الرئيسية - دنيا الإعلام - رسالة مفتوحة إلى القذافي  عن الوحدة  والمصالحة
رسالة مفتوحة إلى القذافي  عن الوحدة  والمصالحة
الساعة 12:00 صباحاً البديل خاصبقلم اسكندر شاهر
 قال تعالى : (الأعراب أشد كفراً ونفاقاً، وأجدر ألاّ يعلموا حدود ما أنزال الله على رسوله والله عليم حكيم) "التوبة :    الأخ قائد ثورة الفاتح العقيد معمر القذافي:قليلون هم العظماء الذين هلك فيهم الناس بين محب غال ومبغض غال ولعل أبرز القادة من هذا النوع في تاريخنا الإسلامي كان أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، والذي قرر في الغلاة من محبيه قراراً حاسماً تسطره كتب التاريخ بأن أحرقهم ولا يزالوا يقولون أنت أحرقتنا فأنت إلهنا -والعياذ بالله- . وأما مبغضيه فإن كانوا أعداء مصارحين قاتلهم بسيفه البتار ذي الفقار ، وإن كانوا أعداء منافقين فقد وهبه الله من العلم والحكمة مايكفي لأن يتدبر شؤونهم فيقضي بقضاء الحق في الأرض الذي يباركه الحق في السماء . لا أعني بهذه التوطئة السقوط أو الإسقاط ، فما تشهده أمتنا من السقوط لم يدع للإسقاط من مكان يذكر ، ولكني أخاطب فيكم القائد الذي تختلف فيه طائفتان من العرب والمسلمين بين مؤيد جازم وبين مبغض ناقم ، ولكل من هؤلاء حيثياته التي غالباً ما تكون مرتكزة على داعم أيدلوجي وسياسي لا تخطئه العين ولا يحار فيه العقل . لقد كان لكم أيها الأخ القائد موقفاً معروفاً وأنتم في ريعان شبابكم من الانفصال الذي أقام الحائط بين مصر وسوريا بعد أن ظنّ بعضُهم أن الوحدة قد هدمته وأنه لم يكن سوى حائل هش وغير عصي وتبين بعد ذاك أنه كان منيعاً وأن منعته لم تكن في وجوده من الأصل وإنما في غياب الأسس السليمة والمتينة التي ينبغي أن تتوافر لتضمن الوحدة أو الاتحاد على أرض صلبة وبإرادة حقيقية .. الشعب مصدرها الأول وملاذها الأخير . لقد سجلتم يومذاك من خلال المظاهرات الطلابية ذات الحس القومي العروبي ضد انفصال  سوريا عن مصر موقفاً رائعاً ينسجم مع تطلعات الشعب العربي في الوحدة القومية التي كان الزعيم الراحل جمال عبد الناصر عرّابها وقائدها من خلال شخصيته الكاريزمية ومواقفه الشجاعة والتفاف الجماهير حوله من المحيط إلى الخليج . على أن الجماهير العربية والقادة العرب وأنتم أبزهم ممن تلقوا بإنصات منقطع النظير الثقافة الناصرية القومية كثيراً ما تجاهلوا ثقافة الاعتذار التي رسخها هذا القائد النوعي والتي كانت ولا تزال تميزه عن غيره ، وهي ثقافة تضيف إلى شخصيته نوعاً مهماً من الشجاعة الأدبية في الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه مهما كان نوعه وحجمه ، هذه الثقافة هي التي دفعت عبد الناصر لإصلاح أخطاء الجمهورية العربية المتحدة والنزول عند رغبة السوريين في فك ارتباطهم بمصر وتقرير مصيرهم عندما أدرك أن الوحدة تمت بغير أسس صحيحة وأن الممارسات كانت تشي بالضم والإلحاق ولا تظهر أي نوع من الشراكة أو المواطنة المتساوية وتكافؤ الفرص وأن ما كان ينقل إليه من تقارير استخباراتية لم تكن معبرة عن واقع الحال بل كانت تقارير مضللة يقف وراءها أفراد يقدمون مصالحهم الضيقة على مصلحة الوطن والأمة .