الرئيسية - الأخبار - إيران وإسرائيل: لحظة التحول من الحرب بالوكالة إلى المواجهة المباشرة (تحليل)
إيران وإسرائيل: لحظة التحول من الحرب بالوكالة إلى المواجهة المباشرة (تحليل)
الساعة 05:55 مساءً الثورة نت/ عبدالوهاب بحيبح:

في تطور غير مسبوق، شهدت المنطقة خلال الثلاثة الأيام الماضية تبادلًا للقصف المباشر بين إيران وإسرائيل، بعد عقود من التهديدات المتبادلة بين البلدين.

بدأت سلسلة الأحداث بضربات إسرائيلية عنيفة، فجر الجمعة الماضية، طالت عددًا من المواقع والمنشآت الحساسة في الداخل الإيراني، أعقبها رد صاروخي إيراني طال عددًا من المواقع في العمق الإسرائيلي.

هذا التحول الذي استخدم فيه عناصر القوة الصلبة، فتح الأبواب أمام مرحلة جديدة من المواجهة المباشرة، وسط ترقب دولي وقلق إقليمي من مآلاتها وما قد تذهب إليه الأمور.
يقدم هذا التقرير تحليلًا لهذه الأحداث وتوقيتها واتجاهاتها، ويقدم سيناريوهات محتملة للصراع.

المواجهة الأخيرة: الأهداف والنتائج الأولية

فجر الـ13 من يونيو 2025، شنت إسرائيل ضربات واسعة استهدفت العمق الإيراني، استخدمت فيها الطائرات المقاتلة، والطائرات المسيّرة، إلى جانب عمليات اغتيال من الداخل.

ركزت هذه العملية في بدايتها على مراكز القيادة والسيطرة الإيرانية. وسقط على إثرها عدد من كبار القادة العسكريين الإيرانيين، بمن فيهم مستشار خامنئي، ورئيس هيئة الأركان العامة، وقائد الحرس الثوري الإيراني، وقائد قوات الجيش، وقائد الوحدة الصاروخية، وقائد مقر خاتم الأنبياء المركزي، وقائد القوات الجوفضائية بالحرس الثوري، ورئيس الاستخبارات الإيرانية ونائبه، وعدد من قيادات الصف الثاني.

كما أعلنت إسرائيل أنها قتلت 9 من علماء البرنامج النووي الإيراني في هذه العمليات، وأيضًا تحييد أنظمة الدفاع الجوي الإيراني، واستهداف عدد من مواقع البرنامج النووي أهمها: نطنز وأصفهان وفوردو، وعدد من مواقع التصنيع الخاصة بالقوة الصاروخية والمسيرات الإيرانية.

هدف الهجوم الإسرائيلي من خلال تركيزه أولًا على استهداف الصف القيادي إلى ضرب هيكلية القرار العسكري، وخلق فراغ تسلسلي في اتخاذ القرار العسكري الإيراني، وهو ما أحدث إرباكًا للمنظومة العسكرية الإيرانية في بادئ الأمر.

كما حيّدت إسرائيل الدفاع الجوي الإيراني، وأعلنت سيادتها الجوية على سماء إيران، وهو ما يعكس عجز طهران عن حماية أجوائها، وسيادتها الوطنية.

هذه العملية كشفت مدى هشاشة النظام الإيراني، حيث برز فيها مدى الاختراق الذي حققته أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في العمق الإيراني، فقد تزامنت العملية الجوية الإسرائيلية مع تحرك وحدات من الداخل الإيراني تابعة لجهاز الموساد وجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية. وأطلقت هذه الوحدات عدد من المسيّرات الإسرائيلية من داخل العمق الإيراني، ونفذت عمليات اغتيال طالت عددًا من المسؤولين والعلماء الإيرانيين.

تهدف هذه العمليات إلى ثني إيران عن الوصول إلى عتبة القنبلة النووية وما يمثله ذلك من تهديد وجودي كما تراه إسرائيل، إذ وصلت طهران إلى مراحل متقدمة في تخصيب اليورانيوم. وفي وقت كانت المحادثات حول البرنامج النووي بين إيران والولايات المتحدة بوساطة عمانية وإيطالية، لا تزال في طور المحادثات وتشهد تقدمًا بطيئًا مع غياب بوادر بقرب الاتفاق.

