الرئيسية - اقتصاد - لا اقتصاد بدون فرض سيادة الدولة
لا اقتصاد بدون فرض سيادة الدولة
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

الاضطرابات فاقمت الفقر والبطالة لأكثر من 50 %

التنمية لا تنجح في بيئة موجودة على الورق

بدون أمن واستقرار لن يكون هناك استثمار يلبِي احتياجات المجتمع

في رؤية عميقة وتشخيص دقيق لمدير عام الدراسات والتوقعات الاقتصادية بوزارة التخطيط والتعاون الدولي الدكتور عبد الودود شرف الزبيري فإن الاقتصاد لا يعمل في معزل عن منظومة المجتمع ولهذا يكون هناك اقتصاد بدون فرض سيادة الدولة . وبحسب الدكتور الزبيري في لقاء خص به “الثورة” فإن اتساع الفقر والبطالة نتيجة الاضطرابات وعدم الاستقرار الأمني والسياسي ينذر بخطورة تهدد المجتمع لأن التنمية من وجهة نظره لا تنجح في بيئة افتراضية موجودة فقط على الورق . وتحدث مدير عام الدراسات بوزارة التخطيط حول الأوضاع الراهنة وتأثيرها على الاقتصاد وحركة تدفق الاستثمارات وأنشطة الأعمال لتلبية احتياجات المجتمع بالإضافة الى العديد من القضايا الأخرى المتعلقة بالاختلالات الاقتصادية ودور الحكومة في مواجهة كل هذه المؤثرات السلبية وغيرها من المواضيع التي يمكن متابعتها في الحوار التالي :