وهي الثقافة ذاتها التي ألزمته بالاعتذار للأمة عن نكسة حزيران 67م وتقديم استقالته لينضم إلى صفوف الشعب مواطناً عادياً ، له مالهم وعليه ما عليهم ، الأمر الذي رفضه الشعب وأعلن تمسكه بقائده الشجاع . ونعرف أن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر أطلق عليكم وصف "أمين القومية العربية" وبذلك أصبحتم وريثاً شرعياً له فيما خص الفكر القومي ومشروع الوحدة العربية وهذا لا يعني فقط الانشغال في إمكانية تحقيق هذه الوحدة على أكثر من صعيد بل يعني أيضاً استقراء التجارب الوحدوية وأسباب فشلها وسبل تعزيز نجاحها والاستفادة من أخطائها وإبداء النصح والمشورة في حال الضرورة ، فهذا الأمر لا يقل شأناً عن الانشغال في تحقيق تجارب وحدوية ، وكلنا نعلم انشغالكم في هذا الهم منذ وصولكم إلى سدة الحكم في الجماهيرية من خلال عدد كبير من المشاريع والتجارب الوحدوية بدءً من ميثاق طرابلس الوحدوي في 27 ديسمبر 1969 بين مصرالسودانليبيا وإعلان القاهرة سنة 70م مروراً باتحاد الجمهوريات العربية 17/4/1971 بين ليبيا ، مصر ، سوريا باعتبارهما النواة الأساسية لتحقيق الوحدة الشاملة . وكذلك تجربة الوحدة الاندماجية بين ليبيا ومصر سنة 1972 . والتجارب أو المحاولات الجزئية الأخرى في 73م والجمهورية العربية الإسلامية في 74م ، وغيرها من المشاريع على نطاق دول عربية إفريقية حتى العام 89م ، وصولاً إلى الدور البارز للجماهيرية في توحيد شطري اليمن . وهذا الموضوع ما سأعمد إلى التوقف عنده في حضرة أمين القومية العربية الذي نأمل أن يعكس ثقافته الناصرية والتحررية والوحدوية والأممية ويقوم بواجبه إزاء الوحدة اليمنية التي تمر اليوم بأسوأ حال لا يمكن قياسها بما مرت به الوحدة المصرية السورية ، وثمة الكثير من المقاربات بين التجربتين فلم يكن ماحصل في سوريا إبان الوحدة أمراً هيناً مما جعل الكثير من السوريين يصفون الوحدة مع مصر نتيجة للممارسات الخاطئة بـ"الاستعمار المصري" .. وها نحن في اليمن نسمع كل يوم عن "الاحتلال الشمالي" ، غير أن الممارسات والسياسات التي اعتمدت بعد حرب 94م مع عامل الزمن عكس الفارق الكبير بين انهيار الوحدة المصرية السورية في عام 61م ، وبين الانهيار الوشيك للوحدة اليمنية .ولعمري لو كان عبد الناصر حياً وشهد ما جرى ويجري في الجنوب منذ حرب 94م وحتى اليوم على يد جحافل الرئيس صالح لامتلك الشجاعة الكافية والمعهودة وطالبه بأن يحمل عصاه ويرحل تماماً كما طالب ذات يوم ومن مدينة تعز الأبية بريطانيا بالرحيل من الجنوب قبل قيام ثورة 14 أكتوبر المجيدة . إن الوحدة الحقيقية التي لامستموها نظرياً دون أن توفقوا إلى ترجمتها عملياً هي تلك المنبنية على رابطة الدم والنسب "الوحدة الاجتماعية" أي وحدة الشعوب لا وحدة الأنظمة وأستطيع الجزم من خلال مشاركتي الشخصية بصفة إعلامي في فعالية سنوية أقمتموها بمناسبة الذكرى المباركة لمولد النبي الأعظم محمد (ص) في المدينة التاريخية (تمبكتو) بجمهورية مالي الإفريقية في العام 2006م أن أضعكم بصورة