شريط العناوين
الارياني: مليشيا الحوثي تحاول جر اليمن لحروب لا طائل منها وتحويل صنعاء إلى نسخة من "الضاحية الجنوبية" "سلمان للإغاثة" يوزع مساعدات إيوائية طارئة في شبوة تعادل الكويت مع عمان بهدف لمثله في أولى مباريات خليجي 26 الفريق القانوني المساند لمجلس القيادة يعقد اجتماعه الأول في عدن أجهزة الأمن بشبوة تفكك عبوة ناسفة زرعت لاستهداف قوات الجيش والأمن مصدر مسؤول: سفارة اليمن في دمشق ستستأنف عملها بمجرد استعادة مقرها اجتماع يناقش المشاركة في مباحثات مجلس الأعمال اليمني - السعودي في مكة ارتفاع حصيلة عدوان الاحتلال الاسرائيلي على غزة إلى 45,227 شهيدا اليمن يشارك في حفل افتتاح بطولة كأس الخليج بنسختها الـ٢٦ في الكويت إصابة مدني بانفجار لغم من مخلفات المليشيات الحوثية الارهابية شمالي الجوف
الأحد 22 ديسمبر 2024 م
الملك فيصل بن عبد العزيز {الأضواء والظلال }
2010/01/19
الساعة 12:00 صباحاً
البديل خاص بقلم الأستاذ عمرو صابح
الملك فيصل بن عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود هو ثالث ملوك المملكة العربية السعودية تولى الحكم من سنة 1964 إلى سنة 1975
والصورة الذهنية لدى قطاعات عديدة من الشعوب العربية و الإسلامية عن شخصية الملك الراحل وسياساته تصوره كزعيم عربى و إسلامى مهموم بقضايا أمته شديد الورع والتدين ، كما أنه لعب دور كبير فى دعم انتصار العرب فى حرب أكتوبر 1973 بقراره بخفض انتاج البترول ثم الحظر البترولى الشامل على الولايات المتحدة الأمريكية
كما يعتقد الكثيرون ان اغتياله على يد ابن أخيه الأمير فيصل بن مساعد تم بتدبير المخابرات المركزية الأمريكية إنتقاما منه لإستخدامه سلاح البترول فى حرب أكتوبر 1973 ، فى هذه الدراسة وعبر إعادة قراءة لمجموعة من الوثائق سنراجع دور الملك فيصل منذ توليه الحكم وحتى إغتياله ، لنرى هل الصورة الشائعة عن الملك بكل أضواءها الساطعة هى كل الحقيقة أم أن هناك ظلال مظلمة لا تبين وسط كل هذه المساحة من الضوء التى يعتقد فيها الكثيرون
توترت العلاقات المصرية السعودية منذ عقد الرئيس عبد الناصر لصفقة الأسلحة التشيكية عام 1955 ، التى رأى فيها الملك سعود تعاون مع الشيوعيين الملحدين ، واستفزارا للغرب ، ثم جاء قرار تأميم الرئيس عبد الناصر لشركة قناة السويس فى 26 يوليو 1956 دون إخطار الملك سعود بن عبد العزيز ، الذى أيد القرار وان أغضبه إخفاء الرئيس عبد الناصر لنواياه عنه ،كما أقلق الملك سعود التحالف مع زعيم راديكالى يعادى الغرب بهذه الطريقة التى أعتبرها الملك سعود متهورة ، وعمل الأمريكيون على زيادة الجفوة المصرية السعودية عبر خطتهم الرامية إلى جعل الملك سعود منافسا للرئيس عبد الناصر على استقطاب حب الشعوب العربية حتى يقف أمام النفوذ المتصاعد للرئيس عبد الناصر وأفكاره وسياساته فى العالم العربى ، ولكن هذه الخطة فشلت بإعتراف الرئيس الأمريكى إيزنهاور فى مذكراته ، وفى ربيع عام 1957 أحبطت أجهزة الأمن المصرية محاولة إنقلاب دبرها الملك سعود مع بعض ضباط الجيش المصرى، مما سبب المزيد من سوء العلاقات بين البلدين ، وجاءت الوحدة المصرية السورية فى فبراير 1958 لتسبب أزمة أكثر حدة فى العلاقات المصرية السعودية فقد أبدى الملك رفضا قاطعا للوحدة ورأى فيها تعاظما لنفوذ مصر الإقليمى والدولى ، وحاول إفشالها بكل الطرق قبل أن تتم رسميا عبرمحاولة إغتيال الرئيس عبد الناصر مرتين ، الأولى جاءت عبر تقديم رشوة إلى عبد الحميد السراج مدير المكتب الثانى فى سوريا بلغت 12 مليون جنيه إسترلينى ، والذى جارى المتأمرين وحصل منهم على شيكات من المبلغ المرصود للمؤامرة ثم أبلغ الرئيس عبد الناصر بكل تفاصيل المؤامرة التى أذاعها الرئيس فى خطاب علنى من شرفة قصر الضيافة فى دمشق لشعب الجمهورية العربية المتحدة ، والثانية عبر محاولة تفجير طائرة الرئيس عبد الناصر فى الجو يوم قدومه إلى دمشق لأول مرة كرئيس للجمهورية العربية المتحدة ، عقب الكشف عن تلك المؤامرات حدثت تداعيات داخل المملكة العربية السعودية فقد خول الملك سعود معظم صلاحياته لشقيقه و ولى عهده الأمير فيصل ، وظلت الأوضاع متوترة بين الشقيقين حتى ديسمبر 1960 عندما أستطاع الملك سعود إستعادة بعض صلاحيات منصبه وشكل وزارة جديدة فى 22 ديسمبر 1960 ، وإن ظل الصراع مكتوما بين سعود وفيصل على السلطة خاصة أن الأمير فيصل هو الذى أمسك بملف العلاقات السعودية مع الغرب ومع شركات البترول وهو أهم ملفات الحكم فى السعودية
، ثم جاءت مؤامرة الانفصال فى 28 سبتمبر 1961 والتى مولها الملك سعود بتخطيط أمريكى ومساعدة من الملك الأردنى حسين لتشكل ضربة جديدة وقاتلة للعلاقات المصرية السعودية لحقها فى شهر يوليو 1962 محاولة جديدة مولها الملك سعود بمشاركة مجموعة من المصريين لنسف المنصة التى كان مقررا أن يلقى الرئيس عبد الناصر منها خطابه فى العيد العاشر للثورة بميدان عابدين وقد تم اكتشاف العملية واكتشف سلاحها وهو قنبلة موقوتة قبل ساعات من موعد بدء الخطاب ، وفى 26 سبتمبر 1962 تندلع الثورة اليمنية ورغم النزاعات الدموية التاريخية و الخلافات الحدودية بين أسرة حميد الدين فى اليمن و الأسرة الحاكمة السعودية ، فقد وقفت السعودية بضراوة ضد الثورة اليمنية وعملت على إجهاضها وتبنت الأمير البدر باعتباره امام اليمن كما قامت بتمويل القبائل اليمنية بالكميات اللازمة من السلاح والذهب وبالفعل يسقط العقيد على عبد المغنى أحد أهم قادة الثورة اليمنية وهو يدافع عن مدينة صعدة اليمنية ضد هجوم قبلى سعودى يمنى ، وتتحالف السعودية مع بريطانيا التى كانت تحتل جنوب اليمن ويقابل الأمير فيصل بن عبد العزيز ( ولى العهد والحاكم الفعلى للسعودية ) السير دوغلاس رايت رئيس جهاز المخابرات البريطانى الذى يقول للأمير ( إن نجاح الكولونيل ناصر فى الحصول على موطئ قدم لمشروعاته الانقلابية فى الجزيرة العربية ، وهى أهم مصادر البترول واحتياطاته فى العالم ، هو نذير شؤم يجب أن تتعاون الأطراف كلها ، ممن لهم مصلحة فى ذلك على مقاومته ودحضه)
