لابد من صنعاء» .. حملة إلكترونية تُجدّد الحلم اليمني باستعادة العاصمة
جريمة حوثية جديدة: استشهاد الصحفي مصعب الحطامي وإصابة شقيقه بمأرب
القاضي الاعوش يؤكد أهمية الاستفادة من التجربة التركية العريقة في مجال القضاء
إصابة طفلين برصاص قناص حوثي شمال مدينة تعز
البحث الجنائي يضبط 2806 جريمة وحادثة خلال الفصل الأول من 2025م
وكيل التخطيط يؤكد اهتمام الحكومة بنتائج التصنيف المرحلي للأمن الغذائي
منحة كويتية بمليونى دولار لدعم مشروع مياه الشرب في السودان
الإمارات: حراك ثقافي لافت.. و5 أحداث تتصدر المشهد
التكتل الوطني للأحزاب يبحث الفرص المتاحة لتحرير صنعاء ويثمن المواقف السعودية الثابتة
الشرطة تضبط 36 متهما ومشتبها بقضايا وجرائم جنائية مختلفة

مثلما تطوّرت أسلحة المليشيا الحوثية المستخدمة في استهداف السفن والناقلات البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن، تطوّر أيضًا خطابها لتبرير تلك الهجمات المتصاعدة، وجميعها تخفي أهدافًا تتناقض مع الشعارات المعلنة.
ففي حين رفعت شعار مواجهة "الحصار والعدوان على اليمن"، لتغطية هجماتها البحرية خلال السنوات السبع التي أعقبت انقلابها على الحكومة الشرعية، عمدت مؤخّرًا إلى ربط ذات العمليات بالعدوان الإسرائيلي على غزّة.
وكما استغلّت الأبعاد الوطنية في شعاراتها السابقة لتحييد اليمنيين وتحشيدهم خلف حروبها التوسّعية، تعمل حاليًا على استثمار الغضب العالمي المتصاعد إزاء "الإبادة الجماعة" بغزّة، لتحقيق مكاسب أوسع تتجاوز حدود اليمن.
وبين حروبها تحت شعار "الحصار والعدوان على اليمن" إلى "نصرة غزّة"، تكون المليشيا قد أتمّت عقدًا كاملًا من تهديدها المباشر والمتصاعدة للملاحة الدولية، وتقدمت خطوة إضافية فيما تسمّيه "معركة النفس الطويل".
يتتبع هذا التقرير نشاط الحوثيين في البحر الأحمر طوال العقد الماضي، ويبيّن مسار توسّع الهجمات والأهداف، وتطوّر الأسلحة المستخدمة فيها، ويكشف تناقض الخطاب الحوثي بشأنها، والدوافع والأهداف الحقيقية وراءها.
تفخيخ البحر
كانت الحديدة (جنوبي غرب اليمن)، أولى المحافظات اليمنية التي سارع الحوثيون للسيطرة عليها بعد اجتياحهم للعاصمة صنعاء أواخر 2014، نظرًا لأهميتها الجيوستراتيجية والاقتصادية والعسكرية، فإضافة لامتدادها على ساحل البحر الأحمر، تضم ثلاثة موانئ رئيسية.
بحلول العام 2015، شرعت المليشيا الحوثية بنشر عدّة أنواع من الألغام البحرية في قطاعات متفرقة من البحر الأحمر وباب المندب، منها ألغام عائمة يصعب اكتشافها وإدارتها، لتكون أولى أسلحتها المتوفّرة لتقديم نفسها للعالم بقدرتها على تهديد مصالحه.
وأظهرت تحقيقات فريق الخبراء المعني باليمن خلال العام 2017، أن الحوثيين نشروا أيضاً ألغاماً بحرية محلية الصنع في البحر الأحمر، ما جعلها تشكل خطرًا على النقل البحري التجاري، وخطوط الاتصالات البحرية لمدة تتراوح بين 6 سنوات و10 سنوات، كما تهدد تدفق الواردات والمساعدات الإنسانية إلى اليمن.
