الرئيسية - عربي ودولي - شطر السودان والرقص على حافة الهاوية !
شطر السودان والرقص على حافة الهاوية !
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

تحليل| عبدالملك السلال – الوضع بين دولتي السودان بمثابة الجمر المدفون تحت الرماد ما أن يهدأ حتى يثور مرة أخرى وذلك بفعل انفصال الجنوب الذي أدى إلى نشؤ وضع جيو سياسي جديد أغفلت وأهملت فيه ترتيب مناقشة كافة القضايا المتعلقة بالوضع النهائي بما فيها ترسيم الحدود وتحديد ملامح خريطة الفصل السياسي والديمقرافي . وتجاهل الطرفان المعنيان التحذيرات من مغبة هكذا وضع والذي سليتهب عاجلا أو آجلا وسرعان ما اندلعت مواجهات مسلحة بين السودان وبرزت على السطح صراعات على تقاسم النفط والثروة وغيره من الإشكالات المتعددة الآمر الذي اجبر شطري البلدين تحت وطأة الضغط الاممي إلى طاولة الحوار لتسوية المشاكل العالقة .. لكن أزمة الثقة بين الجانبين أفشلت جولات التفاوض وبقي الاحتقان الحد ودي سيد الموقف ونتيجة لذلك وصل اجتماع أديس أبابا الذي جمع الرئيسين عمر البشير وسيلفا كير في أواخر الشهر الماضي إلى طريق مسدود وهو الاجتماع المناط به مناقشة الترتيبات المتعلقة بقرار مجلس الأمن 2046 واتفاقية 5 يناير 2013م) ووقف تدهور العلاقات بين الخرطوم وجوبا منذ وقف تصدير النفط في أبريل 2012م واندلاع النزاع المسلح حول منطقة “هجليج” ليضيف للقضايا المعلقة والمعقدة مشكلة جديدة. أزمة ثقة لم تستطع اللقاءات المشتركة أو اجتماعات البشير وكير في أديس أبابا وكذلك الوساطة الدولية التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا الحيوية بين البلدين في مرحلة ما بعد انفصال الجنوب مثل: الترتيبات الأمنية وترسيم الحدود وملف منطقة “أبيي” .إذ إن تلك القضايا لم تشكل فقط محددا للعلاقة بين الدولتين بل إنها تحدد ملامح الدوليين وكيفية السيطرة على مواردها وتعريفها وفقا لحدود دولية معترف بها. ومن ثم فإن غياب التعريف الواضح لدولة الجنوب سوف يظل واحدا من عوامل القلق والتوتر خصوصا في ظل تشابك وتعقد كل الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية. ويفسر فشل الاجتماعات المشتركة والمفاوضات المكوكية بين شطري السودان انعدام الثقة والغموضحيثْ ظلت المقترحات محكومة بإطار تقاسم السلطة والثروة بالشكل السابق على الانفصال وهو ما أدى لاهتزاز أرضية التفاوض والمتعلقة خصوصا بمرجعية تعريف الحدود وتحديد ملامح خريطة الفصل السياسي والديموجرافي بين الشمال والجنوب والتي يتم على أساسها تخصيص الموارد السياسية والاقتصادية ووضعها تحت سيادة أي من الدولتين. وبشكل عام يشهد تنفيذ الاتفاقات حالة من التباطؤ الشديد وهذا لم يقتصر فقط على تجاوز الآجال التي حددها القرار 2046 ولكنه امتد أيضاٍ لآثار الاتفاقات بما فيها اتفاق 5 يناير 2013م حيث كان من المقرر وضع جدول زمني بحلول 13 يناير الماضي. غير أن اللجان لم تجتمع لمناقشة طرق التعامل مع مقررات الاتفاق والتي تتناول مسائل حيوية وخصوصا ما يتعلق بوضع ترتيبات إدارية وأمنية مؤقتة في “أبيي” وفقا لمقترح الاتحاد الإفريقي (27 سبتمبر 2012م) وتشكيل مجلس تشريعي تسند رئاسته لـ”المسيرية” وإسناد الخدمات الأمنية لـ”الدينكا نجوك” فيما يجري التفاوض على الترتيبات النهائية الخاصة بالاستفتاء على تبعية المنطقة فضلا عن فك الارتباط بين جناحي الحركة الشعبية في الجنوب والشمال. نفق الخلافات المظلم تعكس الخلافات المتعلقة بسياسة تصدير النفط الذي يشكل المصدر الرئيسي لموارد جنوب السودان واحدة من الإشكاليات المتعلقة بالخلافات على تقسيم الثروة بين السودانيين إذ كان من الطبيعي أن يتم تحديد رسوم المرور وفقا للاتفاقية بين الشمال والجنوب أو الأعراف الدولية. لكن غموض مفاهيم تقاسم الثروة والخلاف حول ترسيم الحدود وتعيينها وفقا لاتفاقية السلام الشامل شكل واحدا من أهم أبعاد الأزمة السياسية بين الدولتين كما مثل تحدياٍ رئيسياٍ لتعريف محتوى انفصال أو استقلال “جنوب السودان” حيث يشهد كثيراٍ من السيولة الفكرية والإدارية بشكل يعوق الوصول لحلول حاسمة لكثير من المشكلات. تدويل الازمة السودانية ومثل الدور الدولي عامل استمرار في تشكيل العلاقة بين الأطراف السودانية. فبعد انفصال الجنوب أصدر مجلس الأمن القرار رقم 2046 في ? مايو ????م وفقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وقد أشار القرار ( فقرة 5 ) إلى الانتهاء من المفاوضات بحلول ثلاثة أشهر من صدوره وبعدها تباشر الأمم المتحدة نتائج التفاوض واتخاذ ما يلزم تجاه تنفيذها وتضمن آلية لتقييم التقدم بالمفاوضات لكنها ظلت غير فاعلة ولم يتم الأخذ بها خلال الشهور الماضية وهذا ما يثير التساؤل عن احتمال التدخل الدولي في ظل تعثر المفاوضات بين الدولتين وقيام مجلس الأمن باتخاذ تدابير إضافية بموجب المادة ?? من ميثاق الأمم المتحدة. وتجاوزت المفاوضات رغم الإطار القانوني الملزم فترة الأشهر الثلاثة لتمدد حتى 31 يوليو 2013م لأجل الوصول للصيغ التنفيذية للاتفاقات الموقعة بين الأطراف المختلفة. رافقه تباطؤ ملحوظ لتنفيذ الاتفاقيات تزامن مع تزايد التوتر السياسي داخل الدولتين سواء لأسباب اقتصادية أو سياسية ناهيك عن غياب مسار استراتيجي واضح للمفاوضات. غير أنه رغم تجاوز أجل الانتهاء لم تتحرك الأمم المتحدة لاتخاذ تدابير وفقا للقرار وقد يرجع ذلك للطبيعة المعقدة للصراع الداخلي في السودان وحالة عدم الاستقرار الإقليميومع ذلك تم طرح امكانية دعم المعارضة كحل بديل للعقوبات والإجراءات الرسمية من قبل مجلس الأمن. ويرى الكثير من المراقبين أن القرار 2046 يعيد استنساخ فترة الحرب الأهلية والنظرة الثنائية لدى أوروبا والولايات المتحدة عن الحرب والصراع بين الشمال والجنوب والتي سادت الأدبيات الغربية خلال حقب ما بعد استقلال السودان حيث يشير بشكل خاص لـ” الحركة الشعبية – الشمال” التي كانت جزءا من “الحركة الشعبية قبل انفصال الجنوب دون أطراف المعارضة الأخرى. وإذا كان هذا التناول مفهوما في سياق تناول الأزمة على أنها صراع بين الجنوب والشمال قبل الانفصال فلا يعد مفهوما تناولها كطرف مناظر لحكومة السودان وتقديمها للاتحاد الإفريقي و”الإيجاد” كطرف مفاوض بعد انفصال الجنوب. وتتلاقى هذه التوجهات مع مطالبة وفد “الحركة الشعبية – الشمال” للأمم المتحدة بتوحيد منبري دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق تحت مظلة القرار 2046. وبهذا المعنى تسعى الحركة الشعبية وبدعم من الولايات المتحدة لصياغة ترتيبات سياسية تجعلها محور المعارضة للحكومة السودانية كما تسعى في الوقت ذاته لتدويل الأزمة السودانية عبر المشاركة في أعمال مجلس الأمن وطرح مطالب المعارضة في مناطق الصراع. هذه الصياغة تعطي ميزة لجنوب السودان والحركة الشعبية- الشمال حيث أن تعثر المفاوضات يزيد من تدويل قضايا الصراع الداخلية وبالتالي يضعف المركز السياسي والقانوني للسودان نظرا لاعتبار الحركة الشعبية ـ الشمال طرفا رغم عدم وضوح وضعها القانوني وكيفية التزامها بالقرار 2046 أو امتناعه عن تنفيذه وهذا ما يثير تبعثر المسئولية السياسية وعدم تماثلها بين الأطراف المختلفة مما يرفع من فرص استمرار الأزمة الممتدة لدولة السودان ويكشف عن أن انفصال الجنوب لم يكن حلا لها.وبغض النظر عن الجدل السياسي حول القرار والاتفاقات بين السودانيين ومسارها السياسي فإن التعامل الدولي مع هذه القضايا يدفع السودان نحو أزمة سياسية خاصة في ظل تعثر المفاوضات مع جنوب السودان واتساع نطاق المعارضة في الشمال وضعف فرص حدوث اختراق لمسار التفاوض في مدى زمني تجاوز الأشهر الثلاثة بكثير.