الرئيسية - تقارير وحوارات - الانتقام من النازحين .. الوجه الآخر للحرب الحوثية على مأرب (عام من الاستهداف)
الانتقام من النازحين .. الوجه الآخر للحرب الحوثية على مأرب (عام من الاستهداف)
الساعة 07:50 مساءً الثورة نت/ تقرير - فارس السريحي

 

  • تحتضن مأرب 2 مليون و 231 ألف نازح بنسبته 60% من نازحي اليمن.
  • رصد "الثورة نت" تعرّض 30  مخيماً في أطراف مارب خلال عام
  • أسفر استهداف الحوثيين للمخيمات عن نزوح 23657 أسرة مرة أخرى

للسنة الثانية على التوالي، تشن مليشيا الحوثي الانقلابية، حملات عسكرية مستمرة باتجاه محافظة مارب، حشدت لها إمكانيات بشرية ومادية ضخمة، ورمت بكل ثقلها في هذه المعركة في محاولة للسيطرة على المحافظة الغنية بالنفط والغاز.
وفي حين اقتصرت اهتمامات الرأي العام المحلي والدولي، على الجوانب العسكرية والسياسية والاقتصادية لهذا التصعيد، إلا أن التداعيات الناجمة على الجانب الإنساني والذي هو الأكبر والأخطر منذ اندلاع الحرب، هو الجزء الذي لم يلق حقّه من الاهتمام والمواقف وبالأخص من قبل منظمات حقوق الإنسان الأممية والدولية، وحتى من الأمم المتحدة نفسها والتي اكتفت- طيلة هذه الفترة وما تزال- بنوبات متفرقة من "القلق".
مدينة النازحين

تحتضن محافظة مارب التي باتت تعرف بمدينة النازحين أكبر تجمع للنازحين على مستوى البلاد، فمنذ الانقلاب الحوثي على الشرعية الدستورية عام 2014، استقبلت مارب (318,714) أسرة نازحة من مختلف المحافظات، ويبلغ إجمالي عدد أفرادها (2,231,000) نازح، بما نسبته 60% من إجمالي النازحين في اليمن، وبما يساوي 7.5% من إجمالي سكان الجمهورية اليمنية.
هذا العدد الهائل من النازحين شكّل ضغطاً على السلطة المحلية التي تكافح منفردة لتوفير احتياجات هذه الكتلة البشرية الضخمة، في مجالات التعليم والصحة والكهرباء وغيرها من الخدمات، في ظل التدخلات الإنسانية والإغاثية المحدودة من قبل المنظمات الأممية والدولية العاملة في المجال الإغاثي والإنساني في اليمن.
جرائم حرب

وبدأت الهجمات الحوثية المكثّفة على مارب منذ مطلع العام 2020 وما تزال مستمرة حتى الآن، ورغم أنها فشلت في تحقيق أي تقدم استراتيجي على الأرض، إلا أنها نجحت في تهجير آلاف الأسر من مخيمات النزوح المتواجدة في المناطق والمديريات بأطراف المحافظة، معظم هذه الأسر سبق وأن تعرّضت للتهجير أكثر من مرّة.
ورصد "الثورة نت" تعرّض 31 مخيماً وتجمعاً للنازحين في أطراف محافظة مارب، وفي المديريات المحاذية لها والتابعة لمحافظات الجوف وصنعاء والبيضاء، والتي تشرف عليها السلطة المحلية بمحافظة مأرب للاعتداءات المباشرة من قبل مليشيا الحوثي، ما تسبب في تهجير الساكنين فيها خلال الفترة من فبراير 2020 إلى فبراير من العام الجاري 2021.
وتنوعت هذه الاعتداءات بين قصف المخيمات بالصواريخ البالستية وبقذائف المدفعية أو بزراعة الألغام والعبوات الناسفة، أو بقصف خزانات المياه والمصالح الخدمية التي تعتمد عليها الأسر النازحة وتدميرها، أو من خلال اقتحام هذه المخيمات ونهبها وتحويلها إلى ثكنات عسكرية واتخاذ النازحين فيها كدروع بشرية.
وبلغ عدد الأسر التي تعرّضت للتهجير من مخيمات وتجمعات النزوح في هذه المناطق أكثر من (٢٣,٦٥٧) أسرة، توزعت على مخيمات وتجمعات سكنية في مدينة مارب، والمديريات المحيطة بالمدينة.
ومنذ مطلع فبراير 2021، أصبحت مخيمات النزوح في مديرية صرواح هدفاً مباشراً للقصف والحصار والعدوان الحوثي، ما أدى إلى إصابات في أوساط النازحين، قبل أن تقتحم بعض هذه المخيمات وتمنع الأسر من النزوح وتتخذها دروعاً بشرية، في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ما تزال خارج اهتمام الأمم المتحدة التي يتهما اليمنيون بالتواطئ مع المجرمين. 
بداية مسلسل الجرائم

