الرئيسية - الأخبار - شعارات الحوثي.. فنّ الخداع وسقوط خطاب “المقاومة” الزائفة
شعارات الحوثي.. فنّ الخداع وسقوط خطاب “المقاومة” الزائفة
الساعة 04:04 صباحاً

 

بيان حماس الذي شكر ترامب كشف زيف الدعاية الإيرانية وأوهام الميليشيا الحوثية

خاص – صحيفة الثورة

في مشهد سياسي فاصل، جاء بيان حركة «حماس» الأخير، الذي وجّه الشكر للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأعلن القبول بخطة السلام المقترحة لإنهاء الحرب، ليكشف حجم الزيف الذي تعيش عليه مليشيا الحوثي في اليمن، ويعرّي ما بنته لسنوات من شعارات «المقاومة» و«نصرة فلسطين» التي لم تكن سوى أدوات تضليل سياسي وديني لخدمة أجندة طهران في المنطقة.

منذ اللحظة الأولى، تبيّن أن البيان لم يأتِ على ذكر الحوثيين لا تصريحًا ولا تلميحًا، في تجاهل واضح لمن كان يقدّم نفسه بوصفه رأس الحربة في مواجهة إسرائيل. هذا التجاهل لم يكن تفصيلًا بسيطًا، بل دلالة فاضحة على أن الحوثي لا يُحسب في معادلة «المقاومة» الحقيقية، وأن كل ضجيجه الإعلامي لم ينجح في منحه اعترافًا سياسيًا أو رمزيًا خارج حدود صنعاء.

بين خطاب الوهم وحقيقة الانكشاف

يقول الباحث السياسي اليمني عبدالكريم قاسم في حديث لـ«الثورة»:

«بيان حماس الأخير وضع حدًّا نهائيًا لخرافة الحوثي كممثلٍ أو نصيرٍ للقضية الفلسطينية، وأثبت أن ما يسمى محور المقاومة لم يكن سوى أداة بيد إيران لتوسيع نفوذها، بينما تتاجر بالفلسطينيين وبدماء العرب».

وأضاف قاسم: «حين تشكر حماس الرئيس الأمريكي ترامب على دوره في التوصل إلى صيغة إنهاء الحرب، بينما يرفع الحوثي شعار “الموت لأمريكا”، فإن المفارقة لا تحتاج إلى تعليق. إنها لحظة سقوط أخلاقي وسياسي لمشروعٍ بُني على الكذب والتضليل».

في المقابل، واصل إعلام الحوثي تكرار خطاب النصر الوهمي، مصورًا قبول حماس بالخطة الأميركية كـ«انتصار للثبات الفلسطيني»، رغم أن جوهر البيان حمل شكرًا صريحًا لواشنطن وجهات دولية كانت ولا تزال تستهدف الميليشيا نفسها في البحر الأحمر.

مرتزق إيران

المحلل السياسي يحيى الفقيه يرى أن «الحوثي لم يكن يومًا لاعبًا مستقلاً، بل مرتزقًا إيرانيًا ينفّذ أوامر الولي الفقيه في طهران». ويضيف:

«إيران تستخدم الحوثي كأداة تفاوض، تمامًا كما تستخدم حزب الله في لبنان وميليشياتها في العراق وسوريا. لكن اليمن دفع الثمن الأغلى؛ دُمّرت الدولة والاقتصاد، وتحوّل البلد إلى منصة لتجريب الصواريخ والطائرات المسيرة تحت غطاء المقاومة».

الفقيه يؤكد أن «البيان الحماسي الأخير لم يسقط الحوثي في الشارع اليمني فحسب، بل أسقطه أخلاقيًا أمام جمهوره الداخلي، لأن الفلسطينيين الذين زعم نصرتهم، تجاهلوه عمداً، وهو يعلم ذلك لكنه عاجز عن مواجهة الحقيقة».

سقوط الخطاب الديني الزائف

منذ اندلاع الحرب، حاول الحوثي ربط كل تحركاته العسكرية والسياسية بمفهوم «المقاومة الإسلامية»، مقتبسًا شعارات إيران وحزب الله، ومقدّمًا نفسه كجزء من جبهة تقاتل إسرائيل والولايات المتحدة. إلا أن الوقائع أثبتت عكس ذلك؛ فإسرائيل لم تتعرض لأي هجوم حوثي فعلي، بينما تلقى اليمنيون آلاف الصواريخ التي استهدفت مدنهم وقراهم بحجة مواجهة «العدوان الخارجي».

يقول أحد العلماء الزيديين في صنعاء – فضّل عدم ذكر اسمه – إن الحوثي «حوّل شعار المقاومة إلى عبادة سياسية»، مضيفًا أن «الناس أدركوا مع الوقت أن ما يفعله لا علاقة له بفلسطين، بل بتثبيت سلطة طائفية تتغذى على الكراهية والشعارات الدينية الزائفة».

ويضيف: «حين يستخدم الحوثي اسم القدس في خطبه، فإنه لا يقصد تحريرها من الاحتلال، بل استخدامها لتبرير استعباد اليمنيين».

من الوهم إلى العزلة

التطورات الأخيرة وضعت الحوثي أمام واقع صعب: فقدانه لخطاب “المظلومية الإقليمية” الذي كان يسوّق به نفسه في الداخل والخارج. ومع تقارب مواقف حماس مع واشنطن ودول المنطقة، وجد الحوثي نفسه خارج المشهد، معزولاً عن كل دوائر التأثير التي كان يدّعي الانتماء إليها.

