الرئيسية - دنيا الإعلام - تأملوا! من غزة  إلى صعدة أين الفرق
تأملوا! من غزة  إلى صعدة أين الفرق
الساعة 12:00 صباحاً البديل خاصبقلم عبد الباسط الحبيشي

أعلى درجات الإجرام هذه التي نشاهدها تحدث في غزة ويشاهدها العالم باسره ويجد كل من لديه قطرة دم إنسانية مكتوف الأيدي حيالها والعجز التام عن القيام بأدنى فعل لوقف الاعمال الشيطانية المرعبة والدنيئة فيسمع أنين شهيقه المكبوت يمزق أنفاسه ويحرق جدران أحشائه وأفئدته من هول العجز المذل المسيطرعليه وعلى أمةٍ  بأكملها تمتلك كافة المقومات والاسلحة للدفاع عن نفسها لكنها تقف متفرجة ذليلة ، مكبلة بسلاسل وهمية تحرسها  شرذمة تنتمي لسُلالةٍ شياطنية تتقمص صوراً إنسانية.

إن المَشاهِد الاجرامية التي تًرتكب في غزة ونراها على شاشات التلفزه ويقشعر من بشاعتها البدن ويندى من خزاياها الجبين العربي والاسلامي والانساني في كل مكان في العالم ، نقول بإنها نفس الاعمال بكل تفاصيلها وأدق أحداثها تتم في أماكن أخرى في وطننا العربي لكننا لا نستطيع مشاهدتها ومعاصرتها كما هو الحال في غزة. في حروب صعدة التي راح ضحيتها الالاف بين قتيل وجريح ومشرد هي نفسها التي حدثت في عدن في حرب  94 وقتلت وجرحت عشرات الالاف من الأبرياء.  لم يكن هناك فرق في الفعل البربري الإجرامي والأسلحة المستخدمة .... نفس الصواريخ ونفس طائرات إف 16  ونفس مروحيات الأباتشي ونفس الدبابات والمدرعات وأيضاً نفس الضحية .. الإنسان.. والإنسان العربي المسلم بالذات.

بيد أن هناك فوارق شكلية لا تمت للموضوعية بصلة ، اولها أن أسماء القادة لهذه الحروب تختلف بإختلاف الجنسية  وليست  الايديولوجيا اوالعقيدة أو حتى السلالة العنصرية ، في مجازر غزة الحالية يقودها إيهود باراك ، وليفني ، واولمرت نيابة عن الحركة الصهيونية والثانية  يقودها علي عبدالله صالح الأحمر وعلي محسن الاحمر والعيون الحمر نيابة عن نفس هذا العدو الذي يمثلوه في اليمن من الناحية التنفيذية  وفي بلاد نجد والحجاز من الناحية التمويلية. وهذه الوكالات  إنما نماذج واقعية نعرفها جيداً تمثل نفس القوى التي تمثلها أنظمة عربية أخرى تنتشر من الخليج إلى المحيط. وهاهي اليوم تقوم نيابة عن هذا الكيان الاعلى  بتكميم الافواه كلٍ في حدود الأرض التي يحتلها ويسيطرعليها مستجيباً لأوامر من يدير محرقة غزة. هاهوذا الشيخ عائض القرني من بلاد الحجاز تم الزج به في زنازين وكلاءهذا العدو لمجرد أنه أفتى بجواز الدفاع عن النفس على الجرائم الوحشية المرتكبة ضد أبناء غزة. وهاهوذا المتنفذ في صنعاء ينشر أخبار كاذبة في أوساط المواطنين اليمنيين الطيبين عن تنفيذ حكم بالإعدام في أحد المجرمين رمياً من مكان شاهق في صنعاء بهدف إلهاء الجماهير بالتفرج عن إقامة مظاهرات تضامن في شوارع صنعاء بعد صلاة الجمعة نصرة لإخوانهم في غزة.

وثاني هذه الفوارق هو أن قادة الحرب في الاولى أي في غزة يتحلون بسمة الديمقراطية الممثله بمفهومهم بحرية الاعلام  والصحافة وهذه ميزة تحسب لهم لأن هذا ماجعل العالم ونحن منهم نعرف حجم الجريمة وأهدافها وأسبابها وسنعرف أيضاً نتائجها ومضاعفاتها وردود الفعل العربي والاسلامي والدولي. لكننا في الثانية أي في صعدة الشماء لم نعرف أي شي من هذا القبيل حتى هذه اللحظة ، سوى ما يردده لنا إعلام رسمي محتكر ومتفرد بالمعلومة التي يلفقها هو ، اومعلومات ضئيلة من الناجين من أهالي الضحايا او لجان التوسط بين الطرفين او من الباحثين عن الحقيقية وذلك بسبب التعتيم الإعلامي المُطبِق الذي أحكم سياجه العدو الداخلي الذي لا يعرف من الديمقراطية إلا إسمها. هذا من ناحية ، ومن الناحية ألاخرى وهي الأهم ، أن الاول معروف لدينا بأنه عدو وغاصب ومُحتل ويتم التعامل معه على هذا الأساس من ضرورات المقاومة وغيرها. لكن الثاني الذي يحمل نفس الصفات العدوانية بل وألعن  يتسربل حتى أقمص قدمية بالوطنية الزائفة التي خلع بواسطتها على نفسه أسماء وشعارات عربية وإسلامية هي في الاصل منه براء مكنته من ألإندساس في صفوفنا يدبر ويتآمر ويخلق الفتن والنزاعات ويعبث بكل مقدساتنا الانسانية والثقافية وثرواتنا الوطنية ويعيش علاوة على ذلك بين ظهرانينا محصن فوق الشبهات. ورغم ذلك إستطاع الكثير من الذين يمتلكون الذكاء والحس الوطني المرهف بالصدفة أن يسقطوا ما يحدث الان في غزة بكل التفاصيل المأساوية على ماحدث بالامس القريب في صعدة فأدركوا حجم البشاعة والإجرام والحقد اللاإنساني الذي يرتكبه هذا المتوحش المسعور "\الوطني\"  في حق أرض يدّعي أنها بلاده وشعب يدعّي أنه شعبه.

