الرئيسية - الأخبار - زيارة الرئيس العليمي إلى روسيا: السياق التاريخي والأبعاد الاستراتيجية
زيارة الرئيس العليمي إلى روسيا: السياق التاريخي والأبعاد الاستراتيجية
الساعة 06:49 مساءً الثورة نت/ سام الغَباري

تمتد جذور العلاقات اليمنية الروسية إلى أوائل القرن العشرين، إذ كان اليمن أول دولة عربية تقيم علاقات سياسية مع الاتحاد السوفييتي السابق. 

جرى أول اتصال رسمي بين الطرفين عام 1927 وتُوّج بتوقيع معاهدة صداقة وتعاون عام 1928– وهي المعاهدة التي سيحتفل البلدان بذكراها المئوية بعد ثلاث سنوات. 

وفي عام 1955 شهدت العلاقات تحولًا مهمًا بإعلان إقامة علاقات دبلوماسية، تلاه تعيين أول مبعوث يمني في موسكو عام 1956 وافتتاح مفوضية سوفياتية في تعز في العام نفسه. 

وخلال الحرب الباردة، نشط الاتحاد السوفييتي في دعم كل من الجمهورية العربية اليمنية (الشطر الشمالي) وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (الشطر الجنوبي) مقدمًا لهما مساعدات سخية بدون مقابل.

وشمل الدعم السوفييتي مجالات عديدة منها بناء المستشفيات والجامعات وتأهيل الكوادر، فضلاً عن تزويد الجيش اليمني بالأسلحة والتدريب العسكري على نطاق واسع، حيث اعتمد اليمن لعقود على المعدات الروسية في قواته المسلحة.

وبعد تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990، اعترفت الجمهورية اليمنية الجديدة بروسيا الاتحادية كوريث شرعي للاتحاد السوفييتي، بما في ذلك التزامها بالمعاهدات السابقة. 

وفي تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية، استمرت روابط التعاون بين صنعاء وموسكو وإن كانت بوتيرة أهدأ بسبب انشغال روسيا بتحولاتها الداخلية. 

مع ذلك، شهدت تلك الفترة مبادرات هامة عززت الثقة بين البلدين، من أبرزها توقيع اتفاقية في موسكو أواخر عام 1999 شطبت روسيا بموجبها نحو 80% من الديون اليمنية المستحقة للاتحاد السوفييتي (حوالي 6.4 مليار دولار) في إطار تسوية ميسرة عبر نادي باريس. 

كما استمر التعاون الاقتصادي والتنموي، بما في ذلك إسهام الشركات والخبراء الروس في مجالات الطاقة والتنقيب والتعدين وتزويد اليمن بالقمح والمواد الأساسية. 

هذه الخلفية التاريخية الطويلة أسبغت طابعًا خاصًا من الصداقة على علاقات البلدين، وظلت روسيا خلالها داعمًا ثابتًا لليمن في المراحل المختلفة.

الأبعاد السياسية والاستراتيجية للزيارة

تأتي زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني الدكتور رشاد العليمي، إلى موسكو في ظل ظرف إقليمي ودولي معقد بالنسبة لليمن. 

فعلى الصعيد الداخلي، لا يزال اليمن يعاني من حرب أهلية مستمرة منذ عام 2015 بين الحكومة المعترف بها دوليًا وجماعة الحوثيين المدعومة إيرانيًا، رغم انحسار حدة المعارك مؤخرًا ودخول الصراع مرحلة تهدئة هشة.

إقليمياً، هناك حراك دبلوماسي تقوده السعودية وسلطنة عمان للتوصل إلى تسوية سياسية، في ظل تقارب سعودي-إيراني برعاية صينية يُعيد رسم توازنات المنطقة. 

وفي هذا السياق تسعى القيادة اليمنية إلى تنسيق المواقف مع مختلف القوى الدولية لضمان دعم موحد لجهود إحلال السلام واستعادة الدولة. 

زيارة العليمي إلى روسيا تُقرأ ضمن هذه الجهود، فهي تأتي لـبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية وتنسيق المواقف تجاه الملف اليمني وقضايا الأمن الإقليمي والدولي.

