الرئيسية - محليات - صعدة.. موطن الصناعات الحرفية القديمة
صعدة.. موطن الصناعات الحرفية القديمة
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

عرفت صعدة منذ القدم كثيراٍ من الصناعات الحرفية الهامة التي اشتهرت وتفردت بها في عصور الجاهلية والإسلام فقد كانت موضع الدباغ في الجاهلية وفي العصر الإسلامي احتلت صناعة الحديد والفضة بصعدة مركز الريادة ومركز الإنتاج الأول لتغطية احتياج الأسواق اليمنية والأسواق القريبة في كثير من البلدان المجاورة. وبين هاتين الحرفتين تناثرت عدد من الحرف والصناعات الحرفية الأخرى التي اشتهرت بها صعدة ومناطقها فظلت عبر قرون طويلة سوقاٍ تجارية هامة على مستوى اليمن ونقطة التقاء تجارية بين شمال وجنوب الجزيرة العربية كفل استمرارية هذه الصناعات وتجددها وخلق مناخ حركة تجارية مزدهرة امتدت منذ القدم فأبدع الصعديون القدماء في دباغة الجلود وصناعتها لتلبية كثير من الاحتياجات للحياة اليومية حتى أطلق عليها في الجاهلية (موضع الدباغ) وظلت هذه الصناعة مزدهرة حتى القرن السادس الهجري ثم تلاشت نسبيا لتحل محلها صناعة الحديد التي بلغت أرقى مراحل ازدهارها بين القرنين السادس والعاشر الهجريين. النصال الصاعدية: إن ثمة آثاراٍ وشواهد تاريخية متعددة تشهد بقدم وشهرة مدينة صعدة كواحدة من أقدم مدن الصناعة القديمة في اليمن وعلى وجه الخصوص صناعة الحديد وكان من أهمها صناعة الخناجر والسيوف التي كان يطلق عليها النصال الصعدية أو النصال الصاعدية في الجاهلية وعصور الإسلام الأولى وذكر لسان اليمن ومؤرخها أبومحمد الحسن بن أحمد الهمداني في كتابه صفة جزيرة العرب أن النصال الصاعدية حسب ما ذكر له بعض علماء العراق من صنع صعدة باليمن وإنما يقال صاعدية بدلا من صعدية إذا اضطر شاعر في النظم وقد عرفت السيوف اليمانية بالجودة والمتانة وكان لها شهرة واسعة في كثير من الأمصار الإسلامية وكانت مبعث فخر اليمنيين الأوائل فسميت اليمانية نسبة إلى اليمن ومن السيوف الشهيرة الصمصامة سيف الشاعر والفارس عمرو بن معد يكرب الزبيدي والذي قيل أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أرسل رسولا إلى اليمن لإحضار السيف إليه والوقوف عليه في حكاية شهيرة لشدة سماعه عنه وكثرة الأوصاف التي وصفه بها عمر بن معد يكرب في أشعاره التي ضمنت في المذهبات من الشعر العربي. أفران لصهر الحديد وقد ازدهرت صناعة الحديد في صعدة خلال القرنين السادس والعاشر الهجريين وكان بمدينة صعدة القديمة لوحدها قرابة 700 حوي (دائرة صغيرة) بها 2100 فرن بدائي لصهر الحديد في كل حوي ثلاثة أفران وكانت هناك في مدينة مجز من بلاد جماعة أعداد كبيرة من هذه الأفران التي ظلت قائمة وصناعتها مزدهرة حتى النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري فأغلقت الحويات أبوابها وكانت مادة الحديد الخام تستخرج من جبال صعدة كـ(جبل كهلان) شرق مدينة صعدة وجبل رغافة شمال مدينة صعدة في بلاد جماعة وجبل خنفعر غرب صعدة ونسبة الحديد