7 أكتوبر ومعادلة الصراع

لا يمكن الفصل بين هذا الحدث والأحداث التي أعقبت السابع من أكتوبر 2023، والعدوان الإسرائيلي على غزة، وما أعقبه من خسائر كبيرة في نفوذ إيران الذي استثمرت فيه طويلًا، حيث فقدت إيران أهم أذرعها في المنطقة، خصوصًا حزب الله اللبناني، الذي تعرض لضربات قاصمة بدأت بعملية تفجير البيجرات، وانتهت باغتيال الصف القيادي الأول والثاني في الحزب، وعلى رأسهم أهم رجال النظام الإيراني في المنطقة "حسن نصرالله".

ونتيجة لذلك، خرج حزب الله من معادلة الصراع كذراع قوي لإيران على حدود إسرائيل، فيما مثل سقوط نظام الأسد، الحليف الأبرز لإيران في المنطقة، ضربة قاصمة للمشروع الإيراني، وأفقدها موطئ قدم استراتيجيًا في الإقليم، وضرب مشروع الهلال الشيعي الممتد من طهران إلى بلاد الشام، فقد كانت سوريا بمثابة همزة الوصل الممتدة من إيران مرورًا بالعراق وسوريا وصولًا إلى لبنان.

لم تكن إيران تخطط للدخول في حرب مباشرة مع إسرائيل، بل كانت تستخدم جغرافيا بلدان أخرى في تحقيق أهدافها وتصفية حساباتها من خلال وكلائها في المنطقة، كحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، والحشد الشعبي في العراق.

وبدأت الضربات المباشرة بين الطرفين إثر القصف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية في سوريا بداية أبريل 2024، والتي راح ضحيتها عدد من قادة الحرس الثوري، وكذلك بعد اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، بعملية اختراق من داخل إيران في 31 يوليو 2024، أثناء حضوره مراسيم تقليد الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان.

وكان بزشكيان، قد فاز في انتخابات استثنائية لملء فراغ الرئاسة بعد وفاة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته، في حادث طائرة تفيد تقارير بأن سقوطها كان نتيجة تدخل استخباراتي إسرائيلي. ولم تكن هذه الضربات بالشكل المؤثر، بل كانت ضمن قواعد الاشتباك، وحفظ ماء الوجه من الجانب الإيراني.

إيران في صراع المصالح

لم يكن الصراع الإسرائيلي–الإيراني صراعًا عقائديًا بحتًا، بل هو صراع مصالح والبحث عن الدور. فإيران تنظر إلى نفسها كقوة إقليمية تاريخية، وتنطلق من مبدأ تصدير الثورة، واستثمرت طاقات هائلة لتحقيق اختراق في جيرانها العرب، مستخدمة الخطابات الطائفية، والقضية الفلسطينية، لكسب تعاطف الشعوب، وسعت إلى إسقاط الأنظمة الوطنية بهدف تشكيل أنظمة تخضع لولاية الفقيه.

ولهذا أسس النظام الإيراني، ودعم حزب الله في البحرين، وحزب الله في الكويت، وحزب الله في لبنان، وحزب الله في الحجاز، والحوثيين في اليمن، والحشد الشعبي في العراق.

تعتقد إيران أنها بزعزعة جوارها العربي، والتباهي باحتلال أربع عواصم عربية قد يجعل منها قوة إقليمية عظمى، وبأنها ستكون القوة التي تصيغ المشهد الأمني في الإقليم، وتتحكم في ثروات المنطقة وطاقاتها بما يحقق مصالحها ويمنحها الزعامة.

وطوال عقود، تُركت إيران لتؤدي هذا الدور، ولا نبالغ إن قلنا بأنه سُمح لها بهذا الدور من قبل الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. وقد ارتكبت إيران خطأً استراتيجيًا كبيرًا حينما اعتقدت أن قوتها ودورها يكمن في إضعاف محيطها الجغرافي، فهذا التهور الإيراني، والدور الذي مُنح لها، كان ضمن هندسة الفوضى الخلاقة ومشروع الشرق الأوسط الجديد.

هذا النشاط الإيراني "التخريبي"، أوقعها في فخ محكم استنزف مواردها، وكشف حدود قدراتها، وأدخلها في صراعات طويلة الأمد، استنزفت الداخل الإيراني، وفكك الجبهة الداخلية، لتصل إلى مرحلة تصبح فيها هي الهدف، بعد أن عانى جميع جيرانها من نتائج سياساتها.

الرد الإيراني: طبيعته ومداه

في الأحداث الأخيرة، ظهر الارتباك لدى صانع القرار الإيراني بعد الضربات الإسرائيلية في المرحلة الأولى. 

فأبجديات الحروب تقول إن المعركة التي تُفقد في بدايتها الصفّين الأول والثاني من القيادة ليست معركة متكافئة، حيث تُحدث ارتباكًا في هرمية صناعة القرار العسكري. 