وبالفعل يبدأ تعاون سعودى أردنى رغم الحساسيات السعودية الهاشمية بالإشتراك مع بريطانيا التى أقلقها ما أعتبرته مشروعات ناصر المستمرة لطردها من أخر معاقلها شرق السويس ، وتكاد الثورة تجهض لولا طلبها المساعدة من القاهرة وبالفعل بدأ وصول القوات المصرية إلى اليمن للدفاع عن الثورة اليمنية وينجح عبد الناصر فى الحصول على إعتراف الولايات المتحدة بحكومة الثورة فى اليمن فى 19 ديسمبر 1962 مقابل أن يتم سحب كل القوات المساندة للثورة والمساندة للإمام من اليمن وتقدم الحكومة الأمريكية معونات للحكومة الجديدة فى اليمن ، رفضت السعودية الاتفاق وواصلت دعمها للقبائل الموالية لحكم الامام ، وتعرض الرئيس كنيدى لضغوط شديدة متعددة من شركات البترول والبنوك الأمريكية إلى جانب الحكومة البريطانية بسبب أعترافه بالنظام الجديد فى اليمن لخطورة ذلك على أوضاع النظام الحاكم فى السعودية وبالفعل تم عمل خطة سميت ( السطح الصلب ) تتعهد فيها الولايات المتحدة بضمان أمن وسلامة النظام السعودى والأراضى السعودية ،وبالأموال السعودية ومع مساندة بريطانية ومن شركات البترول الأمريكية تم تشكيل تحالف دولى لتجنيد مرتزقة من كل أنحاء العالم وشراء أسلحة للقتال فى اليمن ضد القوات المصرية التى تدافع عن الثورة كما دخلت المخابرات الأمريكية بثقلها إلى ساحة المعركة المحتدمة فى اليمن وأصبحت الحدود السعودية اليمنية مناطق حشد لنقل السلاح والذخيرة والمقاتلين المرتزقة إلى اليمن وتحولت الحرب إلى عملية إستنزاف طويلة بين الجانبين المتصارعين ، ظل الصراع على السلطة محتدما بين سعود و فيصل حتى تم حسم الأمر فى 29 مارس 1964عندما أصدر العلماء والأمراء السعوديون قرار موحداً حول تسليم السلطة بأكملها للأمير فيصل بن عبد العزيز على أن يبقى سعود ملكاً بالاسم فقط ، بينما يتولى فيصل تصريف أمور العرش والمملكة بالفعل ، وأستمرهذا الوضع حتى يوم 2 نوفمبر 1964 عندما تم عزل الملك سعود عن العرش ، وتنصيب فيصل بن عبد العزيز ملكا للمملكة العربية السعودية
نعرض الأن أول وثيقة تخص موضوعنا هذه الوثيقة منشورة فى كتاب المفاوضات السرية بين العرب و إسرائيل – الجزء الثانى – للأستاذ محمد حسنين هيكل
سجل السفير الأمريكى فى جدة ( باركر هارت ) فى برقية إلى وزارة الخارجية الأمريكية ( وثيقة رقم 36651/43 بتاريخ 19 أغسطس 1964 ) محضر مقابلة جرت بينه و بين الملك ( فيصل بن عبد العزيز )
يقول السفير الأمريكى :
اتصل بى البروتوكول صباح أمس لإبلاغى أننى مطلوب فى الطائف فى الساعة 4:15 ولم يعطنى البروتوكول أى إيضاحات فيما عدا أن هناك طائرة سوف تحملتى إلى الطائف بعد الظهر استقبلنى الملك فيصل فى قصر الشبرة فى الساعة التاسعة مساء فى حضور السقاف و فرعون ، و قال الملك إن هناك شيئا حدث وهو يريد إخطارى به بنفسه كصديق شخصى لى و كممثل لبلد صديق له و لأسرته ، ثم قال الملك إنه خلال يومين سابقين ( يومى 13 و 14 أغسطس ) قامت ثلاث طائرات مصرية بإختراق المجال الجوى السعودى جنوب شرق جيزان فوق مناطق قبائل الحارث و أبو عريش ، وإن هذه الطائرات قامت بعدة دورات على ارتفاعات منخفضة فى محاولة ظاهرة للاستفزاز ، كما أن لديه معلومات من داخل اليمن تؤكد أن هناك قوات مصرية تتحرك صوب الحدود السعودية ، وقد حاولت أن أسأل الملك بإلحاح عن تفاصيل أكثر بشأن هذه المعلومات ، ولم يكن لديه شئ لا عن حجم هذه القوات و لا عن تسليحها و لا عن مواقعها ، و قد قال الملك إن هذه التطورات تثير فى ذاكرته ما سبق أن سمعه عن مؤامرة بين مصر و العراق و الأردن ( ! ) لغزو و تقسيم بلاده على النحو التالى : حسين يأخذ الحجاز ، والعراق تأخذ المقاطعة الشرقية ، واليمن تأخذ الجنوب ، و باقى المملكة يدخل تحت سيطرة ناصر
قال لى الملك أيضا إن ناصر أوحى إلى صديقه الصحفى هيكل بأن ينشر خطة عن منظمة عربية للبترول ، ثم أضاف إن السعودية محاصرة ، وقد لا تكون السعودية دولة كبيرة أو قوية ، ولكنها دولة تريد أن تحتفظ بأراضيها و شرفها ، و إذا كان ناصر كما هو واضح يريد أن يضع يده على المملكة متصورا أن ( فيصل ) سوف يقف ساكتا فى انتظار أن يخنق ، فهو مخطئ فى ذلك ، وأشار الملك إلى أنه سوف يقاوم عسكريا ، و هو قد أتخذ عدة قرارات يريد أن يبلغنى بها الأن :
1 - قرر أن يدخل أسلحة إلى المنطقة المنزوعة السلاح على حدود اليمن وقد أصدر أمرا فعلا بذلك
2 - إنه أعطى أوامر بالفعل إلى قواته أيضا بأن تحتشد على حدود اليمن لتكون فى وضع يسمح لها بأن تدافع عن السعودية
3 - وهو الأن لا يعتبر نفسه مرتبطا باتفاق فصل القوات فى اليمن ، وسوف يساند الملكيين بأى طريقة يراها مناسبة
إننى أبديت دهشتى للملك ، كما أبديت له إستغرابى لكل ما قاله عن الاتفاق الثلاثى بين مصر و العراق و الأردن
، ثم أطلعنى الملك على تقرير مخابرات سعودى يحوى معلومات عن أن ضباطا من الجيش المصرى رتبوا عملية لقتل ناصر يوم 26 يوليو ، وأضاف الملك ( أن ناصر مريض جدا ) ، ثم أمر بإخلاء القاعة من كل الحاضرين عداه و عداى ، وأنتهزت الفرصة ورجوت الملك ألا يبعث بقوات إلى حدود اليمن ، وأن يحتفظ بما يشاء من قوات فى أوضاع تأهب فى أى مكان يراه بعيدا عن الحدود ، فتدخل الملك بحدة قائلا ( أخرجوا القوات المصرية من اليمن و سوف ينهار هذا النظام الذى يدعون بمساعدته فى شهر أو اثنين على أكثر تقدير
ثم استجمع الملك حيويته ليقول لى ( إنكم يجب أن تبذلوا أقصى جهد للخلاص من هذا الرجل الذى يفتح الطريق للتسلل الشيوعى ) ، وكان يعنى ( ناصر ) ثم قال لماذا تصبرون عليه ؟ ألا ترون أنه لا يكف عن مهاجمتكم يوميا ، مرة بسبب فيتنام ، ومرة بسبب كوبا ، ومرة بسبب الكونجو ؟ ما الذى يخصه فى الكونجو ؟ إن مقترحاته بشأن نزع السلاح فى جنيف جاءته مباشرة من فى شكل تعليمات من موسكو ، و أبديت تحفظى ولكن الملك كان لا يزال يصر على أن ( ناصر ) يعادينا و يخدعنا ، وإننا مازلنا نحاول إسترضاؤه ، وذكرته أننا عطلنا توريد القمح إلى مصر طبقا للقانون 480 عقابا لناصر على سياسته ، وعقب الملك أوقفوا عنه الطعام تماما وسوف ترون ما يحدث