على الصعيد الدولي، تكتسب الزيارة بعدًا استراتيجيًا خاصًا بالنظر إلى مكانة روسيا كعضو دائم في مجلس الأمن وكلاعب دولي يسعى لتوسيع نفوذه في المنطقة. فموسكو انتهجت خلال النزاع اليمني سياسة حذرة توازن فيها علاقاتها مع جميع الأطراف. 

ورغم اعترافها بالحكومة الشرعية، حافظت روسيا على قنوات اتصال مع جماعة الحوثيين أيضًا، ودعت منذ البداية إلى حوار سياسي شامل بين اليمنيين. بل إن روسيا أجرت محادثات مباشرة مع الحوثيين عدة مرات خلال السنوات الماضية، تماشياً مع استراتيجيتها لإبقاء جميع الأطراف راضية وعدم الانحياز بشكل صارخ لطرف على حساب آخر. 

هذه المقاربة الروسية تعني أن لموسكو هامش تواصل وتأثير فريد قد يمكنها من لعب دور الوسيط أو على الأقل المسهّل بين الفرقاء، خاصة مع تمتّعها بعلاقة جيدة مع إيران الداعمة للحوثيين. 

ومن جهة أخرى، ترغب روسيا في ترسيخ حضورها الاستراتيجي في البحر الأحمر وباب المندب الحيويين للتجارة الدولية، مستعيدةً بعض النفوذ الذي تمتعت به إبان الحقبة السوفييتية حين كان لها وجود عسكري في جنوب اليمن. 

لذا فإن تعزيز التقارب الروسي- اليمني اليوم قد يخدم أهداف موسكو في منافسة النفوذ الغربي وإعادة التموضع عسكريًا وجيوسياسيًا قرب أحد أهم الممرات البحرية العالمية.

نتائج الزيارة المعلنة والاتفاقات الرسمية

تميزت هذه الزيارة– وهي الأولى رسميًا لرئيس يمني إلى روسيا منذ 12 عامًا– بطابع عملي ركز على إعادة تفعيل التعاون الثنائي في مختلف المجالات.

خلال لقاء القمة في الكرملين بتاريخ 28 مايو 2025، أكد الرئيس فلاديمير بوتين عمق علاقات الصداقة الروسية- اليمنية التاريخية التي تعود إلى عهد الاتحاد السوفييتي، مشيرًا إلى أن التعاون بين البلدين يمتد لنحو مئة عام منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية عام 1928. 

كما أشاد بوتين بتطور العلاقات التجارية والاقتصادية، موضحًا أنها شهدت نموًا ملحوظًا في مجالات التعدين والزراعة ومصايد الأسماك والطاقة، مع حجم تبادل تجاري سنوي يقارب 400 مليون دولار. 

وقد وجّه بوتين دعوة للرئيس العليمي للمشاركة في قمة “روسيا والعالم العربي” المقرر عقدها في موسكو في أكتوبر المقبل، مؤكدًا حرص روسيا على تطوير علاقاتها مع الدول العربية بالتنسيق مع جامعة الدول العربية.

من جانبه، عبّر الدكتور رشاد العليمي عن شكر اليمن لموسكو على دعمها السياسي والإنساني المستمر في مختلف المحافل الدولية، لافتًا إلى أن اليمن ما زال يتذكر المساعدات الروسية منذ الحقبة السوفيتية كإنشاء المستشفيات والجامعات. 

وأوضح العليمي أنه وجّه حكومته للإعداد للاحتفال بذكرى مرور مائة عام على العلاقات اليمنية الروسية في عام 2028، بما يعكس متانة هذه العلاقات. 

وعلى الصعيد العملي، أعلن الجانبان رغبتهما في تطوير التعاون الثنائي في شتى المجالات. ولم يُعلن خلال الزيارة عن توقيع اتفاقيات تجارية أو عسكرية محددة، لكن تم التفاهم على جملة من الإجراءات لتعزيز الشراكة الاستراتيجية مستقبلاً. 

فقد اتفق الرئيسان على تفعيل عمل اللجان الاقتصادية والفنية المشتركة لبحث الفرص الاستثمارية الروسية في اليمن، لا سيما في قطاعات الطاقة والكهرباء والزراعة والنفط، والتي سبق للجانبين التعاون فيها خلال عقود سابقة. كما تم التطرق إلى زيادة المنح الدراسية والتسهيلات المقدمة للطلاب اليمنيين في الجامعات الروسية، إلى جانب تسهيل إجراءات إقامة الجالية اليمنية في روسيا. 

