وزارة الثقافة والسياحة الصينية تسجل 888 مليون رحلة داخلية خلال عطلة اليوم الوطني
مركز الملك سلمان للإغاثة يوقع اتفاقية تعاون مشترك لتحسين خدمات المياه في مستشفى مأرب
نعمان يبحث مع وزير الداخلية الجيبوتي تعزيز التعاون لمواجهة تحديات الهجرة في البحر الأحمر
وزير العدل يبحث مع ممثل مفوضية حقوق الإنسان تعزيز التعاون المشترك
نعمان يبحث مع المفوض السامي تعزيز الشراكة وقضايا الهجرة والنزوح
النائب العام ووزير الدفاع يطلعان على سير العمل في ميناء عدن
البرنامج السعودي يدعم الزراعة في أبين بمشروع طاقة متجددة يعزز الحياة الكريمة للمزارعين
وزير الداخلية يبحث مع السفير الأمريكي سُبل تعزيز التعاون الأمني المشترك
اليمن يشارك في الدورة الثامنة لمؤتمر وزراء الصحة بمنظمة التعاون الإسلامي بعمان
البكري يشيد بما حققه منتخب ألعاب القوى للشباب في بطولة غرب آسيا ويوجه بتكريمها
كنت أجلس في حي شعبي بالقاهرة، أراقب سيلاً من الملامح يمرّ بين التوكتوك والسيارات، كل وجه فيه يحمل فصلاً من حكاية المدينة. وفجأة، أسمع أحدهم يقول: "الموضوع ده فيه عك". كلمة قصيرة ترددت بين الحاضرين في الزحام، دون أن يعرفوا أصلها التاريخيّ. وخطر في بالي حينها: ما قصة هذا الاسم؟ وما جذوره في زمن مضى؟ حرفان فقط يحملان ألف سنة من التاريخ؛ قبيلة كانت على الأرض، صارت فعلاً على الألسنة، والتاريخ يتحدث عبر الصوت والحروف، كما لو أن أثرهم ما زال حيًا بيننا.
قبيلة "عك" اسم صغير وبسيط، لكنه يختزن حكايات تمتد من نقوش المسند في اليمن، إلى ضفاف النيل، ثم إلى سهول الأندلس الخضراء. التاريخ يعيش بيننا على الألسنة قبل أن يكون في الكتب.
النسّابون يحتارون في أصل "عك"، كما يحدث غالبًا مع الأنساب العربية. هل هم من صلب عدنان، إخوة قريش الأباة؟ أم من أزد اليمن الذين رووا بدمائهم وهجراتهم أرض العرب؟ هذا الخلاف في النسب هو أول "عكّة" في تاريخهم. في تهامة، قرب البحر الأحمر، حيث تمتزج رائحة البخور بملوحة الموج، كانت القبيلة موجودة، قوية وحية.
شكّل رجال "عك" جيشًا حين أسند الخليفة عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص أمر فتح مصر. أربعة آلاف مقاتل من "عك" عبروا سيناء، حاملين مشروع الانتصار وبصمة التاريخ على الأرض الجديدة.
ومع بناء الفسطاط، كان لكل قبيلة خطتها ومربعها، لكن "عك"، بكثرة عددها وقوة بأسها، تدخلت في ديار الجيران. ومن يومها، صار المصري يقول: "إيه العك ده؟" لكل أمر شابته الفوضى والاختلاط. الاسم تحول إلى فعل، والفعل إلى ذكرى حية.
حرف الجيم ترك بصمة أعمق في اللهجات. في نقوش المسند، كان يُنطق قويًا، انفجارياً (G)، كما في كلمة "Go" بالإنجليزية. لهجات شمال الجزيرة طوّرت صوتًا جديدًا، وهو الجيم المعطشة الذي ورثته الفصحى القياسية. أما الجيم الجد، فبقي حيًا في تهامة واليمن وعُمان، وهاجر مع قبيلة "عك" إلى وادي النيل. اليوم، القاهري أو الفلاح في دلتا مصر ينطق الجيم قوية، حاملاً صوت أسلافه بعد أربعة عشر قرنًا.
خريطتان للجيم تتعايشان: الصوت الجد في القاهرة وجنوب الجزيرة، والصوت المعطش في صنعاء ودمشق والرياض وريف الصعيد. كل صوت يروي فصلاً من سيرة الهجرات والتطور. ومن مصر، عبر رجال "عك" إلى الأندلس، فخرج منهم قائد فذّ هو عبد الرحمن الغافقي العكي، الذي رسم بمآثره حدود أوروبا لقرون.
واليوم؟ هل انتهت حكاية "عك"؟ أبداً. فبينما ذابت فروعها في مصر والأندلس، بقي الأصل صامدًا في موطنه الأول. في تهامة اليمن، لا تزال قبائل كبيرة مثل "الزرانيق" تحفظ نسبها إلى "عك". هؤلاء الزرانيق، المعروفون تاريخيًا بمقاومتهم الشرسة للإمامة الزيدية، يواصلون اليوم كتابة فصول جديدة من البطولة، محافظين على إرث أسلافهم في الصمود والدفاع عن الأرض والكرامة، ومتجسّدًا في مقاوماتهم الحديثة روح "عك" التي لا تموت.
حكاية "عك" درس في جغرافيا اللغة: الأصوات تهاجر مع البشر، والأحداث العابرة تتحول إلى أمثال خالدة، والاسم يظل محفورًا في ذاكرة شعب. فوضاه الخلاقة لم تبنِ مدينة فقط، بل أسطورة تتحدث إلينا كل صباح، حتى ونحن نشرب قهوتنا في القاهرة.