قالت الامة العربية فضلاً عن الاسلامية  كلمتها حول مجزرة غزة ، فاذا كنت مخطئاً بما توصلت إليه بأن من يمثلونا او من يغتصبوا إراداتنا هم ليسوا في الاصل منا بل أعداء لنا بإعتبار أنهم على أقل تقدير مخدوعين بأنهم جزء من ما يسمى بالانتليجنسيا العالمية او النخبه التي تحكم وتوجه العالم بما تقتضيه مصالحها، وبما أن حدود فهمي الطبيعي كما يفهم غيري من البشر أن حكام الدول هم في الاصل خداما وممثلين لشعوبهم ويأتمرون بأمرهم وليس على هؤلاء الخُدام إلا تنفيذ ما يُملى عليهم من سياسات تعبر عن رغبات هذه الشعوب ألتي كلفتهم بخدامتها وليس العكس , فلماذا  إذاً لا تستجيب هذه الانظمة لإبسط هذه المعايير التي يتربعون بموجبها على هذه العروش ، بل نرى أنها تنقاد مغناطيسياً لتنفيذ مطالب اطراف أخرى تعمل ضد مصالح أمتنا وشعوبها. وهذا الطرح يعزز الواقع الذي نحن فيه بأننا نعيش تحت إحتلال مقنع بكل ماتعنية الكلمة من معنى وهو أسوأ وأبشع من الاحتلال المتعارف عليه  فضلاً عن تجاربنا الطويلة مع هذا النظام العربي الذي لم ينفضح أمره اليوم فحسب بل أنه قد تعرى في كل منعطف تاريخي هام مرت به أمتنا العربية.  تم كشفه في حرب الخليج الاولى وتجاوزت عنه الامة العربية ثم تعرى في حرب الخليج الثانية فصمتت عنه الامة العربية مروراً بأفتضاحه في كل مذابح ومجازر ونكبات فلسطين على مدى ستة عقود فتغاضت عنه الامة العربية ، ثم خلع كل ثيابه عن آخره في حروب لبنان مرات عديدة أخرها حرب جنوب لبنان في 2006 فسكتت عنه الامة العربية ، وها هوذا اليوم يكشف لنا كل عوراته بل ويكشرعن أنيابه بكل خسة وحقارة في محرقة ومجازر غزة ، فياللعار لكل الامة العربية صغيرها وكبيرها إن نجا هذا النظام منها هذه المرة.

ومن هذا المقام لابد لي أن أسطر إعتراف شخصي وهو بإن أخوتنا في الجنوب اليمني المحتل قد أدركوا مبكرين قبل غيرهم بإن بلادهم تعيش تحت نير هذا النوع من الاحتلال بل وإحتلال متخلف وعقيم أي أنه اسواء من كل أنواع الاحتلال في العالم  واستطاعوا أن يدركوا بذكائهم ومعاناتهم الفارق الكبير بين انواع الاحتلال من تجاربهم التاريخية وهذا الاخير. لذا فأني اذكر كل إخواني اليمنيين في الشمال بإن من يحكمهم هو نفسه الذي يرتكب المجازر في غزة الصمود اليوم ولنا عبرة في صعدة الأبية التي لم يكن صمودها وأنتصارها بأقل من صمود أخواننا في العروبة والإسلام في غزة ، فتأملوا المشهد في غزه إنما هو تكرار لنفس ذلك المشهد في صعدة مع الفارق أن صوت الضمير الشعبي العربي والاسلامي والدولي يتحرك لنجدتهم في حالة غياب كامل في مشهد صعدة.

وعلينا أن نؤكد بإن الحراك الجنوبي هو بارقة الامل الحقيقية لعملية الخلاص والانقاذ وينبغي توسيع رقعته ودعمه بكل الطرق والسبل على أسس وحدوية ليستوعب الشمال اليمني للتخلص من نير الاحتلال الداخلي الغاشم على كل ربوع اليمن. وإنها دعوة مخلصة للمخلصين لإلتقاط فرصة الانتخابات البرلمانية القادمة في اليمن دون التواطؤ للإلتفاف عليها لتقديم شرعية مزيفة لفترة قادمة من إغتصاب الارض والعرض في يمننا العزيز.

أرجوا ألا يصيبنا اليأس ببزوغ هبة قوية تطيح بكل المتنفذين على ساحة وطننا العربي لعله المخرج الوحيد  والمُخلص الوحيد من هذا المحتل الداخلي الذي يتقمص قناع الوطنية ويصلينا نارجهنم ليل نهار ويمنعننا من حق الدفاع عن وجودنا وأطفالنا ونسائنا  فضلاً عن وقوفه حائلأ ضد تطلعاتنا وأمنياتنا الطبيعية في حقنا بالعيش بكرامة.

أبيات من الشعر:

ويلٌ لأمةٍ يحكمها عميل

وتدعو صعلوكها بطل

ويلٌ لأمةٍ تجيد العويل

وتترك دُميا تقود مصير الأزل

[email protected]