الرئيسية - الأخبار - رئيسة وحدة مكافحة عمل الأطفال منى البان: الحرب نسف كل جهود الحكومة لحماية أطفال اليمن
رئيسة وحدة مكافحة عمل الأطفال منى البان: الحرب نسف كل جهود الحكومة لحماية أطفال اليمن
الساعة 05:32 مساءً الثورة نت/ الأخبار

اعتبرت رئيسة وحدة مكافحة عمل الأطفال بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل منى البان، عمالة الأطفال من الظواهر المنتشرة في كافة الدول التي تعاني من مشاكل الفقر والحروب، وليست مشكلة تعاني منها اليمن فقط.

وأوضحت البان في حوار مع منصة "أطفال اليمن" أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية يأتي الفقر في مقدمتها، ويليه المشاكل التعلمية، ومن ثم المشاكل الاجتماعية والتفكك الأسري. 

إضافة إلى "أسباب ثانوية ساهمت في زيادة هذه الظاهرة، كرغبة بعض الأطفال في الحصول على مصروف جيب كتقليد لأصدقائهم الأطفال العاملين، فيتجهوا للعمل أثناء الإجازات الصيفية، ويشتروا بأجورهم ألعاب أو يصرفونها على المستلزمات الدراسية. وهؤلاء، عادة لا يكون الفقر هو دافعهم. 

ومن العوامل الثانوية لظهور الأطفال العاملين، وفق البان، هو وجود نوع من المهن والحرف التقليدية يعمل فيها الأطفال حفاظًا على الموروث الثقافي في إطار الأسرة الواحدة، بحيث يعفي الأسرة من استقدام عمالة من خارجها، وبهذا تظل الحرفة أو المهنة متوارثة في الأسرة نفسها.

وتعد عمالة الأطفال من أبرز التحديات التي تواجهها اليمن، والتي تفاقمت بسبب الحرب المستمرة، وانهيار اقتصاد البلاد. وهذا ما دفع بالمزيد من الأطفال إلى العمل في ظروف قاسية وغير آمنة، وحرمهم من التعليم والاستمتاع بطفولتهم.

وقالت البان، إنه في العام 2010 نفذ الجهاز المركزي للإحصاء، بالتعاون وبتمويل من منظمة العمل الدولية ومنظمة اليونيسف، مسحًا شاملًا حول عمل الأطفال للفئة العمرية من 5 إلى 17 سنة، أُعلنت نتائجه في يناير 2013، وأظهرت أن هناك (1614,000) طفل عامل يعملون في كافة المهن المختلفة في كافة محافظات الجمهورية.

وأوضحت أن "هذا الرقم هو في الوضع الآمن للدولة، أي ما قبل الحرب؛ حينما كانت الأوضاع مستقرة، ولا توجد مشاكل غير الفقر، فما أن اندلعت الحرب في البلاد، حتى فقدت الكثير من الأسر منازلها، واضطرت للنزوح إلى مناطق أكثر أمنًا، وكثير من الأسر فقدت عائلها. إضافة إلى تهدم عدد من المدارس، وفقدان الكثير من الآباء لوظائفهم بسبب وباء كورونا الذي تسبب بارتفاع نسبة البطالة في صفوف الكبار. ولاحظنا فعلًا أن نسبة عمالة الأطفال ارتفعت فعلًا بالتزامن مع جائحة كورونا. 

وعن مجالات عمل الأطفال التي تلتحق بهم الضرر، قالت البان: "عادة يعمل الأطفال في مجالات القطاع غير المنظم في سوق العمل مثل: الورش بأنواعها- كورش السيارات واللحام والكهرباء- والأعمال الزراعية، والاستراحات. فالقطاع غير المنظم دائمًا ما يستقطب العمالة الرخيصة".

وأضافت: من الملاحظ أن الأطفال يغيرون أعمالهم حسب الوضع أو ما يستجد من تغيرات في البلاد. ولا يستمرون في نفس المهنة لوقت طويل. ومنها أن كثرًا من الأطفال، وخاصة في مناطق النزاع، انضموا إلى جبهات القتال، واعتبروا هذا عمل لهم ومصدر دخل.

وتابعت: نلاحظ أن الأطفال يلتحقون بأي أعمال أو مهن جديدة؛ حتى أن هناك أطفال اتجهوا للتسول ضمن مجموعات يديرها كبار، يقومون بتوزيع الأطفال في مناطق محددة ليتسولوا فيها، ونهاية اليوم يتسلمون منهم ما جمعوه من التسول. ومع مرور الوقت يمتهن الطفل التسول، ويخرج من إطار تلك المجموعات ليمارسه منفرداً.