كبير في هذه الجبال يصل إلى 70% وكان يتم استخلاص الحديد ويكوم البقايا الخبث في أماكن محددة لعدم إمكانية الاستفادة منه وما زالت بقايا هذا الخبث متناثرة في كثير من أحياء صعدة وحولها إلى جانب الهضبة الكبرى داخل المدينة القديمة والتي هي تراكما لبقايا الصناعات الحديدية في صعدة وقد شيد عليها في 947هـ ما يعرف بـ(قشلة صعدة) على يد الأمير شمس الدين بن شرف الدين في زمن الاحتلال العثماني الأول لليمن. وكما ازدهرت صناعة الحديد في صعدة فإن تجارته ازدهرت أيضا وامتدت إلى كثير من البلدان العربية المجاورة وحتى تركيا وكان من بنود الصلح بين الإمام يحيى بن حمزة ووردسان ما اشترطه الاتابك سنقر بقيام الإمام بتوريد مائة حمل جمل من الحديد لوردسان في تركيا. وقد شملت صناعة الحديد في صعدة السيوف والخناجر والمعاول والزبر والفؤوس والصبرات المستعملة في قلع الصخور وحفرها ومتطلبات العمران والزراعة والحياة اليومية من المواقيد على اختلاف أنواعها والأَقفال على الأبواب (المراتج) بمختلف الأحجام وأضيف إليها بعض الشيء من النحاس الأصفر لاكتساب المرونة وصنعوا من الحديد كل المستلزمات بما فيها المسامير الطويلة الكبيرة الصلدة المدببة في نهايتها وفي واجهتها صفائح مدورة بحجم القطعة الذهبية والتي تستخدم لتزيين الأبواب الخشبية للدور والمساجد والحصون وبوابات المدن بحيث تبدو من خارجها وكأنها مرصعة بالمعادن النفيسة وكانت المراتج (المغالق القديمة) عبارة عن مغالق خشبية صلدة على شكل قطع مستطيلة بها منايم وفتحات وتثبت على جانب الباب تدرج عند إغلاقها في برواز حديدي قوي في المصرع الآخر للباب فتصبح محكمة الإغلاق وتنوعت هذه المراتج وتطورت صناعتها بصورة مستمرة. وكانت بمدينة صعدة حتى وقت قريب أسواق متخصصة لبيع المصنوعات التي تعتمد على الحديد وكان آخر هذه الأسواق سوق المفرصين في حارة الجربة أحد أحياء صعدة القديمة وكما هو معروف فإن هذه الفرص تستخدم لتقطيع الأخشاب والصخور وقد تلاشت هذه الأسواق بفعل المصنوعات المماثلة والمستوردة المعتمدة على الآلات والمعدات الصناعية وبالتالي أقل تكلفة من المصنوعات المحلية اليدوية. صناعة البارود وفي أوائل القرن العاشر الهجري ظهرت البندقية في اليمن في زمن احتلال الشراكسة لليمن الاحتلال العثماني الأول وقد أدخل الإمام شرف الدين بن شمس الدين آنذاك تحسينات كثيرة على هذه البنادق وفي عهده تم صناعة أحجام للرصاص مختلفة أبو فلقتين وثلاث والذي كان عاملا لبروز صناعة البارود في صعدة وصناعة ذخائر الأسلحة والاهتمام بهذا الجانب الصناعي المهم الذي ما زالت صناعته قائمة حتى اليوم في سوق الطلح من مديرية سحار شمال مدينة صعدة بـ10 كيلومترات حيث يتم تعبئة الظرف الفارغ للطلقات من جديد ويطلق عليه (معبر معوض). وقد تفنن الصناعيون في هذا الجانب فأستطاعوا تقليد كثير من اجزاء السلاح وقطع البنادق المختلفة وصناعة المدافع الصوتية التي كانت تستخدم في رمضان وفي الأعياد والمناسبات والشعائر الدينية المختلفة