وزاد الحوثيون من نشر الألغام البحرية ضد السفن المدنية والعسكرية في البحر الأحمر خلال العام 2018، حيث شهد ما لا يقل عن خمسة حوادث انفجار، مما عرّض عملية تقديم المساعدة الإنسانية للخطر، ورفع تكاليف المعاملات الخاصة بالواردات إلى اليمن، وفق فريق الخبراء.
وحتى فبراير 2020، أعلن المتحدث باسم التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، العميد الركن تركي المالكي، اكتشاف وتفكيك أكثر من 150 لغماً بحرياً كان الحوثيون قد نشروها في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
خطر متزايد
واصل الحوثيون تصعيد هجماتهم البحرية كمًّا ونوعًا. ومن أواخر العام 2016 وحتى بداية 2022، رصد "الثورة نت"، 32 عملية هجومية طالت 22 سفينة، خمس منها ذات جنسيات سعودية، وإماراتية، وتركية، ويونانية، وجزر مارشال. وشملت اختطاف سفن مدنية في البحر الأحمر، وأخرى استهدفت موانئ تجارية يمنية وسعودية.
واستخدم الحوثيون في تلك الهجمات صواريخ باليستية، وألغام بحرية، وزوارق مسيّرة مفخخة، ومسيّرات مفخخة.
وأواخر ديسمبر 2021، قال التحالف العربي، إن قوّاته البحرية دمّرت 100 زورق أطلقها الحوثيون لاستهداف الممرات الدولية، إلى جانب تهديدهم الملاحة البحرية بأكثر من 247 لغمًا بحريًا.
وطبقًا لتحقيقات فريق الخبراء المعني باليمن، فقد شهد العام ٢٠١٧، "زيادة في عدد ونوع حوادث الأمن البحري التي تمس سلامة وأمن خطوط الاتصال البحرية الاستراتيجية وممرات الوصول إلى موانئ البحر الأحمر".
وظل مستوى التهديد المحدق بالأمن البحري في البحر الأحمر خلال 2018، "عاليًا جدًا" مع استخدام الحوثيين "منظومات أسلحة تتطور بشكل متزايد لمهاجمة ناقلات النفط"، وفق تقرير الخبراء الصادر في يناير 2019.
مسلسل الاعتداءات
سجّل أوّل هجوم صاروخي ضد السفن بداية أكتوبر 2016، حيث أعلنت المليشيا الحوثية لأوّل مرّة مسؤوليتها عن استهداف السفينة الإماراتية "سويفت" بصاروخ "نوعي".
اعتبر التحالف العربي هذا العمل "مؤشر خطير يؤكد توجه هذه المليشيا لتنفيذ عمليات إرهابية تستهدف الملاحة الدولية المدنية والسفن الإغاثية في باب المندب". موضحًا أن السفينة المستهدفة "كانت في رحلة اعتيادية من وإلى مدينة عدن لنقل المساعدات الطبية والإغاثية وإخلاء المصابين المدنيين".
وبعدها بثلاثة أيام، أطلقت المليشيا تحذيرًا للسفن من "القيام بأي أعمال لدول التحالف العربي"، كما حذرت أي سفينة من اختراق المياه الإقليمية اليمنية دون أخذ الأذن المسبق منها.
فيما يلي قائمة بأبرز الهجمات الحوثية خلال السنوات التي أعقبت هذا التهديد:
من الاستهداف إلى الاختطاف
صعّدت مليشيا الحوثي عملياتها لتشمل اختطاف السفن والسيطرة عليها. في عمليتين منفصلتين، وثّق "الثورة نت"، اختطافها لأربع سفن من جنسيات إماراتية وسعودية وكورية.
ففي 17 نوفمبر 2019، اختطفت ثلاث سفن جنوب البحر الأحمر، شملت القاطرة البحرية السعودية (رابغ-3) وسفينتين كوريتين. ووصف التحالف العربي، تلك العملية بأنها "سابقة إجرامية لأمن باب المندب وجنوب البحر الأحمر". موضحًا أن "رابغ-3" كانت تقوم بقطر حفار بحري تابع لشركة كورية جنوبية.
وفي 3 يناير ٢٠٢٢، اختطفت سفينة شحن إماراتية أثناء عبورها البحر الأحمر قادمة من سقطرى اليمنية باتجاه جازان السعودية، تحمل مستشفى ميداني سعودي.
