الزميل "علي العقبي" يشارك في برنامج التبادل الإعلامي الدولي بالصين
اختتام المرحلة الأولى من حملة "وفق القانون" لتعزيز وعي الصحفيين بحقوقهم وواجباتهم
وزير الخارجية يغادر عدن متوجهاً إلى القاهرة للمشاركة في أعمال الدورة العادية الـ164
تشكيل قوة درع الوطن.. خطوة استراتيجية لحماية المهرة وتعزيز أمنها
المهرة: حملة رقابية تقودها السلطة المحلية تغلق محلات مخالفة وتحيلها للنيابة
الجيش السعودي في حرب فلسطين 1948: ملحمة الملك المؤسس وبطولات الجنود
اليمن يشارك في الاجتماع الوزاري للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في دورته الـ116
الرئيس العليمي يعزي الرئيس السوداني بضحايا الانزلاق الأرضي
افتتاح 10 فصول جديدة في مدرسة الشهيد الشدادي للبنات بمأرب
منتخبنا الوطني يفوز على نظيره السنغافوري في افتتاح تصفيات كأس آسيا تحت سن 23

مع اقتراب نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1948، وجدت الأمة العربية نفسها أمام تحدٍ وجودي، بعد أن تبنّت الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين: عربية ويهودية. القرار قوبل برفض قاطع من الدول العربية التي أعلنت أنها لن تسمح بقيام كيان صهيوني على أرض عربية.
وفي خضم تلك اللحظة التاريخية، أوفدت الهيئة العربية العليا برئاسة المفتي أمين الحسيني مبعوثًا إلى الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود– رحمه الله– لطلب المساعدة. فجاء الرد سريعًا وحاسمًا: تزويد الثوار الفلسطينيين بالذخيرة والبنادق، إلى جانب تبرع شعبي سعودي بلغ خمسة ملايين ريال، في مشهد يختزل مبكراً التلاحم بين القيادة والشعب.
أمر ملكي عاجل: جيش سعودي إلى فلسطين خلال 24 ساعة
اندلاع الحرب في مايو 1948 دفع الملك عبد العزيز إلى اتخاذ قرار استراتيجي بإرسال قوة سعودية نظامية إلى ساحة المعركة، وأمر وزير الدفاع حينها بتنفيذ الإرسال خلال 24 ساعة فقط.
غادرت الدفعة الأولى بالطائرات إلى القاهرة، فيما نُقلت بقية السرايا عبر البحر. وأسندت القيادة للعقيد سعيد بك الكردي، بمعاونة القائد عبد الله بن نامي. بلغ تعداد القوة ثلاثة آلاف ومئتي رجل، مجهزين بأسلحة متوسطة وخفيفة، بينها 36 هاون عيار 3 بوصات، و34 مدفع براوننج، و72 رشاش برف، و10 رشاشات عيار 50، إضافة إلى مدرعات وذخائر قدرت بـ 21,600 قذيفة هاون وأكثر من 165,000 طلقة.
الاستقبال الشعبي والرسمي
في 13 رجب 1367هـ (21 مايو 1948م) غادرت القوات السعودية الطائف باتجاه جدة وسط مظاهر حماسية شعبية، بالتصفيق والدعاء. وفي مطار القاهرة استقبلها الأمير منصور بن عبد العزيز وزير الدفاع، وجموع من المصريين، قبل أن تُرسل الأسلحة الثقيلة عبر البحر إلى ميناء السويس.
ساحات القتال: من غزة إلى دير سنيد
باشرت القوات السعودية القتال إلى جانب الجيش المصري على الجبهة الجنوبية لفلسطين. كانت أولى معاركها في بيت حانون شمال غزة، ثم مستعمرة “بيرون إسحاق”، حيث خاض الجنود السعوديون معارك التفاف واقتحام، دمّروا خلالها بئر المياه الذي يغذي ثلاث قرى.
ثم امتدت مشاركتهم إلى مواقع استراتيجية مثل: دير سنيد، أسدود، نجبا، المجدل، عراق سويدان، الحليقات، كراتيا، بيت طيما، بيت لاهيا، رفح، العسلوج، المنطار، الشيخ نوران. وفي كل موقع قدّم الجنود السعوديون نماذج في الشجاعة، رغم حداثة عمر التجربة العسكرية، وقلة التدريب مقارنة بالخصم.
