الإرياني ينفي شائعات إيقاف تصاريح دخول السفن إلى ميناء عدن
رئيس مجلس القيادة الرئاسي يعزي بوفاة المناضل حسين الحداد
رئيس مجلس الشورى يعزّي بوفاة المناضل حسين الحداد
العرادة يؤكد على أهمية توحيد الخطاب الإعلامي في هذه المرحلة
وفاة وإصابة 225 شخصا بحوادث سير خلال النصف الأول من ديسمبر
وزارة التربية تحتفي بالطلاب الفائزين بالمركز الأول في تحديث الروبوتات العالمي
عضو مجلس القيادة المحرّمي يناقش أوضاع منظومة الكهرباء
ابن الوزير يؤكد انفتاح محافظة شبوة على مختلف انواع الاستثمارات
الزنداني يبحث مع القائم بأعمال السفارة الصينية علاقات التعاون الثنائية
الزبيدي يشدد على أهمية تطوير العملية التعليمية في جامعة عدن
من ولادة قيصرية عسيرة، خرجت الوحدة اليمنية يوم 22 مايو/أيار عام 1990 بعد مخاض طويل من حروب وثورات وأزمات، وبعد سنوات عجاف من جفاف القيم وتفاقم مشاعر العداء والكراهية بين النظامين السابقين الحاكمَين في شطري البلاد، وعقب فصول عاناها اليمنيون من جحيم المعاناة والخوف والاعتقال والتشرد، ونتاج زمن عصيب من الاستقطابات الحادة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي.
وجاء توحيد شطري البلاد فجأة، رغم المقدمات والاتفاقات التي سبقته، وشاءت الأقدار أن يتحقق هذا الحلم التاريخي سريعًا، بقرار يمني شجاع وإرادة وطنية صادقة في وقت شهد فيه العالم انهيارًا متسارعًا للنظام الدولي عقب نهاية الحرب الباردة.
كان لعامِلَي المفاجأة والسرعة التي تحققت بهما الوحدة آثارهما الإيجابية والسلبية على حد سواء، وذلك في رسم وتحديد المسارات التي قطعها هذا الإنجاز، بدءا من "الوفاق" ومرورًا بـ"الخناق" وانتهاء بالحرب التي أشعلتها محاولة الانفصال عام 1994 وما أسفرت عنها من نتائج أدت إلى ما أصبح عليه حال الوحدة المأساوي اليوم.
كانت نقاشات الكثير من النخب اليمنية منذ أربعينات القرن الماضي وحتى تسعيناته قد خلصت إلى أن "الوحدة" ليست فقط الخيار الوحيد أمام اليمنيين للمّ شتاتهم وتوحيد طاقاتهم وتوفير مواردهم، ولكن أيضًا لإدارة اختلافاتهم في إطار نظام سياسي واجتماعي تعددي.
أواخر ثمانينات القرن الماضي كان الاتحاد السوفياتي، الحليف الرئيس الوحيد للنظام الاشتراكي في عدن، آخذا في التفكك وقريبًا من الانهيار الكامل لتجد كل الأنظمة اليسارية، المعتمدة عليه، ظهرها مكشوفًا وتعيش قلقًا من مآلات ذلك بعد أن يصبح النظام الدولي أحادي القطب بزعامة المعسكر الرأسمالي الذي تقوده الولايات المتحدة، الخصم الأيديولوجي العتيد السابق.
البِيْض وشهادة للتاريخ
عن هذه المرحلة تحدث الزعيم الجنوبي الاشتراكي، علي سالم البيض، بصراحة شديدة قبل شهور عن أحوال الجنوب والنظام السياسي الذي كان على رأسه والدوافع التي اضطرّته شخصيًا إلى الذهاب نحو الوحدة الاندماجية قائلا: "كنا في اليمن الجنوبي معتمدين على الاتحاد السوفياتي، يُؤكِّلنا ويُشرِّبنا، وبعدها تفكك الاتحاد السوفياتي فوجدنا أنفسنا أكبر تجمع للفقراء في العالم".
