الرئيسية - دنيا الإعلام - اليمن: محاولات رسمية للسيطرة على الصحف المستقلة
تقرير دولي يكشف عن إستراتيجية رسمية لاحتواء الصحافيين الميالين للجرأة
اليمن: محاولات رسمية للسيطرة على الصحف المستقلة
الساعة 12:00 صباحاً البديل - عادل عبدالمغني

انتقد تقرير دولي حديث أسلوب تعامل السلطة مع وسائل الإعلام وحملات القمع والتهديد والتهم الملفقة بالإرهاب التي تعرض لها عدد من الصحفيين اليمنيين.
ولفت التقرير الصادر عن لجنة حماية الصحافيين (ومقرها نيويورك) إلى أن «القمع السافر لوسائل الإعلام لم يختفِ تماماً. فما زالت الأجهزة الأمنية تقمع بشدة المراسلين الصحافيين في الشوارع وان مثل هذا القمع الظاهر أصبح انتقائيا أكثر من ذي قبل».
وتطرق التقرير الذي صدر الخميس الماضي وتناول وضع الصحافيين في الدول العربية في العام 2007م  -  إلى «ممارسات الفصل من العمل، والتهديدات من خلف الستار، والملاحقات القضائية بتهمة التشهير التي رفعهتا أطراف ثالثة، والتهم الملفقة بالإرهاب" مستدلا على ذلك بما تعرض ويتعرض له الزميل عبد الكريم الخيواني, مشيرا إلى أن عددا من الحكومات العربية بينها اليمن صارت "محترفة بتشويش الحقائق، وأخذت تنادي بإصلاحات شكلية لوسائل الإعلام مصممة للاستهلاك العام بصفة أساسية". 

ورغم فداحة الأضرار التي لحقت بحرية الصحافة في المنطقة جراء مثل هذه الممارسات إلا أن الحكومات العربية وعلى رأسها اليمن ومصر عازمة على الاستمرار في تكمييم الأفواه والالتفاف على حرية التعبير بطرق وأشكال مختلفة.
وبحسب التقرير - الذي حصلت "البديل " على نسخة منه - فإن  «الحكومات الاستبدادية غير عازمة على إسكات وسائل الإعلام الناقدة بقدر ما هي مصممة على السيطرة عليها من خلال استخدام أسلوب العصا والجزرة , فالأنظمة من مصر إلى اليمن أخذت تروج تعديلات شكلية على
قوانين الإعلام التي ظلت تستخدم للسيطرة على الصحافيين وتلاعبت الحكومات العربية أيضا بعملية إصلاح وسائل الإعلام".
وقال التقرير أن الأخطر من ذلك هو إشاعة الحكومات العربية لوهم التغيير في قطاع وسائل الإعلام المسموعة والمرئية ذي التأثير الكبير، والذي يظل معقلا لسيطرة الحكومة كما هو حاصل في اليمن.