يقول الأستاذ هيكل ان هذه المقابلة كانت غريبة وفاقدة للمصداقية فضلا عن طلب الملك ( تجويع المصريين ) ، لأن الأردن كان حليفا للسعودية فى حرب اليمن ، ويضيف ان إسرائيل أيضا كانت تشجع التحالف المساند للملكيين فى اليمن ولعبت دور فى العمليات العسكرية أطلق عليه الأسم الكودى ( مانجو ) حيث أشتدت حاجة قوات المرتزقة فى اليمن إلى مؤن و ذخائر تلقى على مواقعهم من الطائرات بالباراشوت وقد قام الطيران الإسرائيلى بهذا الدور ، وإثر رصد المخابرات المصرية لتطور الأوضاع فى ساحة الحرب اليمنية ومدى تشابك المصالح والقوى الدولية التى تلعب على وتر إطالة الحرب فى اليمن من أجل إستنزاف القوات المصرية هناك وإستنزاف الأموال السعودية ، قرر الرئيس عبد الناصر أن يزور السعودية فى أغسطس 1965 لأداء العمرة ومقابلة الملك فيصل للوصول إلى حل فى اليمن وفى 22 أغسطس 1965 وصل الرئيس عبد الناصر إلى جدة وحاول إقناع الملك إن مصر لا تريد قلب النظام فى السعودية ولا تهدف لفرض سياستها على السعودية ، كما قدم له وثائق عن تجنيد المرتزقة وتجارة السلاح وتجار الحروب الذين وجدوا فى حرب اليمن سوق لكسب الأموال وإهدار القوة العربية ، وتوصل الزعيمان يوم 24 أغسطس إلى ما عرف بعد ذلك بأسم اتفاقية جدة التى قررت أن يتم عمل إستفتاء للشعب اليمنى يقرر فيه نظام الحكم الذى يرتضيه فى موعد أقصاه 23 نوفمبر 1966 وتعتبر الفترة الباقية حتى موعد الإستفتاء فترة انتقالية للإعداد له ، لم يتم تنفيذ بنود الاتفاقية بسبب تراجع الملك فيصل عن الإلتزام بها ، ويصرح الرئيس عبد الناصر ( بأنه لا فائدة ترجى من اللقاء مع الرجعيين ، بعد كل ما رأه وسمعه فى السياسات السلمية السابقة التى مارسها ازاءهم فى اللقاءات والمؤتمرات ) ، وفى 21 يونيو 1966 وصل الملك فيصل فى زيارة إلى الولايات المتحدة وسبقته مجموعة المقدمة السعودية التى أوضحت للمسئولين الأمريكيين ان المشكلة بالنسبة للسعودية ليست إسرائيل ، وأن الخطر الحقيقى هو حركة القومية العربية كما تمثلها القاهرة ، وأن السعودية ماضية فى تنفيذ فكرة المؤتمر الإسلامى كبديل للجامعة العربية ، خلال الزيارة ألتقى الملك فيصل بالرئيس الأمريكى جونسون لمدة نصف ساعة فى اجتماع منفرد لم يحضره معهما إلا مترجم من المخابرات الأمريكية وليس وزارة الخارجية كما جرت العادة ، وقد أذيع تصريح بعد الاجتماع المنفرد جاء فيه ( إن تدهور الأوضاع فى اليمن بعد تعثر اتفاق جده وفشله قد جرى بحثه بين الرئيس والملك ، وأن الرئيس قدم للملك تعهد الولايات المتحدة بأن السعودية تستطيع الاعتماد على صداقة أمريكا مهما كانت تطورات الأمور فى اليمن)
نصل الأن إلى الوثيقة الثانية وهى رسالة منشورة فى كتاب ( عقود من الخيبات ) للكاتب حمدان حمدان الطبعة الأولى 1995 عن دار بيسان على الصفحات من 489 - 491
أرسلها الملك فيصل إلى الرئيس جونسون ( وهى وثيقة حملت تاريخ 27 ديسمبر 1966 الموافق 15 رمضان 1386 ، كما حملت رقم 342 من أرقام وثائق مجلس الوزراء السعودى ) وفيها يقول الملك العربى ما يلى: -
من كل ما تقدم يا فخامة الرئيس ، ومما عرضناه بإيجاز يتبين لكم أن مصر هى العدو الأكبر لنا جميعا ، وأن هذا العدو إن ترك يحرض ويدعم الأعداء عسكريا وإعلاميا ، فلن يأتى عام 1970 – كما قال الخبير فى إدارتكم السيد كيرميت روزفلت – وعرشنا ومصالحنا فى الوجود
لذلك فأننى أبارك ، ما سبق للخبراء الأمريكان فى مملكتنا ، أن اقترحوه ، لأتقدم بالاقتراحات التالية : -
- أن تقوم أمريكا بدعم إسرائيل بهجوم خاطف على مصر تستولى به على أهم الأماكن حيوية فى مصر، لتضطرها بذلك ، لا إلى سحب جيشها صاغرة من اليمن فقط ، بل لإشغال مصر بإسرائيل عنا مدة طويلة لن يرفع بعدها أى مصرى رأسه خلف القناة ، ليحاول إعادة مطامع محمد على وعبد الناصر فى وحدة عربية
بذلك نعطى لأنفسنا مهلة طويلة لتصفية أجساد المبادئ الهدامة، لا فى مملكتنا فحسب ، بل وفى البلاد العربية ومن ثم بعدها ، لا مانع لدينا من إعطاء المعونات لمصر وشبيهاتها من الدول العربية إقتداء بالقول ( أرحموا شرير قوم ذل ) وكذلك لإتقاء أصواتهم الكريهة فى الإعلام
- سوريا هى الثانية التى لا يجب ألا تسلم من هذا الهجوم ، مع إقتطاع جزء من أراضيها ، كيلا تتفرغ هى الأخرى فتندفع لسد الفراغ بعد سقوط مصر
- لا بد أيضا من الاستيلاء على الضفة الغربية وقطاع غزة ، كيلا يبقى للفلسطينيين أي مجال للتحرك ، وحتى لا تستغلهم أية دولة عربية بحجة تحرير فلسطين ، وحينها ينقطع أمل الخارجين منهم بالعودة ، كما يسهل توطين الباقى فى الدول العربية
- نرى ضرورة تقوية الملا مصطفى البرازانى شمال العراق ، بغرض إقامة حكومة كردية مهمتها إشغال أى حكم فى بغداد يريد أن ينادى بالوحدة العربية شمال مملكتنا فى أرض العراق سواء فى الحاضر أو المستقبل،
علما بأننا بدأنا منذ العام الماضى (1965) بإمداد البرازانى بالمال و السلاح من داخل العراق ، أو عن طريق تركيا و إيران
يا فخامة الرئيس
إنكم ونحن متضامين جميعا سنضمن لمصالحنا المشتركة و لمصيرنا المعلق ، بتنفيذ هذه المقترحات أو عدم تنفيذها ، دوام البقاء أو عدمه
أخيرا
أنتهز هذه الفرصة لأجدد الإعراب لفخامتكم عما أرجوه لكم من عزة ، و للولايات المتحدة من نصر وسؤدد ولمستقبل علاقتنا ببعض من نمو و ارتباط أوثق و ازدهار
المخلص : فيصل بن عبد العزيز
ملك المملكة العربية السعودية