ورغم غياب الإعلان عن مذكرات تفاهم جديدة أثناء الزيارة، فإن نبرة التصريحات الرسمية عكست دعمًا روسيًا قويًا للحكومة اليمنية الشرعية ورغبة موسكو في توسيع حضورها وعلاقاتها في اليمن على المدى البعيد.

فتح السفارة الروسية في عدن: الدلالات والتوقعات

من أبرز ما ركزت عليه المباحثات في موسكو كان موضوع إعادة افتتاح السفارة الروسية في العاصمة المؤقتة عدن. فقد أعرب الرئيس العليمي صراحةً عن أمله في أن تعيد روسيا فتح سفارتها في عدن قريبًا، معتبرًا أن هذه الخطوة ستعزز الحضور الدبلوماسي والتعاون المشترك بين البلدين. 

الجدير بالذكر أن السفارة الروسية لدى اليمن كانت قد أُغلقت وأجلِيَ موظفوها من صنعاء في نهاية 2017 بعد تدهور الأوضاع الأمنية هناك، ومنذ ذلك الحين يدير السفير الروسي أعماله الإقليمية من الرياض. 

لذا فإن عودة البعثة الدبلوماسية الروسية للعمل من داخل اليمن ستكون مؤشرًا مهمًا على تحسّن الظروف الأمنية واستعادة قدر من الاستقرار. 

كما أنها تحمل اعترافًا ضمنيًا بشرعية وسيطرة الحكومة اليمنية في عدن، خاصة وأن عدن أصبحت مقرًا مؤقتًا للسلطة منذ انقلاب الحوثيين وسيطرتهم على صنعاء. 

وقد أكد الجانب اليمني أن استئناف عمل السفارة الروسية في اليمن سيسهم في دعم استقرار اليمن واستعادة مؤسسات الدولة. 

بالنسبة لموسكو، فإن فتح السفارة في عدن يحقق عدة أهداف دبلوماسية واستراتيجية: فهو من ناحية يُظهر وقوف روسيا العلني مع الشرعية اليمنية، ومن ناحية أخرى يتيح لروسيا التواجد على الأرض لرصد التطورات عن كثب والتواصل المباشر مع مختلف الأطراف اليمنية. 

وفي تصريح لافت خلال القمة، أعلن الرئيس بوتين أن السفارة الروسية في اليمن بصدد استئناف عملها بالفعل، ما يدل على أن موسكو اتخذت قرارها السياسي بهذا الشأن. 

إذا ما تحقق ذلك عمليًا في القريب، فسيكون افتتاح السفارة في عدن تطورًا دبلوماسيًا بارزًا يؤشر إلى دخول روسيا كلاعب أكثر انخراطًا في الملف اليمني، وربما مقدمة لخطوات دعم أخرى على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

تأثير الزيارة على علاقات اليمن بالقوى الكبرى

يحمل انفتاح القيادة اليمنية على روسيا دلالات تتجاوز البعد الثنائي، ليؤثر على شبكة علاقات اليمن مع القوى الكبرى عالميًا. 

فمنذ اندلاع الحرب، اعتمدت الحكومة اليمنية الشرعية بشكل رئيسي على دعم التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات وبدعم سياسي ولوجستي من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. 

هذا التحالف الغربي-الإقليمي دعم الحكومة في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران. 

بيد أن المشهد الدولي آخذ في التغير؛ فمع انشغال واشنطن بالنزاعات الأخرى (كالحرب في أوكرانيا) وتزايد النفوذ الروسي والصيني في الشرق الأوسط، بات من الحكمة للدبلوماسية اليمنية تنويع شراكاتها. 

تعزيز التقارب مع موسكو يبعث برسالة مفادها أن اليمن منفتح على جميع الأقطاب ولا يرغب في أن يكون ساحة نفوذ حصري لطرف دون آخر. 

ومن المرجح أن ترحّب بكين– الحليف الاستراتيجي لروسيا– بهذه الخطوة أيضًا، إذ تنسجم مع مساعي الصين لتثبيت الهدنة في اليمن عبر تفاهمات دولية أوسع، عطفًا على دور بكين في رعاية التقارب السعودي الإيراني الذي انعكس إيجابًا على أجواء النزاع اليمني. 