ما تأثير الاضطرابات السياسية والأمنية على الوضع الاقتصادي ¿ توفر الأمن والاستقرار السياسي من المقومات الرئيسية لبيئة الاعمال الاقتصادية على وجه الخصوص فبدون الأمن والاستقرار لا يمكن أن تعمل أو تنجز أي عمل أو تسعى إلى تحقيق أي هدف حتى على المستوى الشخصي فما بالك بالأهداف والطموحات العامة والتي تهم المجتمع من خلال تبني مشروعات اقتصادية انتاجية وخدمية توجه الكثير من الاستثمارات لتوفر متطلبا المجتمع من السلع والخدمات الاستهلاكية المباشرة والوسيطة لأداء العمل وتعمل في نفس الوقت على تعزيز النمو الاقتصادي وتساهم في مواجهة المشكلات الاجتماعية في خفض معدلات البطالة والفقر في المجتمع ولهذا فبدون توفر الأمن والاستقرار وخدمات البنية التحتية من توفر الطاقة والكهرباء والنقل وغيرها الذي تساعد على اتخاذ قرارات الاستثمار وفي أي نشاط لن تجد هناك مستثمرين جادين يعملون بمسئولية وبشراكة حقيقية على تطوير الاقتصاد. فالمستثمر الخاص إذا افتقد إلى المقومات وعوامل الجذب الاستثمارية المشجعة على اتخاذ قرار الاستثمار لن يقدم على اتخاذ قرار الاستثمار في بيئة هشة وغير مستقرة ولا يمكنه المغامرة في توجيه استثماراته وأمواله للتطوير والتجديد والابتكار لإيجاد بدائل للعمل تمكنه من تحقيق أقصى الأرباح وترفع من كفاءة الاستثمار. منظومة ما الانعكاسات الناتجة عن هكذا أوضاع على المجتمع ووضعه المعيشي ¿ طبعا الاقتصاد لا يعمل في معزل عن منظومة المجتمع بمكوناته الاجتماعية والسياسية والأمنية فهو يتأثر ويؤثر فيها أيضاٍ حيث تتداخل العلاقات فيما بينها فالعملية السياسية التي انطلقت للتسوية السياسية ونقل السلطة في بداية 2012م وتوجت مؤخراٍ باختتام مؤتمر الحوار الوطني وبإعلان مخرجاته التي ما زالت حبيسة الغرف المغلقة للجان الملحقة وأسيرة مقررات فريق القضية الجنوبية حيث لاتزال الكثير من القضايا المرتبطة بها معلقة وما زالت الرؤى متفاوتة بين العديد من القوى في الساحة السياسية والأمنية . البيئة العامة ما زالت غير مستقرة وهناك ترقب وانتظار لما ستسفر عنه مقررات اللجان الملحقة لمقررات الحوار فالأمور أو القضايا السياسية ما زالت في ضبابية ولم يتم الإفصاح عنها بالشكل الذي يعكس قناعات عامة يجمع عليها جميع الفرقاء والقوى السياسية والمجتمعية الشريكة في مسئولية الخروج بالمجتمع الى بر الأمان. والاقتصاد لا يمكن أن يعمل في بيئات افتراضية تنشأ على الورق أو في فضاءات التكنولوجيا الرقمية ويتوقع منه أن يحقق منجزات الاقتصاد يعمل في بيئات مادية ملموسة تتداخل فيها الجوانب التنظيمية والمؤسسية والتشريعية والسياسية المستقرة الاقتصاد يعمل في أطر واقعية توفر له على الأقل الحد الأدنى من الأمن والاستقرار والوعود الرسمية التي توفر له بيئة داعمة ليعمل باطراد وهو ما نفتقده بالشكل الحيوي الذي يثق به قطاع الأعمال. لقد أثرت الاضطرابات السياسية والأمنية سلباٍ وبشكل كبير منذ ثورة الشباب 2011م في النمو الاقتصاد الكلي ومدخلاته القطاعية المختلفة فضلاٍ عن تداعياتها على الجوانب الاجتماعية وتفاقم مشكلات الفقر التي تجاوزت معدلاته 50 % والبطالة التي وصلت إلى ما بين 35-40 % والحرمان وسوء التغذية الذي طالت تقريباٍ نصف السكان بحسب بعض التقارير والبعض الآخر وصل إلى حوالي 36 % من سكان اليمن عام 2012م وهذه الأرقام تنذر بخطورتها في حالة استمرار تدهورها على المجتمع وتفاقم أزماته المختلفة. اختلالات ما أهم المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد الوطني في الفترة الراهنة ¿ هناك الكثير من الاختلالات الهيكلية في البناء الاقتصادي للدولة فالإنتاج وتوليد الدخل والناتج المحلي والصادرات يعتمد بشكل كبير على عائدات النفط والغاز الذي تصل إلى حوالي 80 % تقريباٍ من الإيرادات الحكومية وما نسبته 95 % من الصادرات اليمنية وما ترتب على تراجعها بشكل كبير نسبياٍ نتيجة للتفجيرات المتتابعة من قبل بعض العناصر التي قد ترتبط بقوى تعمل من شأن إرباك مسار العملية السياسية وتعمل جاهدة أيضاٍ على إفشال حكومة الوفاق التي لم تتمكن من حسم الكثير من القضايا للحفاظ على هيبة وسيادة الدولة والحفاظ على الممتلكات العامة وهناك تفاقم العجز في الموازنة العامة التي تجاوز الحدود الآمنة وتجاوز الدين العام أيضاٍ الحدود الآمنة والمتعارف عليها في القوانين المالية والاقتصادية حيث بلغت حسب تقديرات رسمية إلى ما نسبته 122 % من الموارد الذاتية للدولة وما نسبته تقريباٍ أكثر من 8 % من الناتج المحلي الإجمالي وهو يتجاوز قدرات الاقتصاد على الوفاء بمتطلبات الاستثمار ويرجع ذلك إلى فشل السياسات المالية المتبعة وخاصة الاستمرار في إصدار أذون الخزانة