عندما نشرت مقالى عن ( غياب عبد الناصر هل كان صدفة ؟) نشرت تلك الوثيقة ضمن المقال الذى كان يبحث لغز وفاة الرئيس عبد الناصر عام 1970 ، وتفضل الأستاذ محمد الشرقاوى محرر موقع الفكر القومى العربى بنشرمقالى ، ثم أرسلت الوثيقة فقط إلى الأستاذ محمد الشرقاوى تحت عنوان ( وثائق فى الطريق إلى 5 يونيو 1967 ) فنشرها على موقع الفكر القومى العربى وموقع منتديات الفكر القومى العربى ، وعندما قرأها السيد ( سامى شرف ) سكرتير الرئيس عبد الناصر للمعلومات ووزير شئون رئاسة الجمهورية الأسبق قام بكتابة هذا التعليق عليها وهو تعليق منشور فى موقع منتديات الفكر القومى العربى :
(كنت فى زيارة لإحدى البلدان العربية الشقيقة سنة 1995 وفى مقابلة تمت مع رئيس هذه الدولة تناقشنا فى الأوضاع فى المنطقة وكيف أنها لا تسير فى الخط السليم بالنسبة للأمن القومى وحماية مصالح هذه الأمة واتفقنا على انه قد حدث ذلك منذ ان سارت القيادة السياسية المصرية بدفع من المملكة النفطية الوهابية والولايات المتحدة الأمريكية على طريق الاستسلام وشطب ثابت المقاومة من ابجديات السياسة فى مجابهة الصراع العربى الصهيونى ، ولما وصلنا لهذه النقطة قام الرئيس العربى إلى مكتبه وناولنى وثيقة وقال لى يا أبوهشام أريدك ان تطلع على هذه الوثيقة وهى أصلية وقد حصلنا عليها من مصدرها الأصلى فى قصر الملك فيصل ولما طلبت منه صورة قال لى يمكنك أن تنسخها فقط الآن على الأقل وقمت بنسخها ولعلم الأخوة أعضاء المنتدى فهى تطابق نص الوثيقة المنشورة فى هذا المكان وقد راجعت النص الموجود لدى بما هو منشور أعلاه فوجدتهما متطابقين ،أردت بهذا التعليق أن أؤكد رؤية مفادها ان عدوان 1967 كان مؤامرة مدبرة وشارك فيها للأسف بعض القادة العرب وقد يكون هناك ما زال بعد خفيا عنا مما ستكشفه الأيام القادمة)
( أنتهى تعليق السيد سامى شرف على الرسالة / الوثيقة )
وبقراءة دقيقة للوثيقة يمكننا ملاحظة التالى :
.................................................. ...
- الخطة التى يقترحها الملك السعودى للعمل ضد الدول العربية تكاد تكون هى خطة الحرب الإسرائيلية فى يونيو 1967م
- زوال العرش السعودى عام 1970م إذا استمرت خطط جمال عبد الناصر واستمرت قواته فى اليمن ، والجدير بالملاحظة أن عبد الناصر هُزم عسكريًا عام 1967 م وتوفى عام 1970م.
- فى الوثائق الإسرائيلية الخاصة بحرب يونيو 1967 والتى قام بترجمتها ونشرها الأستاذ محمد حسنين هيكل فى كتابه ( عام من الأزمات ) ، أن الرئيس الأمريكى ليندون جونسون فى مايو 1967 وبعد أن تم تجهيز كل الخطط لضرب مصر ، أراد أن يستوثق من احتمالات غضب الشارع العربى على العروش العربية فى حالة شن إسرائيل الحرب على مصر وقد أستقر رأيه بعد التشاور مع مساعديه على التوجه بالسؤال مباشرة إلى ملكين فى المنطقة تعتبر الولايات المتحدة عرشهما مسألة هامة لأمنها القومى ، الملك حسين بن طلال فى الأردن ، و الملك فيصل بن عبد العزيز ، وبالفعل قابل روبرت كومار مساعد الرئيس جونسون الملك حسين فى عمان يوم 28 مايو 1967 ، كما توجه ريتشارد هيلمز مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لمقابلة الملك فيصل بن عبد العزيز فى نفس اليوم فى لندن التى كان الملك فيصل فى ويارة رسمية لها من أجل تخيير الحكومة البريطانية بين حلين : 1 – تأجيل تنفيذ سياسة الانسحاب من شرق السويس ، واستمرار بقاء القوات البريطانية فى المنطقة لسنة كاملة على الأقل حتى يتمكن الجميع من ترتيب أوضاعهم ، وإلا فإن إتمام الانسحاب البريطانى فى المواعيد المعلنة ( عام 1968 كما أعلن رسميا من مجلس العموم البريطانى ) سوف يخلق فراغا يملؤه الجيش المصرى و يدخل إلى عدن ذاتها ، 2 - أن تبذل الحكومة البريطانية مساعيها لإقامة تجمع يضم كل دول شبه الجزيرة العربية و الخليج لكى يكون للمنطقة تجمع إقليمى تتمايز به عن الجامعة العربية ، ويكون للسعودية فيه دور مؤثر يوازى الدور المصرى فى جامعة الدول العربية التى يوجد مقرها فى القاهرة
- تمت المقابلة بين الملك فيصل و ريتشارد هيلمز يوم 29 مايو 1967 فى جناح الملك فى فندق دورشستر وحضرالمقابلة بين الملك وهيلمز السيد كمال أدهم مستشار الملك الخاص ومدير المخابرات السعودية وشقيق زوجته الملكة ( عفت ) ، أستمر الاجتماع من العاشرة مساء وحتى الثانية صباحا وقد تم تأمين مكان الاجتماع بواسطة خبراء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ، وعاد هيلمز عقب الاجتماع إلى واشنطن لاخطار الرئيس الأمريكى بما دار مع الملك
- يقول الأستاذ هيكل فى كتابه ( عام من الأزمات ) أنه فى ربيع عام 1985 تقابل مع السيد كمال أدهم فى بيته فى لندن وسأله عن لقاء الملك فيصل بريتشارد هيلمز يوم 29 مايو 1967 ، وهل كان الملك يعرف بالتدابير الأمريكية والإسرائيلية لمصر و لجمال عبد الناصر ؟ ورد عليه السيد كمال أدهم قائلا ( أسمع لست سياسيا مثل الأخرين أقول أى كلام و السلام ، ما سألتنى فيه لن أرد عليه ، ولكنى أريدك أن تعلم ، و أنا أقولها لك بمنتهى الصراحة ، صديقك الرئيس جمال كان فى مواجهة مفتوحة و عنيفة ضد المملكة ، والمعركة كانت سياسية و نفسية وأخيرا أصبحت عسكرية فى اليمن ، والملك فيصل مسئول عن مملكته ، مسئول أمام أسرته ، مسئول أمام أخوته و أبنائه يسلم لهم الأمانة كاملة كما استلمها ، واجبه واضح أمام العرش و الأسرة ، و عليه أن يتصرف بما يحقق ( المصلحة ) وهذا هو كل شئ وليس هناك شئ أخر، لا تستطيع أن تسائل الملك فيصل إلا فيما هو مسئول عنه ( العرش و الأسرة ) ، وهل نجح فى حمايتهما طوال حكمه أم لم ينجح ؟ و هل كانت المملكة أقل أو أكثر استقرارا عندما تركها عما كانت عليه عندما تسلمها ؟هذا هو المحك ، كان الخطر الأكبر علينا أيام ملكه هو صديقك الرئيس جمال وبالنسبة لنا فى المملكة فإن فيصل أنتصر فى التهديد الذى مثله علينا الرئيس جمال ، ونحن لا نتعب رؤوسنا بكثرة الأسئلة و لا بالخوض فى الحكايات و التواريخ ) ويتابع الأستاذ هيكل روايته لتفاصيل اللقاء ( وسكت السيد كمال أدهم وهو يشعر أننى أتابعه بتركيز شديد ثم قال : كنت صريحا معك لم أتكلم كلام سياسيين و لم أتكلم كلام رجل غامض كلمتك بصراحة و أنت حر فيما تفهمه مما قلت !)
