البكري يوجه بوضع الدراسات الخاصة بتعشيب ملعب البيتي بجعار أبين
وزير النفط يبحث مع القائم بأعمال السفير الأمريكي التحديات الناجمة عن توقف التصدير
الزعوري يشيد بجهود هيئة الخليج وعدن للتنمية في دعم الفئات المحتاجة
اللجنة الوطنية للتحقيق تلتقي السلطة القضائية والأمنية وتتفقد السجون بشبوة
ولي العهد السعودي يؤكد وقوف المملكة التام مع قطر وإدانتها للعدوان السافر الذي شنته إيران
بن بريك: مكافحة التهريب تحتل أولوية قصوى كونه يمس الاقتصاد ويضر بالأمن القومي
"سلمان للاغاثة" يسلم حقائب المهنة للمستفيدين من مشروع التمكين بشبوة
رئيس الوزراء يستعرض مع وزير الدولة البريطاني علاقات التعاون المشتركة
مصلحة الهجرة والجوازات تدشّن نظام التأشيرة الإلكترونية بدعم دولي وتمويل أمريكي
وزير الصحة يشيد بدور المعهد الوطني للصحة
- رئيس مؤسسة جذور للفكر والثقافة
لم تعد الدبلوماسية السعودية في إدارة أمنها القومي وأمن دول الخليج رهينة الماضي. لقد تجاوزت المملكة الظروف التي فرضت عليها في أواخر القرن العشرين – كما حدث في أزمة الخليج واجتياح الكويت – تحديد تحالفاتها ضمن المحور الأمريكي والغربي لمواجهة التهديدات الوجودية آنذاك.
اليوم، تمثل الدبلوماسية السعودية ركيزة أساسية للتوازن في المشهد الإقليمي والدولي. تساهم بفاعلية في تنظيم العلاقات والمصالح والتحالفات وفق مبادئ التعاون والتكامل، بهدف الحفاظ على الأمن والسلام العالمي والإقليمي. يُنظر إلى هذا الدور بأهمية بالغة في العواصم الكبرى مثل واشنطن وبكين وموسكو.
تتميز الدبلوماسية السعودية في تعاملها مع الأزمات بـالنهج العقلاني والهادئ. تركز على التواصل الفعال والمباشر على أرفع المستويات، متجنبة ردود الفعل المتسرعة والتصعيد الإعلامي.
هذا النهج الحكيم يساعدها على التعامل مع التعقيدات والتحديات المتصاعدة في العلاقات الإقليمية والدولية.
فعلى صعيد علاقاتها الخليجية تعكس السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية نهجًا متزنًا وحكيمًا في إدارة علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تنتهج المملكة أسلوبًا يغلب عليه التسامي على الخلافات، حتى في ظل بروز مواقف من بعض الدول الأعضاء تتقاطع أو تتماهى - رسميًا أو عبر مراكز قوى وأذرع إعلامية - مع مشاريع وسياسات معادية لمصالح المملكة وأمنها القومي، بل وتمسّ المنظومة الخليجية بأكملها.
ورغم ذلك، فإن المملكة تُظهر التزامًا راسخًا بالحفاظ على وحدة الصف الخليجي، وتُبرز حرصًا بالغًا على تعزيز الروابط المشتركة وترسيخ أواصر المصير الواحد، بما يخدم الأمن الجماعي لدول المجلس ويعزز استقرارها الاستراتيجي.
ويأتي هذا الموقف المتزن إدراكًا من القيادة السعودية لخطورة التصدعات الداخلية على كيان مجلس التعاون، خصوصًا في ظل التحديات الإقليمية والدولية المتسارعة، وما تفرزه من تهديدات تستهدف أمن الخليج واستقراره وهويته السياسية والثقافية لتنطلق المملكة من خلال البيت الخليجي إلى المنطقة والعالم بتوازن في العلاقات ونجاح في مواجهة التحديات تجلت في عدد من المواقف والمحطات.