وهو الاستثمار الآمن والإجباري للعديد من المؤسسات المصرفية والبنوك التجارية وصناديق التأمين الحكومية على وجه الخصوص. والتي أجبرت على توجيه أرصدتها وفوائضها من التأمينات لمنتسبيها من الموظفين والعمال نحو شراء أذون الخزانة ليتم توجيهها إلى تمويل الإنفاق الجاري غير المبرر في الكثير من مصارفه غير المنتجة على الإطلاق بل أنه يتم توجيهها لتمويل الفساد المشرِع لتمويل نفقات وهمية وبنود غير مبوبة في الميزانية ولا تخضع لأي رقابة أو مساءلة. ورغم الظروف المحيطة من التدهور الأمني وضبابية الوضع السياسي والأساليب المتبعة في الإدارة العامة من المحاصصة السياسية والتقاسم والسعي إلى استئثار البعض من القوى المتصارعة وقوى النفوذ التي ما زالت تؤثر باستمرار صراعاتها على الوضع الأمني والسياسي إلا أن الاقتصاد يحاول أن يستعيد بعض الحيوية والديناميكية لنموه من خلال بعض الأنشطة الإنتاجية والخدمية التي توفر بعض المتطلبات الاستهلاكية المباشرة للمجتمع فقد بدأ نمواٍ الاقتصادي يحقق بعض التعافي خلال العامين الماضيين حيث بلغ حوالي 2 % خلال عام 2012 م ومن المتوقع أن يبلغ 4 % خلال عام 2013م ويأتي ذلك من قطاعات الصناعات التحويلية الذي نما بحوالي 7.2 % عام 2012م والبناء والتشييد 9.1 % والتجارة 5.6 % والفنادق 11 % والنقل والاتصالات 12.2 % ن 9.5 % لكل منهما على التوالي. تداعيات كيف تقيم الوضع الاقتصادي في ظل هذه الأوضاع والتحولات التي تشهدها اليمن ¿ من الصعوبة بمكان إعطاء تقييم دقيق للواقع الاقتصادي المعاش في ظل غياب الكثير من المؤشرات الاقتصادية الدقيقة. إلا أن الظروف المتتابعة منذ ثورة فبراير الشبابية عام 2011م التي رفعت شعارات تغيير النظام والمطالبة بفرص العمل وضمان العيش الكريم والأمن والاستقرار والحرية وما تبعها من تداعيات على مختلف المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية قد أثرت بشكل كبير على الأداء الاقتصادي العام والخاص على حد سواء فعلى المستوى العام اتضح التركة الثقيلة من السلبيات لمختلف السياسات التي اتبعت في السابق لإدارة الدولة والعملية الاقتصادية بمختلف جوانبها المالية والنقدية والمادية أيضاٍ وكشفت عن حجم الفساد الذي ساد من خلال سوء تنفيذ الكثير من المشروعات العامة وخاصة الطرق والكهرباء والتعليم والصحة وأداء الخدمات في هذه المؤسسات. الاقتصاد ما زال يواجه العديد من التحديات أهمها انتشار الفساد في مختلف جوانب المنظومة المؤسسية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة والحرمان وانخفاض مستوى القدرات المؤسسية والفنية التي تترك أيضاٍ تحديات ضخمة أمام السلطة الاتحادية في ظل تحول الدولة وتهيئة الأقاليم إلى اعتمادها على قدراتها المحلية في إدارة مواردها ومصالحها المختلفة . كما أن قدرات الدولة على الاعتماد على مواردها المحلية ما زالت قاصرة عن تلبية التوجهات المستقبلية في تمويل التنمية فهناك الكثير من القصور في هيكلية وكفاءة مصادر الدخل السيادية والاستثمارية وهناك غياب للرؤية التي ينبغي إتباعها للتحول والانتقال نحو المستقبل . سيادة الدولة ما المطلوب من الحكومة عمله لإعادة الاستقرار الاقتصادي وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية ¿ لتهيئة البيئة الاستثمارية وبيئة الأعمال على الحكومة القيام بالكثير من الإجراءات والمهام في سبيل إعادة الاستقرار الاقتصادي وتهيئة البيئة الاستثمارية كما ينبغي لجذب الاستثمار المحلي والخارجي على حد سواء فهي مطالبة بفرض سيادة الدولة بمؤسساتها وقوانينها على كامل التراب الوطني وتحقيق الأمن والاستقرار وتوفير الحماية اللازمة للمشروعات العامة وخاصة خطوط نقل الطاقة الكهربائية وخطوط نقل النفط إلى موانئ التصدير وسرعة العمل على توسيع البنى التحتية من مشاريع الخدمات العامة مثل الطرق والكهرباء والنقل وإحداث التغييرات المطلوبة في التشريعات المنظمة للعلاقات الاقتصادية بين الدولة والقطاع الخاص وتحديد الأدوار وبوضح لقطاعات الملكية المختلفة وبما يعزز من التكامل بين قطاعات الملكية ويعزز من استدامة النمو وتحقيق التقدم الاقتصادي المعتمد على القوى الذاتية ويرفع من كفاءة استغلال الموارد وخاصة المساعدات من شركاء التنمية وأن يتم توجيه المزيد من الإنفاق العام نحو الاستثمارات المنتجة وإيجاد التشريعات اللازمة لحماية الملكية العامة وتبني برامج وسياسات للإصلاحات الاقتصادية والمالية والنقدية التي تتفق والتوجه العام للدولة الجديدة وبما يعزز من التنمية المستدامة والمحلية في الأقاليم المختلفة وتبني برامج جادة لمكافحة الفساد وتجريم أي سلوك من شأنه إهدار الثروة العامة أو سوء استخدامها .