- بذلك نعطى لأنفسنا مهلة طويلة لتصفية أجساد المبادئ الهدامة، لا فى مملكتنا فحسب ، بل وفى البلاد العربية ومن ثم بعدها ، لا مانع لدينا من إعطاء المعونات لمصر وشبيهاتها من الدول العربية إقتداء بالقول ( أرحموا شرير قوم ذل ) وكذلك لإتقاء أصواتهم الكريهة فى الإعلام
هذه الجملة الواردة فى الرسالة / الوثيقة هى ما تم فعلا بعد الهزيمة فى 1967 عقب الهزيمة العربية فى حرب 5 يونيو 1967 ، تم عقد موتمر القمة العربى فى الخرطوم فى أغسطس 1967 وفيه تعهدت الدول العربية البترولية) السعودية ، الكويت ، ليبيا ) بتقديم مساعدات مالية إلى دول المواجهة مع إسرائيل لكى تستطيع مواصلة الحرب والعمل على محو أثار الهزيمة ، كما أتفق الرئيس عبد الناصر مع الملك فيصل على حل لمشكلة اليمن تضمن عودة فرقتين مصريتين كانتا هناك إلى مصر
- فى عام 1969 نشر ضابط المخابرات الأمريكية ( مايلز كوبلاند ) كتابه الشهير ( لعبة الأمم ) والذى أوحى فيه بصلة الثورة المصرية وعبد الناصر بالولايات المتحدة الأمريكية و وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ، وقد أصبح هذا الكتاب المرجع الرئيسى لكل أعداء عبد الناصر وثورته ، وفى عام 1988 نشر الأستاذ محمد حسنين هيكل كتابه ( سنوات الغليان ) الذى أورد فيه مجموعة من الوثائق والرسائل التى تثبت أن كوبلاند نصاب و أفاق وأنه نشر كتابه بأوامر أمريكية فى إطار الحرب الأمريكية المستمرة على عبد الناصر والتى تهدف لتشويه سمعته ومن أجل اغتيال شخصيته معنويا فى أعين الجماهير العربية بعد الهزيمة ، وهاج كوبلاند وهدد الأستاذ هيكل برفع قضايا ضده وحتى الأن بعد مرور كل تلك السنوات على صدور كتاب ( سنوات الغليان ) لم يفعل كوبلاند شئ ما هدد به ، وفى سلسلة حوارات للأستاذ هيكل لمجلة روز اليوسف فى منتصف التسعينيات صرح أن كتاب مايلز كوبلاند ( لعبة الأمم ) مولته المملكة العربية السعودية عام 1969 فى إطار سعى الملك فيصل الدؤوب للقضاء على شعبية جمال عبد الناصر بين الشعوب العربية ، وهو السعى الذى وافق هوى المخابرات المركزية الأمريكية ورجلها مايلز كوبلاند ، وأشار هيكل إلى أن أى كتاب يصدره أحد ضباط المخابرات المركزية الأمريكية لابد أن يحصل على موافقة من المخابرات المركزية الأمريكية ، وتتم عملية مراجعة دقيقة لما يحتويه لمعرفة مدى خدمته لمصالح وغايات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وأهداف السياسة الأمريكية وهو ما خضع له بالطبع كتاب ( لعبة الأمم )
فى 18 مارس 1968 يطلب اللواء عامر خماش رئيس أركان الجيش الأردنى مقابلة ياسر عرفات ، وفى اللقاء يحذره من معلومات استخباراتية مؤكدة وصلت للأردن عن نية إسرائيل تحطيم قواعد المقاومة الفلسطينية فى الأردن عبر هجوم إسرائيلى موسع على الحدود الأردنية ، وطلب اللواء خماش منه أن يقى نفسه ورجاله من الهجوم ، رفض عرفات الهروب من المواجهة ، وقال للواء خماش ( ما رأيكم سيدى ، لو أخلينا الساحة مرة أخرى أمام الإسرائيليين ، ألا يكفى ما حدث فى 1967 ، أليس علينا كفدائيين أن نعطى الأمثولة مرة واحدة ، وأن نبرهن أن فى العرب عرقا ينبض)
بعد تحذير اللواء خماش بثلاثة أيام فقط فى 21 مارس 1968 ، شن الإسرائيليون هجومهم بقوات ضخمة بعرض 80 كم على الحدود الأردنية مع فلسطين المحتلة ، ولكن مركز الهجوم الرئيسى كان قرية الكرامة ، تحولت المعركة إلى جحيم ، وخاض الفدائيون الفلسطينيون والفرقة الأردنية الأولى معركة رهيبة أمتدت حتى مغيب الشمس ، أنسحبت بعدها القوات الإسرائيلية مهزومة على أعقابها ، وتحقق للفدائيون الفلسطينيون أول نصر فى مواجهة برية مع العدو الإسرائيلى بعد حرب 1967 ، كانت مصر قد حققت معركتين ناجحتين من قبل الكرامة فى رأس العش فى 1 يوليو 1967 عندما تصدى 30 مقاتل مصرى من قوات الصاعقة لقوة مدرعة إسرائيلية تحاول احتلال مدينة بور فؤاد وكانت المنطقة الوحيدة في سيناء التي لم تحتلها إسرائيل أثناء حرب يونيو 1967 ،وفشلت القوة المدرعة الإسرائيلية امام 30 مقاتل مصرى ، وفى عملية تدمير المدمرة الإسرائيلية ( إيلات ) فى 21 أكتوبر 1967 ، ولكن صدى معركة الكرامة كان مدويا ، لأن المقاومة الفلسطينية واجهت الجيش الإسرائيلى وانتصرت عليه للمرة الأولى ، وأنسحبت القوات الإسرائيلية مهزومة أمام صمود المقاوم الفلسطينى
فى كتاب ( سيرة وصفى التل السياسية ) الصادر عن دار الأزمنة للنشر فى صفحة 115 نقرأ التالى : ( منذ الكرامة ، فقد أدرك الملك حسين ، الخطر الكامن فى استمرار العمل الفدائى لكنه فضل التساهل على أمل ايجاد فرصة مناسبة للتوصل إلى تسوية مع الفدائيين ، فقد تلقى تهديدات إسرائيلية متكررة ، و نصائح عربية لا تقل خطورة ، ومع ذلك فقد آثر الروية ، لأسباب أقلها أن أكثر من نصف شعبه هو من الفلسطينيين أيضا )
وعلى ذكر النصائح العربية الخطيرة التى تلقاها الملك حسين بخصوص المقاومة نصل إلى الوثيقة الثالثة فى حديثنا
وهذه الوثيقة عبارة عن رسالة منشورة فى كتاب ( عقود من الخيبات ) للكاتب حمدان حمدان الطبعة الأولى 1995 عن دار بيسان على الصفحات من 535 - 537
أرسلها الملك فيصل بن عبد العزيز إلى الملك الأردنى الحسين بن طلال
تقول الرسالة ( وهى وثيقة بتاريخ 3 كانون الثانى (يناير) 1969 م الموافق 14 شوال 1388 ه وحملت الوثيقة الرقم 421 من أرقام وثائق مجلس الوزراء السعودى) ما يلى : -
صاحب الجلالة الملك حسين بن طلال ملك المملكة الأردنية الهاشمية ، حفظه الله
يا صاحب الجلالة
