مات العازف
الساعة 05:08 مساءً

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير

حسبتُ أني اكتشفته وحدي، أو أن له نفرًا من الناس يعرفونه كما عرفته، ولما سمعتُ نبأ موته جفلتُ، وشحذتُ قلمي لعزاء اكتشافي، فهالني أن رأيتُ كل الناس في وسائل التواصل تعرفه، وتنعي رحيله، وتبكيه، فعلمتُ أن عازف القلوب العظيم كان شهيرًا لدرجة أن محاولاتي الأنانية في جعله خبيئتي الأثيرة لم تفلح، وكما استوطن قلبي، استعمر ملايين القلوب التي سمعته وأحبته، وشعرت بجمال الله تعالى في أنفاسه وعباراته الخالدة.

إنه الشيخ محمد المقرمي. أرسلتُ إليه قبل أسبوع آخر أعداد صحيفة «الثورة»، ودعوته أن يدعو لي؛ فالرجال الصالحون غنيمة المرء التائه. فدعا وأكثر، كان كريمًا بالبذل والتنوير، يفتح خلايا دماغك البنفسجية، ويضع في كل خلية قنديلًا من الضوء والمعرفة. معه تكتشف تدابير آيات القرآن الكريم، وتلمع في كل عبارة أشياء لم تكن لتخطر ببالك، وقد مررتَ بها حتمًا في تلاواتك الطويلة الشاردة، لكنه- وأمثاله قِلّة- يتحدثون إليك عن الله تعالى بالحب والمعرفة واليقين.

دهشة اكتشافي للشيخ محمد المقرمي كانت في مقيل رمضاني تكرر أكثر من سبع مرات في منزل العزيز عبدالسلام الحاج. في ختام اليوم السابع قلتُ له: «إنها سبع مراتٍ اجتمعنا إليك». فتبسّم وقال: «وفي السبع آية الله الدائمة؛ السماوات سبع، والأراضون سبع، والسنابل سبع، والأيام سبعة، ولقاءاتنا سبعة».

في اليوم الثامن أطلق رحلته إلى الله، اختاره قبل صلاة فجر اليوم، ليعود إليه بعد رحلة عظيمة من المحاولات المثالية في معرفة الله عز وجل.

أنا حزين للغاية؛ حزين لأن هذا الصوت الكبير لا يملك الضجيج الذي يصدره بعض المجرمين أمثال عبدالملك الحوثي وزبانيته، وحزين لأن صوت عازف القلوب العبقري غاب عن منبره الأثير فجأة دون سابق وداع، وغاضب لأن اليمانيين لم يتأثروا به كما ينبغي، ولم تلمس كلماته النورانية شغاف قلوبهم فتضيء ما أظلمته قساوة الطرائق والأفعال.

رحمك الله يا صديقي، وجعل الله أيامنا السبعة هُدىً لي، بها أبدأ الطريق، ولا أكتفي، ولا أتوقف.

إنا لله وإنا إليه راجعون.