ويضيف: "طرقنا كل الأبواب، لكنها كانت مقفلة لأننا ماركسيون، فتوجهنا لإخواننا في صنعاء، وطالبناهم بالتوحد معهم عشان نعيش ونأكل لقمة عيش، صحيح أن الوحدة اليمنية كانت مطلبًا جماهيريًا كبيرًا لكن الفقر والجوع والديون التي بلغت على اليمن الجنوبي أكثر من اثني عشر مليار دولار أميركي هي الدافع الرئيس للوحدة الاندماجية".
وفي لحظة فارقة من التاريخ أدركت مثل كثيرين غيري أن صالح توصَّل إلى قناعة بأن خلاص البلاد من أزماتها في الشمال والجنوب إنما يكمن في الهروب نحو الوحدة، وتشاء الأقدار هنا أن تتلاقى بوصلته مع نظيرتها لدى الزعيم الجنوبي السابق علي سالم البِيْض، ولم نعلم كيف جرت مياههما في قناة واحدة.
أطلق صالح حينها إشارات في هذا الاتجاه لكنها كانت تبدو مبهمة حتى لدى خاصته، لكنها بدأت تتضح أكثر في جلساته التي حضرت بعضا منها، ففي طريق العودة من إحدى قمم مجلس التعاون العربي الذي ضم بلاده إلى جانب العراق ومصر والأردن تحدث صراحة: "إننا نستطيع إذا توحدت بلادنا أن نكون أكثر وزنًا داخل المجلس ونستفيد منه أكثر". واتضح لاحقًا أن ثمة اتصالات كان يجريها مع البيْض في سرية تامة لضمان وصولهما إلى تفاهم محدد قبل طرح الأمر على حزبيهما في صنعاء وعدن.
محطة حاسمة
بعد سلسلة من الاتفاقات الوحدوية الموقعة خلال العهود السابقة بين قيادات الشطرين الشمالي والجنوبي، السابقة واللاحقة، جاء اتفاق عدن التاريخي يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1989 بين الزعيمين، البيض وصالح، أشبه بمعجزة شهد كاتب هذه السطور جوانب منها حيث تبدل الحال تمامًا، وذلك بالمصادفة مع ذكرى اليوم أو الساعات التي رحل فيها آخر جندي بريطاني من عدن يوم 30 نوفمبر عام 1967.
اصطحب صالح معه وفدًا كبيرًا من مستشاريه السياسيين إلى جانب قوات حماية تزيد على 400 ضابط وجندي بكامل سلاحهم وعتادهم، وكانت الأصابع على الزناد خشية انفجار الموقف في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق.
انسحب الزعيمان، صالح والبيض، من اجتماع كان يضم كبار مستشاريهما، واستقلّا سيارة كان يقودها الأخير، ثم اتجها نحو نفق جولد مور، حيث طلبا من حراستيهما البقاء عند مدخل ومخرج النفق ومنع المرور منه، ليتسنى لهما التفاوض وحدهما.
لم نكن نعلم على وجه التحديد ما الذي يحدث، لكن ما حدث هو أن القائدين عادا بعد ذلك إلى مبنى هيئة مجلس الرئاسة الأعلى في حي التواهي، وطلبا من وزيري شؤون الوحدة في حكومتي الجانبين إحضار مسودات الاتفاق التي كانت جاهزة للتوقيع عليها.
ووسط ذهول الجميع وقع الرجلان على اتفاقية تاريخية قضت بإعلان قيام الوحدة اليمنية وتنظيم الفترة الانتقالية، تضمنت تأسيس دولة يمنية واحدة على أساس مشروع دستور الوحدة الذي تم إنجازه عام 1981.
عاشت البلاد بعد ذلك انفراجًا واسعًا بين شطريها بعد أن أصبح انتقال الناس من هذا الشطر إلى ذاك ميسورًا ولا يحتاج سوى إلى حمل بطاقات الهوية الشخصية بديلًا عن الجوازات والموافقات الأمنية، وتدفقت الصادرات التجارية إلى كل مدن الجنوب، وتتابع توحيد القوانين ودمج النقابات والهيئات العامة الحكومية، وتماهت البلاد بعضها ببعض حتى قبل الإعلان الرسمي عن قيام الوحدة.