سبق لى أن تحدثت لجلالتكم - كشقيق يسره ما يسركم ويضره ما يضركم – عن الحالة التى وصل إليها الأردن الشقيق ، بوجود ما يسمى ( المقاومة الفلسطينية ) ، وأفصحت لجلالتكم عن يقينى القاطع أن هذه ( المقاومة ) سوف تستغل ضدكم وتتحول من اسمها الظاهرى ( مقاومة فلسطينية ) إلى ( مقاومة ) ضدكم وضد شعبكم إن أنتم تهاونتم بترك حبالها على الغوارب والآن وبعد أن أتضح لجلالتكم أمرها جليا، فإنه لا يسعنى إلا أن أكرر نصحى للإستفادة من هذا الوقت السانح لجلالتكم بمبادرة القضاء المبرم على هذه ( المقاومة ) فبادروا أيها الأخ العظيم قبل أن يحدث ما نتوقعه بين يوم و أخر ، وما نخشى عقباه باستبدال حكمكم لا قدر الله ، بحكم هذه ( المقاومة الفلسطينية) ، ومن ثم يأتى دورنا نحن ، حين يتحول الأردن من دولة شقيقة إلى وبال ثورة علينا ، فننشغل بمحاربة ثورتين شيوعيتين ، واحدة فى جنوب مملكتنا والأخرى فى شمالها ، حيث يصبح الأردن الشقيق كالجنوب المسمى باليمن الديمقراطى ، والذى لم نزل نتعاون و إياكم فى مكافحة من أفسدوه
فإن لم يصبح الأردن دولة شيوعية بانتصار ( المقاومة لا قدر الله ) ، فإنه سيصبح بالتأكيد ولا محالة دولة ناصرية أو بعثية أو قومية ، وكل هذه التسميات وإن اختلفت مجاريها ، فإنها تصب فى قعر بؤرة واحدة ، هى بؤرة الهدم ضدنا ، وضد أصدقائنا الأمريكان والإنكليز وأنصار النظام الغربى
لذلك فإننى أعرض مجددا على جلالتكم - كشقيق لكم – رأينا النهائى ورغبتنا الملحة ، بالقضاء على كل هذه الزمر المفسدة المجتمعة فى الأردن باسم ( مقاومة إسرائيل ) ، بينما - يشهد الله – (أن شر إسرائيل لا وجود له ، أمام شرور تلك الزمر المفسدة)
وبهذه الرسالة ، ما أردنا إلا تكرار عرض خدماتنا لجلالتكم بتحمل كافة المصروفات ، وما ستتكلفونه من مال وسلاح وذخيرة فى سبيل مقاومة ( المقاومة)
وإلا فإننى وأسرتى الصديقة التى ترى فى هذا الرأى ، وتقره كما تعلمون ، سننضم جميعا ضدكم ، لنشكل الطرف الأخر لمقاومتكم ومقاومة هذه ( المقاومة ) غير الشريفة لأننا بذلك لا ندافع عن كيانكم فقط ، بل عن كياننا أيضا
وبانتظار الرد من جلالتكم ، أدعو الله أن يحميكم من كل مكروه وأن يأخذ بيدنا لإحباط كل ما يحيط بنا من أخطار المفسدين الملحدين
أخوكم المخلص : فيصل بن عبد العزيز آل سعود
ملك المملكة العربية السعودية
فى 23 يوليو 1970 أعلن الرئيس عبد الناصر قبول مصر لمبادرة وزير الخارجية الأمريكى ويليام روجرز والتى نصت على ايقاف القتال لمدة 90 يوم وفتح المجال لحل الصراع على أساس إنسحاب إسرائيل من أراضى أحتلتها فى حرب يونيو 1967 ، وفقا لقرار مجلس الأمن 242 ، أنضم الملك حسين إلى الرئيس عبد الناصر فى قبول مبادرة روجرز ، مما أثار غضب الفصائل الفلسطينية المسلحة التى خشيت أن يكون قبول المبادرة مقدمة إلى حل سلمى للصراع العربى الإسرائيلى ، فى أغسطس 1970 سافر وفد من قادة الفصائل الفلسطينية إلى الإسكندرية للقاء الرئيس عبد الناصر ضم ياسر عرفات ، فاروق القدومى ، صلاح خلف ، هايل عبد الحميد عن منظمة ( فتح ) ، وضافى جمعان عن ( الصاعقة ) ، وإبراهيم بكر عن ( المستقلين ) ، فى الإجتماع قال لهم الرئيس عبد الناصر ( لا أفهم كيف تهاجموننى دون أن تقفوا على حقيقة بواعثى لقبول مبادرة روجرز ، أننى موقن أن حظ المشروع من النجاح هو واحد بالألف ، فإسرائيل لن تنسحب من كامل الأراضى العربية وأنا لن أقبل بأقل من ذلك ، بقبولى لمبادرة روجرز أكسب وقت لكى ننصب حائط الصواريخ على حافة قناة السويس لكى أقضى على غارات الطيران الإسرائيلى ولشن معركة تحرير أراضينا المحتلة والتى أعدكم أنها لن تتأخر عن ربيع عام 1971 )
وأضاف الرئيس عبد الناصر أنه حذر الملك حسين من دخول معركة ضد المنظمات الفلسطينية فى الأردن ، ورغم تحذيرات الرئيس عبد الناصر للجميع من أجل تلافى وقوع حرب أهلية فى الأردن لن تستفيد منها سوى إسرائيل ، أستمر توتر الأوضاع وفى 16 سبتمبر 1970 يشكل الملك حسين وزارة عسكرية بدأت الهجوم الشامل على المنظمات الفلسطينية ، وعلى إثر إحتدام المعارك وتحول العملية العسكرية إلى عملية إبادة ضد فصائل المقاومة الفلسطينية ، دعا الرئيس عبد الناصر إلى مؤتمر قمة عربى فى القاهرة أستطاع خلاله إيقاف القتال الضارى فى الأردن وإقناع الملك حسين بالحضور إلى القاهرة وتوقيع اتفاق وقف اطلاق النار ، ووافق الملك مرغما بعد نجاح المخابرات المصرية فى تهريب ياسر عرفات من موقعه المحاصر فى الأشرفية ، وعقب نهاية المؤتمر توفى الرئيس عبد الناصر فى 28 سبتمبر 1970 ، وفى يوليو 1971 إثر تجدد القتال بين الجيش الأردنى والفصائل الفلسطينية تم خروج الفصائل من الأردن إلى لبنان ، وتحققت نصيحة الملك فيصل إلى الملك حسين
فى مذكرات هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكى الأسبق نقرأ التالى أنه شعر بالسعادة البالغة لنبأ وفاة الرئيس عبد الناصر لأن وجوده بسياسته الراديكالية المعادية للمصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط كان يمثل أكبر عائق لتنفيذ الأهداف الأمريكية فى المنطقة الأهم للولايات المتحدة فى العالم ، ويحلل كيسنجر أوضاع المنطقة عقب وفاة عبد الناصر ، ويصل أن الوقت أصبح مناسب للوصول لحل سلمى للصراع بين مصر و إسرائيل بشرط أن يكون هذا الحل أمريكى ، وأن يتضمن ثلاثة شروط : 1 - طرد النفوذ السوفيتى من المنطقة كلها ، 2 - يترك مصر ضعيفة غير قادرة على التأثير بأى نفوذ على الاطلاق فى العالم العربى ، 3 – أن تظهر التجربة الثورية التى قادها عبد الناصر فى مظهر التجربة الفاشلة
عقب وفاة الرئيس عبد الناصر المفاجئة خلفه نائبه أنور السادات فى الرئاسة ، تبدو العلاقات بين الرئيس الراحل أنور السادات والملك فيصل غامضة ، فالسادات فى مذكراته يشير إلى صداقته بالملك فيصل منذ كان الأخير وليا لعهد المملكة العربية السعودية وكان السادات يعمل سكرتير للمؤتمر الإسلامى ويقول السادات أنه ظل صديقا للملك فيصل برغم حرب اليمن التى كانت مصر و السعودية خلالها فى معسكرين متصارعين ، وكان السادات هو المسئول السياسى من الجانب المصرى عن الثورة اليمنية ، كما ربطت صداقة وثيقة بين السادات وكمال أدهم مستشار الملك فيصل ومدير المخابرات السعودية وهمزة الوصل بين المخابرات السعودية والمخابرات المركزية الأمريكية وتوثقت هذه الصداقات خلال حرب اليمن