الموانئ في دائرة الاستهداف
توسّعت الهجمات الحوثية لتشمل الموانئ اليمنية والسعودية، وقد رصد "الثورة نت"، 6 عمليات استهداف استخدمت فيها زوارق مسيّرة مفخخة، لأول مرّة، بدءًا من يونيو 2017.
فيما يلي تفاصيل العمليات المذكورة:
سبق إصرار
مع زيادة وتيرة هجماتها، كانت المليشيا الحوثية تصعد من تهديداتها بقطع طريق الملاحة الدولية في البحر الأحمر، خاصّةً عندما تواجه ضغطًا عسكريًا ميدانيًا من الحكومة الشرعية، وبالأخص تجاه مدينة الحديدة.
على سبيل المثال: في 8 يناير 2018، هدد رئيس المجلس السياسي الأعلى للمليشيا الحوثية، آنذاك، صالح الصماد، بقطع خطوط الملاحة في البحر الأحمر إذا واصل الجيش الوطني تقدمه نحو مدينة الحديدة. كان ذلك خلال لقائه نائب المبعوث الأممي إلى اليمن، معين شريم.
وفي 17 يونيو 2019، جددت تهديدها على لسان رئيس مجلسها السياسي اللاحق، مهدي المشاط، باستهداف السفن التجارية، مهددًا بأن أي "سفينة تحمل النفط في البحر الأحمر وبحر العرب ستكون أهدافاً مشروعه لنا حتى يتوقف العدوان"، حسب زعمه.
من العدوان إلى المناصرة
حتى العام 2022، تمحور الخطاب الحوثي المصاحب لهجماتهم البحرية حول "مواجهة العدوان والحصار" و"الدفاع عن السيادة"، قبل أن يتغيّر كلّيًّا مع انخراطهم في الهجمات الأخيرة التي بدأت منذ نوفمبر 2023، حيث رفعوا شعار "نصرة غزة" في إطار عمليات "محور المقاومة" التابع لإيران.
فبعد أيام من تهديدها باستهداف أي سفينة إسرائيلية أو متجهة إلى أراضي فلسطين المحتلة عبر البحر الأحمر، أقدمت المليشيا الحوثية في 19 نوفمبر 2023 على اختطاف السفينة "غالاكسي ليدر" واحتجاز طاقمها كرهائن.
وخلال 2024، نفّذت أكثر من 100 هجوم على السفن المارّة عبر البحر الأحمر، مما اضطر غالبية السفن لتحويل مسارها تجاه طريق راس الرجاء الصالح الأطول مسافة والأكثر كلفة.
ومن الهجمات البارزة، استهداف السفينة "True Confidence" التي ترفع علم باربادوس بثلاثة صواريخ، ما أدى لإصابتها ومقتل 3 من طاقمها. وكذا إغراق سفينتي "روبيمار" في فبراير 2024، و"تيوتور" التي تحمل علم ليبيريا في 19 يونيو 2024، بعد إصابتها بصاروخين.
وفي 23 أغسطس 2024، استهدفت المليشيا ناقلة النفط "سونيون" بصاروخ، قبل أن تضرم النار فيها لاحقًا، مما كان ينذر بأسوأ تسرب نفطي في هذا القرن، لولا تدخل عمليات الإنقاذ البحري لسحبها وتفريغ حمولتها.
الملاحة وحارس الإزدهار
هذه الهجمات المتزايدة، دفعت الولايات المتحدة في ديسمبر 2023، إلى تشكيل تحالف بحري دولي بقيادتها وبمشاركة عدّة دول ضمّت بريطانيا وفرنسا، لحماية حركة الملاحة البحرية تحت اسم "عملية حارس الازدهار".
ورغم تصدّي "حارس الازدهار"، للعديد من الهجمات البحرية، إلا أنها فشلت في وقف عمليات الاستهداف، لتضطر الولايات المتحدة وبريطانيا في يناير 2024، لشن غارات مباشرة على مصادر النيران داخل اليمن.