في المقابل، ستراقب العواصم الغربية عن كثب تنامي الدور الروسي في اليمن. ومع أن واشنطن ولندن تدركان أن لموسكو تواصلاً قديمًا مع صنعاء، فإن توسع الحضور الروسي حاليًا قد يثير حذرًا غربياً إذا تجاوز الدعم الإنساني والدبلوماسي إلى تعاون عسكري واسع النطاق. 

حتى الآن، لا مؤشر على قيام روسيا بتزويد الحكومة اليمنية بأسلحة فتاكة جديدة، كما أن دعم التحالف الغربي للشرعية سيستمر على الأرجح. 

لكن وجود روسيا بشكل أوضح في المشهد اليمني يمنح حكومة العليمي هوامش مناورة أوسع ويضع أمام الدول الغربية واقعًا بأن صنعاء تستطيع اللجوء لبدائل أخرى دبلوماسيًا واقتصاديًا.

من جهة أخرى، قد يؤدي الحضور الروسي المتنامي إلى إعادة توازن في علاقات اليمن مع كل من طهران وواشنطن. فإيران، التي تُتهم بدعم الحوثيين عسكريًا، تربطها شراكة وثيقة مع روسيا (خاصة في ظل الحرب الأوكرانية)، وربما ترى في انخراط موسكو مع الحكومة اليمنية قناة تفاوضية غير مباشرة مع السعودية والأطراف اليمنية. 

وفي المقابل، الولايات المتحدة التي تقود جهودًا لمكافحة الإرهاب في اليمن (ضد تنظيمي القاعدة وداعش) وتؤمّن الممرات المائية، قد تجد فائدة في أي دور روسي يكبح جماح الحوثيين ويحول دون تهديدهم للملاحة الدولية. 

لكن هذا المشهد معقد؛ فالتنسيق الروسي مع كافة الأطراف يمنح موسكو أوراق ضغط على الرياض وواشنطن معًا. وقد رأينا اتهامات أمريكية في الآونة الأخيرة لموسكو بأنها دخلت في مباحثات سرية مع الحوثيين لنقل أسلحة متطورة إليهم، كصواريخ مضادة للسفن، عبر وساطة إيرانية. 

ورغم نفي أو عدم تأكيد تلك التقارير، إلا أنها تعكس حساسية التنافس الدولي في اليمن. 

في المحصلة، ستسعى القيادة اليمنية إلى الاستفادة من كل ذلك بحذر؛ فالتقارب مع روسيا يمكن أن يعزز موقفها التفاوضي ويضمن حضور صوتها في أي محافل دولية حول اليمن، بشرط ألا يُفسّر من الشركاء التقليديين كابتعاد استراتيجي عنهم.

الدور الروسي المحتمل في دعم الاستقرار والعملية السياسية وإعادة الإعمار

أكدت موسكو مرارًا دعمها لجهود وقف الحرب وإحلال السلام في اليمن. فخلال زيارة الوفد الروسي الرفيع إلى عدن في أكتوبر 2024، شدد المسؤولون الروس على التزامهم بدعم المبادرات الهادفة لوقف إطلاق النار واستئناف العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة. 

وفي لقاءات موسكو الأخيرة، جدد الرئيس بوتين تأييده لوحدة اليمن وسيادته ودعمه لحل سياسي يُنهي معاناة الشعب اليمني. 

هذا الموقف الروسي، وإن كان مبدئيًا، قابل للترجمة عمليًا عبر عدة مسارات: سياسيًا، تستطيع روسيا استخدام ثقلها في مجلس الأمن الدولي لضمان عدم تمرير أي قرارات أو مبادرات تضر بمصالح الشرعية اليمنية، وكذلك الدفع نحو قرارات تدعم التسوية السلمية المتفق عليها بين اليمنيين. 

كما أن انخراط روسيا في المشاورات الدبلوماسية قد يشكل عنصر ضغط على المتمردين الحوثيين للانخراط بجدية في مفاوضات الحل، خاصة إذا شعرت الجماعة بأن موسكو (حليفة طهران) تميل أكثر نحو دعم الحكومة الشرعية. 

بالمقابل، تستطيع روسيا التواصل مباشرة مع طهران لتنسيق الجهود ومنع أي تصعيد إقليمي عبر اليمن، مستفيدة من علاقاتها القوية مع الإيرانيين. هذا الدور كقناة خلفية بين الرياض وطهران مرورًا بصنعاء قد يساهم في تذليل العقبات أمام اتفاق سلام شامل في اليمن.

