اليمن أصل العرب، فمن هم أصل اليمن؟ 
الساعة 09:01 مساءً

من أكثر القضايا التي يدافع عنها اليمنيون باستبسال هي الادعاء بأن اليمن هي أصل العرب، وإذا كان الأمر كذلك وهو فعلا كذلك، فالسؤال المطروح هو: ومن أصل اليمنيين؟


والإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى بحث علمي دقيق، لوسع الجغرافيا اليمنية وتنوعها، ولكننا في هذا المقال سنحصر السؤال في أصل سكان إقليم سبأ حاليًا، أي مركز الحضارة السبئية قديمًا.

 وسنتناول الموضوع من زاوية لم تُطرق من قبل، وأرجو أن لا تُؤخذ كدعوة طبقية، بل على العكس؛ فالمقال يهدف في الأساس إلى أن يثير الموضوع كخطوة في مسار ديالكتيكي، أي بأن تواجه الأفكار الحدية بأفكار حدية، على الأقل على المستوى النظري، وليس كتطبيق اجتماعي كما اقترح ماركس ونظر له هيجل، ولكن بهدف تشكيل صدمة للنظرة الحدية الموجودة عند البعض، حتى تنتج الفكرتان الحديتان فكرة وسطية أكثر رُقيًا وأكثر انسجامًا، هدفها ذوبان المجتمع في بعضه وتراصه وتماسكه.

وعودةً إلى الموضوع، فإذا أخذنا كما قلنا إقليم سبأ كمثال، وإذا استعرنا المصطلح القرآني "الشعوب والقبائل"، ونحن هنا نؤكد بأننا لا نفسر القرآن الكريم ولسنا من المختصين في ذلك، ولكن نستعير المصطلح ونقول: هل الأصل في  المجتمع السبئي في إقليم سبأ، هم القبائل، أي من يسمون أنفسهم "القبائل"، وهم الذين يعتمدون في معيشتهم على الرعي والصيد وربما الفَيْد؟

أم هم الشعوب؛ أي المجتمعات المدنية التي تعيش في المدن وتمتلك الحِرَف ومهارات الحضارة من صناعة وتجارة وبناء وقضاء وطب وغيرها؟

وللإجابة على السؤال المطروح، ولكي لا نسيء إلى أحد، سنأخذ رواية كل أناس عن أنفسهم؛ فإن أغلب القبائل في هذه الجغرافيا يروون في سرديتهم الخاصة أنهم قدموا من جغرافيا أخرى، وهذا شيء شائع بين كثير من قبائل هذا الإقليم وحتى المناطق المحيطة بالإقليم.

وبحسب روايتهم عن أنفسهم، فأن بعض هذه الجغرافيات التي قدموا منها، بعيدة جدا، وأحيانًا قد تكون من خارج الحدود السياسية لليمن اليوم.

إذن، فبلا شك أنهم ليسوا السكان الأصليين. وبالطبع لا يعقل أن تكون المنطقة خالية من السكان قبلهم، فهي عريقة جدًا في التاريخ. 

بينما لم تهاجر تلك القبائل إلا قبل بضعة قرون فقط، وذلك بحسب روايتها.

كما أن هذه الجغرافيا، أي إقليم سبأ حاليا، جغرافيا مهمة وخصبة وممر تجاري، ومعلوم  أنها أرض حضارات ضاربة في عمق التاريخ، وقطعًا أنها لم تكن فارغة.
 
وهناك دليل آخر أيضا على أنها لم تكن فارغة، وهو أن جبالها ومناطقها ما زالت أسماؤها حميرية إلى اليوم. 

وقد لا يعرف ذلك غير المختصين، فأسماء الجبال والمناطق في كثير منها أسماء حميرية ومن الواضح أن الوافدين الجدد عندما أتوا أخذوا من السكان الأصليين أسماء الجبال والمناطق وحتى بعض مرادفات ومصطلحات اللغة.

أيضًا من الأدلة الأخرى- وهو بالمناسبة فخر اليمن الأكبر-  أن اليمن أرض حضارة مدنية، والحضارة بطبيعة الحال لا تقوم إلا على أدوات الحضارة التي ذكرناها من بناء وصناعة وتجارة وحدادة ونجارة وغيرها.. وليس الصيد والرعي. 

إذن السكان الأصليون، وأهل الحضارة التي يفخر بها كل يمني هم الشعوب، وهناك دليلان آخران كل منهما صادم أكثر  من الآخر، يرجحان هذه النتيجة:

الدليل الأول هو دليل تاريخي: إذ لا يوجد في النقوش اليمنية  رغم كثرتها والتي تُعد بعشرات الآلاف  مصطلح أو كلمة "قبيلة" أو "قبائل". فمصطلح "قبيلة" لا يوجد نهائيًا في القاموس اليمني الحميري السبئي، ولكن يوجد مصطلح "الشعوب". والشعوب عادةً هي تكتل اجتماعي تحكمه عقيدة واحدة واقتصاد واحد، وليس الرابط الرئيسي والوحيد بينهم هو العرق كما هو الحال في مجتمعات القبائل. 

بل مثل أي حضارة أخرى يكون رابطها الأساسي هو النظام التجاري والسياسي وحتى الاعتقاد، وهذا ما كانت عليه شعوب اليمن. ولك أن تتخيل أن اليمنيين قبل الإسلام لا يعرفون ولا يستخدمون كلمة (قبيلة)!. 

الدليل الآخر هو دليل بيولوجي: اليوم مع ثورة العلم وتطور التكنولوجيا وفحص الـDNA، ومع تزايد المتطوعين للفحص، أظهرت الفحوصات نتائج تشير إلى أن كثيرًا من أبناء "الشعوب" ينحدرون من سلالات يمنية أقدم بكثير من سلالات القبائل.

وفي الختام وكما قلنا هذا لا ينتقص من أحد كما ذكرنا في مقدمة المقال، ولكنه يهدف إلى تشكيل صدمة مقابلة للرأي الحدي الآخر فقط، وذلك لكي ينتج في الأخير قناعة عند الجميع بأننا متساوون، وليس هناك ما يميز أحدًا عن الآخر بالشكل الطبقي البائس.