رغم كل ذلك ظل هناك توجس لدى قيادتي الشطرين في صنعاء وعدن من أن تتحفظ الولايات المتحدة الأميركية على فكرة اندماج النظام شبه الليبرالي في صنعاء مع نظيره "الماركسي" في عدن.
لا أدري كيف دخل صالح إلى البيت الأبيض الأميركي من أوسع أبوابه في زيارة دولية هي الأولى لرئيس يمني تمت بين 23 و26 يناير/كانون الثاني عام 1990، لكنني من خلال مشاهداتي عن قرب أستطيع إرجاع الفضل في ذلك إلى رجُلَيْن ساهما في ترتيبها، أحدهما كان نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأسبق عبدالكريم الإرياني، والثاني هو صديقه راي هنت رئيس شركة "هنت" النفطية، حيث كانت شركته قد حصلت على امتياز للتنقيب واستخراج النفط في حقل صافر بمحافظة مأرب، وبحكم علاقة ومصالح أسرته مع عائلة الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش، فقد حضر الأخير الاحتفال ببدء تصدير النفط من مأرب عام 1986.
بالاستناد إلى هذه الخلفية ذهب صالح إلى واشنطن، وكان الهدف الأساسي لهذه الزيارة هو طمأنة الأميركيين بأن الغاية من قيام الوحدة هي إعادة ترتيب البيت اليمني بعد الحرب الباردة، وقد طلب صالح من الأميركيين دعم هذا المشروع وطمأنة دول المنطقة إزاء فكرة قيام كيان يمني موحد.
منعطفات مفاجئة في طريق منحدر
منذ الأسابيع الأولى بعد إعلان قيام الوحدة ظهرت متاعب لم تكن في الحسبان، حيث تضخم الجهاز الإداري للدولة الجديدة دون قدرة على تحمل الأعباء المالية لذلك مع ما رافق عملية الدمج من سوء إدارة وقضايا فساد لا مجال لشرحها في هذا العرض الموجز.
مع قيام الوحدة أُعلنت التعددية السياسية والحزبية بعد عقود من الحظر والعمل السري والقمع الشديد للحزبية في شمال البلاد وحكم الحزب الواحد في جنوبها.
في هذه الأثناء انسحب الإسلاميون من "حزب المؤتمر الشعبي العام" الذي يقوده الرئيس صالح، وباقتراح منه شكلوا مع بقية مكونات الحركة الإسلامية وبعض رجال الأعمال "حزب التجمع اليمني للإصلاح".
ووفقًا لاتفاق إعلان الوحدة وتنظيم الفترة الانتقالية كان لا بد أولًا من إجراء استفتاء شعبي على وثيقة الدستور التي كانت قد أنجزت قبل يوم إعلان الوحدة بعشرين عامًا.
غير أن "حزب الإصلاح"، وهو القوة الجديدة الصاعدة، أظهر معارضة شديدة لمشروع الدستور مطالبًا بتعديل مادة أساسية فيه تنص على اعتبار الإسلام بالنص صراحة المصدر الرئيس والوحيد للتشريع.
وفي الاستفتاء الذي جرى في كل أنحاء البلاد يوم الثاني والعشرين من مايو/أيار 1991 بالتزامن مع حلول الذكرى الأولى لقيام الوحدة أيَّد اليمنيون مشروع دستور دولة الوحدة بأغلبية ساحقة.
في العام التالي لقيام الوحدة اندلعت أزمة مالية واقتصادية حادة نتجت عن انقطاع عائدات اليمنيين العاملين في دول الخليج وعودة ما يزيد على مليونين منهم، وذلك على خلفية موقف الحكومة اليمنية من غزو الكويت في 1990، كما انقطع بعض المساعدات العربية التي كان اليمن يحصل عليها لسد جزء من العجز في موازنته، وهددت الولايات المتحدة بقطع مساعداتها السنوية للبلاد البالغة نحو ستين مليون دولار.
وعندما استفحلت الضائقة الاقتصادية والمالية مع بداية الأزمة السياسية عام 1992 بدأ بعض قادة الحزبين الحاكمين "المؤتمر" و"الاشتراكي" ينحى باللائمة على الآخر في تأزيم العلاقة مع دول الخليج العربية والولايات المتحدة.
