العودة إلى مشروع جامع يُنقذ اليمن
الساعة 08:34 مساءً

مع اشتداد الجدل حول من كان يحكم صنعاء قبيل سقوطها في قبضة الميليشيا الحوثية، تنشط الجبهات الافتراضية، وتُفتح دفاتر الماضي بين متصارعين وقعوا جميعًا، دون استثناء، في فخّ أُعدّ بإتقان. وبينما يتقاذف البعض المسؤولية من زاوية إلى أخرى، ومن مكوّن إلى آخر، يغيب السؤال الأهم: كيف نُسقط الانقلاب ونستعيد الدولة؟

 

لا جدوى من تقليب صفحات الأحقاد في لحظة وطنية حرجة. الأجدى أن تنشغل العقول بتوحيد السلاح تحت راية الدولة، لا بعناوين المناكفة والاستنزاف. وما لم تتقدم القوى الوطنية بخطوات واثقة نحو مشروع جامع، فلن يخرج الوطن من عنق الزجاجة، وستبقى المعارك الإلكترونية بديلًا عبثيًا عن معارك التحرير الحقيقي.

 

قال العرب قديمًا: التاريخ يكتبه المنتصر، فدعوا المنتصر، إن وُجد، يكتب ما يشاء. أما التاريخ الحقيقي، فيُكتب بعد عقد، وربما بعد جيل، على يد من لم يكن شريكًا في الدم، ولا في الصفقة، ولا في السقوط.

 

ولأن الوقت لا يحتمل صخب الاتهامات، اسمحوا لي، كمراقب مستقل كنت خارج دوائر السلطة، أن أضع بين أيديكم مقاربة للوقائع التي عاشها الجميع، لعلها تُجنب هذا البلد مزيدًا من التناحر:
    •    المشهد يومها كان مُدارًا فعليًا من طرفين خارجيين: السفير الأمريكي في صنعاء، والمبعوث الأممي جمال بن عمر.
    •    المؤتمر الشعبي العام مارس السلطة عبر حكومة ظل بقيادة الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، رحمه الله.
    •    اللقاء المشترك، وتحديدًا تجمع الإصلاح، حكم من خلال حكومة الأستاذ محمد سالم باسندوة، حفظه الله.
    •    الجنوبيون مثّلهم الرئيس السابق عبدربه منصور هادي، بحضور رسمي وقانوني.
    •    القبيلة كانت رقعة نفوذ فاعلة، تتجاذبها ولاءات متعددة، بينما الحوثيون كانوا ينسجون شبكة تحالفاتهم بصمت، يخدعون بعض القبائل بالشعارات، ويُغذّون الصراعات والثارات، فكان السقوط نتيجة تراكمية لحماقات الجميع.

 

اليوم، ونحن نعيش نتائج تلك الحقبة، لا سبيل أمامنا إلا التوقف عن المناورة، والاعتراف بأن العدو الحقيقي لا يقيم في الماضي، بل يتمدد في الحاضر، ويهدد ما تبقى من الوطن.

 

من يُنصف الوطن اليوم، لا يشتبك بالكلام، يجب أن يمدّ يده إلى الآخرين ليصنع سلامًا حقيقيًا، لا هدنة مؤقتة.

 

ولأن الحروب الإلكترونية لا تبني وطنًا، و تهدم ثقة المواطن بما تبقى من رماد السياسة، آن أوان الصمت العبثي أن يُستبدل بصوت العقل، والعودة إلى مشروع جامع يُنقذ اليمن من وهم التناحر، ويعيد له بوصلته الضائعة.

 

ينتظر الوطن من يتجرأ على قول الحقيقة، بانتصار عظيم ومشروع جامع حقيقي.

 

والله المستعان