بعض الأسباب التي تحول دون قدرتكم على ترجمة نظرياتكم الاستثنائية والعظيمة إلى واقع ملموس ومن هذه الأسباب سوء التنظيم ، والأهم سوء الاختيار الذي يشمل اختيار المشاركين وفئاتهم ومواقعهم في بلدانهم فضلاً عن خلفياتهم الأيدلوجية والسياسية والتي تتعارض مع فكركم ونهجكم وجُلّها معادية لفكركم من الأصل مما يعني أنكم وقعتم ضحية المزدوجين ولعل هذا الأمر أكثر وضوحاً وجلاء في المثال اليمني المعروف بأن قيادته مرتهنة لجارتنا الكبرى وبنيته القبلية التي يعتمد في وجوده وبقائه عليها مرتهنة هي الأخرى بالكامل لنفس الجهة ، والاعتماد عليهم لا يعني سوى التعويل على عناصر معادية لفكركم ونظامكم ولشخصكم أيضاً وإن ادعوا أنهم أبناؤكم وأنصاركم وعشاقكم وجلهم من الأعراب الأشد كفراً ونفاقاً. ولعل هذا ما يفسر الإخفاق الذي وقعتم به وعدم تحقيق خطوات عملية في اتجاه مشاريعكم الوحدوية الشعبية الكبرى في مقابل نجاحات –بمنظروهم- ملموسة تحصدها جارتنا على حساب تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا . ولا يخفى على قائد يجيد قراءة التاريخ ويتفهم خصائص الجغرافيا هذه الحقائق -وقد استمعت إلى خطبة مباشرة ألقيتموها علينا وكانت ارتجالية وحافلة بالدروس والقيم والمعاني التاريخية والإنسانية والإسلامية- وأعتقد أن من بين الحقائق التي ينبغي أن تكونوا قد تفهمتموها كقائد تاريخي أن الأعراب في اليمن ممن انخرطوا في المشروع السعودي إبان الثورة في مقابل الأحرار الذين التفوا حول القائد العربي جمال عبد الناصر أثناء ثورة 26 سبتمبر 1962م لتحرير اليمن من النظام الإمامي بمجرد أن تأخر عنهم (الصرف) أي (الدعم المالي السعودي) أكثر مما ينبغي ، انقلبوا على السعودية التي كانت تدعم حينها الملكية وتجمهروا مع الجمهوريين ، وكان لديهم الاستعداد للانقلاب مجدداً مع الملكية لو استمرت المعارك ووصل الدعم السعودي فماذا نسمي هؤلاء .. ملكيون أم جمهوريون أم منافقون؟! . وماذا لو علمتم أن من يصلكم في وفود متتابعة لتلقي دعمكم غير الممنهج وغير المدروس ينتمون إلى هذه الطائفة من الأعراب ؟! ، فانظروا أين "ترقص" أموال الشعب العربي الليبي العظيم وهو أحوج ما يكون اليوم إلى ثرواته التي يذهب بها الأعراب إلى أماكن لو خبرتم مصيرها لأدركتم السر في مواقف الرسول الأعظم (ص) من الأعراب المنافقين من حلفاء يهود بني قريضة وبني قينقاع وبني النظير في دولة المدينة المنورة. إننا نعلم أنكم تضعون الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي في مصاف القادة التقدميين الكبار الذين خسرتهم اليمن والأمة العربية ونعرف أنكم تضعون صورته مع كوكبة من الأبطال الذين داروا في فلك عبد الناصر وفكره ومشروعه الكبير وكان لهم بصماتهم الخاصة بهم ولهم مشروعاتهم الوحدوية العظيمة ، وقد كان استشهاد الرئيس الحمدي قبل يوم واحد على زيارة كانت مقررة إلى عدن لتوقيع اتفاقية وحدوية ، ولا شك أنكم تعلمون أن الحمدي دفع حياته ثمناً لمشروعه الذي شكل تهديداً خطيراً للقوى التقليدية المتمثلة بالمنافقين الأعراب من المشائخ المرتهنين للخارج ، فماذا لو علمتم أن الوفود المتتابعة المزدوجة التي تصلكم لتتلقى دعمكم غير المدروس هي ذاتها القوى التي قتلت الحمدي وقتلت اليمن ولا تزال تقتله كل يوم.