وقال مسؤول المخيمات في الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين بمحافظة مارب، الدكتور خالد الشجني، في تصريح لـ"الثورة نت" إنه في فبراير 2020 اعتدى الحوثيون على "مخيم الخانق" الذي يقع في منطقة حريب نهم شرق محافظة صنعاء، ما تسبب في تهجير كامل الأسر في المخيم وعددها 1300 أسرة.
ويضيف الشجني، أنه في الوقت نفسه، اعتدت مليشيا الحوثي على 7 مخيمات للنازحين متوزعة على مديرية مجزر شمال مأرب، ما أدى إلى تهجير قرابة 3000 أسرة كانت تسكن في تلك المخيمات.
وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، قد أكد تعرّض "مخيم الخانق" الذي يقع بمديرية مجزر، لقصف مدفعي بتاريخ 26 يناير 2020، وعلى إثره غادرت حوالي 1550 أسرة غادرت المخيم متوجهة إلى منطقة مدغل أو مدينة مأرب.
مأساة الجوف

الاعتداء الأوسع، هو ما شهدته محافظة الجوف، من تهجير ممنهج للنازحين جراء العدوان الحوثي على المحافظة التي تضم آلاف النازحين، وخصوصاً بعد اجتياحها مدينة الحزم في مارس 2020، ما تسببت في أكبر عملية نزوح وتهجير.
وفي هذا السياق يوضح نجيب السعدي، رئيس الوحدة التنفيذية لمخيمات النازحين في اليمن، أنه منذ سيطرة الحوثيين على مدينة الحزم مطلع مارس 2020 وحتى 26 من الشهر نفسه، بلغ إجمالي عدد الأسر التي نزحت من الجوف إلى مأرب نحو 11 ألف أسرة معظمها كانت قد نزحت إليها من محافظات صنعاء وصعدة وعمران. 
وبحسب تقرير أصدره مكتب حقوق الانسان بمحافظة الجوف، فإن من بين الأسر النازحة التي نزحت مجددا إلى مأرب 126 أسرة تعثّرت في الصحراء أثناء النزوح، فيما تعرضت 219 أسرة للسرقة والنهب أثناء النزوح من قبل خلايا وعناصر حوثية.
وتعد الفترة من أبريل 2020 إلى أغسطس من العام ذاته، هي الأسوأ على النازحين في مارب، ففي حين كانوا يكافحون لمواجهة الأضرار التي تسببت بها الأمطار الغزيرة والسيول الجارفة التي شهدتها المحافظة، استمرت المليشيا في اعتداءاتها على النازحين في المديريات الشمالية والغربية لتضاعف من معاناتهم بشكل أكبر وتفرض عليهم خيارات أخرى أشد قسوة.
وفي أغسطس 2020، تعرّضت مخيمات النازحين في مديرية مدغل غرب محافظة مأرب، والتي تبلغ 15 مخيمًا، لاعتداءات مباشرة من قبل مليشيا الحوثي بالتزامن مع هجمات عسكرية مكثّفة شنتها على أطراف المديرية.
ويؤكد خالد الشجني، لـ"الثورة نت" أن هذه المخيمات تعرضت للقصف بالمدفعية الحوثية، وبعضها تعرضت للإحراق، فيما تعرّضت مساكن المدنيين والنازحين بالمديرية للنهب، والبعض زرع فيها ألغام وعبوات ناسفة لإجبار ساكنيها على النزوح.. مؤكداً أن قرابة 1860 أسرة نازحة كانت تتواجد بمديرية مدغل تم تهجيرها بالكامل إلى مناطق أخرى بمارب.
وفي 29 أغسطس، استهدف الحوثيون بئر المياه بمديرية مدغل، بقصف صاروخي ما أدى إلى تميره، والذي كان يعد المصدر الوحيد لتزود أبناء المديرية ومخيمات النزوح فيها بالمياه العذبة. وبحسب تصريح سابق لمدير الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين بمأرب سيف مثنى، فإن هدف الحوثيين من تدمير البئر هو "قطع المياه عن سكان المديرية والأسر النازحة في مخيمات النزوح بالمديرية وهي (الزبرة، السمرة، آل راصع، الخريبة، والحصور)، وإجبارهم على المغادرة رغم بعدهم عن مناطق المواجهات".
وأوضح تقرير أصدرته الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين، التابعة لمجلس الوزراء، بتاريخ 20 أغسطس 2020، أن بعض هذه الأسر نزحت للمرة الثانية أو الثالثة، حيث سبق واستقبلتهم مديرية مدغل كنازحين في أوقات سابقة.. مؤكداً أن بعض هذه الأسر "خرجت سيرًا على الأقدام تاركين كل ما لديهم من مأوى وإيواء الذي لم يتلف مـن آثار السيول والرياح التي شهدتها المديرية قبل أيام من العدوان الحوثي.
ووفقًا للتقرير، فقد سبق وأن احتضنت مديرية مدغل آلاف النازحين من المناطق التي كانت قد هاجمتها مليشيا الحوثي في مديريتي مجزر ونهم المجاورتين، موضحاً أن إجمالي عدد النازحين في المديرية بلغ أكثر من 20000 نازح.
حصار وقصف

