رؤية 2030 للأمير محمد بن سلمان نحو استقرار سوريا واليمن
الساعة 06:39 مساءً

لم تكن الأزمة السورية مجرد فصل دموي في تاريخ المنطقة، بل تحولت على مدار أكثر من عقد إلى عقدة سياسية معقدة، أرهقت المنطقة واستعصت على الحل، وبينما غرق المشهد في صراعات المصالح وحسابات القوى، ظهر جليًا إلى العلن الدور السعودي بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

فمنذ الإطاحة بنظام بشار الأسد أواخر 2024، دخلت سوريا مرحلة دقيقة من الانتقال، وهنا اختارت المملكة العربية السعودية أن تكون إلى جانب الشعب السوري، لا بمعسول الكلام، بل بخطوات سياسية واقتصادية وإنسانية محسوسة.

ومنذ زيارة الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع إلى الرياض في فبراير 2025، ولقاؤه بالأمير محمد بن سلمان، لم تكن مجرد بروتوكول سياسي، بل حملت بين طياتها رسائل عميقة تتصل بإعادة تعريف العلاقة بين البلدين، وبتوجه سعودي جديد عنوانه: دعم الدولة السورية واستعادة دورها دون أن يكون ذلك رهينة لحسابات المحاور أو لأجندات الهيمنة.

ففي وقت لا تزال فيه العقوبات تكبل سوريا وتعيق تعافيها، بادرت الرياض إلى خوض معركة دبلوماسية صامتة، لكن فعالة، تهدف إلى رفع هذه العقوبات أو على الأقل تحييد آثارها، وهو موقف يُحسب للمملكة، لأنه يتجاوز منطق التلويح بالعصا إلى منطق انتشال المتعبين من الحصار، ويمثل توجها إنسانيا قبل أن يكون سياسيا.

وقد تُوِّج هذا المسار بتحول لافت حين أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال زيارته إلى الرياض في أبريل 2025، عن قرار بلاده برفع العقوبات المفروضة على سوريا، ولم يكن هذا الإعلان وليد لحظة أو إملاء من الخارج، بل جاء نتيجة مباشرة للجهود الدبلوماسية الحثيثة التي قادها الأمير محمد بن سلمان، والذي نجح في إقناع الإدارة الأمريكية بأن العقوبات باتت عائقا أمام استقرار الشرق الأوسط، وهذا التحول لم يكن منعزلا عن الرؤية الأوسع التي يتبناها ولي العهد، بل يتقاطع مع روح رؤية السعودية 2030، التي ترى في تخفيف بؤر التوتر وبناء جسور التعاون رافعة لمستقبل أكثر استقرارا وازدهارا للمنطقة بأسرها.

واللافت في هذا الدور أنه لا يقف عند حدود السياسة، بل أمتد إلى الأرض والإنسان السوري، فقد باشرت السعودية في إرسال المساعدات الإنسانية، وفتحت ملفات التعاون في مجالات التعليم والصحة والطاقة والتقنية، وهذا بوصفه ركيزة لشراكة طويلة المدى، تعكس رغبة حقيقية في أن تكون سوريا فاعلاً لا متلقياً، ودولة مستقرة لا ساحة صراع وتصفية حسابات.

لكن الأهم من كل ذلك أن الدور السعودي لا يُبنى على الاندفاع، بل جاء ضمن رؤية 2030 الإستشرافية والتي يتبناها الأمير محمد بن سلمان، وتقوم على تقليل بؤر التوتر في المنطقة وتحويلها إلى مساحات تنموية مشتركة، لأن مصالحة سوريا تكمن مع محيطها العربي، وتحريرها من العزلة السياسية والاقتصادية يخدم المشروع الأوسع للمنطقة، بحيث إن الأمن لا يتجزأ، والاستقرار لا يُبنى إلا بجسور التواصل.

صحيح أن الطريق لا تزال طويلة، والتعقيدات كثيرة، لكن ما يفعله محمد بن سلمان تجاه سوريا، يوضح بأننا أمام مقاربة مختلفة في إدارة ما بعد الحرب، لا تعيد إنتاج الوصاية، ولا تخضع الشعوب لمعادلات الصفقات، بل تنطلق من رؤية تؤمن بأن بقاء الدولة السورية الموحدة، وكرامة شعبها هما صمام أمان للمنطقة بأكملها.

إنه دور لا يصرخ في الإعلام، بل يعمل في صمت، ولا يطلب ثناء، بل يراكم الأثر؛ دور يحاول أن يعيد إلى سوريا اسمها وحضارتها، وإلى الشرق الأوسط اتزانه واستقراره، بقيادة تدرك أن السلام الحقيقي يبدأ من الاعتراف بآلام الشعوب ومداواتها لا استثمارها.

ولا يقتصر هذا النهج الاستراتيجي الذي يقوده الأمير محمد بن سلمان على الملف السوري فحسب، بل امتد ليكون رؤية شاملة لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة بأسرها، وهو ما يتجلى بوضوح في التعامل مع الأزمة اليمنية. 

حيث قدمت المملكة العربية السعودية، على مدى السنوات الماضية، دعما سخيا ومتعدد الأوجه لليمن، شمل المساعدات الإنسانية العاجلة، والدعم الاقتصادي لتعزيز استقرار الريال اليمني ودعم ميزانية الدولة، بالإضافة إلى الدعم السياسي والعسكري للحكومة الشرعية في مواجهة انقلاب ميليشيا الحوثي الإرهابية، وإن هذا الدعم الذي يلامس كافة الجوانب، هدفه تمكين الدولة اليمنية من استعادة سيادتها وبسط نفوذها على كامل أراضيها.

وفي هذا السياق، فإن المطلوب من الأشقاء في المملكة العربية السعودية ومن الأمير محمد بن سلمان تحديدا، دعم الحكومة الشرعية مرة أخرى وفق رؤيته 2030 ليتمكن اليمن من الخلاص من الانقلاب المليشاوي الحوثي، والدعم المطلوب يتمثل في توحيد صفوف كافة التشكيلات العسكرية وضمها تحت قيادة الحكومة الشرعية وتمكينها من أداء مهامها في مكافحة الفساد، وإنهاء حالة الانقسام التي استغلتها الميليشيات لتوسيع نفوذها. 

إن رؤية السعودية 2030، التي يتبناها الأمير محمد بن سلمان بطموحاتها التنموية والاستقرارية، ترى في القضاء على بؤر التوتر التي تغذيها الميليشيات ضرورة حتمية، فالميليشيات بطبيعتها تشكل مصدرا دائما لعدم الاستقرار وتهديدا للأمن الإقليمي، وهو ما يتعارض مع تطلعات شعوب المنطقة نحو التنمية والازدهار. 

وإن دعم استقرار اليمن وسوريا هو جزء لا يتجزأ من هذه الرؤية الاستشرافية التي يقودها الأمير محمد بن سلمان بحكمة واقتدار.

* أمين عام مجلس الشورى