معارك ضارية وصمود استثنائي
أبرز ما ميز الأداء السعودي لم يكن مجرد الحماسة القتالية، بل القدرة على خوض معارك معقدة بأسلوب يفوق خبرتهم الزمنية. ففي معركة “بيرون إسحاق” على سبيل المثال، اقتحم الجنود السعوديون الحصون المحاطة بالأسلاك وحقول الألغام، مسطرين ملامح انضباط وتضحية.
وفي غزة والمجدل ونيتسايم، خاضت القوات السعودية معارك استمرت لسبعة أيام متواصلة، أُشركت فيها كافة أنواع الأسلحة.
معركة عين خفر: حرب عصابات سعودية ضد لواء إسرائيلي كامل
إحدى الملاحم الكبرى جرت قرب قناة السويس في “عين خفر”. حيث صمد 8300 جندي سعودي أمام قوة إسرائيلية قوامها 31,600 جندي. أربعة أيام من القتال المتواصل تحولت خلالها المواجهة إلى حرب عصابات بقيادة اللواء مفلح التميمي، انتهت بأسر 476 جنديًا إسرائيليًا، ومقتل أكثر من 27 ألفًا، مقابل سقوط 1784 شهيدًا سعوديًا.
الهدنة.. ونقص السلاح العربي
رغم الانتصارات الميدانية، جاء قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار لمدة أربعة أسابيع كفرصة ذهبية لإسرائيل التي أعادت تسليح نفسها بمساعدة غربية، فيما بقيت القوات العربية تعاني نقصًا شديدًا في السلاح والتنسيق. هذا الخلل أدى لاحقًا إلى انتكاسة الجيوش العربية.
حصيلة الشهداء والبطولات
خلال الأشهر التسعة من المشاركة السعودية في حرب فلسطين، سقط 68 شهيدًا من القوة النظامية، بينهم 4 ضباط و5 وكلاء و8 نواب، والبقية من الجنود. كما بلغ عدد الشهداء السعوديين المتطوعين 88 شهيدًا آخرين.
واستمرت القوات السعودية مرابطة في مصر عامًا كاملًا تحسبًا لأي تطورات، قبل أن تعود إلى أرض الوطن حيث استقبلت استقبالًا شعبيًا ورسميًا مهيبًا.
التكريم والتخليد
كرم الملك فاروق عددًا من الضباط والجنود السعوديين بمنحهم أنواطًا ونياشين تقديرًا لبطولاتهم، فيما أمر الملك عبد العزيز بترقية كافة الضباط السعوديين المشاركين.
وقد وثّق كتاب “الجيش السعودي في حرب فلسطين 1948م” للباحث محمد بن ناصر الأسمري هذه المشاركة في مرحلتين: الأولى قبل دخول الجيوش العربية فلسطين، والثانية بعد دخولها ومشاركة السعودية النظامية بجانب القوات المصرية.
أسماء الشهداء الخالدين
سجّل التاريخ بأحرف من نور أسماء الشهداء السعوديين الذين ارتقوا في تلك الحرب. ومن أبرزهم: إبراهيم بن محمد العسيري، إبراهيم عبد الله ياسين، أحمد سعيد الزهراني، أحمد محمد القرني، حسين بن شار الشهري، سعد علي الشهري، صالح المطلق العتيبي، عبد الرحمن رافع العمري، عبد الله محمد طاسان، عطا الله قاسي العتيبي، علي حسن القحطاني، محمد زاهر الشهري، مسفر محمد الشمراني، ناصر محمد القحطاني، يحيى أحمد القرني، أحمد العسري… وغيرهم ممن خلدوا أسماءهم في وجدان الأمة.
خاتمة: ملحمة التأسيس وبصمة التاريخ
انتهت حرب فلسطين الأولى بتوقيع اتفاقية رودس في فبراير 1949، لكن مشاركة السعودية فيها لم تكن حدثًا عابرًا. فقد شكلت أول تجربة قتالية كبرى للجيش النظامي السعودي، وأثبتت قدرة المملكة– منذ عهد الملك المؤسس– على الالتحام مع قضايا الأمة، والتضحية بالغالي والنفيس في سبيلها.
بطولات الجنود السعوديين في فلسطين لم تقتصر على ميادين القتال، بل انسابت في الذاكرة الجماعية لتبقى شاهدًا على شجاعة الملك المؤسس وبسالة رجاله الذين كتبوا بدمائهم أولى صفحات التاريخ العسكري للمملكة.