ومع ذلك، واصلت المليشيا الحوثية هجماتها، وكثّفت حملاتها الدعائية لاستثمار الأحداث، مقدمة نفسها كقوّة إقليمية صاعدة تناهض الولايات المتحدة وإسرائيل.
استثمار متعدد
كانت هجمات الحوثيين البحرية قد انحسرت عقب الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة في أبريل 2022، قبل أن تعود أواخر العام التالي بكثافة، وبشعارات أخرى أوسع نطاقًا، مما أثار جدلًا واسعًا بشأن دوافعها وأهدافها.
وأعاد كثيرون العامل الأبرز لهذا التصعيد المفاجئ للظروف الداخلية التي كانت تضيّق الخناق على المليشيا الحوثية. فإضافة للحراك الشعبي الذي بلغ ذروته في المناطق الخاضعة لسيطرتها للمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية، كانت تخشى استئناف الحكومة الشرعية لعملياتها العسكرية لاستكمال التحرير مع تعثّر اتفاق الهدنة.
ولهذا مثّلت أحداث غزّة طوق نجاة ساعد المليشيا الحوثية للإفلات من المطالب الشعبية والسخط المتصاعد ضدّها. وبدلًا من تقديمها الخدمات للمواطنين الذين يرزحون تحت وطأة الجوع والفاقة حشدتهم في سلسلة الفعاليات التضامنية، مستغلّة تعاطفهم العميق مع الشعب الفلسطيني.
كما استثمرت الضربات الأمريكية والبريطانية ضدّها، لتعزيز قبضتها الأمنية، وإخفاء الأصوات المنتقدة لها بتهمة "العمالة/التجسس". وإضافة إلى ذلك، قيّدت أي تحرك حكومي ضدها، بما فيها القرارات الاقتصادية التي اتخذها البنك المركزي لتنظيم القطاع المصرفي ومنع تمويل الإرهاب، والتي صوّرتها على أنها "دعم لإسرائيل".
وبينما توظّف التغطية الإعلامية لتحسين صورتها محليًا وإقليميًا، تشن حملات دعاية مكثّفة لتشويه الحكومة الشرعية ومن يساندها بوصفهم "صهاينة".
وبعد أن كانت تعيش عزلة إقليمية ودولية منذ انقلابها على الشرعية الدستورية والإجماع الوطني أواخر 2014، تسللت إلى الفضاء الإقليمي والعالمي تحت عباءة "القضية الفلسطينية"، وتسعي لاكتساب شعبية وشرعية في الأوساط العربية والإسلامية، مقدمة نفسها بأنها السلطة اليمنية الرسمية.
حرب مقدسة
في تحليلها للأسس الأيدلوجية لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر، توصّلت ندوى الدوسري، الباحثة والخبيرة في حلّ النزاعات، إلى أن الحوثيين يعتقدون أنّ حرب غزّة تخطو بهم خطوةً جديدةً نحو تحقيق أيديولوجيّتهم المتجذّرة في الأصوليّة الإسلاميّة المتوافقة مع "محور المقاومة" الإيراني، والتي تهدف إلى "إقامة خلافة إسلاميّة عالميّة مركزها القدس".
لتحقيق هذه النبوءة، قالت إنهم سعوا جاهدين طوال العقود الماضية للتحضير لحرب مع إسرائيل والغرب؛ لاعتقادهم أن حالة الصراع الدائم شرطًا أساسيًّا لتحقيق هذه الأهداف الأيديولوجيّة.
ولهذا الغرض تحديدًا، خرَّجوا 45 ألف مقاتل منذ 7 أكتوبر 2023، ضمن "قوّات طوفان الأقصى" المدرَّبة. وتحت شعار "علم وجهاد"، سعوا لتجنيد 1.5 مليون طفل في مراكزهم الصيفية عام 2023، كما وسَّعوا أنشطة التجنيد على امتداد مناطق شمال غرب اليمن لما تسمّيه "معركة الفتح الموعود والجهاد المقدّس".
وأشارت الباحثة الدوسري، إلى أن الهدف النهائي للحوثيين هو "إنشاء نموذجهم الخاص من الإمبريالية الإسلامية، بالتنسيق مع إيران ومحور المقاومة التابع لها".