التوازن الدقيق ودبلوماسية القوة في عالم متغير.
تُشكل الدبلوماسية السعودية، في جوهرها، توازناً دقيقاً واستراتيجية فاعلة تتجاوز الحياد السلبي. تهدف هذه الاستراتيجية إلى تحقيق الأهداف الوطنية وتلبية مسؤوليات المملكة تجاه شعبها، جوارها الخليجي، وعمقها العربي والإسلامي، فضلاً عن تعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي.
بعد أحداث 7 أكتوبر 2023، التي أحدثت تصدعات عميقة في العلاقات الدولية وأثارت انقسامات داخل البيت العربي والإسلامي، خاصةً في ظل مغامرات وتصعيد "محور إيران"، حافظت السعودية على مسارها الواضح والمتوازن.
لم تتخلَ المملكة عن واجبها تجاه القضية الفلسطينية، ولم تتبنَ مواقف غير محسوبة تخدم إسرائيل من جهة أو الأطماع الإيرانية من جهة أخرى.
لقد كانت موازنة دقيقة وصعبة، شرح الأمير بندر بن سلطان بعض جوانبها في خطابه للشعب السعودي قبل أربع سنوات"1".
لقد أسفر هذا التوازن الدقيق عن حشد دولي مؤيد لحل الدولتين، في مقابل مواجهة مباشرة بين إسرائيل و"المحور الإيراني" الذي كان يتعامل مع الأحداث بتربص وانتهازية، باستثناء فصائل المقاومة الفلسطينية التي لم تبق لها خط رجعة.
وقد أدى ذلك إلى تراجع نفوذ "حزب الله" ونظام بشار الأسد، وضربات لإيران. ورغم الدمار والجرائم التي تعرض لها قطاع غزة، فإن تهاوي "المحور الإيراني" – الذي تحول إلى مهدد إقليمي ودولي – قد رجّح الكفة لصالح المشروع العربي السني، الذي كان في وضع لا يُحسد عليه بعد سيطرة إيران على أربع عواصم عربية.
من القطبية الأحادية إلى التعددية
في مرحلة سابقة، حيث كانت العلاقة بين السعودية والغرب أحادية الجانب، حرصت المملكة على الحفاظ على استقلالية قرارها، لا سيما فيما يتعلق بالقضايا العربية والإسلامية كالقضية الفلسطينية، لكن علاقاتها خارج القطب الغربي ظلت محدودة للغاية.
مع بداية العقد الثاني من الألفية، بدأ تنويع الشراكات في عالم متعدد الأقطاب. شهدت السنوات الأخيرة توجهاً سعودياً أكثر وضوحاً نحو تنويع هذه الشراكات، في ظل صعود قوى شرقية كالصين وروسيا، حتى أصبحت الصين الشريك التجاري الأكبر للسعودية.
تجاوزت المملكة العربية السعودية في علاقتها مع روسيا عقود الصراع الشيوعي-الرأسمالي، وعقدت صفقات استثمارية في مجال الطاقة، رغم بقاء الخلاف حول الملف السوري. حافظت السعودية على علاقتها مع روسيا ضمن إطار "أوبك+" لضمان استقرار أسواق النفط العالمية. وبالشراكة مع روسيا، وجهت المملكة ضربات اقتصادية موجعة للولايات المتحدة الأمريكية خلال أزمة كورونا وإدارة بايدن، مما أسفر عن إفلاس 29 شركة نفطية أمريكية، وفقاً لكتاب "الدم والنفط"2'.
كان الهدف من ذلك توجيه رسالة للولايات المتحدة لإعادة حساباتها في التعامل مع ملفات الشرق الأوسط وفق معطيات جديدة، مفادها "انتهى عصر الهيمنة الأحادية، وبدأ عصر العبور إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب تلعب فيه المملكة العربية السعودية دوراً محورياً".