وفي الربع الأخير من 2020، افتتحت مليشيا الحوثي جبهات جديدة باتجاه محافظة مارب، وشنّت هجمات عسكرية على السكان في المديريات الجنوبية، ما أدى إلى تهجير آلاف الأسر من أبناء مديريات رحبة وماهلية والعبدية، ومن النازحين فيها.
وقال مسؤول المخيمات في الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين بمارب، لـ"الثورة نت" إن الاعتداء الحوثي على مديريتي رحبة وماهلية والقصف المدفعي والحصار الذي فرضته على السكان في تلك المديريات خلال نوفمبر 2020، أدى إلى تهجير 6697 أسرة من المديريتين.
رغوان.. نزوح إجباري

وتزامنت عمليات التهجير التي ارتكبتها مليشيا الحوثي بحق السكان والنازحين في مديريات مارب الجنوبية، مع اعتداءات شنّتها على المناطق السكنية وتجمعات النازحين في أطراف مديرية رغوان شمالي غرب محافظة مأرب.
وأوضح خالد الشجني، في حديثه لـ"الثورة نت" أن عدد الأسر التي هجّرتها مليشيا الحوثي خلال ديسمبر 2020، من أطراف مديرية رغوان، بلغ 560 أسرة.
وفي تقرير سابق، للوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين، فقد نزح قرابة 200 أسرة تضم مئات الأفراد، من مخيمات النزوح في رغوان جراء تعرضها للقصف الحوثي بالصواريخ.. موضحاً أن رغوان من أبرز المديريات التي احتضنت آلاف النازحين من مناطق القتال في مديريات مجزر ومدغل، حيث بلغ إجمالي عدد النازحين فيها أكثر من 20 ألف.
سنة جديدة.. ونزوح جديد

ومنذ مطلع العام الجديد 2021، بدأت مليشيا الحوثي هجمات عسكرية أكبر وأوسع في كافة الحدود الإدارية لمحافظة مارب، وكالعادة كانت مخيمات النازحين هدفاً للقصف بالصواريخ وقذائف المدفعية وكان تداعياتها أفدح وأكبر.
ويقول الشجني، لـ"الثورة نت" إنه خلال فبراير 2021، اعتدت مليشيا الحوثي بالسلاح والقصف المدفعي المباشر على 5 مخيمات للنازحين بمديرية صرواح، والتي تضم 1540 أسرة نازحة وقامت بتهجير غالبيتهم واتخاذ من تبقى منهم دروعاً بشرية.
جرائم مباشرة