الانتخابات والأكثرية العددية
كان قادة الجنوب قد اشترطوا أن يتزامن قيام الوحدة مع إعلان التعددية السياسية والحزبية وراهن بعضهم على الفوز في أقرب وأول انتخابات ديمقراطية، وذلك استنادًا إلى القاعدة التنظيمية والشعبية التي كان يتمتع بها "الحزب الاشتراكي" في جنوب وشمال البلاد وإلى تراثه الوطني وسجله الأقل فسادًا، وقد وافق صالح ورفاقه الشماليون على الأخذ بخيار التعددية مطمئنين إلى نفوذهم في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية وداخل الجيش ومؤسسة القبيلة.
جرى تمديد الفترة الانتقالية المحددة في اتفاقية إعلان الوحدة بعامين عامًا آخر أملا في مزيد من التحضير الجيد لإجراء أول انتخابات تشريعية بعد الوحدة على أساس تعددي في 27 أبريل/نيسان 1993.
وعند إعلان النتائج الأولية تصدر "حزب المؤتمر الشعبي" المركز الأول، وتلاه "حزب التجمع اليمني للإصلاح"، وجاء "الحزب الاشتراكي" في المرتبة الثالثة، وبدت هذه النتائج مزعجة وغير مقبولة من قبل قادة "الحزب الاشتراكي"، ولذلك أخذ قادة "الحزب الاشتراكي" يشككون في نزاهة الانتخابات، واعتبروها غير متوازنة وتعبر عن غلبة الأكثرية العددية على الرؤى البرامجية والسياسية.
لهذا كان لا بد من التوجه إلى تشكيل ائتلاف ثلاثي يضم أحزاب "المؤتمر" و"الإصلاح" و"الاشتراكي". وبالتالي وجد كل من "حزب المؤتمر" و"الاشتراكي" نفسيهما غير قادرين على الحكم بأريحية مع شريك ثالث إضافي، وأخذت المتاعب تتفاقم أمام هذا الائتلاف وزاد منها تكرار اعتكاف البيض في عدن وعجز رفاقه في قيادة الحزب عن اتخاذ قرارات مهمة في غيابه.
ازدادت الأزمة السياسية حدة خصوصًا بعد عودة نائب الرئيس على سالم البيض إلى عدن بدلًا من صنعاء بعد زيارة غامضة إلى الولايات المتحدة الأميركية التقى خلالها نائب الرئيس الأميركي (آل غور) دون حضور السفير اليمني لدى واشنطن حينها محسن العيني.
وقد بدا من حديث للبيض في مؤتمر صحافي عقده لدى مروره بالعاصمة الفرنسية باريس استفحال أزمة الثقة بينه وبين الرئيس صالح وقيادة "حزب الإصلاح" وأن القادم من الأيام لا يبشر بنهاية لحالة الشلل التي أصابت حكومة الائتلاف الثلاثي التي ألقت بظلالها الكئيبة على نواحي الحياة السياسية كافة.
في هذه الأثناء كانت صحف الحزب قد أخذت تشن حملات تشويه وإساءة للرئيس صالح وتحمله المسؤولية عما آلت إليه أحوال البلاد، وتصمه بالفساد والجهل والمحسوبية والمحاباة.
في ذلك الحين توسط ساسة كبار من شمال البلاد وجنوبها لدى البيض لإنهاء اعتكافه الثالث في عدن وإيجاد مخرج سلمي للأزمة، وجرى تشكيل لجنة تمثلت فيها كل الأحزاب القائمة بغرض وضع وثيقة وطنية تعيد تحديد صلاحيات الرئيس وتمنح نائبه المزيد.
وقد رعى العاهل الأردني الراحل الملك حسين جهود التوصل إلى اتفاق بشأن هذه الوثيقة واستضافة حفل التوقيع عليها في عمان.
وفي 17 فبراير/شباط 1994 كان ممثلون عن مختلف الأحزاب اليمنية وصحافيون وضيوف من بلدان عربية مختلفة بدأوا في الوصول إلى العاصمة الأردنية لحضور مراسم التوقيع على تلك الوثيقة التي اصطلح على تسميتها "وثيقة العهد والاتفاق".