وعن أبرز الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال العاملون، قالت البان في الحوار: عندما يخرج الطفل للعمل يتعرض للكثير من الانتهاكات. وأيضًا يكتسب عادات لا أخلاقية نتيجة تواجده في أماكن بعيدة عن الأسرة، والرقابة الأبوية، ومرافقته للكبار من خارج أسرته. كثير من الأطفال العاملين يتعرضون لانتهاكات جسدية ونفسية، نتيجة التعرض للعنف أو التحرش أو حتى الاغتصاب.

وأضافت: للأسف كثير من الأطفال يخافون الإبلاغ عن هذه الانتهاكات التي ترتكب بحقهم، الأمر الذي يؤثر على نفسيتهم، ويجعلهم فريسة للانتهاكات. وأيضًا يتعرض الأطفال للاستغلال في العمل لساعات طويلة وأعمال مرهقة، خاصة في ورشات إصلاح السيارات أو النجارة أو اللحام التي يحدث فيها تطاير للمواد التي تؤثر على صحة الطفل.

وبشأن آثار عمل الأطفال على صحة الطفل جسديًا ونفسيًا وعلى مستقبلهم، قالت البان: طالما وأن الطفل خرج إلى سوق العمل، وترك مقاعد الدراسة، فسيترتب على ذلك ظهور جيل يعاني نوعًا من الارتداد للأمية، تنتشر فيها الجريمة، وعصابات الشوارع، وسيتوقف التطور الحقيقي في البلاد.. 

ومن الآثار المترتبة على عمالة الأطفال أيضًا إصابتهم بالأمراض؛ نتيجة تعاملهم مع المواد المتطايرة في ورش إصلاح السيارات أو النجارة أو عند رش المبيدات للمحاصيل الزراعة، ما يتسبب بإصابة الأطفال بأمراض سرطانية على المدى البعيد.

كما أن الأطفال في سوق العمل يكتسبون عادت سيئة مثل: إدمان المخدرات، والانحراف الأخلاقي. إضافة إلى الآثار التي تمتد لتشمل المجتمع عمومًا كعودة الأمية وانتشار العصابات والجريمة المنظمة، وفق البان.

وانتقدت البان، دور المنظمات في حماية الأطفال، وقالت إنه "لا يوجد دور قوي للمنظمات الحقوقية يمكن أن نلمسه في هذا الجانب؛ لكن يظهر دورها في أوقات معينة لترفع تقارير الظل الذي تعتبر نسف لجهود الحكومة. ولم نلمس دور المنظمات الحقوقية التي تدافع عن حقوق الطفل العامل، إلا أن هناك منظمات مجتمع مدني لا يتجاوز عددها أصابع اليد تعمل في مجال حماية الأطفال العاملين في سوق العمل، ودورهم ضعيف.

وأضافت: نحن بحاجة إلى دور منظمات المجتمع المدني؛ لأنهم أكثر الجهات ملامسة للأسر والأفراد في المجتمع. هذه المنظمات تنبثق أساسًا من المجتمعات، وبالتالي يجيب أن يكون دورها كبيرًا في الجانب التوعي للأسر حول مخاطر انخراط أطفالها في سوق العمل بسن مبكر، والتأكيد على أن مكانهم الصحيح هو في مقاعد الدراسة.

وفيما يتعلق بموقف أرباب العمل بخصوص عمالة الأطفال، قالت المسؤولة اليمنية: أغلب أرباب العمل يستغلون عمالة الأطفال، سواء بتشغيلهم لساعات طويلة أو إعطائهم أجور زهيدة، ويعتبرون الأطفال أيدي عاملة رخيصة.

وعن دور القوانين والتشريعات الوطنية، قالت البان: في عام 2000 وافقت الجمهورية اليمنية على اتفاقيتين لمنظمة العمل الدولية: الأولى الاتفاقية رقم 182 الخاصة بحظر أسوأ أشكال العمل على الأطفال، والاتفاقية رقم 138 الخاصة بالحد الأدنى لسوق العمل. وهاتين الاتفاقيتين ألزمتا الدولة بتعديل سن التشريعات الوطنية في هذه السياق، فأصدرت في عام 2002 القانون رقم 45 لحقوق الطفل، والذي أفرد بابًا خاصًا لحقوق الطفل العامل. 

وأضافت: في العام 2013 تم إصدار قرار وزاري خاص بلائحة الأعمال المحظورة على الأطفال العاملين دون سن 18.

وأوضحت أنه "قبل اندلاع الحرب في البلاد، كانت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تنفذ نزولات ميدانية عبر مفتشي العمل؛ للتحقق من تنفيذ القرارين الحكوميين. وكانت هناك عقوبات صارمة بحق أرباب العمل المخالفين؛ لكن الحرب نسفت كل تلك الجهود. ونحن بحاجة لإعادة تفعيل تلك القوانين لحماية أطفالنا في سوق العمل.

