أفكار الخميني والأفكار الثورية العامة لسيد قطب، إذا ما استثنينا الإضافة الخاصة بالمذهب الشيعي عمومًا والخميني، خصوصًا كأطروحته المركزية حول ولاية الفقيه. ففي كتاب الخميني نجد حديثًا عن أربع أفكار مركزية نجدها عند سيد قطب:
الأولى: الحديث عن غربة الإسلام، والهوة التي تفصل الإسلام الحقيقي عن الفهم الشائع لدى عامة الناس، وأنه لم يبق من الإسلام إلا اسمه، وأنه انتهى نهاية مفجعة؛ لأننا لم نفكر في تنظيم المجتمع وإسعاده بواسطة حكومة إسلامية.
الثانية: أن الإسلام يحتوي على نظام شامل للحياة، وخاصةً في تنظيم المجتمع، وأنه يجب تعليم نظمه بكل وسيلة.
الثالثة: حاكمية الإسلام للمجتمع، وهي حاكمية القانون الإلهي؛ فالحاكم هو الله وحده، ومن ثم فالنضال من أجل هذه الحاكمية "أو تشكيل "الحكومة" بلغة الخميني" توأم الإيمان بالولاية.
الرابعة: أن الأنظمة التي لا تحكم بالإسلام هي أنظمة شرك، ومن ثم يجب الاحتجاج عليها، وثمة مسؤولية عن "تربية وتنشئة جيل مؤمن فاضل يحطم عروش الطواغيت ويقضي على سلطاتهم غير الشرعية"، وأنه "لا سبيل لنا إلا أن نعمل على هدم الأنظمة الفاسدة المفسدة، ونحطم زمر الخائنين والجائرين من حكام الشعوب.
هذا واجب يكلف به المسلمون جميعًا أينما كانوا من أجل خلق ثورة سياسية إسلامية ظافرة منتصرة". هذا بالإضافة إلى أفكار حول نقد الغرب، وبيان التفوق الخلقي للإسلام والمسلمين على الغرب المادي، والحملة على المُلك العضوض التي تشيع في كتاب "الحكومة الإسلامية". انظر: د. معتز الخطيب، موقع قناة الجزيرة.
أما تأثر المرشد الحالي علي خامنئي بسيد قطب، فيأتي ــ وفقا للخطيب ــ من قيامه بترجمة ثلاثة من أعمال سيد قطب إلى الفارسية، هي: "في ظلال القرآن"، و"المستقبل لهذا الدين"، و"الإسلام ومشكلات الحضارة". كما ترجم أخوه الأكبر محمد حسيني خامنئي كتاب "خصائص التصور الإسلامي ومقوماته"؛ علمًا أن محمد خامنئي هذا أحد واضعي دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية..! "نفس المصدر".
تخيلوا.. علي خامنئي يترجم كتب سيد قطب..!!
ولم تقتصر عملية التأثر والتأثير على هذه المسألة فحسب؛ بل إن طبيعة التنظيم الخميني قد تأثر بالبنية الهيكلية لتنظيم الإخوان المسلمين، بما في ذلك بعض المسميات: "المرشد العام" و"المرشد الأعلى"، ورحم الله عالم سوريا الكبير سعيد حوى الشخصية المستنيرة التي كانت معارضة للثورة الخمينية منذ لحظاتها الأولى، في الوقت الذي انخدع بها كثيرون، ليس إسلاميين فحسب؛ بل وحتى اليساريين..!
يقول المودودي: "الحكومة الإسلامية ذات مزاج خاص، فهي داعية، تحاول إقامة الدين في دائرة سلطتها، كما أنها تجتهد في عرض رسالة الإسلام على الأمم الأخرى". الحكومة الإسلامية، المودودي، ص: 100.
ويقول الخميني: "الحكومة الإسلامية هي حكومة القانون الإلهي". الحكومة الإسلامية"، الخميني، ص: 41.
قبل الأخير.. شهد القرن العشرون ميلاد العديد من الأيديولوجيات المتصلبة، عالميًا وقُطريًا، ومنها في الوطن العربي: القوميون بفكرهم العروبي، واليساريون بفكرهم البروليتاري، والإسلاميون بفكرهم الحركي، وجميعها تصارع مع الآخر وتقاتل معه، وأغلبها كان له ارتباطه الخارجي، وخاصة ببريطانيا، وكان لكل فصيل منظّروه وكُتّابه، المعتدلون منهم والمتطرفون، ونستطيع القول أن هذه الأيديولوجيات- عمليًا- قد أفَلت، أو في طورها الأخير من الأفول، جميعها رفعت شعارات فضفاضة حالمة ومثالية، من قبيل: "أمة عربية واحدة" القومية، إلى "شيوعية العالم" اليسارية، إلى "أستاذية العالم" الإسلامية، ولم يتحقق شيء واحد منها، مع وجود بقايا لها اليوم، لكنها لن تصمد أمام المتغيرات الجديدة التي تفرض نفسها.
وكما مثل متطرفو اليسار في الاتحاد السوفيتي سببًا مباشرًا لسقوط نظريتهم في الحكم، كذلك مثل المتطرفون الإسلاميون جناية كبيرة على رفاقهم بالمقام الأول قبل غيرهم، وعلى الأجيال الجديدة اليوم أن تراجع مشاريعها وأدبياتها الفكرية، بعيدًا عن حدّيّة الأيديولوجيات السابقة التي ثبت فشلها جميعًا.