الرئيسية - الأخبار - في الذرى الخمسين
في الذرى الخمسين
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

عباس السيد – منذ توليه وزارة الإعلام ¡ كرر الأستاذ على احمد العمراني في أكثر من مناسبة رغبته في عدم استمرار وسائل الإعلام في انتهاج أسلوب جلد الذات في تناولها للتاريخ ¡ فمن غير المناسب أن نستمر في تعليق إخفاقاتنا وأخطائنا على شماعة النظام السابق أو النظام البائد في شمال الوطن أو في جنوبه ¡ قبل الثورة أو بعدها ¡ فالمؤتمر الشعبي والحزب الإشتراكي ونظام الأئمة ـ من وجهة نظر وزير الإعلام ـ هي أنظمة وطنية لها سلبياتها ولها إنجازاتها أيضا .. وجهة نظر الوزير لم تصدر في قانون أو لوائح لتطبق في المؤسسات الإعلامية الحكومية ¡ ولا تزال وجهة نظر ¡ ومع ذلك فقد وجد◌ِت لها هوى في نفسي ¡ فكانت أحد الاعتبارات التي راعيتها في إعداد هذا الملف . فالذكرى الخمسون لثورة السادس والعشرين من سبتمبر ليست مناسبة لجلد الذات أو محطة لاجترار الماضي ¡ ولكنها مناسبة لتسليط الضوء حول الأماكن والشخصيات التي كان لها تأثير في صياغة مسار التحولات التي قادت اليمن خلال الخمسين عاما الماضية .. إنها موعد لإظهار الوفاء والعرفان لمن بذلوا أرواحهم وأموالهم في سبيل أن نحيا حياة كريمة وغدا أفضل . وهي فرصة لتقييم المسار ومعرفة أين نجحنا وأين أخفقنا . وعندما كلفني الأستاذ عبد الرحمن بجاش رئيس التحرير ¡ بالسفر إلى تعز وإعداد ملف خاص بالمناسبة ¡ قدم لي بعض المحددات والإرشادات والنصائح .. أوصاني بالابتعاد عن النمطية والتكرار ¡ والبحث عن الجديد والمفيد ¡ والتركيز على ” المكان والزمان والإنسان ” .. شعرت بصعوبة المهمة لأنها أتت من الصحفي المتمرس والأستاذ في هذا النوع من المواد الصحفية ” صحافة المكان والزمان والإنسان ” فكان ذلك هو الاعتبار الثاني الذي ينبغي علي مراعاته . فعندما يكتب الأستاذ بجاش في التاريخ ¡ أو مقالا صحفيا عن أماكن وأشخاص وأحداث سابقة ¡ فإن موضوعه يتحول إلى ما يشبه الشريط الوثائقي المصور .. يرسم لك مخططا لمباني الشارع أو القرية قبل ثلاثة أو أربعة عقود ¡ ويحدد لك صفاتها وملكياتها ووظائفها ¡ ثم يقدم شخصياته وكأنه يكتب لك سيناريو لمشاهد تاريخية .. سيناريو لا يخلو من وجدان شاعر¡ وصدق يفضح الذات ¡ وذاكرة ضد النسيان .. وأنøى يكون لي مثل ذلك ! ومع ذلك قبلت المهمة . سافرت من صنعاء مع حلول الفجر¡ وكانت أمي في وداعي حتى الباب .. دعت لي بالسلامة ¡ وأن يفتح الله أمامي أبواب الرزق ¡ ورتلت قائمة طويلة من الدعاء وكأني ذاهب لفتح خيبر .. ثم حاولت دس بعض من نقودها المطوية كالفتيل في جيبي ¡ وبصعوبة أقنعتها بعدم الحاجة ¡ فانهالت علي لثما وتقبيلا للمرة الثالثة وكأنه الوداع الأخير . وعندما عدت في اليوم العاشر إلى صنعاء ¡ كانت أمي عاجزة عن الكلام والحركة إثر جلطة دماغية أصابتها بعد سفري بثلاثة أيام .. فقدت القدرة على الكلام والحركة ¡ ولكنها لم تفقد القدرة على التقبيل .. لم تفقد ” حمامة ” حاسة الحنان والعطف والحب .. وهي التي وضعت السم لفأر أرقها في منزلها ¡ ولمøا رأته يتخبط ¡ رق قلبها وسارعت بإحضار الماء لإنقاذه ¡ وبعد أن شرب وأستعاد عافيته ¡ عاد إلى جحره بسلام ¡ وصارت الحكاية مثلا في القرية .. ذات يوم ¡ صحت من نومها عند الفجر لتجدني ساهرا ” كالعادة ¡ أكتب أو أقرأ أو أمام جهاز الكمبيوتر” فوضعت كفيها على كتفي ¡ وجثت على ركبتيها ثم ولولت باكية : عيال الناس يشتغلوا للظهر واني عيالي يشتغلوا ليل ونهار !. أخبرت أخي محمد بالحكاية ¡ فقال : لو أنها رئيسة للوزراء لصرفت لنا الكادر على طول. الشكر الجزيل للدكتور على عبده محمد الصبري ومستشفى الشرطة الذين منحوها فرصة للعلاج وأملا للشفاء بإذن الله . سامحيني يا أمي .. سامحيني يا حمامة ¡ وأنت أيها القارئ الكريم .

[email protected]