وقد ظهر فعليًا مدى عمق الاختراق في الداخل، وكُشف مدى هشاشة النظام الإيراني، خصوصًا في مجال الدفاع الجوي، والسيادة الجوية على أجوائها، والضعف الاستخباراتي.

لكن في المقابل، تمتلك إيران قدرات صاروخية كبيرة، ولديها برامج متقدمة في صناعة الصواريخ الباليستية والجوالة والطائرات المسيّرة، وهو ما يشكل أهم عوامل الردع لديها.

جاء الرد الإيراني على الهجوم الإسرائيلي من خلال تكتيك "الموجات الصاروخية"، حيث أطلقت إيران عددًا كبيرًا من الصواريخ الباليستية والمجنحة والطائرات المسيّرة في نفس الوقت. واستخدمت إيران هذا التكتيك بهدف إرباك أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة لدى إسرائيل، وهو ما يشكل ضغطًا على هذه الأنظمة، حيث إن قدرتها على التعامل مع الأهداف المتعددة محدودة، وهو ما يعزز من فرص سقوط صواريخ في العمق الإسرائيلي، وهو ما تحقق فعلًا، حيث استهدفت إيران عددًا من المستوطنات والمراكز الحيوية في العمق الإسرائيلي، وأحدثت خسائر بشرية ومادية.

لكن هذا الرد، في الكمّ والكيف، لم يكن بنفس الفعالية والخسائر التي تتعرض لها إيران، والفرق هنا في حسابات الردع والتكلفة.

من المعروف أن عقيدة الجيش الإسرائيلي والسياسة الإسرائيلية بشكل عام تقوم على مبدأ التفوق النوعي، والإفراط في عمليات الردع، إذ لا تكتفي برد الفعل فقط، بل تعتمد الردع من خلال الألم. ونتيجة لذلك، تطورت الضربات الإسرائيلية لتستهدف المقدرات الاقتصادية النفطية والغازية، وهذا سيزيد من أعباء إيران المنهكة فعلًا بالعقوبات المفروضة عليها.

ويمكن القول إن مدى تأثير طبيعة الرد الإيراني على إسرائيل سيحدد مسار الصراع، وما إذا كان سيحدث دخول الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب إسرائيل، وما قد ينتج عن هذا التدخل إن حصل.

لكن في المقابل، يلمّح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في تصريحاته إلى نيّة طهران العودة للمفاوضات قائلًا: "إن إيران ستهيئ الأرضية للعودة إلى الدبلوماسية والمفاوضات إذا توقف العدوان الإسرائيلي".

من الواضح أن الرد الإيراني لم يُغيّر فعليًا موازين القوى، وليس على مستوى الضربات التي تعرضت لها طهران في صفها القيادي وفي مراكزها الاستراتيجية في الدقائق الأولى للضربات، ويمكن القول أن ردّها الحالي يأتي كمحاولة لاستعادة الهيبة، ومحاولة إعادة ضبط قواعد الاشتباك.

وفي ظل تلميحات عراقجي، بإمكانية العودة إلى المفاوضات، مشروطة بوقف الضربات الإسرائيلية، يتضح هنا خوف إيران من الانزلاق إلى حرب شاملة قد تفقدها ما بقي لها من قوة هشّة، وتصل إلى مرحلة إسقاط النظام.

المواقف الإقليمية والدولية: حسابات واشنطن وقلق الخليج وتركيا وباكستان من التصعيد

تنطلق مواقف الولايات المتحدة الأمريكية من نقطة الحق لإسرائيل في الدفاع عن نفسها وأمنها القومي بما تراه مناسبًا.

كما أن سياسة واشنطن في الشرق الأوسط تنطلق من ثلاث ركائز مهمة: حماية أمن إسرائيل، وحماية خطوط الملاحة البحرية، وحماية مراكز إنتاج الطاقة النفطية والغازية.

وفي تقديري، فإن علاقة الولايات المتحدة مع إسرائيل لا تنطلق من علاقات ثنائية بين دولتين فحسب، بل تعد إسرائيل قاعدتها المتقدمة في الشرق الأوسط. ومن هذا المنطلق، ليس من الصواب القول إن هذه الضربات الإسرائيلية على إيران لم تكن بموافقة أمريكية، وإن لم تكن منخرطة فيها، لكن واشنطن حاضرة بأحدث صناعاتها ومعداتها العسكرية، وما تقدمه من معلومات لوجستية واستخباراتية.