وفي صناعة المتفجرات المختلفة وقد ذاعت شهرة سوق الطلح بصعدة طوال نصف قرن مضت لارتباطه بصناعة وتجارة السلاح فظل أول وأكبر سوق للسلاح في اليمن وأكثرها شهرة واذيعها صيتا حتى اغلاقه قبل عقد زمني من اليوم. اليهود وصناعة الفضة كما اشتهرت مدينة صعدة بصناعة النحاس حيث كانت تصنع من النحاس الأدوات المنزلية والتحف ومقابض الأسلحة البيضاء واغمدتها الطبول كالطاسة والمرفع وصناعة الآواني التي تضفي لمعات جمالية للمجالس والدواوين داخل البيوت وزخرفة المصنوعات الخشبية للمباني والمنازل والدور والمساجد والحصون وارتباط هذه المصنوعات بالزينة العامة. أما صناعة الفضة فقد اشتهرت بها صعدة شهرة كبيرة لا نظير لها في اليمن حتى نهاية القرن الرابع عشر الهجري وكانت هذه الصناعة محصورة على اليهود الذين يقطنون في تجمعات سكانية بسيطة في عدد من مناطق محافظة صعدة كمدينة صعدة وغرير بآل سالم وفي الهجر بحيدان والمهاذر والصحن والصحن بسحار فقد كان اليهود رواد صناعة الفضة في صعدة واليمن عموماٍ ومن أهم المصنوعات الفضية القديمة بصعدة صناعة الحلي الفضية المتنوعة والخواتم المنقوشة والمغصصة وصناعة المكاحل والمطابق والمباسم والحلق وأغمدة الخناجر والعسوب الفضية وشكلت صعدة سوقاٍ متفردة لبيع وصناعة الفضة وقد تأْثرت صناعة الفضة كثيراٍ في سبعينات القرن الماضي نتاج هجرة يهود صعدة حيث أخذوا معهم مطابع صناعة الفضة وتقنيات وفنيات وخبرات هذه الصناعة التي لقيت رواجاٍ كبيراٍ وكانت الأسواق المحلية اليمنية وخارج اليمن تشكل سوقاٍ رائجا للمصنوعات الفضية الصعدية المتسمة بالجودة والدقة والابداع وفي مطلع التسعينيات ازداد غلاء المواد الخام لهذه الصناعة فانحصرت كثيراٍ . غلاء المواد الخام وبحسب قول خرسان حيم وأخيه يهود أحيم فإن الصناعات الفضية التي يقوم بها اليهود في صعدة حالياٍ تتمثل في صناعة المكاحل والعسوب الفضية والمطابق والمباسم والحلق وبعض المصنوعات الخفيفة والبسيطة أما المصنوعات الفضية الكبيرة فقد انتهت لأن المهاجرين الأوائل من اليهود إلى إسرائيل أخذوا معهم مطابع الفضة عند رحيلهم وأخذوا كل ما هو قيم ومهم ولم يتركوا سوى الشيء البسيط وفكرة العمل البسيط حالياٍ يتم تسخين السلك الفضي وصهره وتشكيله حسب الحاجة إلا أن المواد الخام أصبحت غالية جداٍ فالعدني قيمته 450 ريالاٍ للربع كيلو جرام آنذاك كما أن أسواق بيع المصنوعات الفضية في صعدة ضعفت كثيراٍ وقل الاقبال على الفضة كما أن اقبال السياح على شرائها قليل وهذا ما يدفعنا إلى ترحيل المصنوعات إلى صنعاء لبيعها لكن المنافسة على شراء واستيراد المصنوعات الأجنبية لم تدع لنا مجالاٍ للابداع في هذه الصناعة اليوم إلى جانب ذلك نحن نبيع ونشتري بالفضة ونستطيع التمييز بين كل أنواعها ومستوى جودتها وفي الأسواق تباع مصنوعات فضية قديمة لكن كل شيء بثمنه. فرياح التغيير في الحياة المعاصرة انهت كثيراٍ من الصناعات القديمة كصناعة الحديد والفضة والنحاس وأسدلت الستار عليها بفعل التقنيات