يقول الصحفي اليمني نجيب اليافعي لـ«الثورة»:

«الحوثي اعتقد أنه يستطيع عبر رفع شعارات الموت لأمريكا وإسرائيل أن يصبح رقمًا إقليميًا، لكن ما جرى أثبت أنه مجرد ورقة منتهية الصلاحية في يد إيران. العالم لم يعد يشتري خطاب الكراهية، والحوثي لا يملك مشروع دولة، بل مشروع فوضى».

مفارقة المشهد

في الوقت الذي كانت فيه حماس تشكر ترامب على جهوده، كان الحوثي يحتفل في صنعاء بـ«النصر على الصهاينة». هذه المفارقة التي التقطها اليمنيون بمرارة، كشفت أن الحوثي يعيش في عزلة فكرية وسياسية، منفصلًا عن الواقع الإقليمي. فالمقاومة التي يتحدث عنها لا وجود لها إلا في إعلامه، بينما الحقيقة أن طهران تستخدمه لتقويض الاستقرار في اليمن ومضايقة الممرات البحرية.

تقول الكاتبة السياسية رهام الزبيري إن الحوثي «يعيش على الوهم، ويتغذى على الدعاية».

«لم يعد اليمنيون يصدقون خطاباته. كل ما فعله أنه دمّر اليمن باسم فلسطين، ثم تركه يغرق في الفقر والانقسام. بيان حماس كان كفيلاً بأن يُسقط آخر قناع عن وجهه»، تقول الزبيري لـ«الثورة».

الحوثي.. بين الهزيمة الميدانية والانكشاف الأخلاقي

يواجه الحوثي اليوم أضعف لحظاته منذ بداية الحرب. فالمعارك في الجبهات لا تحقق له مكاسب حقيقية، والعزلة الإقليمية تتسع، والخطاب الذي كان يمنحه بعض التعاطف الشعبي انهار تمامًا. أما تحالفاته مع إيران فباتت عبئًا سياسيًا عليه أكثر منها مصدر قوة، خصوصًا بعد تزايد الإدانات الدولية لهجمات البحر الأحمر التي تسببت بأزمات إنسانية وارتفاع تكاليف الشحن العالمي.

ويرى مراقبون أن الحوثي سيفقد تدريجيًا القدرة على تبرير جرائمه تحت لافتة المقاومة، بعد أن أصبح واضحًا للجميع أن لا صلة له بفلسطين، وأن كل ما فعله هو استدعاء اسمها لتبرير حربه ضد اليمنيين أنفسهم.

من «الموت لأمريكا» إلى استجداء الوساطة

المفارقة الأخرى أن الحوثي الذي يرفع شعار «الموت لأمريكا»، هو ذاته الذي يطالب بالوساطة الأمريكية في المفاوضات الجارية. ويؤكد دبلوماسي عربي في الرياض لـ«الثورة» أن «جماعة الحوثي وجّهت في الأشهر الماضية أكثر من إشارة غير مباشرة لواشنطن عبر وسطاء إقليميين، تطلب التهدئة والتفاهم».
ويضيف: «هم يدركون أن إيران لن تستطيع حمايتهم طويلاً، لذلك يسعون لتبديل خطابهم تدريجيًا، لكن بعد أن خسروا مصداقيتهم أمام الداخل اليمني».

دعاية بلا جمهور

تعيش الميليشيا اليوم مأزقًا إعلاميًا حادًا. فكل أدواتها الخطابية فقدت تأثيرها بعد أن اكتشف اليمنيون أن معاناتهم اليومية لا علاقة لها بما يجري في غزة أو فلسطين. الكهرباء المقطوعة، الرواتب الموقوفة، الانهيار الاقتصادي، كلها نتائج مباشرة لمغامرات الحوثي السياسية، التي غلّفت بشعارات كاذبة عن «الكرامة» و«المقاومة».

يقول الباحث الإعلامي ماهر الحاج لـ«الثورة»:

«أخطر ما فعله الحوثي أنه حوّل الدين إلى خطاب كراهية، والوطن إلى ساحة دعاية. لقد استخدم مصطلحات المقاومة لتبرير الفساد والقمع والتجويع، واليوم انتهت صلاحية هذه المصطلحات بعد أن انكشفت حقيقتها أمام الرأي العام».

الحقيقة الكاملة

إن تجاهل حماس للحوثي لم يكن مجرد صدفة، بل رسالة واضحة: أن من يعيش على الكذب لا مكان له بين الفاعلين الحقيقيين في معادلات الصراع. فالبيان الحماسي لم يذكره لأنه ببساطة لا يملك قيمة ميدانية ولا تأثيرًا سياسيًا. كل ما لديه شعارات ترفع في المسيرات، وخطابات جوفاء لا تغيّر شيئًا على أرض الواقع.

في النهاية، أثبتت الأحداث أن الحوثي ليس أكثر من أداة ضمن مشروع إيراني أوسع، يعتمد على الخداع والتلاعب بالعواطف الدينية لتوسيع النفوذ. أما فلسطين، التي يتاجر باسمها، فقد اختارت طريقًا آخر لا مكان فيه للشعارات الجوفاء ولا للوكلاء المأجورين.

لقد انتهى زمن الشعارات، وبدأ زمن الحقائق. والحوثي الذي أراد أن يكون «رقمًا إقليميًا»، لم يعد أكثر من هامش في دفتر إيران السياسي، بعد أن أسقط بيان حماس آخر أقنعته، وأثبت أن «فن الخداع الحوثي» لم يكن سوى مشهد طويل من الوهم انتهى عند أول اختبار حقيقي.