مراوغة:
وتحت عنوان «بعيداً عن الأنظار... نوع جديد من القمع» تحدث التقرير - الذي تضمن تحليلاً عاماً عن وضع الصحافيين في الشرق الأوسط, - عن «أساليب المراوغة التي تستخدمها الحكومات العربية بصفة متزايدة لخنق وسائل الإعلام المستقلة، وفي الوقت نفسه لتخفيف التوبيخ الدولي إلى الحد
الأدنى». وأكد أنه «في عالم اليوم المترابط، حيث يمكن للمعلومات حول الإساءات للحقوق أن تعبر العالم خلال دقائق، لم يعد بإمكان الحكومات أن تقمع حقوق الإنسان بوحشية كما كانت تفعل خلال عقد التسعينات، كما أن إدراكها بأن ممارستها للقمع بصورة سافرة قد تضر بمكانتها الدولية وتكلفها
ثمنا باهظا من ناحية المساعدات الأجنبية والاستثمار الخارجي، لذلك فقد أخذت تتظاهر بانتهاجها الإصلاح الديمقراطي في حين لجأت إلى أشكال خفية من السيطرة على وسائل الإعلام. ووجدت تلك الحكومات أن المجتمع الدولي يستسيغ سياسيا التحكم المراوغ بوسائل الإعلام أكثر مما يستسيغ
السيطرة المباشرة » وهو ما دفع بالحكومات العربية إلى وضع استراتيجيات جديدة لاحتواء الصحافيين الميالين إلى ممارسة عملهم بشيء من الجرأة الذين ظهروا خلال العقد الأخير».
وتطرق التقرير إلى التحليل الذي رصده باحث العلوم السياسية، ستيفن هايدمان، في تقرير صدر عن مؤسسة بروكينغ في أكتوبر 2007،  والذي قال فيه: «نشأ في السنوات الأخيرة نموذج جديد من الحكم الاستبدادي في عدد من الدول العربية الرئيسية، وهو نتاج خبرات التجارب والأخطاء أكثر مما هو مخطط مقصود، فقد تكيفت الأنظمة العربية مع الضغوط لتحقيق التغيير السياسي من خلال تطوير استراتيجيات لاحتواء وإدارة المطالبات بنشر الديمقراطية ».
واختتم التقرير بالتأكيد أنه «يتعين على الجهات المانحة وجماعات حقوق الإنسان والجهات المنهمكة في نشر الديمقراطية، أن تعيد التفكير في استراتيجياتها كي تأخذ في الاعتبار الأساليب الجديدة التي تستخدمها الحكومات الاستبدادية... أما جماعات مناصرة حرية الصحافة، فيتعين عليها السعي نحو رفع الكلفة السياسية والاقتصادية التي ستتكبدها لحكومات بسبب دوسها على حرية الصحافة. ويمكنها أن تبدأ بالكشف عن لإصلاحات الزائفة لقوانين الإعلام، وإزالة القناع عن الاعتداءات الخفية على الصحافة، وممارسة الضغوط على صانعي السياسة لتطوير معايير ذات معنى للتغيير. أما الجيوب المتناثرة لحرية الصحافة في المنطقة، فستتلاشى إذا لم يتصدَ الصحافيون لهذا التحدي الجديد ».

عام جديد للقمع:
يأتي ذلك في الوقت الذي دشنت فيه الحكومة اليمنية العام الجديد 2008 بشن حملة شعواء ضد الصحف المعارضة والمستقلة والتحريض ضد الصحفيين واتهامهم بالخيانة والعمالة ومفردات أخرى توحي بتوجه رسمي لتكميم الأفواه والقضاء على ما تبقى من هامش ديمقراطي ضيق.
وبدءا برئيس الجمهورية الذي كال جملة من الاتهامات ضد الصحافيين التي تضمنت تحريضا واضحا ضدهم في أكثر من حديث له منذ مطلع العام بينها خطاب أمام منتسبي المؤسسة العسكرية, فإن رئيس الوزراء هو الآخر لم يخفي التحامل الرسمي ضد الصحف والمواقع الحزبية والمستقلة
, إلى جانب نائبه ووزير الداخلية الدكتور رشاد العليمي, الذي وجه انتقادات حادة لوسائل الإعلام, وتساؤلات تدعوا إلى العنف والقطيعة بين أحزاب المعارضة, مستغربا في محاضرة له أمام قادة أمنيين تحالفهم في إطار اللقاء المشترك.
ولضرورات البقاء في المنصب فقد كان  لوزير الإعلام حسن اللوزي نصيب الأسد في التحريض ضد الصحفيين والذي وصل حد تهديدهم باتخاذ إجراءات صارمة بحقهم عندما تناسى انه وزير إعلام لعهد ما بعد الشمولية,حين استعاد الشهر الماضي محاضرة من أرشيف الثمانينات, حملت وعيد لكل من تسول له نفسه الكتابة ضد النظام الذي يندرج بنظر الوزير ضمن الثوابت الوطنية التي لا يجب تجاوزها.
وفي آخر تقليعة له اصدر اللوزي توجيهاته بالنزول إلى الصحف وتفتيشها  ومراجعة حساباتها المالية ومعرفة مصادر التمويل .
ويبدوا أن الحكومة محتارة من استمرار صدور الصحف الحزبية والمستقلة غير الموالية للسلطة رغم التضييق عليها ومنع كل ما من شانه أن يرفدها بالمال.
كما يبدوا أن العام الحالي سيتجاوز بكثير ما شهده العام  الماضي 2007 من انتهاكات ضد الصحف والصحفيين في اليمن, غير أن ذلك لن يثني الأقلام الشريفة عن الاستمرار في الدفاع عن قضايا الوطن المستباح.