الحديثة ودخول الآلات في هذه الصناعة منذ وقت مبكر في كثير من دول العالم وافرزت صناعات أجنبية منافسة في القيمة وتقنية الصناعة لم تستطع الصناعات المحلية الصمود أمامها ولم يتبق اليوم سوى بقايا من بقايا لموروثات هذه الصناعات تزين بها واجهات المحلات المتخصصة لبيع مصنوعات قديمة وتحف للسياح الوافدين أو مقتنيات محفوظة في بيوت ومنازل بعض الأسر ولم تعد سوى للذكرى فقط فكل احتياجات الناس اليوم تأتي من كل حدب وصوب من خارج البلاد. الألواح الحجرية المكتوبة ومن الفنون الابداعية والصناعات اليدوية القديمة التي عرفتها صعدة واشتهرت بها لأكثر من عشرة قرون خلت فن النحت في البلق وصناعة الألواح الحجرية المكتوبة على أضرحة الموتى حيث يعود تاريخ بعض الألواح القديمة إلى القرن الثالث الهجري مثل الألواح الموجودة في مشهد الأمام الهادي وأبنائه بجامع الهادي بصعدة وفي مقبرة صعدة الكبرى مقبرة القرضين والفكرة ترتكز على قطع الواح مستطيلة من حجر البلق الأصم القادر على مقاومة الزمن والبقاء مئات السنين وفق احجام واشكال تتناسب مع ضريح الميت ثم يتم العمل على تصميمها وزخرفتها من أطرافها وكتابة مضمون الترثية للمتوفي بما في ذلك مولدة وتاريخ وفاته ونسبه الكامل واسمه وجليل أعماله وصفاته في حياته الأولى وسورة أو سورتين قصيرتين في القرآن الكريم وأبيات شعرية من أجمل قصائد رثائه إن وجدت وهذه الألواح تمثل تخليداٍ للإعلام من الحكام والعلماء والفضلاء والأئمة والقضاة الإعلام ولهذا الفن الإبداعي خصوصياته وفنونه ومن خلاله تمت معرفة الكثير من المعلومات التاريخية الدقيقة والهامة لأحداث التاريخ المختلفة وتواريخ العلماء والإعلام والأئمة في صعدة على مدى أكثر من عشرة قرون كاملة. ويقول الأستاذ والأديب الفاضل محمد جمعان بن عبدالله الزويد أحد محترفي ورواد هذه الصناعة في صعدة أن لكل قرن مبدعيه ورواده في هذا المجال ومن ابرز من عملوا فيها عبدالله بن عبدالله بن صديق المطلالي في القرن السابع الهجري ويحيى بن حسن البشري وأحمد بن حسين بن إبراهيم البشري في القرن التاسع الهجري وفق ما توضحه الألواح المكتوبة في المشاهد والمقابر التاريخية بصعدة واهمها مقبرة القرضين أكبر مقابر اليمن وثاني مقابر الوطن العربي. وعن طبيعة صناعتها يقول: يتم جلب حجر البلق الأصم من مناطق المهاذر وغيرها وهي أحجار مخصصة لهذا الغرض نظراٍ لقوة تحملها وصلابتها ومقاومتها لتقادم الزمن حيث تظل باقية لمئات السنين بنقوشها وكتاباتها ويتم قطعها إلى قطع مناسبة حسب الطلب فبعض الاحجار طولها 1 – 1.25 متر وعرض 9 سم ومنها ما طولها 60 سم في عرض 40 سم أما سمكها فيصل من 6-8 سم وتكون واجهة اللوح ملساء تماماٍ وعليها يتم نقش وكتابة ما يراد كتابته. كما أن هناك نوعاٍ آخر من الاحجار السوداء الصلدة استخدمت لهذا الغرض خلال القرنين السادس والسابع الهجريين إلا أنها صغيرة الحجم ويوجد الكثير من شواهدها في مقبرة صعدة القرضين التي تعد من أقدم المقابر وأكبرها في اليمن عامة.