وهو أمر يثير الشكوك خاصة بعد أن نشرت جريدة ( الواشنطن بوست ) فى عددها الصادر فى 24 فبراير 1977 وعلى صدر صفحتها الأولى خبر يقول ( أن كمال أدهم كان طوال الستينات يمد السادات بدخل ثابت ) ، ولم يصدر عن الرئيس الراحل السادات أى تكذيب لهذا الخبر ، فى 20 ديسمبر 1969 أصدر الرئيس عبد الناصر قراره بتعيين السادات نائبا له ، عقب زيارة الملك فيصل بن عبد العزيز لمصر، وبعد 3 شهور من إصابته بالنوبة القلبية الأولى فى سبتمبر 1969 ، حتى الأن يبدو سر هذا القرار بتصعيد السادات غير مفهوم على الإطلاق ، فهل كان للملك فيصل دور فى قرار الرئيس عبد الناصر ؟ ! ، بمراجعة مذكرات الرئيس السادات نجد أن السادات يقول أنه عرف ان الملك فيصل قال ( إذا أراد الله بمصر خيرا يحكمها السادات ) ، بالطبع كان الملك فيصل يقصد الخير لمصر ولكن من وجهة نظر أل سعود ومصالحهم ، فى نوفمبر 1970 يزور كمال أدهم مصر ويلتقى الرئيس السادات وينقل له نصائح الملك فيصل بضرورة خروج السوفيت من الصراع فى الشرق الأوسط لكى يدخل الأمريكيون ويجدوا حل للمشكلة القائمة ، ويصارحه السادات بإستعداده لطرد السوفيت إذا ساعدته الولايات المتحدة الأمريكية على تحقيق مرحلة أولى من الإنسحاب ، عقب انقلاب مايو 1971 والذى أطاح فيه الرئيس السادات بكل شركائه فى الحكم من رجال عبد الناصر ، و ألقى بهم فى السجون ،ولتخفيف شكوك السوفيت فى نواياه خاصة بعد تخلصه من كل القيادات الناصرية فى السلطة ، عقد الرئيس السادات معاهدة صداقة مع الإتحاد السوفيتى ، أثناء ذلك كان الملك فيصل فى زيارة للولايات المتحدة أخبر الملك فيصل المسئولين الأمريكيين أن المعاهدة مجرد مناورة لجأ لها السادات و لاتعنى شيئا ، كما قرر الملك أثناء عودته من الولايات المتحدة زيارة مصر ولقاء الرئيس السادات وفى اللقاء ركز الملك على نفس النقطة عزوف الأمريكيين عن التدخل وحل القضية طالما بقى السوفيت فى مصر ، كما طلب الملك من الرئيس السادات أن يفتح صفحة جديدة مع جماعة الإخوان المسلمين ويقابل وفد من قادتها الذين كانوا يعيشون فى السعودية عقب صراعهم مع الرئيس عبد الناصر ، و أن ينسق معهم سياسيا و إعلاميا لتصفية الإتجاهات والأفكار الناصرية و اليسارية على الساحة السياسية المصرية ، وفى شهر يونيو 1972 زار وزير الدفاع السعودى الأمير سلطان بن عبد العزيز ، ومعه السيد كمال أدهم القاهرة ، وأثاروا مع الرئيس السادات من جديد موضوع الخبراء السوفيت الذى يعيق الأمريكيين عن التدخل لحل القضية ، وطلب السعوديون من السادات أن يخبرهم بقراره بخصوص السوفيت قبل إتخاذه لكى يستطيعوا مساومة الأمريكان به ، ولكن السادات منفردا وبدون التشاور مع أحد غير الفريق صادق وزير الحربية المصرى وقتها ، أتخذ قراره بالإستغناء عن خدمات الخبراء السوفيت فى مصر ، ولحرص الرئيس السادات على سرية قراره و رغبته فى إحداث أكبر تأثير فأنه فاجأ الجميع بالقرار ، وهو يتصور أن الأمريكيين سوف يكونوا سعداء ، إلى درجة تدفعهم إلى الإستجابة لأى شئ يطلبه ، ولكن هذا لم يحدث ، كان تعليق الزعيم السوفيتى ليونيد بريجنيف على قرار السادات ( لقد أعطى السادات للأمريكيين أقصى ما يحلمون به ، ولكن للأسف دون ثمن مقابل ) ، ويقول هنرى كيسنجر فى مذكراته ( لماذا لم يقل لنا السادات ما كان ينوى فعله ؟ ربما لو أبلغنا مسبقا لكنا قدمنا له شيئا فى المقابل ؟ فى السياسة كما فى كل شئ أخر ، فأن لا أحد مستعد لدفع ثمن لشئ حصل عليه بالفعل ) ، الغريب أن الدكتور محمود فوزى وزير خارجية مصر ورئيس وزرائها الأسبق يروى فى مذكراته أنه كان هناك عرض قدمه الأمريكيون للرئيس عبد الناصر يتضمن إنسحاب إسرائيل من سيناء وتوقيع معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل تضمن حياد مصر مقابل قيام الرئيس عبد الناصر بطرد الخبراء السوفيت ، ولكن عبد الناصر رفض لإصراره على تحرير كافة الأراضى العربية التى أحتلت فى حرب يونيو 1967، أستجاب الرئيس السادات لنصيحة الملك فيصل وطرد الخبراء السوفيت ولكنه لم يحصل على المقابل الذى توقعه لإصراره على فردية قراره ورغبته فى الحصول على السبق الإعلامى
بعد قرار الرئيس السادات قام الملك فيصل بإصدار العديد من التصريحات وإرسال الرسائل إلى الإدارة الأمريكية وشركات البترول الأمريكية للبحث عن حل سلمى لعودة الأراضى العربية المحتلة عام 1967 ، ولكن دون جدوى ، وواصل الملك فيصل دعمه للسادات ولم يكن وحده الداعم بل شاركه معظم الزعماء العرب ( الرئيس معمرالقذافى ، و الرئيس هوارى بومدين ، والرئيس أحمد حسن البكر) حيث دعموا مصر و قواتها المسلحة اقتصاديا وعسكريا بعدما أدرك الجميع ان الحرب هى السبيل الوحيد للبحث عن حل للصراع العربى الإسرائيلى ، وأخيرا بعد طول انتظار ، أتخذ الرئيس السادات قرار الحرب ، وفى ظهيرة يوم السبت 6 أكتوبر 1973 ، بدأت الحرب الخامسة بين العرب و إسرائيل ، و أستطاعت القوات المسلحة المصرية والسورية تحقيق انتصارات واضحة على جبهتى القتال ، وبالذات على الجبهة المصرية التى شهدت عملية العبور العظيم ، ولكن بعد قرار السادات بالوقفة التعبوية الذى أتاح لإسرائيل فرصة الإنفراد بالجبهة السورية ، ثم قراره المتأخر بتطوير الهجوم نحو المضايق وحدوث ثغرة الدرفسوار ،بدأت الأمور تتأزم على الجبهات العربية و أستعادت إسرائيل زمام المبادأة خاصة مع الدعم العسكرى الأمريكى لنجدتها من كارثة الأيام الأولى للمعركة ، فى يوم 17 أكتوبر وعقب طلب الرئيس السادات من الملك فيصل أن يستخدم سلاح البترول فى المعركة ، أجتمع وزراء البترول العرب ( الأوابك ) فى الكويت وقرروا التالى : 1- تقرر تخفيض الإنتاج الكلى العربى بنسبة 5 % فورا ، 2 - تقرر تخفيض 5% من الإنتاج كل شهر حتى تنسحب إسرائيل إلى خطوط ما قبل يونيو 1967
