وجع ممتد
الساعة 09:30 مساءً
  • كاتبة وصحفية

لا يوم ولا يومين ،لا شهر ولا شهرين ، بل قطار طويل من الزمن يمضي محملاً بالوجع والقهر ، حتى بلغ 700 يوم، وكل يوم منه يثقل القلب أضعاف ما سبقه ، 700 يوم تمشي بالنسبة لهم ببطؤ وكأنها قرون لا تشبه بعضها إلا في الدماء التي تراق، والشهداء الذين يرحلون ،والجرحى الذين يئنون ،وصوت الطائرات الذي لا ينقطع ، وفي تلك الصواريخ التي تهوي من السماء كالمطر غير أن المطر نعمة من الله يسقي الأرض القاحلة لتعود مخضرة ، بينما هذه الصواريخ تحرق كل ما يشبه الحياة ، تحول الأخضر إلى رماد وتهوي على الشامخات فتمحوها .
700 يوم من القهر المتواصل، من الألم المتراكم، ومن الوجع الممتد الذي لم ينقطع حتى اللحظة ،700 يوم لا يعرفون فيه الفجر من الغروب، الليل عندهم مفتوحة أبوابه لا يسكن ولا يهدأ ، ضوء المتفجرات هناك قد حول ليلهم إلى نهار لكنه نهار من جحيم لا راحة فيه ولا هدوء ،غيوم الغبار المتصاعد من المنازل المدمرة والقذائف المنهارة جعل من نهارهم ليلاً ،لا يفرقون فيه بين العتمة والنور .
هناك في تلك البقعة المباركة، كل شي تغير لا شيء في محلة ،ولا حياة تشبه ما عرفوه يوماً ، كل ملامح المكان أعادت رسمها يد باطشة لا تعرف الرحمة ، غادرة لا تؤمن إلا بالخراب ،يقتلع في طريقه كل شيء، لا يفرق بين طفل غاف في حضن أمه، ولا إمرأة تحمل قلبها المثقل خوفاً على أولادها ، ولا مسن يحمل على نفسه اعوجاج ظهرة ، ولا شابا يحلم بمستقبل يشبه أحلامه وتطلعاته ، ولا صحفيا يرتدي سترته، يد لا تعرف سوى التدمير تجتث الأغصان ، وتقتلع البذور لتزرع شوكا وحقدا وظلاما طويلا.
700 يوم والقذائف هناك تعرف وجهتها جيداً ،وكأن من أطلقها قد همس في أذنيها "إياك أن تضلي الطريق " فهي لا تتوه، تنقض على المستشفيات والمدارس ،كما على النساء والأطفال، على الصحفيين كما المصلين ،كل ما ينبض بالحياة هو هدف لها وغايتها التي أرسلت من أجله.
700 يوم مرت وهي ما زالت محنة لاتريد أن  تنقضي، أيام يطول فيه الليل بلا نهاية ، يثقل فيها النهار كجدار من صخر ،700 يوم شاب فيها الأطفال، وشاخ فيها الشباب، وهرمت فيه النساء، و تحولت فيه مدينة كاملة إلى أطلال.