ولئن أتاكم بعض من هذه القوى بخطاب مستعار من خطاب الحمدي فلا تعجبن من ذلك فهنا يتحقق المضمون والمراد من قوله تعالى (الأعراب أشد كفراً ونفاقاً) . كما أن الوحدة التي تنشدونها من خلال رابطة الدم والنسب والقبيلة لا يحققها هؤلاء المرتهنون بل يحققها كل من يشعرون حقاً بمعنى الانتماء وهذا الشعور لا يمكن أن ينهض به المرتهنون بل أبناء القبيلة والمدينة البدو والحضر من المتعلمين والمثقفين والمتعطشين لمشروع الدولة لمشروع الحمدي لا لمشروع قتلته. إن واجب الوفاء للشهيد البطل إبراهيم الحمدي يقتضي الكف عن دعم قتلته وأعدائه وأعداء مشروعه النهضوي الموؤود. واعلموا أن الدعم الذي تتلقاه هذه القوى منكم أو من جهات محسوبة عليكم يعمل على توسيع محور الشر في اليمن و يقوض جهود الخيريين والتقدميين والراغبين في الانعتاق من نظامنا المرتهن والفاشل نحو الدولة اليمنية المنشودة والوحدة الحقيقية المرتجاة ، وأعتقد أن القوى التحررية والتقدمية في بلادنا وهي تأمل توقف الدعم لخصومها من الأعراب المنافقين لا تنشد دعماً أكثر من التوقف عن دعم هؤلاء ولا ترغب أن تحل بديلاً عنهم في هذا الاتجاه وفي الوقت نفسه تؤيد بقوة حركتكم الكثيفة إفريقياً فلا يزال هناك الكثير مما ينبغي فعله في اليمن وبلاد العرب حتى يستقيم العود فيستقيم الظل .  لقد استبشرنا خيراً عندما جمعكم هامش قمة الدوحة الأخيرة بأخيكم اللدود الملك عبد الله بن عبد العزيز على خطى المصالحة العربية التي لم ترق ولن تروق للمتسولين من الأعراب المنافقين ، واستبشرت قوى التحديث في اليمن على وجه الخصوص الخير الكثير ظناً منها أن هذه المصالحة ستحدّ من الانتشار السرطاني لقوى التخلف من الأعراب المنافقين والمشائخ القبليين الذين استفادوا من خلافكم التاريخي (كمشروعين متناقضين) و(خلافكم الشخصي) ووظفوه أسوأ توظيف لمصالحهم الضيقة وبالمال السعودي والليبي على حساب حاضر بلادنا ومستقبلها وعلى حساب جيل برمته غير أننا لم نلمس تغيراً ملحوظاً في هذا الاتجاه ونأمل أن تتحول المصالحة من طورها الشكلي إلى طورها العملاني ، فلا عجب لو أكدنا بأن خلافكم ذاك ومالكم ذاك قد أخّر عملية التحديث في بلادنا جيلاً كاملاً وقدم لقوى التخلف دفعة قوية في طريق مشروع خراب اليمن وارتهانه ، وذلك بعيداً عن الاختلاف الجوهري الذي ندركه ونقدره جيداً في المرتكزات بين مشروعكم الحقيقي ومشروعهم التلفيقي ، ولكننا من حيث النتيجة لا نحصد إلا الحصاد المر الذي سئمناه ، والذي نأمل تغييره ، ولا شك أن بلوغ التغيير يحتاج إلى مراجعات كبيرة بحجم الأخطاء وبحجم السلبيات التي وقعت ، ولنا في ثقافة المراجعة والاعتذار التي جسدها القائد التاريخي جمال عبد الناصر خير مرتكز نبني عليه ولنا فيكم خير مثل في تحويل ذلك المرتكز إلى واقع ملموس وحقيقة ماثلة .          (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ) [email protected]