في الخطوط الأمامية للمواجهات العسكرية بين قوات الشرعية اليمنية وميليشيات الحوثي يجد الصحافيون والمراسلون اليمنيون أنفسهم محاطين بالقلق والخوف والموت من كل اتجاه، ومن لم يمت بطلقة رصاص أصيب وتعثر، وقليل أولئك الذين نجوا من الموت والإصابة بأعجوبة!

ذياب الشاطر أحد المراسلين اليمنيين الذين خاضوا مغامرات كثيرة محفوفة بالأخطار، كادت تكلفه حياته. تحدث إلى "اندبندنت عربية" عن تجربته المريرة أثناء تغطيته مسرح العمليات العسكرية في محافظة مأرب اليمنية (شرق البلاد). ويقول "أثناء هجوم الميليشيات الحوثية على مدينة مأرب 2015 كنت أعمل في إذاعة مأرب (حكومية)، صوت المدينة الوحيد إلى جانب عدد من أصدقائي، ومع توسع الحرب في جهات المدينة الأربع، انطلقت برفقتهم إلى مناطق المواجهات في محاولة لتشكيل جبهة إعلامية تتولى الدفاع عن المدينة".

كانت المدينة الغنية بالنفط تفتقر إلى كاميرا واحدة لتغطية الأحداث، والبعض منا كان لأول مرة يتعامل مع الكاميرا، وبينما كانت قبائل مأرب تخوض معارك شرسة في سبيل التصدي لجحافل الحوثيين وحلفائهم الذين سعوا جاهدين إلى إسقاط المدينة، لم تجد تلك التضحيات والانتصارات طريقها إلى الشاشات التلفزيونية اليمنية أو العالمية ولا حتى وسائل التواصل الاجتماعي.

مقتل رفاقك أمام عينك

كانت مهمة ذياب ورفقائه نقل ما يجري في الميدان إلى شاشات التلفزة ومنصات التواصل الاجتماعي، وفي الشهر الثاني من الهجوم الشامل على المدينة قتل مدير إذاعة مأرب عبدالكريم مثنى في منطقة صرواح، وهو يوثق ما يمكن توثيقه، وتعرض ذياب ورفاقه جميعاً لإصابات متعددة.

في مطلع 2018 رفقة عدد من الصحافيين والمصورين اتجه ذياب إلى جبهة قانية المحاذية لمحافظة البيضاء، حيث كانت المعارك على أشدها، من أجل التغطية الميدانية لصالح إحدى القنوات المحلية (لا يود ذكرها)، ويتذكر لحظات الصدمة الأولى ويرويها، مضيفاً "كنا على متن سيارة مدنية في الخط الدولي الرابط بين مأرب والبيضاء، وبعد لحظات من وصولنا حاولنا تغطية الأحداث، وفجأة أطلق الحوثيون صاروخاً حرارياً على السيارة التي جئنا بها، فقدت الوعي في تلك اللحظة، ونفذت بعض الشظايا إلى أماكن مختلفة من جسدي وتأثر رأسي. استعدت وعيي والسيارة تحترق أمامي، كنت لا أستوعب شيئاً مما حصل، عدت إلى الحياة من جديد، وفي محاولة لإنقاذ نفسي زحفت هرباً من حريق السيارة بعدها بساعات نقلت إلى المستشفى".

في الحادثة، قضى زميله المصور عبدالله القادري الذي كان يشغل مسؤول العلاقات العامة في الإذاعة ومصوراً لإحدى القنوات، وأصيب عدد من الصحافيين الذين كانوا معهما في تلك اللحظة القاسية من رحلة الموت إلى قانية.

العلاج

ظل ذياب كما يروي قرابة الشهر فاقداً حاستي النطق والسمع في اليمن، بعد ذلك تم تسفيره إلى الخارج للعلاج، "خلال سنة كاملة كنت لا أسمع ولا أنطق إلا شيئاً بسيطاً جداً بواسطة سماعات حصلت عليها، ولذلك اعتزلت الناس وقضيت حياتي منفرداً".

 عاد النطق بعد عام في مصر بعد دخوله مركزاً متخصصاً للعلاج بحسب قوله "الحمد لله أتحدث اليوم بشكل أفضل، لكن المفارقة تبدو واضحة حيث لا يزال الثقل مسيطراً على اللسان، أشعر به أنا ويشعر بصعوبة نطقي كل من يعرفني قبل الإصابة وبعدها، وإلى الآن لا أستطيع الظهور على الشاشة كما كنت سابقاً".

صعوبات

 تواجه المراسل خصوصاً في بلد كاليمن صعوبات كثيرة ابتداءً من الطرق التي يسلكها إلى مناطق المواجهات، وهي طرق محفوفة بالأخطار كالقنص والألغام، وإذا تمكنت من تجاوز كل هذا ربما تغتالك قذيفة أو رصاصة طائشة، أو تجد اشتباكات في المكان الذي ذهبت إليه وترى الدماء والإصابات، فيرى الموت مرات ومرات في اليوم الواحد بعض الأحيان.

ويمتلك الصحافي اليمني ذياب أرشيفاً كبيراً يحتوي على لقطات متنوعة للمواجهات العسكرية بين قوات الشرعية اليمنية وميليشيات الحوثي. وبعد ثماني سنوات وأكثر من الحرب الدائرة في البلاد، وتعرضه لإصابة بليغة جعلته طريح الفرش لأشهر طويلة بدأ ذياب يتمالك نفسه مجدداً، يتحدث بمشاعر الفخر "لقد دونا التاريخ من دون زيف، وتحدثنا عن أبطال الطلقة الأولى في مواجهة المشروع الحوثي وعن تضحياتهم في الشعاب والجبال والأرض اليمنية".

الخذلان كان أمر

لكن جميع ذلك في تقدير الشاطر يهون أمام الخذلان، الذي يصيب الصحافي ممن كان ينتظره في الميدان. ويقول "تعرضت شخصياً لخذلان كبير إثر إصابتي في جبهات مأرب أكثر من مرة، تركت وحيداً أصارع لأجل استكمال العلاج فلم أجد حتى رسالة الرد، تعرضت للخذلان أثناء العلاج وتركت بلا مصاريف شخصية لي ولمرافقي، حتى تعفنت جراحي".

وتابع "خذلان مرير سئمت بسببه الإعلام، على رغم أني كنت أعمل لقضيتي ووطني وكنت لا أحسب أي مردود لكني لم أكن أتوقع أن أحرم حتى من حقي في علاج يحفظ كرامتي وماء وجهي. تكلم معي عدد من الزملاء كي أتحدث عن قضيتي خلال السنوات الست الماضية فكنت أكابر وأصمت، لأني أحترم نفسي وأحب أن تبقى قضيتي وعملي مهاباً ومصوناً".

* نقلا عن إندبندنت