عمان... وثيقة العهد والاتفاق
قبل يوم واحد من التوقيع على هذه الوثيقة وصل علي سالم البيض وقرر الملك حسين أن يعقد اجتماعًا مع الرجلين بحضور شقيقه وولي عهده الأمير الحسن في ذات القصر الملكي الذي كان يقيم فيه الرئيس صالح.
خرج الملك حسين وبمعيته الرئيس صالح ونائبه البيض، وكان من الواضح أن لقاء الجميع كان صعبًا ونهايته على الأرجح لم تكن مريحة لأي منهم بدليل أنهما تبادلا التهديد والوعيد لبعضهما البعض.
سألني صالح ليلتها عن تقييمي للموقف في ضوء نقاشاتنا مع إخوتنا "الجنوبيين"، فكان رأيي أن شقة الخلاف تبدو لي واسعة وأنه ما لم يكن هناك ضمان بعودة البيض إلى صنعاء فما من جدوى من التوقيع على ألف وثيقة، فأجاب صالح وهو الذي خبر جيدًا نفسية رفيقه البيض: "ابق في غرفتك غدًا وتابع على التلفزيون، وسترى كيف أنه (البيض) سوف ينسف الاتفاق قبل أن يجف حبر التوقيع عليه".
وقد كان ذلك هو ما حدث بالفعل، فبعد التوقيع ألقى البيض كلمة مكتوبة بدت غير تصالحية وأعاد فيها التذكير بأسباب الأزمة وغير ذلك من الأمور التي لا تتناسب مع مناخ ومقتضيات مناسبة كهذه.
إرهاصات الحرب
في اليوم التالي للتوقيع على وثيقة العهد والاتفاق غادر صالح عائدًا إلى صنعاء فيما توجه قادة "الحزب الاشتراكي" إلى عدن مرورًا ببعض العواصم الخليجية.
ما تأكد لدي حينها هو أن كل ما جرى من وساطات وحوارات للتوصل إلى تلك الوثيقة لم يكن أكثر من محاولة لشراء الوقت فيما كان طرفا الصراع أثناء ذلك يعدان العدة لمواجهة عسكرية محققة لا محالة.
مساء يوم الرابع من مايو/أيار 1994 لم يكن مهماً معرفة ساعة الصفر أو من سيكون البادئ في تفجير الوضع عسكريًا، فقد جرت في شهر أبريل/نيسان اشتباكات متفرقة في شمال وجنوب البلاد بين القوات الموالية لصالح وتلك التي ظلت على ولائها لـ"الحزب الاشتراكي" بزعامة البيض.
كان أغلب قوات كل طرف قبيل يوم إعلان الوحدة قد أعيد تمركزه في الأراضي التي كانت خاضعة لسيطرة الطرف الآخر وذلك في إطار ترتيبات قُصد بها حينذاك منع أي طرف من التراجع عن الوحدة، لكن هذا أدى عند اندلاع الحرب إلى تداخل معقد وفوضى في قواعد الاشتباك بين الجانبين.
صالح حاكما أوحد
بعد أن وضعت حرب عام 1994 أوزارها بتمكن صالح من تدمير القدرات العسكرية لـ"الحزب الاشتراكي" وفرار غالبية قادة الحزب إلى دول متفرقة من بينها جيبوتي وعمان ومصر وسوريا وبريطانيا، بدا لصالح أن الساحة خلت تمامًا من أنداده وخصومه الأقوياء.
وعندما التقيته بعد نحو أربعة أشهر على نهاية الحرب كدت لا أعرفه لولا أن وجهه كان لا يزال هو نفسه بملامحه ذاتها، لقد تغيرت عقلية الرجل، وتحول إلى ما يشبه الطاووس في طريقة حديثه وتعامله، بل لقد اعتبر أن تاريخ اليمن الحديث يبدأ فعلًا من تلك اللحظة التي اجتاحت فيها قواته مدينة عدن يوم 7 يوليو/تموز 1994.
وبالفعل، فقد كانت كلمات صالح عناوين لمرحلة ثالثة من عهده غرقت فيها البلاد بطوفان من الفساد السياسي والمالي وانتهت بعجزه عن إدارة شؤون الدولة كما أُعلن عن ذلك لاحقًا وبصراحة في اجتماع أصدقاء اليمن في لندن أوائل عام 2010.