ثم قررت ست دول بترولية من الأوبك رفع سعر بترولها بنسبة 70 % ، و قررت بعض الدول العربية حظر تصدير البترول كلية إلى الدول التى يثبت تأييدها لإسرائيل بما فيها الولايات المتحدة ، كما أستدعى الملك فيصل السفير الأمريكى فى السعودية وأبلغه رسالة للرئيس نيكسون تحتوى على ثلاث نقاط : -1إذا أستمرت الولايات المتحدة فى مساندة إسرائيل ، فإن العلاقات السعودية الأمريكية قد تتعرض للمشاكل ، 2- أن السعودية سوف تخفض إنتاجها بنسبة 10 % وليس فقط 5 % كما قرر وزراء البترول العرب ، 3 – ألمح الملك إلى احتمال وقف شحن البترول السعودى إلى الولايات المتحدة إذا لم يتم الوصول إلى نتائج سريعة وملموسة للحرب الدائرة
أعتبر كيسنجر هذه القرارات ماسة بكرامة وهيبة الولايات المتحدة كقائدة للعالم ، كما أثاره أن العرب أعطوا أنفسهم الحق فى استخدام البترول كسلاح ، وهو أمر بالغ الخطورة لأنه يعكس نزعتهم إلى محاولة السيطرة على الغرب ، ولأن منتجى البترول و لأول مرة فى التاريخ أعطوا أنفسهم حق تحديد سعر البترول ، وفى يوم 20 أكتوبر أعلنت الولايات المتحدة أنها ستدعم إسرائيل بمبلغ 2 مليار و 100 مليون دولار كشحنات أسلحة جديدة ، وفى نفس اليوم أعلنت الدول العربية حظر تصدير بترولى كامل على الولايات المتحدة الأمريكية ، هذه هى وجهة النظر السائدة لقرار استخدام سلاح البترول فى حرب أكتوبر 1973 ، ولكن هناك وجهة نظر أخرى تم التعتيم عليها بخصوص إستخدام سلاح البترول فى حرب أكتوبر 1973 تثبت أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت المستفيد الأكبر من قرارات خفض الإنتاج ورفع أسعار البترول ، حيث تخبرنا الأرقام ان نصيب العرب مجتمعون من فوائض البترول عام 1974 وعقب قرارات الخفض الانتاجى ورفع الأسعار بلغت 60 مليار دولار ، أما شركات البترول ومعظمها أمريكية فبالإضافة إلى أرباحها من ارتفاع الأسعار لخام البترول ، حصلت من عملياتها البترولية الأخرى ( التكرير و التسويق ) على 7 دولارات صافى ربح مقابل كل دولار حصلت عليه الدول المنتجة للبترول ، أنعشت قرارات خفض الانتاج ورفع أسعار البترول الاقتصاد الأمريكى عبر الودائع والإستثمارات العربية الهائلة فى البنوك والشركات الأمريكية ، فقبل حرب أكتوبر 1973 كانت الولايات المتحدة تواجه عجز فى ميزان مدفوعاتها ، الذى تحسن ابتداء من عام 1974 بفضل الأرتفاع الصاروخى لأسعار البترول ، كانت أوروبا واليابان أكثر المتضررين من قرارات خفض الإنتاج و رفع أسعار البترول ، تم التخفيض والحظر البترولى متأخرا جدا بعد 11 يوم من بدء المعركة وعقب تأزم الموقف على جبهات القتال العربية ، لم يميز قرار خفض الإنتاج بين الدول العدوة والدول الصديقة للعرب ، ركز الرئيس السادات متعمدا على دور الملك فيصل فى دعم مصر ، وتجاهل أدوار أخرى لا تقل أهمية عن دوره إن لم تزيد كدور الاتحاد السوفيتى وهو أهم دور فبدون مساندته ودعمه وأسلحته ما حارب العرب من الأساس ، كما تم تشويه دور الرئيس الليبى معمر القذافى لكراهية السادات غير المبررة له ، والتقليل من دور الرئيس الجزائرى الشهيد هوارى بومدين ، والرئيس العراقى أحمد حسن البكر ونائبه وقتها صدام حسين ، رغم ان هناك قوات مسلحة من الجزائر والعراق شاركتا فى الحرب نفسها ، بخلاف دعمهما المالى لدول المواجهة ، تجاهل السادات كل هؤلاء وركز على دور الملك فيصل فقط ، صرح الملك فيصل عندما تم إتخاذ قرار الحظر البترولى الشامل على الولايات المتحدة أن الحظر لن يرفع قبل انسحاب إسرائيل من كل الأراضى العربية التى أحتلت عام 1967 ، وهو مالم يحدث حيث تم رفع الحظر عقب اتفاق فك الإشتباك الأول
فى عام 1965 قتلت قوات الأمن السعودية الأمير خالد بن مساعد بن عبد العزيز الذى كانت له مواقف دينية متشددة , أخذت تتبلور ليست كأفكار, بل تحولت إلى تجاوزات سلوكية رافضة لخطط عمه الملك فيصل لتطوير المملكة العربية السعودية والإستفادة من فوائض النفط فى تحديث المملكة خاصة وقد أصبح هذا التحديث ضرورة تحت وطأة ضغط الوجود المصرى فى اليمن ، وقد دفعت تجاوزات الأمير خالد بن مساعد الملك فيصل إلى توجيه أمره إلى الأمير فهد بن عبدالعزيز وزير الداخلية أنذاك بإعتقال الأمير خالد بن مساعد. إلا أن الأخير أبى أن يسلم نفسه لرجال الأمن ، وأطلق النار على رجال الأمن . في أثناء ذلك صدرت أوامر الملك فيصل إلى وزير داخليته بإحضاره حيَّاً أو ميتاً ، وقتل الأمير خالد بن مساعد أثناء تبادل إطلاق النار مع قوات الأمن السعودية
فى صباح يوم الثلاثاء 13 مارس 1975 كان الملك فيصل يستقبل زواره بمقر رئاسة الوزراء بالرياض، وكان في غرفة الانتظار وزير النفط الكويتي الكاظمي، ومعه وزير البترول السعودي أحمد زكي يماني ، ووصل في هذه الأثناء الأمير فيصل بن مساعد بن عبدالعزيز (اخو الأمير خالد بن مساعد)، ابن شقيق الملك فيصل، طالبا الدخول للسلام على عمه. وعندما هم الوزيرين بالدخول على الملك فيصل دخل معهما ابن أخيه الامير فيصل بن مساعد. وعندما هم الملك فيصل بالوقوف له لاستقباله، كعادته مع الداخلين عليه للسلام، أخرج الأمير مسدساً كان يخفيه في ثيابه، وأطلق منه ثلاث رصاصات، أصابت الملك في مقتل في رأسه. ونقل الملك فيصل على وجه السرعه إلى المستشفى المركزي بالرياض، ولكنه توفي من ساعته ، وفى يوم الأربعاء 18 يونيو 1975 تم تنفيذ حكم الإعدام بالسيف فى الأمير القاتل ، وحتى الأن لم يعرف أحد دوافع الأمير فيصل بن مساعد هل كان يثأر لمقتل أخيه الأمير خالد بأوامر الملك فيصل عام 1965، أم أنه قد تم إستخدامه فى لعبة أمريكية خاصة أنه كان يعيش مع فتاة أمريكية بالولايات المتحدة الأمريكية قبل عودته للسعودية ، مما أثار الشكوك فى احتمال ان تكون المخابرات المركزية الأمريكية قد جندته للتخلص من عمه الملك فيصل بعد أن أستخدم سلاح البترول فى حرب 1973 ، وبعد أن أصر على عودة القدس وصرح مرارا فى سنوات عمره الأخيرة أنه يريد أن يصلى فى القدس
فى هذه الدراسة وعبر قراءة جديدة فى الجوانب المسكوت عنها فى تاريخ الملك فيصل بن عبد العزيز ، حاولنا تبيان مواقع الظلال وما أكثرها فى تاريخ الملك الراحل بالوثائق والأدلة
__________________
متعلقات
اهتمامات القراء