وفي تقرير حديث للوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين، فإن فريق الحماية بالوحدة، رصد انتهاكات جسيمة ارتكبتها مليشيا الحوثي بحق النازحين في مديرية صرواح والتي تضم مخيمات (الزور- الهيال- الصوابين- لفج الملح- وادي العطف) فضلاً عن اعتداءات على مساكن المدنيين.
وأوضح التقرير أن مليشيا الحوثي استهدفت فجر الاثنين (8 فبراير) مخيم "لفج الملح" بالمدفعية وقذائف الهاون، ما أجبر (47) أسرة إلى مغادرة المخيم باتجاه ذنه الصوابين. مضيفاً أن المليشيا حاصرت بالنيران 3 أسر تعيلهن نساء لمدة 5 ساعات ومنعتهم من النزوح، قبل أن تتدخل وحدات من قوات الجيش الوطني لتفك عنهن الحصار وتساعدهن في الانتقال إلى أماكن أكثر أمناً. 
وفي يوم الأربعاء 10 فبراير 2021 استهدف الحوثيون تجمعات النازحين في مخيم الزور بعيارات 23 مل وبقذائف الهاون الأمر الذي أجبر (570) أسرة إلى مغادرة المكان باتجاه مدينة مأرب، وفقاً للتقرير. 
وفي اليوم التالي، عاودت المليشيا استهداف مخيم الزور بالعيارات الثقيلة والهاون بشكل مباشر وقطعت الخط الوحيد بالنار واستهدفت النازحين بشكل مباشر أثناء هروبهم من المخيم.
وبعدها بيومين تسللت عناصر حوثية مسلحة إلى منطقة الزور، وقامت بإحراق بعض المنازل وزرعت ألغاماً في منازل أخرى، وقامت بزرع عبوات ناسفة على الطريق المؤدي من وإلى المخيم.
وفي مخيم الصوابين والهيال، ذكر تقرير الوحدة التنفيذية أن مليشيا الحوثي استهدفت مخيم ذنه الصوابين بشكل مباشر بالمدفعية الميدانية والهاونات والعيارات الثقيلة، ما أدى إلى نزوح 450 أسرة إلى روضة صرواح. مضيفاً أنها منعت 470 أسرة من النزوح من ذات المخيم واستخدمتها كدروع بشرية وقامت بنشر أطقم وعتاد عسكرية وقطعت الطريق الوحيدة المؤدى من وإلى المخيم بالعيارات النارية، وقامت باستهداف النازحين أثناء خروجهم من المخيم بشكل مباشر، ما أدى إلى وقوع إصابات بين النازحين.
ووفقاً للوحدة التنفيذية، فإن قوات الجيش الوطني قامت بشق طريق استطاع من خلالها إخراج الأسر العالقة إلى أماكن أخرى آمنه في منطقة الروضة بصرواح، حيث تركت تلك الأسر كل ممتلكاتها ومقتنياتها المادية والشخصية لتنجو بحياتها، فيما لازال العديد من الأسر النازحة عالقة في حتى اللحظة بعد أن اتخذتها المليشيا الحوثي كدروع بشرية.
مواقف دولية متراخية

وبالرغم من هذه الجرائم الحوثية والمأساة الإنسانية التي أنتجتها، إلا أن مليشيا الحوثي ما تزال تحشد المقاتلين وتشن المزيد من الهجمات على مارب، وكل ذلك في ظل مواقف دولية وصفت بـ"المخزية" و"المتراخية" إزاء ما تتعرّض له محافظة مارب التي تضم أكثر من 2 مليون نازح، يتوزّعون في أكثر من 150 مخيماً وتجمعاً للنازحين.
وكان مجلس الوزراء قد عبر عن "خيبة أمله من المواقف الباهتة وتراخي المجتمع الدولي أمام إجرام وتصعيد مليشيا الحوثي الإيرانية على مأرب، واستهداف المدنيين واستخدام الأطفال وقودا لحربها".. لافتًا إلى أن "رد هذه المليشيات الاجرامية على دعوات السلام التي أعلنها العالم هو بمضاعفة إجرامها واعتداءاتها وخرقها للقوانين والأعراف الدولية".
وأكد مجلس الوزراء، في اجتماعه الدوري الأربعاء 23 فبراير، أن "السلام لا يُبنى في الفراغ، إنما له شروط وأسس، وفي كل مرة تثبت هذه المليشيات بأنها لا تعبئ بالسلام، ولا ترى في أي مبادرات سوى فرصة للمراوغة واستمرار غيها".