مثل غيري لاحظت ميلا لدى صالح نحو تمكين أفراد من عائلته ومقربين منها في مختلف مفاصل السلطة وتحديدًا في مؤسستي الجيش والأمن، واعتبر البعض ذلك مقدمة لتوريث منصبه مستقبلًا لنجله أحمد الذي تم تعيينه قائدًا للحرس الجمهوري ولابن أخيه يحيى الذي جرى وضعه على رأس قوات الأمن المركزي ومكافحة الإرهاب، وتمت الاستعانة خلال ذلك بالدعم السخي الذي قدمته الولايات المتحدة ماليًا وعسكريًا لنظام صالح في إطار ما عرف بالتعاون في مكافحة تنظيم "القاعدة" والإرهاب.
وبالتزامن مع هذا اندلعت حركة احتجاجية في بعض مدن جنوب البلاد تحت اسم الحراك الجنوبي للمطالبة بجبر الأضرار التي نجمت عن حرب عام 1994 وإلى جانبها تزايدت المعارضة لمحاولة صالح وعائلته إحكام السيطرة العائلية التامة على السلطة، وذلك تحت شعار رفض التوريث والدعوة إلى انتخابات حرة وديمقراطية.
وجاء هذا في وقت توالت خلاله حروب النظام مع المتمردين الحوثيين في شمال البلاد ما أرهق كاهل الحكومة خصوصًا في الجانب الاقتصادي الذي تعاقبت المؤشرات على انحداره، وقاد إلى تردد الكثير من الدول المانحة والمنظمات المالية العالمية في تقديم العون اللازم لها بحجة غياب آليات شفافة وخالية من الفساد لإدارة الأموال الممنوحة لها.
الاحتجاجات في دول عربية
ووصولًا إلى عام 2011 الذي تصاعدت خلاله الاحتجاجات المطالبة برحيل صالح وإسقاط نظامه، وانتهاء باجتياح جماعة الحوثيين للعاصمة صنعاء والاستيلاء على السلطة، وما تلى ذلك من حرب تدخل فيها تحالف عربي بقيادة السعودية لدعم الشرعية لاستعادة الدولة اليمنية.
طال أمد هذه الحرب لما يقرب من عشر سنوات بفعل ظروف داخلية وإقليمية ودولية، وتغير معها تدريجيًا المعسكر المناهض للحوثيين، وسيطر المجلس الانتقالي الجنوبي بقوة السلاح على معظم محافظات جنوب البلاد، وظهرت الأصوات المطالبة بانفصال الجنوب عن الشمال.
وبالرغم من أغلب ادعاءات خصوم صالح من الساسة الجنوبيين والشماليين لأسباب تتعلق بفقدانهم امتيازاتهم في السلطة قبل الوحدة، وشعور بعضهم العميق بالإهانة بعد حرب عام 1994 إلا أن صالح لا يزال يتمتع بالكثير من الشعبية والاحترام في محافظات الجنوب حيث لا يزال بعض السكان هناك يتذكر بالعرفان جنوبًا وشمالًا بما تحقق في عهده بعد الوحدة، خصوصًا في جنوب البلاد من طفرة تنموية في معظم المجالات ومن توسع في العمران وانتشار لشبكة الطرق وتحسن في الخدمات العامة وغير ذلك.
لا شك أن اليمن يمر بمحنة عظيمة، وما لم تكن هناك معجزة على أيدي أبنائه وبفضل حكمتهم المعهودة، فلا بد أننا سوف نشهد في القادم القليل من الشهور والسنوات المزيد من الانهيارات التي هي في الأساس تحصيلُ حاصل لعقود من الفشل وتعثر مسار دولة الوحدة وانحدار هذا المسار نحو نهايات مجهولة واحتمالات قد لا تضمن بقاء واستمرار الوحدة بالصيغة القائمة ما لم يتم التوجه نحو عقد اجتماعي جديد والعمل الجاد من أجل بناء دولة واحدة وجيش موحد، ومستقبل يكفل مصالح اليمنيين جميعًا.
*نقلًا عن المجلة