أما على صعيد إعادة الإعمار ودعم الاقتصاد، فمن المتوقع أن تسعى روسيا للحصول على حصة من كعكة إعادة البناء في اليمن متى ما وضعت الحرب أوزارها. فالخراب الواسع الذي لحق بالبنية التحتية اليمنية سيحتاج لمليارات الدولارات لإصلاحه، وقد أبدت دول الخليج استعدادًا مبدئيًا لتمويل جانب كبير من هذه العملية. 

في هذا الصدد، يمكن لروسيا أن تلعب دورًا عبر شركاتها الحكومية والخاصة في مشاريع إعادة الإعمار ولا سيما في مجالات الطاقة (إعادة تأهيل حقول النفط والغاز وخطوط الكهرباء)، والبنية التحتية (بناء الجسور والطرقات)، وتطوير الموانئ على البحرين العربي والأحمر. 

ولدى روسيا خبرة سابقة في تنفيذ مشاريع تنموية في اليمن خلال العصر السوفييتي، مما قد يشكل رصيدًا يمكن البناء عليه. 

إضافة إلى ذلك، قد تساهم موسكو بتخفيف أزمة الأمن الغذائي في اليمن عبر زيادة صادرات القمح والمنتجات الغذائية الروسية إلى الموانئ اليمنية، خاصة في ظل الاضطراب الذي شهدته سلاسل الإمداد الغذائي عالميًا.
 وستكون مساهمة كهذه موضع ترحيب دولي كونها تساعد في استقرار الأوضاع المعيشية وتمنع تفاقم الكارثة الإنسانية.

لا يغيب عن التحليل أيضًا الدور المحتمل لروسيا في إعادة تأهيل وتأمين قدرات الدولة اليمنية. فبجانب الدعم الاقتصادي، يمكن أن تعرض موسكو المساعدة في تدريب كوادر الأجهزة الأمنية والعسكرية اليمنية ضمن برامج مدروسة، استمرارًا لتقليد قديم حيث تخرّج آلاف العسكريين اليمنيين من الأكاديميات السوفييتية. 

وقد أشار الرئيس العليمي خلال زيارته إلى أن أحد أعضاء وفده هو خريج أكاديمية عسكرية روسية وسبق أن تولى وزارة الدفاع عام 2012، في إشارة رمزية إلى عمق التعاون العسكري التعليمي بين البلدين. 

وعلى المدى الطويل، قد تسهم روسيا في تحديث عتاد الجيش اليمني حين تتثبت أوضاع السلام، سواء عبر صفقات تسليح أو منح تدريبية، ما دام ذلك يتم بالتنسيق مع بقية الشركاء الدوليين لضمان الحفاظ على توازن القوى وعدم جر البلاد إلى سباق تسلح جديد.

باختصار، زيارة الرئيس رشاد العليمي إلى روسيا شكّلت محطة مفصلية في مسار العلاقات اليمنية مع إحدى أهم القوى الدولية. فهي من ناحية أعادت تسليط الضوء على الإرث التاريخي الغني للشراكة اليمنية الروسية، ومن ناحية أخرى فتحت آفاقًا جديدة لدور روسي أكبر في مستقبل اليمن. 

وبرغم أن الطريق إلى السلام الدائم في اليمن ما يزال مليئًا بالتحديات، إلا أن اصطفاف مزيد من القوى الكبرى لدعم الاستقرار فيه يبعث الأمل بإمكانية إنهاء هذه الحرب الطويلة. 

روسيا، بخبرتها وعلاقاتها ومصالحها، تبدو مرشحة للعب دور الداعم والشريك في المرحلة المقبلة، سواء عبر حضورها الدبلوماسي الفاعل أو استثماراتها الاقتصادية المنتظرة. 

وما إعلان بوتين عن قرب استئناف عمل السفارة الروسية في عدن إلا إشارة رمزية على جدية موسكو في المضي قدمًا بهذا الاتجاه. 

بذلك، قد تتحول موسكو إلى عنصر توازن مهم في الملف اليمني، الأمر الذي يُحسب لصالح القيادة اليمنية الساعية إلى إنهاء الحرب واستعادة الدولة بدعم من جميع الأصدقاء على الساحة الدولية.