مواجهة التهديدات الإقليمية ودبلوماسية السلام
مثل التهديد الإيراني وأذرعه المحيطة بالمملكة الخطر الأول، خاصة بعد تمرد جماعة الحوثي وسيطرتها على صنعاء عام 2014.
كان إعلان "عاصفة الحزم" بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في مارس 2015 جريئاً وغير متوقع، وخارج حسابات إيران والحوثي، وقد أسهم في إعادة التوازن والحفاظ على الشرعية اليمنية كممثل عن الشعب اليمني.
بعد سنوات من المواجهة العسكرية المباشرة بين السعودية وجماعة الحوثي، ذراع إيران في اليمن، صنعت السعودية مفاجأة من العيار الثقيل فيما عُرف بـاتفاق بكين في أبريل 2023 مع إيران.
عكس هذا الاتفاق رغبة المملكة في تخفيف التوترات الإقليمية والتركيز على التنمية الاقتصادية والتكنولوجية (رؤية 2030)، مع إظهار قدرتها على التحرك بشكل مستقل بعيداً عن حلفائها التقليديين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية خلال إدارة بايدن التي اتخذت عدة قرارات ضد المملكة.
خلال الحرب بين أوكرانيا وروسيا، ساهمت السعودية في الحفاظ على القرار العربي في مربع الحياد والنأي بالنفس عن التدخل والانحياز بين الطرفين، خلافاً لما كانت عليه الدول العربية من الانقسام أثناء الصراعات السابقة بين المعسكر الشرقي والغربي.
ولم تتوقف المملكة العربية السعودية عند هذا الحد، بل تحولت إلى وسيط دولي مقبول لدى طرفي الصراع الأوكراني-الروسي، لما تتمتع به من العدل والصدق والتوازن.
رفضت المملكة الانضمام لتحالف "حارس الازدهار" لمواجهة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، حرصاً على عدم المساس بجهود السلام مع الحوثيين، وتقديراً للاتفاق مع إيران برعاية الصين، وتجنباً للانجرار إلى صراع إقليمي أوسع قد يؤثر على استقرارها ومشاريعها التنموية، إضافة إلى موقفها الرافض للحرب على غزة.
الذاكرة الدبلوماسية: دروس من الماضي
بعد الضربة الإسرائيلية الأخيرة لإيران، أدانت المملكة العربية السعودية الاعتداء الإسرائيلي وجددت تمسكها بالحوار وتجنيب المنطقة اتساع رقعة المواجهات. ومن المهم في هذا السياق الإشادة بأن الدبلوماسية السعودية تملك ذاكرة حية في قراءة الأحداث.
فقد أسهمت بصورة أو بأخرى، من خلال سياستها مع إيران، في دفع إيران وجهاً لوجه مع الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية.
يعيد هذا إلى الذاكرة نصيحة الملك فهد عام 1981 للرئيس العراقي صدام حسين، كما ذكر الأمير بندر بن سلطان في مذكراته. حيث أبلغ صدام الملك فهد أنه يريد أن "يلقن الخميني درساً"، فرد عليه الملك: "نصيحتي ابتعد عن القتال، فإيران في حالة فوضى بعد الثورة، دعها وشأنها. الإيرانيون منهمكون في مقاتلة بعضهم بعضاً. دعهم ولترى كيف سيستقر الأمر في النهاية، وعندئذ تتعامل مع من يخرج منتصراً، سينشغلون بمشكلاتهم إلى حد ما، وسيكثرون من الخطابات، لكنهم لن يزعجونا.'3'" وقد تجاهل صدام هذه النصيحة، وكانت حربه الأولى على إيران العامل الأهم في توحيد الجبهة الإيرانية وتجاوز صراعاتها.
تُظهر هذه المحطات أن الدبلوماسية السعودية تسير في مسار استراتيجي مدروس، يجمع بين الحفاظ على المصالح الوطنية والإقليمية، وتجنب الانجرار إلى الصراعات، مع العمل على تعزيز مكانتها كقوة إقليمية ودولية مؤثرة.