وقد أتت هذه الضربات بالتزامن مع نهاية مهلة ترامب، الستين يومًا، والتي قدمها في رسالته إلى المرشد الإيراني علي خامنئي، وهو ما أكده ترامب في أحد تصريحاته حول الضربات الإسرائيلية على إيران، وقال فيها: إن الضربات أتت بعد انقضاء المهلة لتوقيع الاتفاق النووي في اليوم الواحد والستين.

وفي رأيي، أن تأكيد الولايات المتحدة الأمريكية بأنها ليست طرفًا في الحرب، هو محاولة لتقديم نفسها كوسيط، والحفاظ على شعرة معاوية لعودة طهران للقبول بملف التفاوض وشروطه المعدة سلفًا، القائمة على تفكيك برنامج إيران النووي.

لكن إذا زادت الخسائر البشرية بفعل الضربات الصاروخية الإيرانية في الداخل الإسرائيلي، وواصلت طهران رفض عودتها إلى المفاوضات، أو تم استهداف إحدى القواعد الأمريكية المنتشرة في الخليج العربي، فستدخل الولايات المتحدة الأمريكية بقوتها العسكرية إلى الحرب، ومن غير المرجح أن تندفع إيران للوصول إلى هذا الخيار.

أما في المواقف الدولية الأخرى، فقد نددت كل من روسيا والصين بالهجمات الإسرائيلية على إيران.

ورغم الرفض الروسي والصيني لهذا التحرك، لكن من غير المرجح أن تتدخل الدولتان في الصراع إلى جانب إيران، بل سيسعيان لتخفيف التوتر ونزع فتيل الأزمة؛ فالصين لا تريد أي مخاطر تهدد إمداداتها من الطاقة القادمة من الخليج العربي، كذلك روسيا لديها ما يكفيها من المشاكل واستنزاف كبير في الجبهة الأوكرانية.

في المقابل، تنظر الدول الإقليمية كالسعودية وتركيا وباكستان بقلق بالغ لهذه التطورات الخطيرة في المشهد الإقليمي، ونددت جميعها من خلال قادتها بالضربات الإسرائيلية، وتسعى السعودية من خلال ثقلها الإقليمي إلى احتواء الصراع والعودة إلى ملف المفاوضات.

وفي حالة حدوث حرب شاملة في الإقليم، فلن تكون دول الجوار الجغرافي لإيران في منأى منها، بل ستطال المنطقة برمّتها، وستتجاوز آثارها حدود الجغرافيا الإيرانية إلى الاقتصاد الخليجي والتركي والباكستاني بشكل مباشر، وأمن الطاقة العالمي.

كما يمثل تهديد التلوث النووي لمياه الخليج العربي في حالة تسربه كارثة بيئية كبيرة تؤرق هواجس الخليج والدول المحيطة بإيران كتركيا وباكستان.

السيناريوهات المحتملة في مسار التصعيد:

•    اكتفاء إيران بالرد، وقبولها العودة إلى المفاوضات حول برنامجها النووي. وفي اعتقادي، سترتفع الشروط بعد هذه الضربات، ولن تقبل تل أبيب وواشنطن بأقل من تفكيك برنامج طهران النووي، والقبول بالاتفاق تحت واقع الضغط بالخيار العسكري.

•    ذهاب إيران بعيدًا في الحرب، وزيادة الضغط الصاروخي على إسرائيل، وما قد يسببه من خسائر بشرية ومادية، أو من خلال استهداف القواعد الأمريكية المنتشرة في المنطقة وإصابتها، ما قد يجرّ أمريكا إلى الدخول بثقلها في الحرب، وقد تصل إلى حد إسقاط النظام الثيوقراطي في إيران.

•    زيادة الضغط العسكري الإسرائيلي على إيران، يصل إلى تدمير كامل لمشروعها النووي، ومراكز إنتاج قدراتها الصاروخية، ومقدراتها الاقتصادية ومواردها النفطية والغازية.

•    عدم قدرة الضربات الإسرائيلية على الوصول إلى البرنامج النووي الإيراني، بسبب عوامل جغرافية، ومضيّ إيران قدمًا في مشروعها النووي، وتجاوزها عتبة القنبلة النووية، وما سيحدثه من خلل في توازن القوى في الإقليم، والدخول في مرحلة سباق تسلح نووي. رغم ضعف هذا السيناريو، لكن كل السيناريوهات مطروحة.

خيارات طهران ضيقة: إما أن تذهب إلى الأمام، وهذه مخاطرة كبيرة قد ينتج عنها سقوط النظام، أو تخضع للاتفاق، وهذا يفقدها هيبتها وحضورها الإقليمي، ويتآكل نظامها من الداخل.
*الصورة مولدة باستخدام الذكاء الاصطناعي