وحول دور وحدة مكافحة عمل الأطفال، قالت: تم إنشاء الوحدة في عام 2002، بهدف بناء قدرات الوزارة في مجال مكافحة عمالة الأطفال، والمساهمة في سن وتعديل التشريعات التي توائم الاتفاقات الدولية، ورفع مستوى الوعي بخطورة عمالة الأطفال. وكذا التعاون مع وزارة التربية والتعليم في كيفية تحويل المدرسة من بيئة طاردة إلى بيئة جاذبة لطفل، والترغيب في المقاعد الدراسية.

وأضافت: دور وحدة مكافحة عمل الأطفال، هو دور تنسيقي بين الطفل العامل من خلال حمايته من الأعمال الخطرة. وأيضًا البحث عن مشاريع مدرة للدخل للأسرة، من خلال فتح قنوات تواصل مع الصندوق الاجتماعي للتنمية أو مع الغرفة التجارية أو المنظمات الداعمة.

ورداً على سؤال منصة "أطفال اليمن" حول كيف يمكن تحسين ظروف عائلات الأطفال المعرضين للانخراط في العمل، قالت البان: ما قبل الحرب، كانت هناك منظمات تدعم الأسر التي ينخرط أطفالها في سوق العمل بمبلغ شهري، مقابل أن يتوقف الطفل عن العمل ويلتحق بالمدرسة. وكان الصندوق الاجتماعي للتنمية، ينفذ مشاريع مدرّة للدخل للأسر الفقيرة التي يعمل أطفالها مقابل أن يعود الطفل إلى المدرسة.

وأضافت: حاليًا بدأت منظمة العمل الدولية وغيرها من منظمات المجتمع المدني تعمل على مشاريع لتمكين الشباب والأسر التي لديها أطفال يعملون، وتقوم بتدريب وتمكين أحد البالغين في الأسرة للعمل فيه، وذلك بعد تنفيذ مسح للمنطقة المستهدفة.

وعن تقييمها لدور الإعلام في مواجهة ظاهرة عمالة الأطفال، وما المتوجب القيام به في هذا السياق، قالت البان: دور الإعلام مهم جدًا سواء في مجال مكافحة عمل الأطفال أو في رفع مستوى الوعي بخطورة المشكلة. 

وشددت على ضرورة أن يستعيد الإعلام دوره كما كان قبل الحرب، فقد كان هناك جهود مستمرة بإنتاج رسائل إعلامية موجهة للأسر لتوعيتها بأهمية التعليم للأطفال، والتحذير من ترك الأطفال لصفوف الدراسة والتوجه إلى العمل.

وقالت: لا نغفل أيضًا وزارة الأوقاف، كان لها دوراً كبيرًا في توجيه الخطاب الديني للمجتمع في الأرياف التي يتدنى فيها مستوى التعليم، ويعد الخطاب الديني أقرب لهم. من المهم أن تتكاثف جهود وزارات الإعلام والأوقاف والتربية والتعليم وغيرها من الجهات، وتعمل يدًا بيد لحماية الأطفال العاملين في سوق العمل.

ولفتت إلى أهمية التعليم في منع انخراط الأطفال بسوق العمل، وقالت: من أهم العوامل التي تدفع الأطفال للعمل، بالتوازي مع الفقر، هي مشاكل التعليم. فالعنف الذي يمارس في المدارس لمعاقبة الطلبة، وغياب الأنشطة اللاصفية، والاكتظاظ داخل في الفصول الدراسية، وعدم فهم المناهج، كلها تجتمع لتسبب تدني مستوى الطلبة أو رسوبهم، وبالتالي يفضل الطفل الابتعاد عن جو الدراسة، ويظل يبحث عن فرصة عمل. إضافة إلى الحديث المثبط الذي يتردد بين الكبار عن جدوى الدراسة، وماذا فعلت الشهادة لشخص ما..! فتترسخ هذه الفكرة السيئة والمحبطة جدًا لأطفالنا وشبابنا.

وأضافت: يجب على وزارة التربية والتعليم تيسير المناهج، والليونة في إيصال المعلومة للطلبة، وتكثيف الأنشطة اللاصفية، وتحويل بيئة المدرسة إلى بيئة جاذبة للطفل. وأيضًا على الوزارة أن تعيد المواد المهنية البسيطة إلى المناهج. فمثلًا نلاحظ الكثير من الأطفال يميلون إلى المهارات المهنية، ومن المناسب أن تتوفر أساسيات لها في مراحل الدراسة الابتدائية، وبالتالي تعزز قناعة الطفل بالتحول إلى الدارسة المهنية والالتحاق بالمعاهد المهنية، ويواصل دارسته الثانوية، ومن ثم الجامعية.